بقلم جان قصاب أوغلو
17 مايو/أيار، 2016
وصل
عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في تركيا نتيجة الهجمات الصاروخية التي شنها
تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»)، مؤخراً رقماً مزدوجاً. ومنذ كانون
الثاني/يناير، استهدف حوالي 70 هجوماً من هذه الهجمات العابرة للحدود الأراضي
التركية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 21 شخصاً، وإلحاق أضرار نفسية جسيمة،
وتعطيل الحياة اليومية في مدينة "كيليس" الحدودية إلى حد كبير.
وبالتالي، تجد أنقرة نفسها الآن منزلقة في حرب استنزاف غير محددة وتبذل جهود من
أجل طمأنة الجمهور الذي يعاني بالفعل من الهجمات الإرهابية الكبيرة التي يشنها
تنظيم «داعش» في اسطنبول وأنقرة. وبناءً على ذلك، فإنها بحاجة إلى التحلي بمزيد من
القدرات لتغيير قواعد اللعبة على الصعيدين الدفاعي والهجومي لمواجهة تهديد
الصواريخ الملحّ.
قدرات صواريخ تنظيم
«الدولة الإسلامية»
تعتبر منظومات الإطلاق المتعددة لصواريخ كاتيوشا هدية رديئة السمعة
من المجمع الصناعي العسكري السوفياتي للكثير من ساحات المعارك المعاصرة، بشكل
يشابه إلى حد كبير بندقيات "إيه كيه-47". ففي أواخر أربعينيات القرن
الماضي، بدأ العمل على تطوير أشكال متعددة للكاتيوشا أصبحت تستخدم غالباً اليوم،
وهي "بي إم-21 غراد" عيار 122 ملم البديل لنموذجي 82 ملم و132 ملم
اللذين لعبا دوراً هاماً خلال الحرب العالمية الثانية. يُذكر أنه يمكن للكاتيوشا
أن تحمل مجموعة متنوعة من الرؤوس الحربية مثل الأجهزة المتشظية الشديدة الانفجار
وقنابل الدخان والقنابل العنقودية، وحتى الألغام المضادة للدبابات. وبشكل عام،
يبلغ مداها العملياتي حوالي 20 كم.
وقد حصل تنظيم «الدولة الإسلامية» على غالبية ترسانته من صواريخ
الكاتيوشا من خلال استيلائه على هذه الأنظمة من القوات الحكومية في سوريا والعراق،
على الرغم من أنه يمتلك أيضاً خط تعديل وإنتاج مزدهر خاص به. ويستند هذا المنطق
التكتيكي الكامن وراء حملة الصواريخ قصيرة المدى التي يشنها التنظيم ضد تركيا على
تنقلية القوة النارية وتركيزها. ويتم نقل صواريخ الكاتيوشا التي يملكها على منصات
أبعادها 4×4 أو 6×6 ذات قدرة حركية فائقة، مما يجعل حمايتها أسهل بكثير عن طريق
النقل السريع. كما أن الصواريخ ذاتها تتمتع بإشارات منخفضة نسبياً، بحيث يصعب كشف
عمليات الإطلاق. حتى إنه يمكن أن يتم إطلاق الكاتيوشا من قاذفات مجهزة تسير على
سكك حديدية مع جهاز توقيت بحيث لا تشمل العملية أي فريق إطلاق. بالإضافة إلى ذلك،
في الوقت الذي تفتقر سلسلة "بي إم-21 غراد" إلى الدقة، إلا أنه يمكنها
أن تركز قوة نيرانها الشديدة على ضرب التشكيلات العسكرية أو التسبب بالخوف في
المناطق الحضرية.
تهديدات كيميائية
وحرارية؟
على الرغم من أن تهديد الصواريخ التقليدية يتسبب بالفعل بمشاكل ضخمة،
إلا أن أنقرة لم تواجه بعد أسوأ السيناريوهات. أولاً، لا ينبغي التقليل من خطر
استخدام تنظيم «الدولة الإسلامية» للصواريخ التي تحمل رؤوس كيميائية. إذ تم تصميم
بعض تشكيلات الرؤوس الحربية لصاروخ "بي إم-21 غراد" خصيصاً لتوفير غازي
الأعصاب "في إكس" و"السارين" (حوالي 3 كلغم في كل رأس حربي من
عيار 122 ملم)، وكذلك سيانيد الهيدروجين. كما وأنّه من المسلّم به إلى حد كبير أن
اتفاق نزع الأسلحة الكيميائية ما بين واشنطن ودمشق لم يحقق هدفه، إذ إن جزءاً من
الترسانة الكيميائية لنظام الأسد لا يزال سليماً، وقد سبق ان أثبت تنظيم «الدولة
الإسلامية أنه يطرح تهديداً ملموساً بالأسلحة الكيميائية من خلال استيلائه على
مخزون الكلور في سوريا وغاز الخردل في العراق.
ويقيناً، أن وجود نماذج من صواريخ "بي إم-21 غراد" التي
تحمل أسلحة كيميائية في ترسانة التنظيم لا يزال أمراً غير مؤكد، وأن أي استعمال
فعلي لهذه الأسلحة ضد تركيا سيؤدي إلى انتقام هائل، وربما حتى من "حلف شمال
الأطلسي" ("الناتو"). ولكن، نظراً إلى العقلية المروّعة والمعروفة
لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وإلى المعرفة بوجود مثل هذه الأسلحة وسط مناطق الحرب
التي لا تنفك تشهد تبدلات مستمرة، لا ينبغي التقليل من الخطر المطروح.
ثانياً، إذا كان تنظيم «داعش» قادراً بطريقة أو بأخرى على الاستيلاء
على الرؤوس الحربية الحرارية (القنابل الفراغية) في سوريا، فإن عدد الضحايا في
تركيا يمكن أن يزداد إلى حد كبير. فالقنابل الفراغية تعمل بطريقة مختلفة جداً عن
الرؤوس الحربية التقليدية الشديدة الانفجار. وهذه الأسلحة الوقودية - الهوائية
تسبب أضراراً قاتلة من خلال سحب الأوكسجين من المنطقة المستهدفة، مما تُحدث حرق
قوي وضغط زائد مكثف. وقد استخدمت القوات الروسية هذه الأسلحة لتأثيرها المدمر في
المناطق الحضرية في الشيشان؛ وتشير أدلة مرئية إلى أن موسكو قد استخدمت عدداً غير
معروف من منظومات الإطلاق المتعددة للصواريخ الحرارية من طراز "تي أو أس-1
إيه" في ساحة المعركة السورية. وتحمل أنظمة "تي أو أس-1 إيه" أربعة
وعشرين صاروخاً عيار 220 ملم على هيكل دبابة من طراز "تي-72" ويمكنها
إطلاق العديد من القذائف الهائلة في أقل من عشر ثوانٍ. وعلى الرغم من أن المنظومة
تضم مجموعة ذات مدى أقصر من مدى "بي إم-21"، إلا أن آثارها المدمرة في
المناطق التركية المأهولة يمكن أن تكون كارثيةً.
ودون أدنى شك، سيواجه تنظيم «الدولة الإسلامية» صعوبة كبيرة في
الاستيلاء على أنظمة "تي أو أس-1 إيه" من القوات الروسية المنتشرة في
سوريا. ومع ذلك، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2015، ظهرت أدلة مرئية تشير إلى أن قوات
الجيش السوري كانت تستعمل مثل هذه الأسلحة أيضاً، وهو أمر مثير للقلق نظراً إلى أن
تنظيم «الدولة الإسلامية» قد اثبت أنه مستعداً للاستيلاء على أنظمة قوية أخرى من
يد النظام وقادراً على القيام بذلك.
كيفية مواجهة التهديد
الصاروخي
من وجهة نظر عسكرية، تحتاج تركيا إلى مزيج جيد من القدرات الهجومية
والدفاعية لمواجهة إطلاق الصواريخ من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» وردعه من
القيام بذلك. ومن ناحية العقيدة، تندرج هذه الجهود تحت عنوان عمليات "مكافحة
القذائف الصاروخية والقذائف المدفعية والهاون"، بالمقارنة مع الدفاع
بالصواريخ الباليستية، وهو أمر لطالما أساء الكثيرون في المجتمع المعني
بالاستراتيجيات التركية فهمه. فحماية القوات العسكرية والسكان المدنيين من القذائف
قصيرة المدى يتطلب رد فعل ممتاز في الوقت المحدد فضلاً عن قدرات قوية في
الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. ولا بد من الإشارة إلى أن الجيوش الحديثة
تستخدم وسائل مختلفة لاعتراض هذه الأسلحة، من بينها بندقية "جاتلينج"
سريعة الإطلاق ومدافع مسدس (مثل منظومة الأسلحة "فالانكس" قصيرة المدى،
وهي تعديل للبديل البحري الذي يحتاج إليه الجيش الأمريكي) فضلاً عن منظومات الدفاع
الجوي منخفضة الارتفاع وقصيرة المدى جداً (مثل منظومة "القبة الحديدية"
الإسرائيلية). بيد، تفتقر تركيا إلى أي تشكلية برية مماثلة لمكافحة القذائف
الصاروخية والقذائف المدفعية والهاون.
وتحتاج أنقرة أيضاً إلى تعزيز قدراتها الهجومية بصورة أفضل. إذ إن
منع الهجمات الصاروخية التي يشنها تنظيم «الدولة الإسلامية» يستلزم نهجاً بسيطاً
ولكنه يتطلب الكثير في مرحلتين. أولاً، يجب على القوات المسلحة التركية أن تستهدف
بشكل استباقي تشكيلات محددة تابعة للتنظيم ضمن مدى الصواريخ، الأمر الذي قد يشكل
تحدياً نظراً إلى الوجود المرجح لوحدات صغيرة مع عدد قليل من الصواريخ. ثانياً،
يجب على هذه القوات أن تعمل على إخراج جميع عناصر تنظيم «داعش» من منطقة الخطر
بشكل دائم.
وفي الوقت الحاضر، يستخدم الجيش التركي أنظمة مدافع الهاوتزر"
فيرتينا" عيار 155ملم التي يبلغ مداها 30-40 كم، إلى جانب أنظمة صواريخ 122
و300 ملم والتي قد يصل مداها إلى 40 كم و80 إلى 100 كم على التوالي. كما أن
موجودات دعم النيران التي يملكها الجيش، ترتبط برادارات اكتشاف النيران من طراز
"إيه أن/تي بي كيو-36"، وهي عبارة عن أنظمة "إكس باند" يتم
مسحها إلكترونياً ويمكنها تحديد موقع إطلاق الصواريخ والمدفعية وقذائف الهاون.
ويصل مدى اكتشاف النظام للصواريخ إلى حد 24 كم، ويمكنه أن يتتبع ما يصل إلى عشرة
أهداف في وقت واحد.
وليس هناك شكّ بأنّ هذه الشبكة توفر موقف انتقامي قوي، وحتى بإمكان
تركيا أن تبلغ أهدافاً تبعد بضع مئات الكيلومترات داخل سوريا باستعمالها الصواريخ
الباليستية التكتيكية من طراز "جي-600". بيد، ستظل القوات التركية بحاجة
إلى التحليق فوق الأراضي السورية لمطاردة قاذفات صواريخ تنظيم «الدولة الإسلامية»
المحمولة قبل شن ضرباتها، كما ستحتاج إلى قدرات قوية في الاستخبارات والمراقبة
والاستطلاع للكشف عن مثل هذه الأنظمة والقضاء عليها قبل أن تصل إلى مواقع إطلاق
النار. وهذه المتطلبات شائكة بشكل خاص نظراً إلى أن روسيا أنشأت منطقةً هائلةً
يمنع الوصول إليها في سوريا بعد أن أسقطت تركيا إحدى مقاتلاتها من طراز "سو
24" في تشرين الثاني/نوفمبر. لذا فإن موسكو مجهزة تجهيزاً جيداً للكشف عن أي
توغل للقوات الجوية التركية، ويمكنها أن تستخدم مثل هذه الحوادث كذريعة للانتقام.
في ضوء هذا التحدي، يمكن لقدرات الطائرات بدون طيار المسلحة أن تُثبت
أنها تشكل رصيداً هاماً. فقد أعرب رئيس هيئة المشتريات العسكرية في تركيا، اسماعيل
ديمير، في الآونة الأخيرة عن الحاجة إلى السيطرة على مثل هذه الأنظمة من أجل
التصدي لتهديد صواريخ تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن، في حين أن البرنامج التركي
الواعد للطائرات بدون طيار قد أظهر تحسينات مثيرةً للإعجاب في اختبار منصتي
"بيرقدار" و"أنكا"، أصبح تهديد الصواريخ وشيكاً وباتت هناك
حاجة إلى القدرات القوية للطائرات الهجومية من دون طيار.
تركيا تحتاج إلى
شركاء
التطورات الأخيرة في الحرب في سوريا أظهرت من جديد لأنقرة قيمة
التحالف الاستراتيجي التركي-الأمريكي، وحتى التعاون العسكري التركي-الإسرائيلي.
ففي ظل غياب رادع جوي تركي فوق سوريا، كانت الطائرات الأمريكية المسلحة من طراز
"إي-10" و" إم كيو-1 بريداتور" من دون طيار تقلع من قاعدة
"إنجرليك" الجوية لضرب أهداف تنظيم «داعش» عبر الحدود. كما تنشر
الولايات المتحدة منظومات صواريخ مدفعية ذات قدرة عالية على الحركة من طراز
"هيمارس" في تركيا للرد على هذا التهديد. إلى جانب ذلك، لو لم تتراجع
علاقات أنقرة مع إسرائيل في السنوات الأخيرة قبل محاولتهما الأخيرة للتقارب، لكان
من المرجح أن يعطي الأتراك الأولوية لعمليات شراء سريعة لطائرات مسلحة من دون طيار
ولبطاريات منظومة "القبة الحديدية" التي تتمتع بمعدل اعتراض ضد الصواريخ
يبلغ 90 في المائة. وكما هو الوضع حالياً، من غير المرجح أن تقوم تركيا بمثل هذه
المشتريات من إسرائيل على المدى القريب.
وسواء اعتمدت أنقرة على الشركاء الأجانب أو على عمليات البحث
والتطوير المحلية أو على مزيج من الاثنين، تحتاج أنقرة إلى الرد بسرعة على التحدي
الإرهابي الذي يتحول من صراع غير كثيف جداً إلى تهديدات بخوض حرب هجينة. فخصوم
تركيا من غير الدول يعملون على تحسين قدراتهم بمنظومات صواريخ متحركة وصواريخ
موجهة مضادة للدبابات وأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف. وفي ظل هذه الظروف، فإن
عمليات التكيّف الاستراتيجي مع البيئة الأمنية الجديدة وتنفيذ التغييرات المطلوبة
في القوات المسلحة التركية هي أمور في غاية الأهمية.
--------------------------
جان قصاب أوغلو هو محلل للشؤون الدفاعية في مركز الأبحاث
"إيدام" الذي مقره اسطنبول، وأستاذ زائر سابق في "كلية
الدفاع" التابعة لـ "حلف شمال الأطلسي". وقد حصل على درجة
الدكتوراه من "معهد البحوث الاستراتيجية" في "كلية الحرب
التركية".
رابط المقال:
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/turkeys-war-of-attrition-with-the-islamic-state-the-rocket-threat
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق