الجمعة، 24 أبريل 2015

قراءة في كتاب "الإسلام بين الدعوة والدولة" لمرشد جماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين

للكاتب محمد أفقير
أستاذ باحث في تاريخ الإسلام وحضارته (المغرب)
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين

افتتح الشيخ عبد السلام ياسين (ت2012م/ 1434هـ) مرشد جماعة العدل والإحسان بالمغرب مؤلفاته العلمية والدعوية بكتاب "الإسلام بين الدعوة والدولة" سنة 1972م، ومن بعده كتاب "الإسلام غدا" في العام 1973م، هذين الكتابين وضعا أسس ومنطلقات "مدرسة المنهاج النبوي"، ثم كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" سنة 1981م الذي يمكن أن يوصف بأنه "منهاج جماعة العدل والإحسان".
              وشرع، منذ كتابه الأول، في تأسيس منظومة مفاهيمية واجتهادية ومنهجية خاصة، مستنبطة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وظف الشيخ مصطلحات قرآنية ونبوية ليعزز بها "نظرية المنهاج النبوي"، وكررها في كل كتاباته ليستغني بها عن المصطلحات الحادثة، وإن كانت شائعة في التداول الفكري الإسلامي، لتحرير الفكر وتأصيله وشحنه بما يناسب من عبر التاريخ الإسلامي وتحفيزه على الاجتهاد بما يوافق العصر، ويستدعي المصطلحات المعاصرة عند المناقشة والتحليل والنقد ليعيد تفكيكها وتعريفها. ومن تلك المصطلحات: "التجديد" الحداثة" العلمانية" اللائكية" وكذلك "الدعوة" و"الدولة" و مصطلح "المنهاج" وهو أبرزها.
              وبناء عليه، نستهل هاته القراءة بالأسئلة التالية: ما المفهوم الذي يقدمه الشيخ لمصطلح الدعوة ومصطلح الدولة؟، وما وظيفة كل منهما؟، وما العلاقة بينهما؟، وما واقعهما اليوم؟، وما العلاقة التي ينسجها بين الدعوة والدولة؟، وماذا يقصد بالمنهاج النبوي كمصطلح جوهري في منظومته الفكرية وكنظرية للتجديد؟. وقبل الشروع في استكشاف المضامين نلقي إطلالة على تصميم الكتاب.
·       تصميم الكتاب
              في عام 1392هـ صدر عن مطبعة النجاح بالدار البيضاء كتاب "الإسلام بين الدعوة والدولة - المنهاج النبوي لتغيير الإنسان" للشيخ ـ الواعد آنذاك ـ عبد السلام ياسين، وقد جاء في 474 صفحة من الحجم المتوسط، وهو متفرع إلى جزأين:
·       الجزء الأول: "المنهاج" اندرجت تحته فصول ومباحث عناوينها كالتالي:
- حامل الرسالة - تجديد الدين - تحرير العقل والإرادة - جماعة لا مجتمع - السمت الإسلامي - التؤدة الإسلامية - الاقتصاد الإسلامي - الجهاد في سبيل الله - أعبدة تتحرر.
·       الجزء الثاني: "من الظلمات إلى النور" تحته فصول ومباحث عناوينها:
- من الظلمات إلى النور - جاذبية الأرض - كنزنا الضائع - مقاصد الإسلام - دين ماركس - العلم والإيمان - معرض المثلات - عبد الطاغوت - مجتمع الكراهية - حضارة تحتضر - جنة الشيوعية - الذي أخلد إلى الأرض - المهدية - الترف - الدعوة الإسلامية المعاصرة - رجال التبليغ-  المودودي - أبو الحسن الندوي - سيد قطب - التلفيق الحضاري - الدرس - التجربة الشخصية - الرسول الكريم وصحبه - المتبوع المقدم - طريق الوصول - المدد الفائض - الفتح الأكبر - طريقتنا الإسلام - البناء - الصحبة الأواصر - الكرامات والتجليات - لئلا تأتم قلوبنا - أولياء الله - بهاء القربة - السعادة القصوى - استكشاف الحق - علم الأولياء - أين الباب - لقاءات تاريخية - همة عالية - رجال الرباط - صلاح الدين - بقية الخلفاء الراشدين - أما بعد - التوحيد والإسلام السياسي .
·       السياق التاريخي للكتاب:
              تعيش الأمة - في التاريخ المعاصر - مرحلة صعبة بسبب التخلف والجور المفضيان إلى الاستسلام لمقولات التغريب وواقع التجزيئ الاستعماري، خلاصة تلك المقولات وذلك الواقع الفصل بين الدين والسياسة، بين الدعوة والدولة.       
              عملت أجنحة الكيد للإسلام - الداخلية والخارجية – على الترويج للعقلانية والحداثة والفلسفة المادية وإبعاد الدين عن الحياة، وتصويره على أنه يخالف العلم والتطور والحرية وغيرها من الشعارات. والحقيقة أن أجنحة المكر تلك استطاعت خداع الكثيرين واستقطاب الشباب المسلم إلى مذهبها وتجنيدهم لمواجهة الحركات الإصلاحية الدينية، خاصة تلك التي تدعو إلى بناء دولة إسلامية على غرار دولة الخلافة الراشدة. وفي هذا الخضم برز ثلة من العلماء والمفكرين والفلاسفة المصلحين المعارضين لمسالك التغريب والمادية، الداعين إلى التوفيق بين الوحي والعقل وبين الدعوة والدولة، وأكثرهم تأثيرا الشيخ عبد السلام ياسين صاحب مشروع "المنهاج النبوي لتغيير الإنسان".
              في سنة 1972م صدرت الطبعة الأولى من كتاب "الإسلام بين الدعوة والدولة"، وهو العام الذي ألف فيه، وكان قد شارف 44 سنة بعدما أمضى "6سنوات في الزاوية البوتشيشية، في صحبة الشيخ الحاج العباس بن المختار وابنه الشيخ حمزة من بعده. ثم كان تحوله الفكري نحو الجمع بين التربية والجهاد[1] ليترك المنهج الصوفي التربوي الخالص لفائدة الجمع بين الحقلين التربوي والسياسي. ويخوض المعركة الفكرية الكبرى بجرأة أكبر في السبعينيات – سنوات الرصاص بالمغرب - ولما كان الشيخ يخشى على إخوته في الزاوية بأس السلطة السياسية، فقد كتب رسالة محبة وتبرئة إلى الشيخ حمزة، قال عن هذا الموضوع: "لما عزمت على أن أقول كلمة حق عند سلطان جائر، فأكون مع سيد الشهداء إن شاء الله، خشيت أن ينالهم سوء بموقفي هذا، فكتبت رسالة إلى الشيخ سيدي حمزة. قلت له: يا أخي، إنني كنت في الزاوية...أحسن الله إليكم، وأنا أخاف أن تؤذوا من جانبي، فأنا أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"[2]
·       قراءة في العنوان:
              العنوان لا يعبر عن فكرة الكتاب بشكل مباشر لا يقبل التأويل، فهو يحفز على طرح تساؤلات حول المضامين، لأنه أقرب إلى الإشكالية منه إلى الفكرة العامة. "الإسلام بين الدعوة والدولة" عنوان إشكالي يولد العديد من الأسئلة التي تبحث عن إجابة من قبيل: هل الإسلام دعوة ودولة؟ ما واقع الدعوة؟ هل للإسلام دولة؟ ما العلاقة بين الدعوة والدولة؟.
العنوان - أيضا - فيه إيحاء بأن الإسلام يتجاذبه طرفان. الطرف الأول: الدعوة و الطرف الثاني: الدولة. فلنقف مع مفردات العنوان:
الإسلام: يطلق لفظ الإسلام على الرسالة الخاتمة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، الرسالة الشاملة للدين والدنيا.
الدعوة: رأى الشيخ عبد السلام ياسين(ت2012م/ 1434هـ) أن الدعوة تختزل كل وظائف الهداية لتحقيق ما أراد الله للناس من سعادة في معاشهم، ومعادهم، باستقامتهم على شريعته فرادى وجماعة، كان يحملها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بما أمدهم الله من نور، ويحملها من بعدهم الدعاة العلماء العاملون([3]).
الدولة: لا يجد القارئ-في الكتاب- تعريفا مباشرا للدولة على غرار تعريفات فقهاء القانون. لكن يفهم أن المقصود من هذا المصطلح ذلك الكيان السياسي الذي يترأسه ملك أو رئيس أو "خليفة" أو سلطان يوجه الفعل السياسي بمقتضى القانون في زمان معين ومجال محدد.  أو قل هي الكيانات السياسية المتعاقبة على الحكم في البلاد الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي بداية من دولة الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت فيها الدعوة والحكم شيئا واحدا، ودولة الخلافة الراشدة القائمة على أساس البيعة والاختيار الحر. ودولة الحكم العاض والجبري ابتداء من الدولة الأموية إلى الدول القطرية بالعالم الإسلامي اليوم.
المنهاج النبوي: يمكن القول أن المنهاج النبوي في فكر الشيخ وجماعة العدل والإحسان هو برنامج تربوي سياسي للفرد والجماعة هدفه إدراك الفرد لمقام الإحسان والإعداد للخلافة الموعودة على منهاج النبوة. ذلك البرنامج عبارة عن "خصال عشر  تكون منهاج تربية داخل الجماعة، وهي في نفس الوقت منهاج عمل شامل لأمة منبعثة عزم الله لها أن تنبذ لباس الجاهلية وتتحلى بحلة الإسلام"[4]. وتلك الخصال العشر هي: الصحبة والجماعة، الذكر، الصدق، البذل، العلم، العمل، السمت، التؤدة، الاقتصاد والجهاد[5].
تغيير الإنسان: نظرية المنهاج النبوي عند الشيخ تنطلق من فرضية مفادها أن رسالة الإسلام جاءت منهاجاً كاملاً تحمل مشروع تغيير، يستهدف الإنسان والمجتمع والعالم. من هذا المنطلق أعد برنامجا عمليا للتربية الروحية والسلوكية والسياسية للفرد لاقتحام العقبة أو العقبات لإقامة الدين. جاء في كتاب المنهاج النبوي: "اقتحام العقبة بالنسبة للفرد المؤمن جهاد لنفسه كي تستقيم على طاعة الله، وجهاد مع المؤمنين المتواصين الصابرين المتراحمين لإقامة دين الله في الأرض. وبالنسبة لجند الله المنظمين فإن اقتحام العقبة جهاد تربوي وتنظيمي وميداني ومالي وقتالي وسياسي حتى تقوم دولة الإسلام الخليفية على منهاج النبوة"[6].
·       تقديم وجزآن:
              يستهل الشيخ كتابه بتقديم من أربع صفحات، يبدأه بفكرة عامة تختزل "مشروعه الفكري الإصلاحي" منطلقا من واقع قائم يحتاج إلى تغيير. سارع أولا إلى إشهار "سيف النقد" في وجه قادة العالم الإسلامي - دون مواربة - منتقدا فكرهم المادي المنشغل - كليا - بالمشاريع الاقتصادية المغيب - كليا - للدعوة قال: "في دار الإسلام قادة منصرفة هممهم إلى "الخطة الاقتصادية" و"التصميم" و"المذهب"، والثروة والموارد، تريد تغييرا فرضته حالة الأمة الإسلامية المتأخرة... وهم لا يسألون عن الخطة والمذهب والتصميم الكفيلة بتغيير الإنسان"[7].
ثم يعلن - دون إبطاء - في أول جملة من الفقرة الثانية من التقديم عن موضوع الكتاب ومشروع التغيير: "وموضوع كتابنا هو تغيير الإنسان تغييرا إسلاميا على المنهاج النبوي"[8]. ويصرح - بكل وضوح - بمعالم التغيير ومنهاجه وآلياته: "داؤنا يصفه الإسلام ودواؤنا بين أيدينا في كتاب ربنا وسنة نبينا، ولا مجد لنا بقوميتنا ولن يكون. داؤنا الجاهلية، ودواؤنا التربية الإسلامية على المنهاج النبوي بالسمت الإسلامي، والتؤدة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي. بالرفق لا بالعنف وبالجهاد.. لا بالانقلابية.."[9].
·       مصادر الكتاب:
              كعادته الشيخ عبد السلام ياسين لا يذكر المراجع والمصادر في الهوامش إلا نادرا، ينقل من بعض المراجع ويذكرها في المتن. ومثاله: "قال لاكوتير في كتابه: "عبد الناصر" ص.202 من الطبعة العربية يروي...الخ. يستشهد بالقرآن الكريم دون أن يذكر الآية ورقمها على خلاف عادته، و يستشهد بالحديث النبوي الشريف، يخرج الأحاديث تارة ويتركها تارة أخرى. ينقل النصوص الطويلة من مراجعها، عند الحاجة، ذلك أنه يرى بأنه غير ملزم بالقيود المنهجية الأكاديمية. يقول في كتاب الإحسان: "...خرقا للمنهجية الأكاديمية التي تأبى أن تسرد النصوص الطويلة. لست من قيس ولا قيس مني"[10].  

·       الجزء الأول: المنهاج
·       المبحث الأول: حامل الرسالة
              يفتتح الأستاذ الجزء الأول بمبحث تحت عنوان: "حامل الرسالة". يروي فيه قصة "ربعي بن عامر" مبعوث القائد المجاهد "سعد بن أبي وقاص" إلى رستم قائد الجيوش الفارسية قبيل وقعة القادسية، الرجل المجاهد صاحب العزيمة والهمة، الذي حير رستم بجرأته وحسن بيانه فاعترف لبطانته فقال: "هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟"[11]. يروي القصة بطولها لينعي في أول تعليق على القصة حال المسلمين اليوم قال: "تدحرج المسلمون من عزهم الشامخ، الممثل في شخص مبعوث سعد، إلى مواطئ الأقدام...ذهبت تلك الشهامة..سقطت الهمم من سامق عزها..."[12].
ويخلص بعد نقد الواقع وتحليله إلى أن نقطة البدء لصناعة رجال من طينة "ربعي" تكمن في "وسائل العمل الإسلامي" "التي لا يعرفها حتى علماء المسلمين ومفكروهم"؟؟؟[13]. ويطرح سؤالا مركزيا ويفرعه إلى شطرين:
·       "كيف نخرج بالمسلم من إسلامه الفردي ليصبح عضوا في جماعة المسلمين؟
·       وكيف نحرر المسلم وكيف نعبئ جماعة المسلمين ليصبحوا حملة رسالة؟"[14].

·       المبحث الثاني: تجديد الدين
              ينتصب "تجديد الدين" كمبحث رئيسي في الكتاب ليفصح عن معنى التجديد ومن المجدد؟. يثير الشيخ نقطة البدء في حركة الإسلام الأولى "ألا وهي لقاء الإنسان بنور الهداية في شخص حامل الهداية"[15]. وبروز "ظاهرة الاهتداء المفاجئ"[16].
              يؤكد الأستاذ أن المحرك الأول للإسلام كان هو: "الطاقة..النور..المغناطيس الروحي للداعي الأكبر صلى الله عليه وسلم"[17] وأن المحرك الأول للدعوة اليوم هو تلك المغناطيسية وذلك النور والطاقة التي لدى "العالم الوارث الصادق التابع للرسول على بصيرة" مستدلا بقول الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[18]. وقول الرسول الكريم: "العلماء ورثة الأنبياء". وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"[19].
ويقف منظرا إلى قانون يتطلبه المنهاج هو ثنائية الدعوة والحكم.. ثنائية الدعوة والدولة.. ليتحمل المجدد وظائف الهداية والقائد المجاهد وظائف الجهاد[20].
·       المبحث الثالث: تحرير العقل والإرادة.
              يستهل الأستاذ المبحث بالسؤال الوجودي التالي: "من أين جاء الإنسان وإلى أين يذهب؟"[21]. ويعرج على أراء الفلاسفة ورجال السياسة الذين أضناهم البحث عن ماهية الإنسان. ويفسر كيف أصبح العقل سجينا للعقلانية "أي المنظومة الفكرية المنطقية التي صنعها العقل" فانتهى إلى أن "الوجود عبث"[22]. وأن الإنسان حيوان متطور له حاجات ويتحرك بحوافز[23]. ثم ينتقل إلى الساحة الفسيحة التي تفصل بكل بساطة فلسفة الوجود والحياة والبعث والحساب، تلك هي ساحة الإسلام التي ترفع الإنسان إلى رحاب أوسع تحرره من قيود المادة وسجن الدهرية. يعتبر أن "الإسلام حرية للإنسان، يسمو به إلى قيمة كونية، ويعتقه من بخس نفسه مقامها بالتردي في المادة... الإسلام يعطي العقل حلا لسؤاله عما بعد الموت ويعطيه معها حافزا يدفعه لتحقيق هدفه، فالإسلام حياة وحرية..."[24]. لكن أي إسلام ذلك الذي يقصد؟ هل ذاك الذي هو في طيات الصحف والكتب الدينية؟ "فليس في الكتب والصحف إلا وصف للإسلام"[25]. الإسلام عند الأستاذ سلوك وتربية ودعوة يتولاها "الدعاة المتبعون.. أهل العلم والنور..الأخيار..الذين حث النبي صلى الله عليه وسلم على صحبتهم"؟[26].
·       المبحث الرابع: جماعة لا مجتمع
              يبرز الأستاذ تحت يافطة "جماعة لا مجتمع" ضغط الحضارة وثقلها على المجتمعات العصرية، وما نتج عنها من "علاقات جافة قوامها العقود القانونية والحقوق المتنازع عليها"[27] وضعية استنفرت علم الاجتماع ورجال الفكر لبحث سبل توثيق وتمتين الصلات بين الناس، وبناء مجتمع مترابط مجتمع المحبة والألفة على أنقاض مجتمع الكراهية والاستغلال والمادية "وهم يعبرون عن هذا المجتمع المنشود باسم "جماعة" عوض اسم "مجتمع"[28]. ويقدمون في سبيل ذلك "حوافز مادية محضة" لإحداث التغيير على شكل شعارات لها بريقها وسلطتها على العقول من قبيل "الحرية..العدل..الشيوعية..القومية..التحرر..."[29] ويعتمدون "وازع السلطة والعقاب"[30] للتوجيه والإخضاع والاستقطاب. يرى الأستاذ أن "الذين ينشدون جماعة لتحل محل المجتمع إنما يتعلقون بمحال"[31] لحقارة الحافز وجسارة الوازع.
              إن الجماعة عند الأستاذ "بناء عضوي قائم على التساند والتضحية.."[32] ومثالها الحي في "الجماعة الإسلامية..الجماعة العضوية.. كما عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه"[33].

·       المبحث الخامس: السمت والتؤدة والاقتصاد الإسلامي.ص.108.
              كعادته في المباحث السابقة يستهل الأستاذ مبحثه بنقض الفكر الفلسفي والفكر السياسي وفلسفة التاريخ، التي "تضع الإنسان في خط تطوري أرضي بحث"[34]. ويصفها بالجاهلية ويعدد خصائصها:
1-"الجهل بالخالق..والجهل بقيمة الإنسان، والحكم بغير ما أنزل الله..
2-والجهل المناقض للحلم..
3-وميزة التكاثر والمادية.."[35].
              ويقرر في وضوح تام أن الإسلام هو نور للحياة ومصدر لسعادة الإنسان، أما الجاهلية فظلمة وشقاء. ويلتمس انبعاثا إسلاميا يحرر الإنسان ويعيده إلى الفطرة، ويلتمس عملا إسلاميا – منهاجيا - أبرز معالمه:
-السمت: أي السمت الإسلامي ويعني: "العزة والنزاهة والحسن..والرفق في المعاملة والحيلة للصلح والمصالحة بين الدوافع المصلحية المختلفة"[36].
-التؤدة: أي "المعالجة بالرفق والصبر وعدم العنف"[37]
-الاقتصاد: الذي يحقق الكرامة ويلبي الحاجيات بالعدل من خلال "صرف الموارد في وجوهها وعدم تبذيرها...والصمود إلى الهدف لئلا نهبط إلى مستوى عالم التكاثر"[38]
              ولقد أثل الأستاذ مقالة حول ذلك المنهاج العملي جاء فيها: "والأمة المسلمة المتحررة تهتدي بالنور الذي أنزل إليها، فلها سمت، وفي عملها تؤدة، ولها قصد لا تزيغ عنه. السمت الحسن يميزها عن الاضطراب الجاهلي، والتؤدة أسلوبها في معالجة الفتنة، والاقتصاد ملاك حياتها المادية"[39]
·       المبحث 5: الجهاد في سبيل الله
              تمثل ورقات هذا المبحث مرجعا هاما لتصحيح وتحرير مفهوم الجهاد. يعرف الأستاذ الجهاد في مستهل المبحث بأنه: "العطاء الذي لا ينقطع للثمن الذي بايعنا الله على أدائه نظير ما يذخره لنا في دار الجزاء"[40] ويصف مفهوم الجهاد العالق بالأذهان الذي يختزل في قتال العدو الكافر ب"المعنى الجزئي"[41] وبمنطق فقه الموازنات والأولويات يرى أن جهاد المرحلة - مرحلة الاستضعاف - هو: "جهاد بناء أمة منهزمة مشتتة وليس جهاد قتال"[42] ويقصد بالبناء، الإنتاج الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي والبحث العلمي والتصنيع التكنولوجي والإعداد العسكري. لتقدم الأمة النموذج لجميع الأمم وتكون بذلك قد بلغت الإسلام أحسن تبليغ. "وتأتينا الأمم لتسأل عن سر أمننا الاجتماعي وأخوتنا ورخائنا" يقول الأستاذ[43]. لأن الجهاد جهادان "أحدهما هو الأكبر وهو جهاد النفس لأن من شحها وأنانيتها جاءنا الخلل والفشل"[44] .
وفي تعريف "سبيل الله" يخلص بعد تقصي آيات الله إلى أنه يعني: "حمل الرسالة وتبليغها" أي أن "كل جهد بالمال والنفس لتبليغ رسالة الله فهو في سبيل الله"[45]
·       المبحث 6 : أعبدة تتحرر
              يختم الشيخ الباب الأول بمبحث تحت عنوان " أعبدة تتحرر" - وأعبدة مرادف لعباد - يفتتحه بما بدأ به المبحث الأول "حامل الرسالة" بالتذكير بقصة الرجل المتحرر من عبودية الخلق "ربعي بن عامر" كأنه يذكر أن المنهاج - دوما - عودة إلى الأصل، إلى عصر النبوة، عصر تجربة الكمال البشري، ليستفز الفكر والعقل بمفهومه القرآني للتساؤل عن سبل عودة الأمة إلى ما كانت عليه من صفاء الإيمان واستجماع العزم؟ عن المنهاج الذي ربي عليه ربعي وأمثاله؟. ويطرح بين يدي القراء تجربة تربوية -على المنهاج النبوي- هي تجربة سيدنا سلمان الفارسي والمقصد "عساهم ينبعثون في طلب الحقيقة كما انبعث سلمان. الذي لقي النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وصحبه ودخل في الجماعة المجاهدة"[46] .

·       الجزء الثاني: من الظلمات إلى النور
·       المبحث 1: من الظلمات إلى النور
              يفتتح الأستاذ الجزء الثاني بمبحث تحت عنوان "من الظلمات إلى النور". يلخص الأستاذ في هذا المبحث "المنهاج الإسلامي" الذي بثه في الجزء الأول من الكتاب في خصال عشر[47]. وهي:
1-     الصحبة والجماعة: صحبة الأخيار أهل الدعوة الصادقين، تنقل المسلم من إسلامه الفردي إلى الإسلام الجماعي.
2-     الذكر: الذكر هو الطاقة المركزية في المنهاج، لأن النفس تتزكى فتوتي الإيمان وتتيقظ الروح، والذكر على يد شيخ مرب عارف بالله أنجع الوسائل للتيقظ الروحي والعروج في معارج الإيمان والإحسان.
3-     الصدق: صفات الصدق كما جاءت في الحديث النبوي الشريف:
-        صدق الحديث.
-        الوفاء بالعهد.
-        عدم خيانة الأمانة.
4-     البذل: بذل المال والنفس والمودة والنصيحة بسماحة ونشاط وشجاعة.
5-     العلم: العلم علمان: علم منجي: علم الشريعة. وعلم دنيوي: اكتساب العلوم والنظم الإدارية والتكنولوجيا.
6-     العمل: العمل العبادي الصالح المخلص لوجه الله..المنتج..الدائب.
7-     السمت: سمت المؤمن..سمت الجماعة..سمت العمل الإسلامي المتميز عن صور العمل الجاهلي وتفكير العقلية الجاهلية.
8-     التؤدة: الأناة والصبر وتحمل الأذى..ومعالجة الدعوة إلى الله بلا عنف، بالرفق النبوي..بالرحمة..بهذه الصفات يتميز الإسلام عن الجاهلية العنيفة.
9-     الاقتصاد: إعداد القوة المادية والسلاح وتوزيع الأرزاق توزيعا عادلا. وعدم الزيغ عن الآخرة.
10-الجهاد: بذل الجهد لتكون كلمة الله هي العليا، والتفوق في جميع الميادين لتحقيق انبعاث الأمة وإعطاء النموذج الإسلامي الإنساني لجميع الناس في العالم.
              هاته "الخصال العشر" تؤكد على المحتوى العلمي والعملي والروحي والحركي للمشروع الإسلامي. فالأستاذ ياسين يرى بأنها كفيلة بالآتي:
- إخراج الإنسان من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام،
- تحريره من جاذبية القيم الأرضية،
- تحقيق صلة العبد بالله،
- تحقيق مقاصد الإسلام: صيانة الدين، صيانة الدماء، حفظ الأموال، حفظ الأعراض، وحفظ العقل.
- بناء فكر إسلامي فعال يلامس الواقع ويعالجه بعقل ناقد مفتوح وطمأنينة المومن[48].
-التوفيق بين العلم والإيمان[49].
·       المبحث 2: معرض المثلات
              مثلات جمع مَثُلةٌ وهي العقوبة والتنكيل. ولقد وردت الكلمة في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: "ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات"[50].
والمثلات في الآية:
- العقوبات التي حاقت بالأمم السابقة بعد إفسادها في الأرض.
- والحضارات التي انهارت لما سقطت أخلاقها. ولقد ذكرها الله للاعتبار.
              يمضي الأستاذ على المنهج القرآني نفسه في استعراض "مثلات حاضرنا الجاهلي"[51] بقصد الاعتبار والتيقظ وطلب الخلاص بالإسلام. ويجول فيها جولات المفكر النافذ الذي يسبر الأفكار ويكشف مراميها. ومن تلك المثلات:
-الانحلال الخلقي السافر،
-انحدار المرأة إلى قيمة البضاعة،
-فضائح السياسيين،
-العنف،
-حرية الجنس،
-مسرح العري،
-الصهيونية العالمية التي تلعب بالدمى البشرية كما تشاء بالمؤامرات والبروتوكولات والمخططات،
-العقلانية المادية الملحدة،
-العبودية والخضوع والطاعة للطاغوت،
-القومية العربية الناصرية - جمال عبد الناصر- المناهضة للدعوة،
-مجتمع الكراهية والحقد والانحلال الذي صنعه الحكام بالوطن العربي، أدعياء المعرفة والوطنية والمروءة والإخلاص والحرية...،
-احتضار الحضارة الغربية: إفلات المجرم من العقوبة..إباحة اللواط رسميا..تفشي الانتحار..الخمر المخدرات...،
-العنف الماركسي الشيوعي،
-التكفير والتبديع بين الفرق الإسلامية،
-المذهبية السياسية والاجتماعية والوثنية القومية،
-والترف وهو أمثولة المثلات وأفظع العصبيات والأنانيات وأشد أمراض الأمة فتكا.

·       المبحث 3: الدعوة الإسلامية المعاصرة.
              وقف الأستاذ وقفة مع رجال الدعوة والحركات الإسلامية في التاريخ المعاصر، وعرض الجميع على المنهاج النبوي، على الخصال العشر. قام بمقارنة بين فكر وعمل رجال الدعوة البارزين وبين المنهاج النبوي القائم على "خصال عشر"، وخص منهم:
·       رجال التبليغ بالهند:
              رجال التبليغ هم رجال ينتمون إلى "جماعة التبليغ والدعوة" التي أسسها الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي بالهند سنة 1926م وتنتشر اليوم في العالم، وهم من أهل السنة والجماعة منهجهم السماحة والتيسير وترك ما لا يعني (أي العمل الحزبي السياسي).
              أثنى الأستاذ على رجال التبليغ بالصفات التالية: لهم سمت المؤمنين وصبر الصادقين..هدى الله على يدهم طائفة من النصارى والوثنيين..لهم منهج ومضاء..لهم أذكار مرتبة، وهم أشد الناس تعلقا بالسنة وبأعمال الرسول صلى الله عليه وسلم..جوابون بكاؤون..من مبادئهم الأساسية: ترك ما لا يعني أي ترك الخوض والاضطراب السياسي الذي سرعان ما تنزلق إليه المنظمات.
              للجماعة أوراد وعملهم الدعوي قائم على النذر للخروج في سبيل الله.. لهم نظام ودقة وانضباط عسكري[52]. ويرى الأستاذ أن لجماعة رجال التبليغ المنعة التامة من الانحراف عن الصدق لأنها قائمة على الواجب لا على المطالبة[53].
·       أبو الأعلى المودودي[54]:
              أسس أبو الأعلى المودودي "الجماعة الإسلامية بباكستان" سنة 1941م. أثنى الأستاذ على الجماعة ومؤسسها الذي وصفه بالرجل المجاهد..الداعية المفكر..له فضل الدعوة في باكستان.. له الأستاذية في الفكر الإسلامي المعاصرمن منهجه في الدعوة:
·       المبايعة.
·       عدم العنف.
·       التؤدة والأناة.
·       ربط العلاقة بالله: بالصلاة والذكر والصيام والتوبة والتفكر في اليوم الآخر ودراسة السيرة النبوية. جهاد النفس ورياضتها على الخير.
              مما يميز المودودي - في نظر الشيخ - أنه ينفر من الصحبة والتصوف نفورا شديدا، عكس رجال التبليغ. فصحبته مع أفراد جماعته صحبة علم وثقافة وفكر لا صحبة روح، ويقصد بصحبة الروح الصحبة الصوفية التي تكون بين المريد والشيخ.
              لم يمنع اختلاف الأستاذ مع أبي الأعلى المودودي في قضية الصحبة من إنصاف الرجل والإشادة بدوره في إثراء الفكر الإسلامي. قال في حقه: "...رجل مجاهد كرس حياته منذ أكثر من خمسين سنة للدعوة والكتابة والتأليف، وكان قلمه أيده الله القوة الجامعة والطاقة المشعة في جهاد جماعته، فصحبته صحبة علم وثقافة وفكر لا صحبة روح"[55].
·       الإخوان المسلمون:
              يتضح من خلال ما كتب الأستاذ الإشادة الكبيرة بمشروع مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا، الذي يرى بأنه جمع الدعوة والدولة، الجانب السلوكي الإحساني والجانب الحركي السياسي. لكنه يقيم الواقع الحالي للجماعة فيرى بأنها لم تعد كما كانت في السابق، إذ غلب الجانب السياسي على الجانب الروحي. قال: "...وهنا نلمس العقبة الكؤود التي عرقلت الدعوات الإسلامية المعاصرة. فالإخوان المسلمون تكاثر عددهم بسرعة لم تسمح بالتربية اللازمة لكل فرد، فطغت العقلية السياسية على السمت الإسلامي والتؤدة الإسلامية، وانحرف البعض عن الاقتصاد..."[56] إلى العنف الذي طحن الجماعة[57]. عنف يقسمه الأستاذ عند الجماعة إلى صنفين:
-عنف القول عند مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. المتمثل في تهديده بضرب كل مارد جبار جائر[58].
-وعنف العمل عند -بعض- أتباعه من بعده، فتية جاؤوا بعنفهم واندسوا بين الصفوف ولم يستسلموا للتربية ولا انضبطوا بنظامها[59]. ولكن، في الوقت ذاته، يرى أن لأعضاء الجماعة حيوية بفضل صحبة الشيخ حسن البنا...لهم روحانية عالية...عندهم نظام جماعي بالمبايعة والضبط العسكري[60].

·       الحركة السنوسية:
              جماعة إسلامية قامت في ليبيا على الصحبة والجماعة والتربية الصوفية، أسسها الشيخ محمد بن علي السنوسي(1787 ـ 1859م). قال عنها الشيخ: "وفي تاريخنا الحديث ظهرت أيضا حيوية الدعوة المؤيدة الصوفية عند السادة السنوسيين. ولقد أخرجت زواياهم علماء ورجال دعوة أدخلوا الإسلام إلى جل أنحاء إفريقيا، وأخرجت زواياهم رجال من أمثال عمر المختار"[61]. ويرى الأستاذ أنها كانت أقوى بنية وأكثر تمكنا في ميادين التربية العملية والسلوك الصوفي السائر بالمريد لكماله الروحي[62].
·       أبو الحسن الندوي[63]:
              يرى الأستاذ أن الدعوة الصحيحة هي الدعوة التي تجعل غايتها الإحسان وبناء الجماعة على أساس المنهاج النبوي منهاج الصحبة والذكر والصدق،  يصحب رجال الجماعة رجلا صادقا له نورانية ووراثة نبوية. وهو يرى أن الشيخ أبو الحسن الندوي أحد هؤلاء الرجال الذين أدركوا المنهاج النبوي منهاج الصحبة والذكر[64]. وهذا ما يميزه عن أبي الأعلى المودودي الذي يركز على التربية الفكرية والسلوكية بعيدا عن صحبة الشيخ، والذي يميز هذا عن ذاك هو تجربة هذا الأخير في بناء الجماعة. والذي يجمع بين فكر الرجلين (الأستاذ عبد السلام ياسين والأستاذ الندوي) إيمانهما بأن الإسلام لا ينبعث إلا بقيادة جهادية تساند الدعوة وتحمل أعباءها. قيادة عمرية تستجيب للدعوة وتجدد للمسلمين حياتهم[65].
·       سيد قطب[66]:
              يستهل الشيخ حديثه عن الإمام سيد قطب بالمناقب التالية، بما عرِف بِهِ من الخِصالِ والأَخلاقِ الْحميدةِ: "مفخرة من مفاخر الفكر الإسلامي، وعلم من أعلام الأمة وأئمتها..صوته..أبلغ الأصوات..في كشف عورات الجاهلية..كاتب مرموق..أكرمه الله بصحبة الشيخ الجليل سيدي الحسن البناء فاكتمل نضجه وعلا نجمه...يحب القوة في الدين والصراحة وحمل الرسالة بشجاعة وإيمان.."[67]. وذكر مناقب أخرى غير تلك. وحين يخضع دعوته للنقد المنهاجي يسجل عنه جملة من الملاحظات، منها أنه "لا يتحدث إلا قليلا عن الصحبة، عن الطاقة النورانية التي تقتبس من المصحوب المتبوع وتقلب عقل المريد الصاحب ووجهته..ولا يبرز المبايعة كعامل أساسي لبناء الجماعة..ولا يميز بين المجتمع والجماعة..ولا يبرز محورية الذكر في التربية الروحية.."[68]. ومعلوم أن الصحبة والجماعة والذكر والمبايعة تعتبر جوهر فكرة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الإمام الشهيد، ونقطة الاتصال بين الأستاذين حسن البنا وعبد السلام ياسين وبين جماعتيهما.
·       مالك بن نبي[69]:
              لا يذكر الأستاذ رجلا من رجال الفكر والدعوة في الإسلام إلا أثنى عليه وشكر جهده وإن كان مختلفا معه في المنهج أو المنهاج إلى أبعد مدى، لكنه واضح وصريح في نقد فكره وعمله لأنه يحب الوضوح ويحب أن تسير الدعوة الإسلامية على بصيرة من أمرها[70]، كما هو الشأن مع مالك بن نبي. يرى الأستاذ أنه طالب حضارة وثقافة.. وليس طالب إسلام ولا رجل دعوة..طالب حضارة لا حامل رسالة[71]. يدل على ذلك عنوان مشروعه الفكري "مشكلات الحضارة" وتزلفه للبطل السفاك عبد الناصر قاتل علماء المسلمين ومشردهم[72]. وكذلك نظريته التي تقدم بها إلى مؤتمر باندونغ، نظرية تركيب حضارة إسلامية – هندوسية.. تركيب فكر إفرسيوي[73]. مرض الأمة في نظر الرجل هو فقدان الحضارة، فهو يوصي بتغيير الإنسان لهدف واحد: الحضارة؟[74].
              وإنصافا للرجل في خدمة الدعوة وتحقيقا لذات غايته في تقدير الرجال وتحقيق التواصل بين رجال الدعوة، ورأب الصدع بين المتخالفين، وإشاعة لثقافة الاختلاف أنقل عنه النص التالي: ".. لنحن عند أنفسنا أحقر من أن نطاول الرجال المجاهدين وإنما نتعلم منهم، ومن خلال نظرتهم، مواقع الحكمة...نطلب الله أن يجلو لنا الحق وإلينا ومنا الخطأ، ومن ربنا الكريم التوفيق"[75].
المبحث 4: التجربة الشخصية.
              بعد عرض تجارب أبرز الدعاة والجماعات الدعوية ينتهي إلى خلاصة مفادها أن الانبعاث الإسلامي يتوقف على "التجربة الشخصية الروحية" القائمة على الصحبة، وليس على الإسلام الفكري أو الانتماء الحضاري إلى الإسلام، إذ - بالتربية والتزكية - يكتشف الفرد نفسه وأسرار الوجود ويبلغ درجة اليقين بصحبة أولياء الله كما بلغها الصحابة "بصحبة" رسول الله صلى الله عليه وسلم"[76]. ذلك لأن التربية السلوكية للفرد في جماعة تتزكى وتتربى تربية إحسانية – صوفية - حياة للأمة وقوة لها[77]. التجربة الشخصية الروحية تتم على يد شيخ وليست جهادا فرديا للنفس وتزكية لها "سلوك المقامات ورقي إلى الكمالات، هذا السلوك لا يكون إلا على يد شيخ مرب حي مأذون إذن التربية"[78].
              وبين يدي هذه الخلاصة يقدم لنماذج من الصحابة تغيرت أحوالهم من الكفر إلى الإيمان، وتجددت أفكارهم وثقافاتهم وهممهم بمجرد لمسة من المصحوب صلى الله عليه وسلم أو صحبته، ومنهم فضالة بن عمير بن الملوح الذي هم بقتل رسول الله ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره فتحول في لحظة من الكراهية إلى المحبة، ومن النفاق إلى الإيمان، وإيمانه حول سلوكه نحو الإيجابية، فأعرض عن المرأة التي طلبته للفاحشة[79]. ونموذج آخر هو عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي أشهر السيف في وجه أبيه المنافق الذي أساء إلى النبي ص ليرضى الله ورسوله[80].
              ثم يقدم أدلة على  -وجوب وضرورة- "الصحبة"، من القرآن الكريم قوله تعالى: (ولكل قوم هاد)[81]، ومن الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)[82]. ومن أقوال علي كرم الله وجهه قوله: (رحم الله عبدا سمع فوعى، ودعي إلى الرشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجا)[83]. وقدم شهادات لبعض الأعلام كأبي حامد الغزالي والإمام الشعراني[84]. والشيخ عبد العزيز الدباغ[85]والشيخ محمد عبده[86]والإمام حسن البنا الذي يعتبره رجلا مجددا وداعية فذ ابتعثه الله لتجديد الدين[87]. ويقدم كذلك أدلة على أن الصحبة لا تكون إلا للأحياء، "الولي الحي يمد مريده بالمدد ويشرف على تربيته والسير به في مدارج السلوك، أما الأموات فيتركون وصايا لا تتحقق بها التربية والسلوك"[88]
              وفي الأخير، انتقل الأستاذ إلى الحديث بتفصيل عن تجربته الشخصية، تجربة التربية -الصوفية- على يد الشيخ العباس، والانتقال من الغفلة إلى اليقظة القلبية، ليؤدي شهادة لله في زمن الفتنة والعقلانية المادية والغفلة عن الله، خشية الإثم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توعد بالنار من كتم علما كان عنده. ذكر كيف تحول من البعد عن الصوفية وتكفيرهم وتبديعهم لشركهم بالله في اعتقاده إلى الاعتراف بفضل ما عندهم من الخير والصدق والصفاء واللجوء إلى شيخ صوفي...وذكر تجربته في البحث عن الطريق الموصل إلى الله بعدما عانى من أشبه ما يكون بأزمة روحية حين يئس "يأسا شديدا من نفسه وحصل له توقان إلى معرفة الحقيقة عن وجوده"[89].
              بعد البحث المضني في تجاريب المجوس واليهود والنصارى وأهل التصوف الإسلامي شرع في البحث عن شيخ عارف بالله، "فدخل طريق القوم...وبايع وأعطى العهد الصوفي.. وأخذ يتلو الأوراد المأذونة.."[90]. كل ذلك رفقة أتباع مريدي الشيخ، قبل أن يلتقي الشيخ العباس مباشرة، كانت الهواجس والشكوك لا تزال تراوده، وإن استشعر الرحمة والهدوء والطمأنينة وذهب عنه الهم والغم. قال واصفا تلك المرحلة: "...وكانت حالتي المفاجئة أمثل ما توصف به أنها صمت باطني؛ راحة شاملة لا توصف، ذهبت الهموم والأفكار والأتعاب وحل محلها الهدوء؛ إنها الطمأنينة التي تحصل بذكر الله كما أخبر الله في كتابه..."[91].
              بعد شهرين من دخوله الطريق لقي الشيخ وذاق في أول مجلس معه "الحال". و"الحال قوة باطنية وحلاوة تساور القلب والجسم معا، ويصحبها بكاء وقشعريرة"[92]. وتلاه "تجليات نورانية في حالة اليقظة لا في النوم..ورأى الأجسام النورانية..وحصلت له حالات الكشف.. وحصل له الفناء عن الوجود.."[93].
·       المبحث 5: أولياء الله
              يرى الأستاذ أن "أولياء الله هم الدعاة إلى الله على بصيرة، وهم أهل النور والتقوى، فمن فزع إليهم كان له من الله نصيب"[94]. ويطرح السؤال حول من هم أولياء الله الذين بصحبتهم يتجدد إيمان الفاترين وبمددهم الفائض من ربهم يسطع النور الدال على باب التوبة للعاثرين؟[95].
              للإجابة على هذا السؤال استدعى أقوال بعض العلماء لبيان صفات الأولياء ومقاماتهم وما يحصل لهم من خوارق العادات وضرورة صحبتهم. منها:
- قول المحدث الصوفي الحكيم الترمذي في كتابه "ختم الأولياء": "الأولياء هم الذين عليهم سمات ظاهرة من الله تعالى؛ قد علاهم بهاء القربة ونور الجلال وهيبة الكبرياء وأنس الوقار، فإذا نظر الناظر إليهم ذكر الله.."[96].
- قول المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون، بضرورة صحبة العارف الواصل لمن أراد سلوك طريق الله. ورد في كتابه "شفاء السائل لتهذيب المسائل": "...الشرط الثالث الاقتداء بشيخ سالك، قد خبر المجاهدات، وقطع طريق الله، وارتفع له الحجاب وتجلت له الأنوار. فهو يعرف أحوالها ويدرج المريدين في عقباتها حتى تتاح له الرحمة الربانية، ويحصل له الكشف والاطلاع...والعلم بالله وصفاته وأفعاله...والعلم اللدني الإلهامي...والذوق...واللذة بالإدراك.."[97].
- قول مفتي العالم الإسلامي في عصره الإمام الغزالي في كتاب "علوم إحياء الدين": "فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعليم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا، والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى...والمواظبة على الذكر...وعند ذلك تلمع لوامع الحق في قلبه..."[98].
              باستحضار تجربة الإمام الغزالي في التصوف يستحضر صراعه مع الفلاسفة، وحربه عليهم وحربهم عليه، يعتبرون تخليه عن مكانته العلمية المرموقة ووظيفته العالية ولجوئه إلى طريق الصوفية، إلى الشيخ الصوفي المربي، رجعية وتخلف ودعوة إلى الانعزالية، والهروب من المجتمع والعمل والإنتاج. يوضح الأستاذ دواعي ذلك الهجوم، ويوضح اللبْس الحاصل في فهم مقالات أبي حامد في الموضوع، قال: "خصوم الغزالي يعزون إليه وإلى فكره هذا الانعطاف في تاريخ المسلمين الذي أدى إلى ترك العمل والعكوف على طلب الآخرة مع الزهد في الدنيا وقطع العلائق عن المال والولد كما يعبر الغزالي"[99]. ويضيف قائلا: "ولهؤلاء الحق لو كان الغزالي خاطب عامة الناس واقترح المجاهدة مذهبا اجتماعيا. إنما كتب الغزالي لجماعة تقل في كل زمان ومكان من ذوي الهمم العالية، ثم إن ما وصفه من الزهد في الدنيا وقطع العلائق إنما هو رياضة موقوتة، وسلوك لفترة معينة يأتي بالتصفية الروحية التي تصعد بالفرد إلى مراتب الكمال الروحي، فإذا تمت هذه التزكية أصبحت المجاهدة غير ذات موضوع، فهي كانت وسيلة لا غاية"[100].
- قول الشيخ الصوفي عبد العزيز الدباغ في كتاب "الإبريز": "...وأما الفتح في ثاني الأمر فهو أن يفتح عليه في مشاهدة أسرار الحق التي حجب عنها أهل الظلام، فيشاهد الأولياء العارفين بالله تعالى، ويتكلم معهم ويناجيهم على بعد المسافة مناجاة الجليس لجليسه..وأرواح المومنين فوق القبور، والكرام الكاتبين والملائكة، والبرزخ...فإذا حصلت له مشاهدة ذات النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة حصل له الأمان من تلاعب الشيطان لاجتماعه مع رحمة الله تعالى وهي سيدنا ونبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم... فلا يزال الولي ببركة الذات الشريفة يتعلق بالحق سبحانه ويترقى في معرفته شيئا فشيئا إلى أن تقع له المشاهدة وأسرار المعرفة وأنوار المحبة..."[101].
·            المبحث 6: لقاءات تاريخية.
              عرض الأستاذ في هذا المبحث إلى أثر الصحبة الصوفية في حياة الأمة، جهاد رجال التربية الصوفية في نشر الإسلام والدفاع عن صفائه ومقاومة المستعمرين. أمثال عمر بن عبد العزيز، والأئمة الأربعة والغزالي والشيخ أحمد السرهندي وابنه الشيخ محمد معصوم السرهندي ومريده وخريج زاويته الملك الصالح أورنك زيب وولي الله الدهلوي وعبد القادر الجيلاني وجلال الدين الرومي وصلاح الدين الأيوبي ويوسف بن تاشفين وعبد القادر الجزائري[102]. وكشف الرابط الخفي الذي يجمع كل هؤلاء وهو: "الصحبة والجماعة والذكر"[103].
              ويرى أن رجال الصوفية كانوا يؤمنون بما يسميه "ثنائية الدعوة والقيادة الجهادية..كانوا يحملون النصح للسلطان ومتى استجاب للدعوة تحول تاريخ الأمة ورجع إليها خيرها وقوتها[104]. وهو ما حصل مع ثلة من القادة المجاهدين أمثال عمر بن عبد العزيز ويوسف بن تاشفين وصلاح الدين الأيوبي وأورنك زيب بعثتهم انبعاثة إسلامية إيمانية صحبتهم لشيوخ صوفية صادقين. وهذا ما سماه باللقاء التاريخي، لقاء رجل الدعوة برجل الدولة.
-النموذج الأول: الخليفة عمر بن عبد العزيز.
              قال الشيخ: "هذا مولانا عمر بن عبد العزيز الشاب المترف ربيب القصور ظهر بعد ظلمة الفتن الأموية يعيد شؤون المسلمين إلى نصابه، وإنما بعثته صحبة ولي صالح"[105]. وأضاف: "كان لعمر صحبة مع رجاء(بن حيوة) صحبة على النسك والعبادة، وهذه الصحبة السنية سموها فيما بعد صحبة صوفية...ولما حضرت سليمان بن عبد الملك وفاته أشار عليه رجاء - بن حيوة - بتولية الأمر لعمر، وبعدما تولى عمر الخلافة كان صاحب رأيه ووزيره هذا الرجل الصالح…وكتب صفحات مجيدة في تاريخ الأمة..رد المظالم. وما أداك ما المظالم...تجرد..نبذ ما كان عليه عاكفا من شهواته وقصوره...ولى الخلافة - بعد عمه - سليمان بن عبد الملك، فلم يرض حتى رد بيعته على الناس وجعلهم في الخيار فأبوا أن يقيلوه..."[106].
-النموذج الثاني: الأمير يوسف بن تاشفين.
              يوسف بن تاشفين "خريج الرباط الصوفي، تربى تربية صوفية على يد عبد الله بن ياسين، وهو تلميذ رجل صوفي يدعى وجاج شيخه الصوفي أبا عمران الفاسي، سنده ينتهي إلى الإمام الجنيد"[107]. ربى عبد الله بن ياسين المرابطين على الزهد والتقشف والتقلل من الطعام والجهاد ونشر الدعوة، جاء به الأمير يحيى بن إبراهيم لإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينازعه الملك بل قنع بالدعوة والتربية إلى أن آل الأمر إلى ثمرة فؤاده يوسف[108]. قال الأستاذ: "وآل الأمر للمجاهد العظيم خريج الرباط الصوفي رجل الإسلام الفذ يوسف بن تاشفين، فحمل راية الجهاد وحارب الكفر في بلاد المغرب وهزم الكفرة المردة وتهيأ له فتح الله للمسلمين على يده في مواجهة الصليبية الحانقة الغازية لبلاد الأندلس...حافظ على سمت الرباط وتقلله لم تفتنه الشهرة والقدرة..."[109]
-النموذج الثالث: القائد صلاح الدين الأيوبي.
              وقال الشيخ عن صلاح الدين: "وإنما أصبح صلاح الدين صلاح الدين بصحبة رجل صالح"[110]. وأورد كلاما للمقريزي من كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك" جاء فيه: "...وكان صلاح الدين رحمة الله عليه حسن العقيدة كثير الذكر لله، قد أخذ عقيدته عن الدليل بواسطة البحث مع مشايخ أهل العلم وأكابر الفقهاء. وتفهم من ذلك ما يحتاج إلى تفهمه بحيث كان إذا جرى الكلام بين يديه يقول فيه قولا حسنا". ص.441. وعلق على هذا بقوله: "كان الرجل إذا ذاكرا لله حسن العقيدة قد أخذ عقيدته عن دليل...يقصد الصحبة الصوفية. وزكى الملك العادل صحبته بتقريب العلماء والأفاضل من المسلمين وأعلامهم، مثل القاضي الفاضل، والقاضي ابن الزكي، والقاضي ابن شداد". وأضاف: "وكان يأتي إلى العلماء والصالحين يزورهم، فقد أخذ أولاده وزار بهم الحافظ الأصفهاني في الإسكندرية. وكان كثير التهجد والدعاء والبكاء، يلجأ إلى الله كلما دهمته الشدائد"[111].
-النموذج الرابع: الملك أورنك زيب.
              قدم الشيخ أورنك زيب ضمن سلسلة القادة المجاهدين خريجي المدرسة الصوفية، علم غير معروف وقل ما يعرض له المؤرخون والباحثون، وإن كانت سيرته الفريدة ترفعه إلى مقام صلاح الدين ويوسف ابن تاشفين بل رفعه الأستاذ إلى مقام عمر بن عبد العزيز أو قل الخلفاء الأربعة. فلقد سماه "بقية الخلفاء الراشدين"[112]. مجاراة لتسمية الشيخ علي الطنطاوي. أورنك زيب من حفدة ملك طاغية يدعى "أكبر" أبو جده ابتليت به الدولة المغولية بالهند كفر بالله وبرسوله وبدل وغير "وقتل العلماء واضطهد الناس في دينهم. وضاقت الدنيا على المسلمين"[113]. ومن سنة الله في تداول الحق والباطل وانتصار الحق على الباطل وأهله خرج من صلب ذلك المتجبر من يعيد للإسلام مجده وعزته ورونقه، حفيد من أحفاده هو أورنك زيب حكم بين سنتي 1068 و1118هـ، تربى منذ طفولته تربية صوفية في زاوية الشيخ الصوفي أحمد السرهندي. قال عنه الأستاذ: "وشاء الله أن يتخرج من زاوية السيد السرهندي نادرة من نوادر الزمان هو الملك الصالح "أورنك زيب" من حفدة الطاغية أكبر..تألق نور صبح جديد لم يلبث أن أضاء بلاد الهند حتى عاد الإسلام إلى عزه وصفائه. بالمنهاج النبوي، منهاج الصحبة والجماعة والذكر، حييت أمة الإسلام بالهند كما حييت به أول مرة وتحيى"[114].
              ومن خصال الملك الخليفة أورنك زيب الجليلة أنه "...كان يقود المجاهدين بنفسه..أزال ما كان باقيا من الزندقة التي جاء بها "أكبر"...أبطل الضرائب الظالمة...بنى المساجد...وأسس دور العجزة..والمستشفيات..وأقام العدل..كان يحكم في القضايا الكبرى بنفسه بالمذهب الحنفي..ونصب القضاة في كل بلدة وقرية..ومن له عليه حق.. يقاضيه به أمام القاضي مع السواد من الناس...ليس عمر وعلي وحدهما يجلسان أمام القاضي مع عامة الناس..وكان يؤلف الكتب...ولعل أكبر ما يدهش في سيرة هذا الرجل أنه كان يكتب المصاحف بخطه ويبيعها ليعيش بثمنها لما زهد في أموال المسلمين وترك الأخذ منها..وحفظ القرآن بعد أن ولي الملك..وكان يصلي الفرائض في أول وقتها مع الجماعة...ويحيي الليالي بالتراويح، ويعتكف في العشر الأواخر من رمضان في المسجد، ويصوم الإثنين والخميس والجمعة في كل أسبوع..ويحافظ على الأذكار..وكان مع ذلك كله بارعا في فنون الحرب وفي التنظيم الإداري.."[115].
·       خاتمة الكتاب:
              استهل الأستاذ عبد السلام ياسين خاتمة الكتاب بما استهل به مقدمته بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) على غير عادة الكتاب، وفي هذا إشارة لطيفة فحواها أن هذا الكتاب بفصوله وأفكاره ونظرياته فاتحة لما بعده من العمل والتأليف، فاتحة لمرحلة تنزيل المنهاج النبوي على أرض الواقع، وهذا بالفعل ما حصل، إذ شرع في بناء وتأسيس جماعة العدل والإحسان، أكبر حركة إسلامية في المغرب، وفق قاعدة الخصال العشر. 
              ولعل أبرز ما جاء في خاتمة الكتاب مخاطبته لرجال الدعوة الإسلامية طالبا منهم أمرين اثنين: أولهما أن يحدثوا المسلمين عما أسماه "التجربة الشخصية"، أن يدلوهم على المنهاج النبوي الذي يرتفع بالمسلم إلى مرتبة الإيمان ثم إلى مرتبة الإحسان. وثانيهما أن يحدثوهم عن رحمة الإسلام ونزوعه عن وسائل العمل الجاهلي وسائل العنف. دعا إلى الرفق، لا سيما في زمن الفتنة، إذ هو السبيل لتحقيق ثنائية بين الدعوة والدولة.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (البقرة: 201).



[1]- انظر: عبد السلام ياسين، معالم في سيرة الإمام المجدد. ص.6. منشور.
[2]- نفسه.
[3]ـ عبد السلام ياسين، الإسلام بين الدعوة والدولة. ط.1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء ـ المغرب 1392هـ، ص. 27 وما بعدها. (بتصرف).
[4] - نفسه، ص.337.
[5] - نفسه، ص.338.
[6] عبد السلام ياسين،المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا. ص.20.
[7] - الإسلام بين الدعوة والدولة، ص. 3..
[8]- نفسه، ص.3.
[9] - نفسه، ص.5.
[10] - عبد السلام ياسين، الإحسان. 1: 11.
[11] - الإسلام بين الدعوة والدولة، ص.9.
[12] - نفسه، ص.9.
[13] - نفسه، ص.14. بتصرف
[14] - نفسه، ص.14.
[15] - نفسه، ص.18
[16] - نفسه، ص.18
[17] - نفسه، ص.19.
[18] يوسف: 108.
[19] - نفسه، ص.19.
[20] - نفسه، ص.26- 27. بتصرف.
[21] - نفسه، ص. 52.بتصرف. 
[22] - نفسه، ص.53
[23] - نفسه، ص.54. بتصرف.
[24] - نفسه، ص.55.
[25] - نفسه، ص.56.
[26] - نفسه، ص.67. بتصرف.
[27] - نفسه، ص.89
[28] - نفسه، ص.90.
[29] - نفسه، ص.90-91-92.
[30] - نفسه، ص.92.
[31] - نفسه، ص92.
[32] - نفسه، ص.92.
[33] - نفسه، ص.94-96.
[34] - نفسه، ص.108.
[35] - نفسه، ص.109.
[36] - نفسه، ص.111. بتصرف.
[37]- نفسه، ص.151.
[38] - نفسه، ص.166.
[39] - نفسه، ص.110.
[40] - نفسه، ص.187.
[41] - نفسه، ص.187. بتصرف.
[42] - نفسه، ص.188. بتصرف.
[43] - نفسه، ص.194.
[44] - نفسه، ص.198 بتصرف.
[45] - نفسه، ص.187.
[46] - نفسه، ص.203. بتصرف.
[47] - نفسه، ص. 214 وما بعدها بتصرف.
[48] - نفسه، ص.233
[49] - نفسه، ص.238.
[50] الرعد: 6.
[51] - نفسه، ص.249 وما بعدها بتصرف.
[52] - نفسه، ص.325.
[53] - نفسه، ص.329.
[54] - نفسه، ص.291 وما بعدها بتصرف.
[55] - نفسه، ص.292.
[56] - نفسه، ص.296.
[57] - نفسه، ص.333.
[58] - نفسه، ص.336.
[59] - نفسه، ص.337.
[60] - نفسه، ص.297 – 324- 325.
[61] - نفسه، ص.297.
[62] - نفسه، ص.326.
[63] - نفسه، ص.300   
[64] - نفسه، ص.302.
[65] - نفسه، ص.310.
[66] - نفسه، ص. 312.
[67] - نفسه، ص.313-314.
[68] - نفسه، ص.314.
[69] - نفسه، ص.319.
[70] - نفسه، ص.319
[71] - نفسه، ص.319-322.
[72] - نفسه، ص.319-321.
[73] - نفسه، ص.320-321.
[74] - نفسه، ص.323.
[75] - نفسه، ص.323.
[76] - نفسه، ص.340-341 بتصرف.
[77] - نفسه، ص.340.
[78] - نفسه، ص.374.
[79] - نفسه، ص.341.
[80] - نفسه، ص.343.
[81] - الرعد: 7.
[82] - رواه الترمذي وقال حديث حسن والحاكم وصحّحه.
[83] - نفسه، ص.345-346.
[84] - نفسه، ص.350-351.
[85] - نفسه، ص.358
[86] - نفسه، ص.370.
[87] - نفسه، ص.371-374.بتصرف.
[88] - نفسه، ص.356-357. بتصرف.
[89] - نفسه، ص.386.
[90] - نفسه، ص.388.بتصرف.
[91] - نفسه، ص.390.
[92] - نفسه، ص.390.
[93] - نفسه، ص.392.
[94] - نفسه، ص.396.
[95] - نفسه، ص.399.
[96] - نفسه، ص.399.
[97] - نفسه، ص.400-401-402.
[98] - نفسه، ص.403-404. بتصرف.
[99] - نفسه، ص.405.
[100] - نفسه، ص.405.
[101] - نفسه، ص.410-411.
[102] - نفسه، ص.420-421 بتصرف.
[103] - نفسه، ص.446.
[104] - نفسه، ص.420-421.
[105] - نفسه، ص.421.
[106] - نفسه، ص.422-426.
[107] - نفسه، ص.434 بتصرف.
[108] - نفسه، ص.436.بتصرف.
[109] - نفسه، ص.436-437.
[110] - نفسه، ص.421.
[111] - نفسه، ص.442.
[112] - نفسه، ص.445.
[113] - نفسه، ص.446.
[114] - نفسه، ص.446. بتصرف.
[115]  - نفسه، ص. 448-449-450-451.بتصرف.