نقاش بين الباحثيْن سيرغي ألكساشنكو وبافل ك. باييف حول
الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا
هل فاز بوتين في سوريا؟ أم حاول أن
يخفف خسائره؟
(1) سيرغي ألكساشنكو
حسب تعريف بوتين نفسه، فإن روسيا فازت في
سوريا
أنا وبافل نتفق أنه في حين جاء انسحاب القوة
العسكرية الروسية من سوريا بمثابة مفاجأة بالمعنى المباشر، فإن قرار الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين للانسحاب من سوريا كان منطقياً نظراً للظروف التي واجهها في سوريا.
واختلافنا هو في تقييمنا في فوز بوتين أساساً في لعبته الخاصة في سوريا. أنا أزعم
أنه فاز، وأن الغرب يسيء فهم ذلك، الأمر الذي سيجعل من الصعب على الغرب أن يتنبأ بتحركات
بوتين المقبلة.
أولاً، عندما نشر بوتين القوات المسلحة الروسية في سورية في
أيلول الماضي، كانت هذه أهدافه:
· إعادة روسيا إلى وضعها كقوة عظمى، والمشاركة على
هذا الأساس في الحوارات الدولية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
· مقاومة الغرب، وخاصة جهوده للإطاحة بالرئيس
السوري بشار الأسد.
· الحفاظ على سوريا كدولة موحدة لا تزال حليفة
لروسيا (دولة على استعداد لشراء الأسلحة الروسية، وتوفير الأراضي لإقامة قواعد
عسكرية روسية فيها)، وكذلك إنهاء الحرب الأهلية السورية، وإطلاق الحوار السياسي
الداخلي.
· تشكيل شراكة مع إيران، بما في ذلك تعزيز المصالح
الاقتصادية لشركات النفط والغاز الروسية ومصنعي الأسلحة.
· تشكيل ائتلاف واسع بمشاركة الولايات المتحدة
وروسيا وإيران والمملكة العربية السعودية، وتركيا لمكافحة تنظيم الدولة.
وباستثناء النقطة الأخيرة، فإنه
يمكن لبوتين وضع علامة على نقاط قائمته. أما فيما يتعلق بالمواجهة مع الولايات
المتحدة، على وجه الخصوص، فإن الكرملين لا ينظر للصراع السوري على أنه مواجهة
إقليمية بين القوتين، مثل "الحرب الكورية". بوتين نفسه قد يشعر حقاً أنه
فائز، لأن الهدف الرئيسي للغرب، وهو إزالة الأسد لم يتحقق. والأسوأ من ذلك، فإن
هذا المطلب قد تمت إزالته من الجدول تماماً.
ثانياً، السياسيون الغربيون وللمرة الثانية أخطأوا حسابات
بوتين السياسية. قد تكون لهم آرائهم الخاصة فيما يتعلق بالمغامرة الروسية في
سوريا، ولكن هذا لن يساعدهم على فهم أعمال بوتين. فبدلاً من مقارنة سلوك بوتين مع
لاعب الشطرنج - والذي يسعى لتحقيق استراتيجية النصر- فإني أعتقد أننا يجب أن ننظر
إلى منطق الجودو، والذي يمتلك منه بوتين مستوى رفيعاً. إن التدخل في سوريا، مع نشر
وانسحاب سريعين للقوات الروسية، كان حركة مفاجئة وحادة زعزعت معارضي بوتين. يمكننا
أن نتناظر فيما إذا فاز بوتين بنقطة كبيرة أو صغيرة، ولكن الحقيقة هي أنه أحرز
نقاطاً وعاد فوراً إلى الحالة الأولية من التوتر المتبادل.
لقد أثبت بوتين في سورية وأوكرانيا أنه
مستعد لاستخدام القوة العسكرية -بسرعة وبشكل غير متوقع- إذا لزم الأمر، لحماية
المصالح الروسية كما يعرّفها هو. (لذلك، فإنه لا ينبغي لنا أن نندهش إذا أعاد
بوتين نشر قوات روسية في سوريا في وقت لاحق- فقد قال إنه سيكون مستعداً للقيام بهذا
بعد ساعات من الإعلان عنه). في حالة سوريا، فإن بوتين حدد الأهداف الروسية، وحققها
إلى حد كبير، وخرج من هناك قبل أن يقع في المستنقع.
***
(2) بافل ك. باييف
بوتين لم يحقق أهدافه في سوريا، بل قلل من
خسائره
أنا أتفق مع سيرغي بأن إعلان الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين المفاجئ الأسبوع الماضي بانسحابه على الأقل جزئياً من سوريا كان
مفاجأة بالمعنى المحدود، ولكنه منطقي بالنسبة لبوتين على نطاق أوسع. وعلى عكس
سيرغي، يمكنني أن أقول: بينما استطاع بوتين أن يفر بنجاح من "المستنقع"
في سوريا، فهذا ليس لأنه حقق أهدافه، بل ليقلل من خسائره ويخرج من هناك في وقت
يستطيع أن يفعل ذلك.
لقد تمكن بوتين للحد من سقوط مغامرة القوة
قبل نكسة كبيرة ثانية (حصلت الأولى عند أسقطت طائرة تركية طائرة قاذفة روسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي)، فلذلك كان
توقيته إلى حد ما سليماً وغريباً أيضاً. التوقيت كان سليماً لأن وقف إطلاق النار
الهش الذي استمر في سوريا أتاح لروسيا فرصة مثالية لإنهاء تدخلها، وكان غريباً
لأنه النصر لم يتحقق في ميدان المعركة: فمعظم حلب لا يزال تحت سيطرة الثوار، ناهيك
عن أن تنظيم الدولة ما زال يسيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق. نعم، قد عززت
حملة القصف الروسية قبضة الرئيس السوري بشار الأسد على السلطة، ولكن الرحيل
المفاجئ يمكن أن يترك القوات السورية مثبطة ويحملها فوق طاقتها، مما يهدد مكاسب
التحالف المتنافرة، بما فيها المكاسب التي حققتها قوات حزب الله. وفي الوقت نفسه،
وعند نقطة معينة كان من المرجح أن القصف الروسي سيمهد الطريق لهجوم بري حاسم تنفذه
قوات المشاة الإيرانية، لكن ذلك لم هذا لم يحدث. والخلافات حول إنتاج النفط أساء
للعلاقات الروسية-الإيرانية، مما يجعل التجربة الروسية في إسقاط القوة في سوريا
أكثر خطورة.
وحين أن قرار بوتين لاعادة القوات والمعدات
إلى روسيا عنى شيئاً، إلا أن بوتين يبدو أنه لم يكن سعيداً من قراره هذا. حتى في
الفيديو الرسمي المتلاعب فيه بعناية، كان التوتر واضحاً عليه في الوقت الذي سبق
فيه الإعلان عن مفاجأته بالانسحاب. ليس من طبيعة بوتين أن يبطئ من سرعته، فمن
المحتمل أنه كان يفكر في مخاطر الانسحاب المسرع. ومن المحتمل أن استمتاع بوتين
بتفوقع على أوباما بالحيلة هو الذي دفعه لاختيار العمل الذي قام به، وليس التقييم
الحقيقي بأن روسيا حققت أهدافها.
أيضاً، وعلى الرغم من أن بوتين أعلن انسحابه
عشية محادثات جنيف- التي كانت من المرجح أن تحسن آفاق المفاوضات، كما نبهت إليه
وزارة الخارجية- فإنه من المشكوك فيه ما إذا كان ذلك حقاً نية بوتين. إن نهاية
الحرب الأهلية - وإن كانت بعيدة، لكن لا مفر منها- من شأنها أن تشير إلى تراجع
النفوذ الروسي لأنه ليس لديه ما يساهم به في بناء السلام.
وعلى الرغم من أن روسيا قد أظهرت شهية عالية
للمخاطرة في سوريا - فضلاً عن عدم اهتمامها للأضرار التبعية- إلا أنها أظهرت أن
ليس لديها قوة البقاء (في سوريا). ومن الناحية النظرية، روسيا أبقت الباب مفتوحاً
أمام خيار عودة طائراتها وقواتها إلى اللاذقية، ولكن هذا الخيار في الحقيقة غير
عملي. لقد تم تأمين نجاح الانتشار في سبتمبر بشكل مفاجئ، والذي ذهب الآن، في حين
أن المقاتلين هم على استعداد أفضل للدفاع ضد الغارات الجوية (كما برهن على هذا
إسقاط طائرة سورية).
وأخيراً، فإن الحقيقة هي أن روسيا لا تملك
الموارد اللازمة لإطالة تدخلها. في اجتماعاته الأخيرة مع مستشاريه الاقتصاديين وفي
وقت متأخر من الليل، قرر بوتين وكبار مساعديه أن نفقات الدفاع - والتي كانت منذ
فترة طويلة شحيحة، سيتم بالفعل خفضها في البداية 5 في المئة فقط، ولكن فيما بعد
سيكون الخفض أكبر. إن اتخاذ مثل هذا القرار -مثل قرار الانسحاب من سوريا- معقول،
ولكن كلا القرارين يدلان على تراجع استراتيجي لروسيا، وأنهما لم يتخذا من موقع
قوة.
***
تعريف بالباحثيْن:
-سيرغي
ألكساشنكو (Sergey Aleksashenko) زميل بارز غير مقيم في الاقتصاد العالمي والتنمية. نائب سابق
لمدير البنك المركزي الروسي، ومدير سابق لميريل لينش فرع روسيا. يركز ألكساشينكو
على عملية الانتقال في رابطة الدول المستقلة -السوفيتية السابقة- وأوروبا الشرقية،
والسياسة النقدية والبنية التحتية المالية الدولية.
-بافل
ك باييف (Pavel K. Baev) أستاذ باحث في معهد بحوث السلام، أوسلو (PRIO)، وزميل بارز غير مقيم في مركز الولايات المتحدة
وأوروبا في معهد بروكينغز. وقبل انضمامه إلى (PRIO) في عام 1992، كان يعمل في
معهد أوروبا في موسكو. تشمل أبحاثه الحالية إصلاح العسكرية الروسية، وإدارة صراع روسيا
في القوقاز وآسيا الوسطى، ومصالح الطاقة في الخارجية الروسية، والسياسة الأمنية
وعلاقات روسيا مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي.
رابط المقال:
نقله إلى العربية عبد الرحمن كيلاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق