د. أحمد الطويل
تعودنا كمسلمين، و منذ مدة طويلة أن نكون موضع اتهامات بالتطرف و
الإرهاب، و أن نكون مصدر قلق للمجتمع الدولي، و نقطة مساومة قد تؤدي إلى
اتفاق أو اختلاف بين أصحاب الحل و العقد في عالمنا المعاصر.
و لم نعد نفاجأ، أو حتى نأبه للقرارات التي تصدر عن الهيئات و المنظمات
الدولية و الاقليمية و غيرها. فكما هو مألوف في عالم السياسة، تقوم الدول
الكبرى ذات النفوذ و المصالح بعقد المؤتمرات و تجديد التحالفات و تشكيل
التكتلات تحت شعارات حفظ الأمن و السلام الدوليين، و تعزيز التعاون بين
دول العالم للتصدي للأخطار الراهنة، و منع المنظمات الإرهابية (حركات
المقاومة الإسلامية)
من امتلاك أسلحة نووية أو إستراتيجية.
و قمة واشنطن النووية التي اختتمت قبل أيام تحت شعار إحباط الإرهاب
النووي، و استمرت ليومين بمشاركة 47 دولة،
فكانت أكبر قمة يدعو إليها رئيس دولة منذ عام 1945 عندما تجمع الزعماء في
سان فرانسيسكو لتأسيس الأمم المتحدة، ما هي إلا حلقة في سلسلة المكائد ضد
أمتنا.
عشية القمة، أشار الرئيس الأمريكي باراك اوباما إلى أن احتمال وقوع سلاح
نووي بأيدي منظمات إرهابية من شأنه أن يشكل "التهديد الأكبر ضد أمن
الولايات المتحدة الأمريكية و العالم بأسره".
لو عرضنا المسألة على أي مواطن عربي أو مسلم أو حتى على أولئك الذين
يقطنون في أدغال أفريقيا أو مرتفعات التيبت فانه سيكتفي بابتسامة سخرية
تنبيك أن القضية لا تعدو كونها أشبه بمزحة رعناء من العم سام، يحاول من
خلالها صرف النظر عن أمر جلل.
و بمراجعة سريعة لمقررات القمة التي تداعى إليها زعماء و مسؤولون من جميع
القارات، مثل العرب فيها وزراء من ستة دول،
نستخلص ما يلي:
·
دعت الوثيقة الختامية الدول المشاركة إلى الالتفاف معاً حول منع “أطراف
أو منظمات أو جهات غير رسمية ( كالقاعدة مثلاً أو الجماعات المتحالفة
معها) من الحصول على تكنولوجيا أو مواد نووية”.
·
اعترف المشاركون في القمة بأهمية الرصد الصحيح لمخزونات البلوتونيوم الذي
يستخدم في صنع الأسلحة. و لمخزونات اليورانيوم المتناثرة في أنحاء
العالم.
·
اتفقت الدول المشاركة على عقد مؤتمرها التالي في كوريا الجنوبية عام
2012. وهذا يقرب زعماء العالم كثيراً من موقع يعدّ واحداً من أصعب
التحديات النووية.و يتمثل في الحد من برنامج كوريا الشمالية الخاص
بالتسلح النووي.
·
اتفقت الدول المشاركة على أنها ستبحث -بالشكل الملائم- تعزيز المواقع
التي تحتفظ فيها بمواد نووية، و تتّخذ خطوات لضمان سلامة مثل تلك المواد
و أمنها. كما ستبحث - التحوّل من استخدام مفاعلات أبحاث تعمل باليورانيوم
عالي التخصيب إلى مفاعلات تعمل باليورانيوم منخفض التخصيب. شريطة أن يكون
ذلك معقولاً من الناحيتين الفنية و الاقتصادية.
·
يترك للدول بشكل منفرد تقرير كيف ستوفر الأمن للمصادر المشعّة مثل تلك
التي توجد في معامل المستشفيات. التي يمكن أن تستخدم في صناعة ما يسمّى
“قنابل
قذرة”. و سيحق لكل دولة أن تضع نظاماً أمنياً وطنياً و تتيقن بأن قوانين
الإجراءات الجنائية بها كافية للتعامل مع مهرّبي المواد النووية، و
بالتالي توسيع المشاركة في المعلومات المتصلة بالأمن القومي.
·
الاعتراف بدور “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”
التابعة للأمم المتحدة في تعزيز الأمن النووي العالمي.
أما لو قرأنا الحدث من زاوية سياسية،
و وقفنا عند النوايا و المواقف الكامنة للدول المشاركة و المعنية بالقمة
فإننا نستخلص ما يلي:
الولايات المتحدة الأمريكية:
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية،
البلد المستضيف، و حامل لواء التحرر و الديمقراطية في عالمنا المعاصر
(كما يزعم قادته)، و الدولة الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح الفتاك في
الحرب العالمية الثانية في هيروشيما و ناكازاكي فقتلت ما يقارب ربع مليون
إنسان، و هددت باستخدامه في العراق،
أن تحصل من خلال المؤتمر على مكسب ثان بعد أن وقعت قبل أسبوع من هذه
القمة مع روسيا على معاهد ستارت 2 التي تنص على مواصلة خفض الأسلحة
الإستراتيجية الهجومية والحد منها.
إن أكثر ما يدعو للاستهجان هو تركيز أوباما على قضايا افتراضية، أي على
المنظمات التي قد تمتلك أسلحة نووية، و ليس على الدول التي تمتلك فعليا
هذا السلاح، و هي إما دول أعضاء في النادي النووي العالمي كبريطانيا و
فرنسا التي لا يستطيع الأمريكان طرح مثل هذه المواضيع أمامها،
أو غير أعضاء في النادي المذكور كإسرائيل التي لا يعرف حجم ترسانتها
النووية،
كما لا يجرؤ الأمريكان على مجرد التفكير في مساءلتها أو طرح قضية
مفاعلاتها النووية في المحافل الدولية.
ربما كانت هناك نوايا سيئة للإدارة الأمريكية تجاه باكستان، البلد
الإسلامي الوحيد الذي يمتلك أسلحة نووية، و الذي تورطت قيادته في تحالف
وثيق مع الولايات المتحدة فيما يسمى الحرب على الإرهاب، فاستعدى شعبه،
و أدخل نفسه في متاهات حرب أهلية لا يزال يدفع ثمنها باهظا.
ربما أحست أمريكا أن الغليان في الشارع الباكستاني المسلم الناقم عليها
قد يقلب الأمور فيها، و بالتالي يصبح هذا السلاح بأيدي نخبة سياسية
معادية لأمريكا.
إيران:
تعتبر إيران الغائب الأكبر و الحاضر الأهم في هذه القمة بنفس الوقت، صحيح
أن هدف المؤتمر منع وصول السلاح النووي إلى المنظمات الإرهابية، لكن
الهدف المبيت هو الحصول على إجماع دولي بفرض عقوبات على إيران، البلد
الذي يسعى لفرض نفسه بقوة كمنافس للولايات المتحدة في المنطقة، و ما سعي
إيران لامتلاك سلاح نووي إلا خطوة نحو منافسة إن لم نقل احتلال مكانة
أمريكا في المنطقة.
لم تكتف إيران بعدم الاعتراف بالقمة و التقليل من أهميتها، بل سارعت إلى
الدعوة إلى قمة مماثلة حضرتها دول حلها ليست على وفاق مع الولايات
المتحدة و سياساتها في العالم كسوريا و كوبا.
دعا احمدي نجاد في الخطاب الافتتاحي إلى إعادة تنظيم الهيئات الدولية و
ضرورة إقصاء الدول النووية منها. كما دعا إلى "إقصاء الدول التي تملك
السلاح النووي،
و التي استعملته، أو التي هددت باستعماله،
و خاصة الولايات المتحدة. من الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، و اعتبر
أنه يجب مراجعة معاهدة الحد من الانتشار النووي "من قبل الدول المستقلة
التي لا تملك أسلحة نووية
"لان
حضور الدول النووية
"
يمنع صياغة معاهدة منصفة".
كما طعن نجاد في حق النقض الذي تتمتع به خمس دول دائمة العضوية في مجلس
الأمن الدولي، و اعتبر أنه "غير ديمقراطي و جائر و غير إنساني". و قال
"يجب إلغاؤه أو. منحه لبضع دول أمريكا اللاتينية و آسيا و إفريقيا و
أوربا للحد من انعكاساته السلبية".
الصين:
أما الصين،
أو المارد النائم كما يسميه بعض الساسة الغربيين، فانه بات متمرسا بأصول
السياسية الدولية، و خبيرا بخفاياها، يحرص على مصالحه دون أن ينجر كليا
(كما يفعل العرب) وراء الاملاءات الأمريكية.
شهدت القمة موافقة الصين على التعاون مع الولايات المتحدة بشأن فرض
عقوبات محتملة ضد النظام الإيراني. و بعيد لقاء أوباما بالرئيس الصيني هو
جينتاو أعلن جيف بادر سكرتير البيت الأبيض. أن إيران كانت الموضوع
الرئيسي للمناقشات التي استمرّت تسعين دقيقة. و هي “مستعدة للعمل معنا”.
موضحاً أن هذا الترحيب يمثّل “علامة أخرى على وحدة الموقف الدولي من هذا
الموضوع”.
في حين أعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية. أن الصين تؤمن دائماً
بالحوار و المفاوضات كأفضل سبيل لعلاج القضية. فالضغوط و العقوبات لا
تمكّن من حل هذا الموضوع بصورة جوهرية”. و لكنها أوضحت أن الصين تؤيد
أيضاً “استراتيجية المسارين”. التي تجمع بين الدبلوماسية و فرض عقوبات
دولية محتملة ضد إيران.
و يبقى السؤال المطروح: هل ستصبح إيران كبش فداء تعزيز العلاقات
الأمريكية –الصينية ؟
إسرائيل:
مما لا شك فيه أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من كل تلك المؤتمرات،
فربيبة الولايات المتحدة لا تعبأ بكل ما يجري، و يكفيها دوما أن تلوح
بانزعاجها من أمر ما عبر اللوبي اليهودي المتنفذ في الولايات المتحدة و
أوروبا.
و إن حصل و تجرأ أحد على مناقشة التجاوزات الإسرائيلية في مجال التسليح،
أو حقوق الإنسان أو غيرها، فان القرارات الصادرة بإدانتها لا تساوي قيمة
الورق الذي كتبت عليه.
تغيب نتنياهو عن القمة، فقيل لحضور الاحتفالات بقيام هذا الكيان المشؤوم،
و قيل بل خوفا من طرح قضية ترسانتها النووية على المؤتمر من قبل تركيا.
بنظري الشخصي، أرى أن هناك تفسيرا آخر لتغيب نتنياهو،
و أنه وجه من خلال تغيبه رسالة إلى كل من حضر أو لم يحضر هذه القمة
مفادها أن الغطرسة الإسرائيلية لا تقبل بحضور نتنياهو لمثل هذه السفاسف
التي تداعى إليها الآخرون مسرعين مهللين، و أن الدولة العبرية كيان فوق
القانون.
تركيا:
أكد رئيس الوزراء التركي مرارا أنه سيطرح موضوع الترسانة النووية
الإسرائيلية أمام المؤتمر، و أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على أمن
المنطقة و العالم.
إن مجرد التفكير بطرح قضية الأسلحة النووية الإسرائيلية في المحافل
الدولية يعتبر انجازا عظيما لأردوغان الذي ظهر مؤخرا و في أكثر من مناسبة
متبنيا للقضايا الإسلامية، مدافعا عن القضية الفلسطينية.
و مهما قال البعض عن مكاسب سياسية و شعبية يسعى أردوغان للحصول عليها من
خلال مواقفه،
فالحق يقال أنه استطاع الجهر بالدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية علنا في
زمن الصمت العربي و الإسلامي الرهيب.
العرب:
العرب،
تلك الأمة التي تمتد من المحيط إلى الخليج، و على مدى قرن طويلة من
التاريخ الإنساني، تولت في بعضها موقع الريادة بفضل دينها الحنيف الذي
حولها إلى
«
خير أمة أخرجت للناس »، لم يعد لها وجود مؤثر أو قرار فاعل على الصعيد
الدولي، فتحولت من موقع الفاعل إلى موقع المفعول به، أو المجرور خلف
أهواء الشرق و الغرب.
كان لنا تمثيل في قمة واشنطن، لكن لم يكن لنا دور، و لا حتى ثانوي، و لم
نجرؤ على انتقاد عدونا الإسرائيلي الذي احتل و هجر و نكل و قتل .... و
يمتلك سلاحا نوويا لا يخضع لرقابة أحد.
ليتنا تعلمنا الحنكة السياسية من الصين، أو الشجاعة من أردوغان، أو كنا
في موقع البطولة و لو كمتهمين كإيران و كوريا الجنوبية و غيرها. و ليتنا
أدركنا و لو متأخرين أن التاريخ يكتبه المنتصرون دون أن يرحم أحدا .
5/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق