بقلم: رويْ غوتمان ومصعب الحمادي
في شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، ومن منبر مسجد
في منطقة الغوطة المحاصرة، ندد زهران علوش، أحد قواد المتمردين السوريين،
بالديموقراطية وبأنها نظام فاسد. ولم يترك زهران شكاً بأنه يسعى لإقامة دولة
إسلامية تخلف حكومة الرئيس بشار الأسد. لكنه وفي أول مقابلة له مع هيئة إخبارية
أمريكية، كان علوش مثالاً للواقعية العملية.
وقد ذهبت دعواته لطرد أفراد الطبقة العلوية الحاكمة
في دمشق، ففي مقابلته تلك دعاهم "جزء من الشعب السوري" وقال إن الذين
تلوثت أيديهم بدماء الشعب السوري فقط هم الذين سيحاسبون.
فكرة الدولة الإسلامية قد تخلى عنها علوش أيضاً.
يقول الآن إنه يفضل السماح للسوريين بأن يقرروا نوع الدولة التي يريدونها. وقال:
"نحن نريد أن نؤسس دولة تُلبى فيها
حقوقنا." وقد شجب زهران ما دعاه "التمييز الطائفي" ضد الأغلبية
السنية المسلمة. وأضاف: "بعد ذلك ، يجب على الشعب أن يختار نوع الحكومة التي
يريدها." وأفاد زهران أنه يفضل الحكومة "التكنوقراطية وذات المهنية".
في السنوات الأربع الماضية، كانت الولايات المتحدة
تعاني من مشكلة مزعجة ألا وهي تحديد اتجاه (إيديولودجية) الجماعات الثورية السورية
المتعددة. وقد وعدت إدارة الرئيس أوباما مرات عديدة بمساعدة الثوريين لكنها تراجعت
عن دعمها للإسلاميين لقلقها بأن أهدافهم ليست ديمقراطية أو غير شاملة. لذلك، فإن
تحديد الجماعات التي تستحق الدعم أصبحت عملية صعبة ومترعة، وهذا التحديد أصبح أسوء
بتغير الإيديولوجية فيما يبدو.
وقد طلبت نشرة (ماك كلاتشي دي سي) من علوش أن يفسر
تغيير موقفه، فذكر أن تصريحاته السابقة كانت بسبب الضغط الذي كان تحته في الغوطة،
ومشهد هجوم الغاز السام منذ سنتين الذي قتل المئات. وقال: "نحن تحت الحصار،
ونعاني من ضغوط نفسية. عندما كنت في السجن كان السجان يأتي ويعذب المساجين، وبعد
أن يتركهم يبدأ المساجين بالتناحر وضرب بعضهم البعض."
وقال إسلام علوش، المتحدث الرسمي لزهران، إن خطابات
زهران علوش التي ألقاها في الغوطة إنما كانت للاستهلاك الداخلي لحشد المقاتلين في
وجه القوات الإسلامية الأكثر تطرفاً مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف إسلام:
"هناك خطاب للجمهور الداخلي وآخر للجمهور الخارجي. ويهدف الخطاب الداخلي إلى صرف
شبابنا عن الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية."
وقال آخرون إنه يحتمل أن قيادات الثوار المتطرفة
أدركت أنها يجب أن تغير نبرة كلامها للجمهور الغربي الذي اشمئز من نوع الكلام
الشديد والذي رأه يخرج من زهران علوش وهو
يجشب الديموقراطية في شهر كانون الثاني من عام 2014 ويصفها بأنها "ديكتاتورية
القوي" وهو يخطب من منبر المسجد في شهر كانون الأول، حيث قال: " نحن نرفض
الديمقراطية بشكل كامل." وأضاف أن الديمقراطية قد جلبت فقط الفساد والظلم
والتخلف للعالم الإسلامي.
هل غير زهران علوش وجهات نظره؟ هذا سؤال جيد جداً ،
كما قال جوشوا لانديز، المتخصص في سوريا من جامعة أوكلاهوما والذي كتب عن علوش.
يقول لانديز: "إن علوش وموظفيه يزدادون فطنة أكثر فأكثر"، استناداً
لتغريدة عملها مع المتحدث الرسمي لزهران. وقال بسام بربندي، وهو دبلوماسي سوري
سابق يعيش في واشنطن: "الكل مدرك الآن أن النظام (السوري) ضعيف وفي طريقه
للانهيار، وإن كل لاعب رئيسي يريد أن يكون مقبولاً لدى الغرب والمجتمع
الدولي." وأضاف: "يريد زهران أن يكون في الجانب الرابح."
وأفاد لانديز أن زهران علوش سيكون هناك وأنه
"سيكون رابحاً." وأضاف أن جيش الإسلام وجماعات إسلامية أخرى وصفها بأنها
ذات طبيعة وطنية خشنة "أنها ستكون الغالبة في النهاية."
إن ظهور علوش بوجه جديد قد يكون السبب في سفره إلى
إستانبول، حيث قوبل هناك، وكان متجهاً بعد ذلك إلى الأردن ليجتمع مع قيادات الثوار
الذين يعملون في جنوب سوريا وليجتمع كذلك مع داعميهم الدوليين. إن مقاتليه يحتاجون
إلى السلاح. أخبر علوش نشرة (ماك كلاتشي) بأنه "في الغوطة لا يصلنا
السلاح" من الخارج، "وكل ما لدينا غنائم نغتنمها من الهجوم على
النظام."
كان علوش ولفترة طويلة لاعباً رئيساً في الحركة ضد
الأسد في سورية. لقد ادعى أن جيش الإسلام الذي يقوده لديه عشرة آلاف مقاتل في
ضواحي دمشق، وسبعة آلاف مقاتل موزعين في أنحاء مختلفة في سورية.
إن انتصار قوات الثوار في معارك أخيرة في شمال
وجنوب سورية وازدياد دلالات ضعف النظام كل هذا أبرز دور علوش وأهمية المناطق التي
يسيطر عليها جنوبي العاصمة دمشق. في الوقت نفسه، فإن علوش وغيره من قيادات الثوار
يتهيئون لما يأملون أنه سيكون نهاية اللعبة. هذا في حد ذاته يطرح تحدياً لحكومة
الولايات المتحدة التي لم تدعم قط إسلاميين، بل زودت دعماً متقطعاً لقوات الثوار المؤيدة
للغرب في سورية. والسؤال هنا الآن هو ليس (حول) الدعم الأمريكي المباشر، ولكن
السؤال هو هل ستمنع أمريكا دولأ أخرى في مجموعة تحالف "أصدقاء شعب
سوريا" الدولية من مساعدة علوش أم لا؟
إن علوش بسجله الذي يضعه ضمن لائحة القيادات
الفعالة للثوار سيكون لديه عدة تساؤلات فيما إذا كان مسلماً عقائدياً جازماً أم
أنه يرحب بنتيجة مختلفة عن دولة إسلامية.
زهران علوش، ذو الهيبة، الحاصل على درجة الماجستير
في الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في المدينة، والذي مكث سنتين في سجون
النظام تحت شبهة "النشاط الديني"، قال إنه كقائد لقوات رئيسية وكعالم
ديني عليه أن يكون جزء من الحوار. وأضاف: "لي الحق أن أناقش. في أي مناقشة أعبر
عن وجهات نظري كما يفعل الآخرون."
وفي مقابلته مع نشرة (ماك كلاتشي)، التزم علوش
بالخط المعتدل وقال: "إذا نجحنا في التخلص من النظام فإننا سنتركها للشعب
السوري ليختار شكل الدولة التي يريدها. أما بالنسبة للتعايش مع الأقليات فإن هذا
هو الحال في سوريا لمئات السنين. نحن لا نسعى لفرض قوتنا على الأقليات أو القيام بظلم
ضدهم."
وقال مساعد آخر إن علوش في سبيل تحسين صورته كان
مستعداً للتخلي عن العلم الإسلامي الأسود والأبيض وأن يتبنى العلم السوري الذي
ترفعه قوات الثوار الأخرى. ومهما تكن نتيجة التغير في الموقف العام فإن علوش لا
يتوقع أن يستلم أي مساعدة من حكومة الولايات المتحدة. وقد صرح قائلاً: "أقول
بصراحة، إن الإدارة الحالية عائق في وجه الشعب السوري وتمنعه من الحصول على
حريته." وقد اتهم علوش الولايات المتحدة بأنها "ذات وجهين"، تخلصت
من الرئيس العراقي صدام حسين تحت ذريعة امتلاك أسلحة كيماوية، في المقابل فإنها لم
تعاقب الأسد حتى بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية. وأفاد علوش أيضاً أن الولايات
المتحدة منعت شحنة أسلحة مضادات الطائرات كان من المفترض أن تصل من ليبيا. وأضاف:
"لقد كنا مع اتصال بهم –
أي بالإدارة الأمريكية- مرات عديدة، ولكن وصلنا إلى نتيجة وهي أن الإدارة الحالية
غير مكترثة بالشعب السوري. هم يرون الأعمال الوحشية ترتكب في سوريا ولا يفعلون
شيئاً. هم لا يسمحون لنا أن ندافع عن أنفسنا."
وقال علوش إن جيش الإسلام في الحقيقة كان على اتصال
مع المبعوث الخاص لإدارة أوباما دانيال روبنستاين، وهو ما أكدته الخارجية
الأمريكية.
وقد كان علوش ممتعضاً بشكل خاص من الحكومة
الأمريكية عندما أرسلت له رسالة في شهر فبراير / شباط تطلب منه أن يكف عن رمي دمشق
بالصواريخ.
لقد فجر النظام السوري الساحة الرئيسية في بلدة حمورية
بعد صلاة الجمعة في 23 يناير/كانون الثاني. وقال علوش إن خمسين مدنياً قتلوا من
فورهم، و33 ماتوا جراء إصاباتهم فيما بعد. ورداً على هذا هاجم علوش المنشآت
الأمنية في العاصمة، بعد أن أرسل تحذيراً عبر تويتر للسكان بأن يبقوا في بيوتهم.
وقال علوش إن النظام عاد فانتقم بانفجار آخر استهدف
مدنيين في مدينة دوما، أكثر ضواحي دمشق اكتظاظاً بالسكان، وقد قتل أكثر من مائة شخص.
بعد ذلك أعلن علوش أن جيش الإسلام سيستهدف قواعد النظام في كل أنحاء دمشق. في هذا
الوقت وصلته تلك الرسالة "الغريبة" من إدارة أوباما تطلب منه أن يتوقف
عن ضرب المنشآت الأمنية في العاصمة. وقال علوش: "في الحقيقة، لم يكن لدينا
خيار. نحن لا نقصف المدنيين، إنما نركز على القواعد التي تقصفنا." واتهم علوش
الحكومة الأمريكية بأنها لا تستنكر حتى سلسلة الأعمال الوحشية التي تقوم بها
الحكومة السورية.
كانت الخارجية الأمريكية قد تجهزت لشجب انفجار
حمورية في 23 يناير/كانون الثاني مع حدث آخر في محافظة الحسكة ووصفهما بالمروعيْن،
ولكن لم يطرح أحد من الصحفيين هذا السؤال، كما ذكر متحدث الخارجية، وإنما تكلم فقط
بصيغة المجهولية لأنه لم يكن لديه تصريح بمناقشة هذا الأمر.
الحمادي مراسل خاص لنشرة ماك كلاتشي دي سي
(ترجمه عن النص الإنكليزي عبد الرحمن كيلاني)
20 مايو ، 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق