الخميس، 24 مارس 2016

الدافع الخفي لانسحاب روسيا الجزئي من سوريا - غاريت كامبل

نقله إلى العربية عبد الرحمن كيلاني
18 آذار ، 2016
 وسط ضجة كبيرة و"مفاجأة"، يبدو أن روسيا وللمرة الثانية تتغلب على قيادة الغرب في مناوراتها في في سوريا. في حين كثر الكلام عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بتنفيذ استراتيجية سليمة أم هي مجرد تكتيك انتهازي، فإنه من الواضح أنه حقق هدفه الاستراتيجي الأساسي وهو جعل روسيا من الناحية الجيوسياسية ذات أهمية مرة أخرى وإجبار الغرب على أن يقبل - وعلى مضض- أن يأخذ بعين الاعتبار المصالح الروسية. ولكن هناك دوافع خفية لانسحاب بوتين الجزئي من سوريا.
الانسحاب اسميّ فقط
انتظر دقيقة! نعم،  إن الروس يسحبون بعض موظفيهم العسكريين وبعض الأجهزة، ولكنه إلى حد كبير، هو انسحاب اسميّ فقط. لقد عادت بعض الطائرات التكتيكية إلى روسيا، ولكننا لا نستطيع أن نتأكد من المستويات الحالية، ففي نفس الوقت هناك طائرات آخرى تصل مجدداً إلى سوريا. بالإضافة إلى هذا، فنحن لم يكن في الأصل لدينا أرقام دقيقة عن [الطائرات والجنود الروس في سوريا]. وتشير التقديرات إلى أن هناك ما بين ثلاثة إلى ستة آلاف من الجنود الروس في سوريا من قبل، وما نعرفه الآن هو أن الروس قد أبقوا خلفهم ما يكفي من القوات لدعم قواتها لوجستيا في كل من قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس.
والأهم من ذلك، هو نشر روسيا منطقة منع دخول الأسلحة،  و لمنع إقامة ممر إنساني أو منطقة حظر للطيران، كلها ظلت في مكانها. إن القوات الروسية التي تراقب وتسيطر على الطيف الكهرومغناطيسي -وهي ميزة روسية حاسمة في كل من سوريا ودونباس في أوكرانيا- ما زالت باقية في مكانها. ويبدو أن الطائرات المقاتلة الأكثر تقدماً وهي SU-35 و SU-30 ما زالت باقية هناك أيضاً. وأخيراً، فإن مستشاريهم والمدفعية الروسية، وهي عناصر حاسمة على أرض الواقع، لا يزالون هناك يراقبون ساحة المعركة السورية، مستعدون لما سيأتي بعد ذلك. وقد ورد أن خمسة من القوات الروسية قد قتلوا مؤخراً على يد تنظيم الدولة بالقرب من مدينة تدمر.
الرسالة واضحة: إن الفرقة الروسية المتبقية ليست فقط قادرة على تحمل الحرب، بل قادرة على إعادة تشكيل حملتها حسب الأمر الرئاسي. ومن خلال حفاظها على قدرتها في منعها لمنطقة عدم الدخول (anti-access area) ضد الغرب وتركيا، فإن روسيا تؤكد على أنه لن يكون هناك أي جهد لقلب ميزان القوى على أرض المعركة أو تخفيف الكارثة الإنسانية في سوريا والتي تعاونت فيها روسيا وحلفاؤها على إدامتها. إن روسيا ترسل رسالة واضحة إلى تركيا وغيرها - كما حدث بتسليحها الأكراد في الآونة الأخيرة بمضادات الطائرات. إن روسيا ستواصل ضمان أن لا يستطيع أحد أن يقلب النصر الذي نسبته إلى نفسها، أو أن يقوض ادعاء إعادة نفوذها داخل النظام الدولي.
وأخيراً، هناك مجموعة أخرى من الفعاليات الهامة التي بالتأكيد لم تغادرساحات القتال السورية: الآلاف من القوات الإيرانية من الحرس الثوري، ومقاتلي حزب الله، ومجموعة من الميليشيات الشيعية من العراق وباكستان، وعناصر حرضها الروس، لتجازف روسيا وتحارب الأنظمة الغربية والتطرف الإسلامي ، أو كلا على حدى.
في هذه المرحلة، فإنه من المنطقي أن يقوم الروس بإزالة عدد ملموس من الطائرات الحربية. لقد سلم الروس الزخم لنظام الأسد، وإعادة بناء قواته الجوية وقواته المدرعة إلى حد ما، وإعادة تدريب عناصر من الجيش السوري. وببسيط العبارة، فإنه ليس هناك حاجة حالياً لوجود سلاح جوي روسي كبير في سوريا.
قضية توقيت الانسحاب الجزئي
بتنفيذ الانسحاب العسكري الجزئي، ومثلما قامت القوات الغربية والإقليمية لتضرب تنظيم الدولة في العراق وسوريا في معاقله الرئيسية المتمثلة في الموصل والرقة، فقد عمد الروس إلى توضيح أنهم يسعون إلى التأثير على الغرب والاستمرار في متابعة مشوارهم الانتقامي لإعادة ترتيب النظام الدولي. وبعبارة أخرى، فإن توقيت قرار بوتين ليس في المقام الأول يخص سورية نفسها، أو تنظيم الدولة، أو أي تهديد إسلامي آخر لروسيا. إن تدخل روسيا في سوريا، وعلى عكس الحجج الرسمية، لم يكن وليس هو في الحقيقة حول سوريا. إن خطاب بوتين المتغطرس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي - والذي سعى من خلاله إلى إيجاد تحالف عالمي لمحاربة الإرهاب- كان حول تسليط الأضواء عليه في حقيقة الأمر وليس لتقدم مثل هذا التحالف. لقد كان الأمرحيلة! إن بوتين الآن يوصل نقطة وهي أن قتال تنظيم الدولة في سوريا هو ورطة أوباما ليتعامل معها.
لقد واصلت روسيا في الحفاظ على مصلحتها في سوريا طوال الوقت، كما هو واضح من خلال حملات القصف العشوائي ضد المقاومة السورية، حيث أن تعريف روسيا لهذه المقاومة  -من الواضح- تعريف فضفاض للمجموعات التي تعتبرها إرهابية. تذكّروا أن بوتين قال عدة مرات إن روسيا ليس لديها حلفاء ولكن لديها شركاء استراتيجيين- وقد ظهر هذا في أعمال روسيا في سوريا. وأخيراً، من خلال ادعاء النصر والانسحاب من ساحة المعركة، بينما هي على وشك الانتصار في حلب ومع زخم لصالح إيران حتما والأسد، كل هذا يدل على إخضاع روسيا لأهداف حلفائها في الحرب لحسابها هي.
دافع خفي
لذلك، أكملت روسيا انسحاباً جزئياً من سوريا - والذي هو من حيث حقائق المعركة والتوقيت- كان بتمامه يصب في مصالحها الخاصة. لا ينبغي أن يشكل هذا مفاجأة لنا.
قليل هم الذين يعتقدون أن وقف إطلاق النار الهش الحالي سوف يستمر- وعندما ينهار، سوف تلعب روسيا دوراً رئيسياً على طاولة المفاوضات. وكأكبر لاعب في العالم متورط بشكل مباشر في النزاع السوري، فالعالم يعترف الآن أنه يجب التعامل مع روسيا من أجل تحقيق السلام في سوريا. تولت روسيا بحكم الأمر الواقع المسؤولية عن نجاح وقف إطلاق النار أو فشله، وبالتالي فإن تحديها هو أن على روسيا أن ترى تنفيذ شروطه، وهذا مستبعد جداً.
إن سحب القوات خارج سوريا مع الضجة الإعلامية وأبهة الاحتفال والمواقف لتكريم الطيارين العائدين وعائلات قتلى الجنود الروس يستهدف بوضوح الجمهور الروسي المحلي. من المناسب تكريم هؤلاء الذين يخدمون، بطبيعة الحال، لكن الانسحاب الروسي والتركيز المحلي يرسل رسالة وهي أنه عندما يفشل وقف إطلاق النار فهو ليس مسؤولية روسيا ولا خطأها، بل هو خطأ المعارضة المدعومة من الغرب والولايات المتحدة، وحلفائهما. هناك جماعات كثيرة مجازفة تتنافس على السلطة والأرض في سوريا والتي لا تستجيب لروسيا أو للغرب أو لحلفائهم. إن الدافع الخفي لانسحاب روسيا هو إعداد ساحة المعركة السياسية عند انهيار وقف إطلاق النار واستئناف الحرب الأهلية. على روسيا أن تكون قادرة على إضفاء الشرعية على أي عمل تراه ضرورياً بعد حدوث هذا الفشل. يجب على روسيا أن تكون قادرة على إظهار كيف أن الغرب فشل مرة أخرى، وأن تصور نفسها - في الوقت ذاته- أنها الطرف المتضرر.

غاريت كامبل زميل في التنفيذي الفيدرالي، معهد بروكينغز، البحرية الأمريكية، مركز القرن 21 للأمن والاستخبارات.
رابط البحث:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق