الثلاثاء، 12 أبريل 2016

طموحات بوتين تعيد تشكيل النظام العالمي

يوجين رومر
نقله إلى العربية عبد الرحمن كيلاني

لقد ظهرت موسكو لتغيير النظام العالمي، وفقاً للجنرال فيليب بريدلف، القائد العسكري لحلف الناتو. وقد صنفت المؤسسة العسكرية الأمريكية بأكملها روسيا على أنها أكبر تهديد للولايات المتحدة. ورداً على هذا التصنيف فقد عبأت وزارة الدفاع الأمريكية قواتها ومدرعاتها ومدفعيتها  في أوروبا الشرقية، وتريد مبلغاً إضافياً قدره 3.4 مليار دولار لدفع تكاليف هذه التعبئة.
في الوقت نفسه، يصرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بأن روسيا "متوسعة ونازفة" في سوريا، وأن اقتصادها منكمش "بشكل كبير". وتوصف روسيا من قبل الآخرين بأنها "قوة عظمى جوفاء" مع عدم وجود استراتيجية حقيقية وراء مغامراتها في الخارج.
أي من الصورتين صحيحة؟ الجواب: كلاهما! الاقتصاد الروسي آخذ في التقلص، والفقر في ازدياد، وبدون إصلاحات على مستوى واسع - عدد قليل يتوقع أن تكون هذا الإصلاحات في اعتبار فلاديمير بوتين - فإن آفاق الاقتصاد الروسي قاتمة. يمكن للرئيس بوتين أن يبقى قانونياً في الكرملين لسنوات عديدة قادمة، يترأس الركود في الداخل - وعلى سبيل التعويض - وضعية المواجهة في الخارج.
ومع أن ميزانية الاقتصاد والدفاع الروسي جزء صغير إذا ما قورنت بميزانية الاقتصاد والدفاع الأمريكي، فإن ما قام به الرئيس الروسي يعتبر جيداً إلى حد ما. وقد تمسك بالسلطة لعقدين من الزمن بشكل جيد. وقد أمسك بالخط ضد حلف شمال الأطلسي في فترة الاتحاد السوفياتي، ووضع نفسه كصانع صفقات في الشرق الأوسط.
إن طريقة تعامل بوتين مع القضية السورية تظهر القسوة والمهارة والعزيمة والحكم، فهو قد تجاهل وحشية الرئيس بشار الأسد، ومع فقد الإرادة لدى الولايات المتحدة وأوروبا للتدخل في الحرب الأهلية، ملأ بوتين هذا الفراغ ونشر قواته الجوية التي غيرت مجرى الصراع، ثم أعلن أنه سيترك المشهد، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمامه للعودة.
وبذلك انتهت المهمة. لقد تمت المحافظة على الأسد، وكل أطراف الحرب الأهلية تحرروا من وهم أن فكرة النصر العسكري ممكن. وفي تطور غريب، مهد تدخل بوتين الطريق لأول وقف إطلاق نار جدي للحرب، وربما محادثات سلام حقيقية - لكن بشروطه.
وعلى نطاق أوسع، فإن روسيا عادت إلى منطقة الشرق الأوسط، وهي الآن في وسط شبكة معقدة لا تضم سوريا فقط ولكن جميع الأطراف الأخرى المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع الكبير في المنطقة - بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إن موسكو لا تستطيع أن تحل مشاكل المنطقة (ومن يستطيع؟)، وهذه المشاكل الآن لا يمكن حلها دون روسيا.
أظهرت سوريا أن روسيا - التي اضمحلت في تسعينيات القرن الماضي كقوة إقليمية، لديها الآن جيش قادر يمكنها أن تستخدمه إن أتيحت لها الفرصة. هل يشير هذا أيضا إلى أن موسكو قد شرعت في حقبة جديدة من المغامرات العسكرية؟ لا. لقد ارتقى بوتين، ولم يتجاوز خطوط الناتو الحمراء. إن الحروب في جورجيا في عام 2008، وفي أوكرانيا من عام 2014، كانت ضد دول لم تكن تحت حماية الناتو، بل قد قوتلت هذه الدول لتمنع عنها روسيا حماية الناتو. أما في سوريا، فقد كانت روسيا واثقة من أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يتدخلوا.
وماذا بعد؟ من المحتمل أن يتحدى بوتين الناتو في دول البلطيق ولكن ليس عسكرياً. إن لديه أدوات مختلفة تهدف إلى تقويض تماسك التحالف والثقة في ضمان حماية الناتو دون أن يثير  رداً مسلحاً. فعمليات القرصنة الإلكترونية، والمقاطعة الاقتصادية، والتهديد النووي، كل هذا تحت تصرف بوتين، وهذه أدوات رخيصة نسبياً، يستطيع أن يتحمل تكاليفها.
إن فكرة أن المشاكل الاقتصادية ستعوق الكرملين، وأن العقوبات سوف تجبر روسيا على التراجع من أوكرانيا واعتماد موقف لين، أمر أثبت خطؤه. إن صورة روسيا على أنها ضعيفة ومتراجعة من الساحة الدولية وأن النخبة الحاكمة فيها تركز على الاستقرار الاقتصادي كوسيلة للبقاء سياسياً، خطأ أيضاً. كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي - وهي فترة يتذكرها الكثيرون في روسيا، وقليل منهم لا يهتم بتذكرها.
إن موسكو اليوم لديها طموحات واسعة وموارد كبيرة ورغبة في تحدي خصومها عندما يتحدونها في المقابل. إن هذا ما قام به بوتين في سوريا، وإنه من العقل أن نتوقع منه أن يفعل ذلك مرة أخرى.

الكاتب: يوجين رومر
مدير ومشارك متميز
برنامج روسيا ويوراسيا

رابط المقال المترجم: