بقلم: ستيفن زونس
كتب
ستيفن زونس، وهو الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي، مقالاً في 26 أكتوبر (2004) حول أثر انتخابات الرئاسة الأمريكية على السلام العربي-الإسرائيلي،
والموقف الإسرائيلي فقال إن انتخابات الرئاسة لن تقدم سوى خيار ضئيل
للسلام في الشرق الأوسط، وإن الحكومةالإسرائيلية ليست مهتمة بالفعل في
اتفاقية سلام مع الحكومة السورية أو السلطة الفلسطينية.
وقد
كتب زونز مقاله التحليلي في مركز "معلومات بلا جدار" الذي يدعى
Foreign Policy
in Focus،
والذي أُنشئ في عام 1996، وهو عبارة عن شبكة من المحللين السياسيين
والمحامين والنشطاء المدافعين عن "جعل الولايات المتحدة زعيمة عالمية
أكثر مسؤولية وشريكاً عالمياً".
وفيما يلي نص
المقال:
في وقت سابق من
هذا الشهر، وفي مقابلة ثم نقلها على نطالق واسع في صحيفة هاآرتس
الإسرائيلية اعترف دوف وايزغلاس –كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي
أرييل شارون- بما عرفه معظم المراقبين السمتقلين طيلة الوقت وهو: أن
الحكومةالإسرائيلية ليست مهتمة بالفعل في اتفاقية سلام مع الحكومة
السورية أو السلطة الفلسطينية. فقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية
الفلسطينية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية عندما استولت القوات المسلحة
الإسرائيلية على هذه الأراضي في عام 1967 وطردت آلاف العرب منها، ومن
ثَمَّ استعمرتها استعماراً استيطانياً بمستوطنين يهود خلافاً للقانون
الدولي.
وفي إبريل
الماضي اقترح شارون ما أشار إليه بأنه "خطة فك ارتباط"، وفي الوقت الذي
تزيح هذه الخطة 7500 مستعمر إسرائيلي من مستوطنات غير شرعية في قطاع غزة
المحتل، إلا أنها ستحتفظ بالسيطرة الإسرائيلية على الأراضي في الوقت الذي
تضم فيه أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية
بهدف ضم المستوطنات اليهودية غير الشرعية هناك. وهذا رفض فعلي لقراري
مجلس الأمن الدولي 242 و338، واللذين قُدِّما من الإدارات الأمريكية
الديمقراطية والجمهورية السابقة كأساس لتسوية سلمية إسرائيلية-عربية،
واللذين يدعوان إسرائيل –مقابل ضمانات أمنية من جيرانها العرب- إلى
الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في حرب يونيو/حزيران
عام 1967.
وسرعان ما تلقت
خطة شارون تأييداً حماسياً من الرئيس بوش الذي ادّعى أن قرار شارون "أعطى
الشعب الفلسطيني والعالم الحر فرصة لاتخاذ خطوات جريئة من قبلهم باتجاه
السلام". وبعد ذلك بفترة قصيرة، أقر كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ
الأمريكيين قرارات بأغلبية ساحقة من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)
تصادق على اقتراح شارون. وأوضح وايزغلاس في مقابلته أن "أهمية خطة فك
الارتباط تكمن في تجميد عملية السلام. وعندما تجمد تلك العملية، فإنك
تمنع إنشاء دولة فلسطينية وتمنع أي بحث في قضايا اللاجئين والحدود
والقدس.. ومن الناحية الفعليه فإن كل هذه المجموعة من القضايا التي تسمى
الدولة الفلسطينية بكل ما يستتبعها، قد أزيحت إلى ما لا نهاية من
برنامجنا. وكل هذا يتم بتخويل وإذن: كل هذا بمباركة رئاسية ومصادقة من
المجلسين في الكونغرس".
وبالمقابل، فقد
لاحظ نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق يوسي بيلبين، المهندس الرئيسي
لاتفاقيات أوسلو، أن "شارون نفسه ليس شريكاً في السلام". وأضاف أحمد
الطيبي، وهو عضو في الكنيست الإسرائيلي، إلى ذلك في قوله إن "الإدارة
الأمريكية شريكة في الخديعة السياسية لشارون". وفي الوقت نفسه، فإن
الرئيس السوري الأسد والرئيس الفلسطيني عرفات استأنفا دعواتهما من أجل
اتفاقية سلام دائمة مع إسرائيل ترتكز على قراري مجلس الأمن الدولي 242
و338. وقد انتُقد كلا من عرفات والأسد، مثل عدد آخر من الزعماء العرب
(بمن فيهم بعض المتحالفين مع الولايات المتحدة) لحكمهما الأتوقراطي
وإدارتهما الفاسدة وعدم قدرتهما أو عدم رغبتهما في كبح المجموعات
المتطرفة العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرتهما القانونية. ومهما يكن من
شيء، فإن مواقف هاتين الحكومتين حول عملية السلام وقرارات مجلس الأمن
الدولي، ومواقف حلفاء أمريكا الديموقراطيين والمواقف المعلنة للإدارات
الأمريكية السابقة أكثر بكثير من الموقف الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال،
فإن الرئيس عرفات تحدث بصورة إيجابية عن مسودة اتفاقية السلام التي وقعت
في جنيف في الخريف الماضي من زعماء معتدلين في حزب العمل الإسرائيلي
المعارض وشخصيات فلسطينية قيادية. وبموجب الاتفاقية ستقام دولة فلسطينية
في الضفة الغربية وقطاع غزة (مع تعديلات طفيفة ومتبادلة من خطوط الهدنة
لعام 1949)، وسيعترف الفلسطينيون بسيطرة إسرائيل على 78% من فلسطين
التاريخية، وستكون القدس عاصمة لإسرائيل وفلسطين معاً، وسيعيش اللاجئون
الفلسطينيون بصورة دائمة في الدولة الفلسطينية الجديدة أو في الدول
العربية المجاورة، وستكون هناك ضمانات أمنية قوية لإسرائيل. ولكن ندد
شارون بهذه المبادرة ورفض الرئيس بوش إقرارها. وقد تم تجميد مشروع قرار
في الكونغرس تأييداً لذلك بعد أن وقعه عشرات من الأعضاء في مجلس النواب.
كما أن عرفات
كرر تأييده لـ "خارطة الطريق"، وهي خطة سلام وضعتها الولايات المتحدة
والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، من شأنها أن تقيم دولة
فلسطينية في عام 2005 في أعقاب سلسلة من الخطوات يتخذها الإسرائيليون
والفلسطينيون. ولكن شارون ذكر في مقابلة معه في شهر سبتمبر/أيلول الماضي
"إننا لا نتبع خارطة الطريق، وأنا لست مستعداً لذلك". ومع ذلك فإن الناطق
بلسان وزارة الخارجية الأمريكية آدم اريلي يصر –خلافاً للتعليقات- بأن
شارون يظل بالفعل ملتزماً بخارطة الطريق. وقد عرض الرئيس الأسد إقامة
علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتقديم ضمانات أمنية مراقبة دولياً مقابل
انسحاب القوات الإسرائيلية الكامل من الأراضي السورية التي تم الاستيلاء
عليها في حرب عام 1967. وفي الوقت نفسه، فإن شارون أبلغ صحيفة هاآرتس
الإسرائيلية أنه لا توجد "أي إمكانية" بأن تستأنف إسرائيل المفاوضات مع
سوريا. وفي تشريع وقع مؤخراً أقره الكونغرس بأكثرية ساحقة من الحزبين،
ألقي باللائمة على سوريا على اعتبار أنها المسؤولة وحدها عن فشل حل
الصراع سلمياً.
واعترف وايزغلاس
بأن شارون تحرك قدماً بخطة "فك الارتباط" لأسباب منها أن "مبادرة جنيف
اكتسبت تأييداً واسع النطاق" داخل إسرائيل وإنه بحاجة للخروج منها بإجراء
معاكس يلقى الدعم الأمريكية ويُخمد الضغط المحلي المتزايد. ولم تلق
محاولة شارون لقمع المطالب الإسرائيلية المعتدلة والليبرالية من أجل
السلام تأييدَ الإدارة الجمهورية الأمريكية والكونغرس الذي يقوده
الجمهوريون فحسب، بل تلقت الدعم من الديمقراطيين أيضاً.
رد جون كيري
لم يتراجع بوش
فقط عن سياسات ثلاث إدارات ديمقراطية وأربع إدارات جمهورية أيّدت مفهوم
"الأرض مقابل السلام"، بل إنه أقر أيضاً موقفاً إسرائيلياً يعتبر
انتهاكاً لسلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي وميثاق الأمم المتحدة
نفسها، والذي يمنع الدول من توسيع أراضيها بالقوة العسكرية. وبفضل اعتراف
وايزغلاس والبيانات الأخيرة الصادرة عن شارون، فإن المنافس الديمقراطي
لبوش، جون كيري، حظي بفرصة رائعة من أجل التأكيد على تجاهل بوش للقانون
الدولي وإخطار موقفه المتشدد الأحادي الجانب. ولكن كيري بدلاً من ذلك،
قام علناً بالدفاع عن إقرار بوش لخطة شارون، وأبلغ "تيم راسيرت" من شبكة
"إن بي سي" أنه يؤيد بوش "كلياً". وطبقاً لما يقوله كيري فإن "ماهو مهم،
بشكل واضح، هو أمن دولة إسرائيل، وهذا هو ما يحاول رئيس الوزراء (شارون)
والرئيس (الأمريكي)، كما أعتقد، مخاطبته". ولكن المستوطنات التي يسعى
شارون لضمان الأمن لها ليست حتى داخل إسرائيل، بل إنها في الأراضي
الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من أنه لا توجد حكومة في العالم تعترف
حالياً بهذه المستوطنات غير الشرعية كجزء من إسرائيل، إلا أن السناتور
كيري انضمّ إلى الرئيس بوش في المصادقة على اقتراح بأن تدمج هذه
المستوطنات والأراضي المحيطة بها في إسرائيل. وكل واحدة من هذه
المستوطنات تجمعل من غير المشروع قانونياً لأي بلد بأن يضع مدنيين على
أراض تم الاستيلاء عليها بالقوة العسكرية.
وعلاوة على ذلك،
فإن قرارات الأمن الدولي 446، 452، 465 و471 تطالب إسرائيل بوضوح بإزاحة
مستوطناتها الاستعمارية الاستيطانية من الأراضي المحتلة. ويبدو أن كلا من
الرئيس بوش وكيري يعتقدان بأنه على الرغم من أن انتهاك الحكومة العراقية
السابقة لقرارات مجلس الأمن كان مبرراً بفرض عقوبات وحشية وحتى غزو ضدها،
إلا أن باستطاعة حلفاء الولايات المتحدة، مثل إسرائيل، تجاهل هذه
القرارات الدولية.
والأمر الأكثر
أهمية هو أنه في الوقت الذي تكون فيه المصالح الإسرائيلية الأمنية مهمة
حقاً وبصورة حيوية، فإن هناك قضايا أخرى بنفس الأهمية يبدو أن الرئيس
الأمريكية وسناتور ماساشوستيس قد تجاهلاها، وهي الحقوق الفلسطينية
والقانون الدولي.
وزيادة على ذلك،
فإنه من السذاجة الاعتقاد أن الإسرائيليين سيكونون في مأمن طالما أن
حكومتهم تواصل حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية الأساسية وتدوس
بصلافة على المبادئ القانونية المعترف بها دولياً. وكما لاحظ السكرتير
العام للأمم المتحدة كوفي عنان فإن أي "محاولات من أي من الجانبين تحقيق
أهداف سياسية أو أمنية من خلال إجراءات تؤذي الجانب الآخر، سيكون مصيرها
الفشل في النهاية حتى وإن بدت أنها تحقق مكاسب قصيرة المدى".
ومهما يكن من
شيء، فإن كيري انتقد في رسالة مفتوحة أرسل بها إلى عنان في وقت سابق من
هذا العام، السكرتير العام للأمم المتحدة لدرجة أنه أثار شكوكاً حول
التزامه في محاربة الإرهاب لإصراره بأن إسرائيل، مثلها مثل كل البلدان
الأخرى، يجب أن تتقيد بالمادة الرابعة من اتفاقيات جنيف، ويبدو أن كيري
يشارك بوش اعتقاده القائل "إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين".
وقبل كشف النقاب
عن المقابلة التي أجريت مع وايزغلاس، فإن مؤيدي بوش وكيري كان بإمكانهم
أن ينفوا بصورة معقولة بأن مرشحيهما كانا على علم بهذه الخطط القاتمة
لحكومة اليمين الإسرائيلي. أما الآن فإنه لا يوجد أي أعذار. فلا أحد
يستطيع أن ينكر أن المرشحين على علم كامل بأنه لا يوجد لدى رئيس الوزراء
الإسرائيلي شارون أي نية باحترام قرارات مجلس الأمن الدولي والمفاهيم
الأساسية للقانون الدولي وأن يشعر أن لإسرائيل الحق في محاولة فرض تسوية
على الفلسطينيين بدلاً من التفاوض بشأن تسوية من خلال محادثات سلام.
ومع ذلك فإن
السناتور كيري والرئيس بوش ما زالا يعارضان مفاوضات سلام جوهرية مع
القيادة الفلسطينية. ولكي يبرر السناتور كيري تأييده لإدارة بوش، فقد
ادعى بصورة زائفة بأنه "ليس لدى إسرائيل شريك، وليس هناك من يمكن التفاوض
معه اليوم" وإن عرفات يرفض... "الاشتراك في عملية السلام".
ولكن، في
الحقيقة إن الرئيس الفلسطيني – مع رئيس وزرائه وغيرهما من القادة
الفلسطينيين- دعوا مراراً إلى استئناف مفاوضات السلام ولكن شارون رفض
ذلك.
والحقيقة المؤسفة هي أن
برفض بوش وكيري تغيير موقفهما قيد أنملة في وجه كل هذه البيانات
الإسرائيلية، فإنهما أوضحا أنه ما من أحد منهما مهتم في متابعة السلام
بين إسرائيل وفلسطين. وكما كذب الاثنان بشأن "أسلحة الدمار الشامل لكي
يبررا استيلاء الولايات المتحدة على العراق، فإنهما يكذبان، كلاهما، بشأن
رغبة إسرائيل في السلام لكي يبررا استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية
وهضبة الجولان. وفيما يتعلق بالولايات المتحدة في العراق على الأقل، فإن
بوش وكيري لا يدعيان بأن لقوة الاحتلال الحق لاستعمار وضم أجزاء كبيرة من
الأرض التي غزتها. ولكن بالنسبة لإسرائيل فإن كلا منهما يرفض بصورة فعالة
المبدأ الأساسي للنظام الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمنصوص
عليه في ميثاق الأمم المتحدة، والذي يعلن أن من غير المشرع لأي دولة
توسيع أراضيها عن طريق استخدام القوة العسكرية.
وفي العام الماضي، قال
السناتور كيري إنه سينظر في تكليف الرئيس الأسبق والحائز على جائزة نوبل
للسلام جيمي كارتر بأن يكون ممثلاً خاصاً له في الشرق الأوسط، ولكن عندما
أقر كارتر مبادرة جنيف، قال كيري إن كارتر لم يعد موضع نظره وإنه سيعين
بدلاً منه شخصاً ما يؤيد موقف الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية.
ويبدو أن كيري يعتقد أن الـ22% من فلسطين، التي تدعو مبادرة جنيف إلى
إعطائها للفلسطينيين تعتبر كبيرة جداً! وخطة شارون، التي أقرها، ستترك
الفلسطينيين بنصف هذا القدر من الأرض فقط، وإنها ستقسّم إلى سلسلة من
الجيوب غير المترابطة والمقطعة الأوصال تحيط بها قوات الاحتلال
الإسرائيلي والمستوطنات اليهودية. وهذا يرسم صورة مزعجة عن احتقار كيري
أيضاً ليس للقانون الدولي فقط بل وللمفاهيم الأساسية للعدالة.
وموقف السناتور كيري حول
إسرائيل وفلسطين أقرب إلى موقف النائب توم ديلي بدلاً من موقف النائب جون
كونيازر، وأقرب إلى التحالف المسيحي منه إلى مجلس الكنائس القومي، وأقرب
إلى مشروع القرن الأمريكي الجديد منه إلى عمل السلام، وأقرب إلى مؤسسة
هيريتج منه إلى معهد الدراسات السياسية- فيما يتعلق بالسياسات
الإسرائيلية-، وأقرب إلى تكتل الليكود اليميني منه إلى ميريتز الليبرالي.
وإن كون الحزب الديمقراطي
قد اختار شخصاً كهذا ليكون مرشحه للرئاسة إنما يظهر مدى انجراف
الديمقراطيين إلى اليمين بشأن قضايا السياسة الخارجية. وهي ليست سياسات
ذكية: وإلى جانب العراق والعولمة، فإن موقف كيري بشأن الصراع
الإسرائيلي-الفلسطيني يشكل أقصى القلق الذي أثاره المصوتون لصالح رالف
نادر فيما يتعلق بعدم تأييدهم للمرشح الديمقراطي في الأيام الأخيرة من
هذه الانتخابات التي تبدو أنه ستكون متقاربة جداً في نتائجها.
تجاهل بوش وكيري لحقوق
الإنسان
فقد ندد كل من بوش وكيري
بحق بالإرهاب من جانب مجموعات فلسطينية وأصرا على نحو صائب بأن تفعل
السلطة الفلسطينية أقصى ما تستطيع لملاحقة الخلايا الإرهابية التي يمكن
أن تهدد إسرائيل، ولكن كلاهما أصرا بأن الفلسطينيين وحدهم المسؤولون عن
سفك الدماء خلال السنوات الأربع الماضية وأن الهجمات الإسرائيلي على
مراكز السكان الفلسطينيين تعتبر إجراءات دفاعية ضرورية. ويأتي هذا الموقف
على الرغم من الحقيقة القائلة أن الإسرائيليين قتلوا من المدنيين
الفلسطينيين ثلاثة أضعاف ما قتل الفلسطينيون من المدنيين الإسرائيليين.
ولكن بوش وكيري دافعا عن توغل إسرائيل مؤخراً في قطاع غزة وقتلها أكثر من
100 شخص معظهم من غير المسلحين، وأكثر من 24 منهم على الأقل من الأطفال.
وقد وثّقت مجموعات حقوق الإنسان ذات السمعة الجيدة إضافة إلى الوكالات
الدولية ووكالات الإغاثة الخاصة على الأرض دماراً واسع النطاق للبنى
التحتية المدنية والهجمات المتعمدة ضد المدنيين غير المسلحين. ورغم كل
ذلك، فإن المرشح كيري لمنصب نائب الرئيس السناتور جون إدواردز ذهب إلى
مدى أبعد أثناء مناقشته مع نائب الرئيس ديك تشيني في دفاعه عن الهجمات
العسكرية الإسرائيلية في وجه إدانة دولية واسعة النطاق لتلك الهجمات مما
يظهر أن إدارة كيري –في حالة نجاحه- لن يكون لها على الأرجح سوى قدر ضئيل
من الاحترام لحقوق الإنسان كما هو الحال بالنسبة للإدارة الحالية.
وعلاوة على ذلك، فإن كلا
من إدارة بوش والسناتور كيري دافعا عن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية
للقادة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين مدعيين بأن
الاغتيالات وسيلة مبررة للدفاع عن النفس. وفشل كل منهما في ملاحظة أن
سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لم تستهدف فقط قادة إرهابيين، بل إنها شملت
أيضاً القادرة السياسيين المحليين والنشاطات الأسرية التي لا تتسم
بالعنف.
ودافع السناتور كيري عن
استخدام شارون فرق القتل قائلاً: "إنه في الوقت الذي تقول فيه حماس لقد
أوقفنا العنف ونحن مستعدون للتفاوض، وأنا واثق تماماً أن إسرائيل راغبة
جداً في إجراء مفاوضات". وفي الحقيقة، إن الحكومة الإسرائيلية قد بينت
أنه حتى لو أصدرت حماس مثل هذا البيان، فإنهم لن يتفاوضوا مع هذه
المجموعات الإسلامية. وترفض إسرائيل حتى التفاوض مع سلطة فلسطينية منتخبة
والتي نبذت الإرهاب منذ زمن طويل.
وفي هذا الصيف قضت محكمة
العدل الدولية بأكثر من 15 صوتاً مقابل صوت واحد (وهو صوت القاضي
الأمريكي المنشق عن هذه الأكثرية) بأنه في الوقت الذي تستطيع فيه إسرائيل
بناء حاجز فصل على طول حدودها المعترف بها دولياً، إلا أنها لا تستطيع
بناء هذا الحاجز في عمق الضفة الغربية المحتلة من أجل أن تضم بصورة فعالة
أراض فلسطينية إلى إسرائيل. وندد كل من بوش وكيري بالقرار، مع ذهاب
المرشح الديمقراطي إلى مدى أبعد بالادعاء بأن "الجدار" هو عمل مشروع
للدفاع عن النفس من جانب إسرائيل.
وكل من الرئيس بوش وكيري
استبعدا ربط حتى جزء من الـ2.5 مليار دولار في المساعدات العسكرية
والاقتصادية التي ترسلها أمريكا إلى إسرائيل سنوياً –أو حتى القرض
الائتماني الذي أقر مؤخراً بمقدار 9 مليارات دولار – بتقيد إسرائيل
بالقانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان. وذلك على الرغم من أن إرسال
الأسلحة إلى بلدان تستخدم الأسلحة الأمريكية لأغراض غير دفاعية ضد السكان
المدنيين يعتبر غير قانوني، وذلك طبقاً لما ينص عليه قانون السيطرة على
تصدير الأسلحة وغيره من التشريعات الأمريكية، وعلى الرغم أيضاً من
الحقيقة القائلة إن مثل هذه المساعدة لم تعد ضرورية لاحتياجات إسرائيل
الدفاعية المشروعة. ويصر بوش وكيري على أن المساعدة العسكرية غير
المشروطة لإسرائيل يجب أن تستمر. وهكذا يبدو أن كلا من بوش وكيري يوافق
علىأن ضمان الربح لتجار الأسلحة الأمريكيين هن أكثر أهمية من الدفاع عن
حقوق الإنسان الأساسية.
وحملة كل منهما ادعت أن
العداء لإسرائيل من جانب الفلسطينيين والعرب الآخرين ليس نتيجة الاحتلال
الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني لأراضيهم ولا للانتهاكات التي تمارس ضد
الحقوق الإنسانية لشعوبهم، ولكن نتيجة الدعاية المناهضة لإسرائيل
واليهود.
وإنه في الوقت الذي تشكل
فيه مناهضة السامية في البلدان العربية مشكلة جديدة، إلا أنه أمر مُضل
بصورة غير عادية الادعاء بأن مناهضة السامية غير مرتبطة بمعاناة الشعوب
العربية الواقعة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، أو أنها هي السبب
الرئيس لغضب العرب على إسرائيل.
فلماذا يؤيد مرشحا الرئاسة
الأمريكية اليمين الإسرائيلي؟
إن ازدراء الرئيس بوش
للأمم المتحدة، وللقانون الإنساني الدولي والمعاملة الإنسانية للمدنيين
معروف تماماً. وهناك عدد من المحافظين الجدد البارزين في إدارته خدموا
كمستشارين لحكومات يمينية سابقة في إسرائيل ودعوا علناً إسرائيل إلى
التخلي عن عملية السلام وإعادة احتلال الأراضي التي أعطيت للفلسطينيين في
اتفاقيات "فك ارتباط" سابقة، وضم الجزء الأكبر من الأراضي المحتلة من
جانب واحد، وهي السياسات التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية الحالية
بمباركة إدارة بوش. وإلى جانب ذلك فإن إحدى الدوائر الانتخابية الرئيسية
لبوش هو اليمين المسيحي الذي يؤيد فكرة السيطرة الإسرائيلية على الأراضي
التوراتية كضرورة للمجي الثاني للمسيح، وبذلك فإن هذا اليمين يرفض الفكرة
القائلة بأنه ينبغي على إسرائيل أن تقدم أي تنازلات جوهرية عن الأرض.
وإن ما يدعو إلى مزيد من
الدهشة هو الطريقة التي أقر بها كيري سياسات مماثلة على الرغم من غياب
الأيدولوجيين من المحافظين الجدد في أدوار رئيسية في السياسة الخارجية أو
وجود قادة أصولية مسيحية كبيرة في حزبه.
وفي الوقت الذي اعترف به
كثير من المؤيدي لكيري بأن مرشحهم انضم بالفعل إلى الرئيس بوش في معانقة
برنامج المحافظين الجدد في بعض المجالات الرئيسية، إلا أنهم يجادلون بأن
يتعين على كيري أن يؤيد نوعاً ما سياسات الحكومة الإسرائيلية الأكثر
يمينية لكي يتم انتخابه. ولا يوجد سوى دليل ضعيف لتأييد مثل هذا الادعاء،
فاستطلاعات الرأي العالم الأمريكي تظهر أن هناك أكثرية قوية من
الأمريكيين تعارض بالفعل سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون وتكتله
الليكود اليميني. فمعظم الأمريكيين يؤيدون –بدلاً من ذلك- المواقف التي
يدافع عنها حزب العمل الأكثر وسطية أو الإسرائيليين ذوي الاتجاهات الأكثر
يسارية الذين يرتبطون بحركة السلام الإسرائيلية.
وثانياً، وكما أظهرت حملة
هذه الانتخابات حول عدد من المسائل- وأياً كان المدى الذي ذهب إليه كيري
في اتجاه اليمين- سواء تصويته لتخويل الرئيس بوش غزو العراق، وتأييده
استمرار احتلال تلك البلاد وتأييده لزيادة النفقات العسكرية الأمريكية
بما يتجاوز مستوياتها القياسية حالياً، وحملاته على محكمة العدل الدولية
وإلخ- فإن الجمهوريين لا زالوا يتهمونه بأن ليّن نوعاً ما وضعيف. وكتب
تشارلز كروثامر –على سبيل المثال- مؤخراً في عموده الصحفي الذي ينشره في
العديد من الصحف بأن كيري، كرئيس، سيكون عرضة "للتضحية بإسرائيل" من أجل
"أن يرضي الأسرة الدولية".
وإن المشكلة الأكثر
إزعاجاً هي ميل الكثير من مؤيدي كيري –على الرغم من اعترافهم بأن مواقف
كيري حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني خطيرة ومضللة وهي على يمين أكثرية
الناخبين الأمريكيين- إلى محاولة الدفاع عن مرشحهم باستخدام تكتيك الوقت
و"إلقاء اللوم على اليهود". وهؤلاء الذين يجدون الأعذار لكيري يدعون أن
حملة كيري ستفقد الناخبين اليهود أو مساهمات اليهود المالية في حملته إذا
لم يقدم يأييداً غير مشروط لسياسات الحكومة اليمينية الحالية في إسرائيل.
وهذه الخيارات تكذب الحقيقة القائلة إن استطلاعات الرأي العام تظهر أن
أكثر من 60% من الناخبين اليهود الأمريكيين يؤيدون تسوية سلمية وفق خطوط
مبادرة جنيف، وإن حوالي النصف يعتبرون أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن
تتخذ موقفاً أكثر شدة تجاه حكومة شارون بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وبالكاد يكون هناك الربع ممن يؤيدون سياسات شارون، ومعظم هؤلاء من اليهود
المحافظين الذين سيصوتون على الأرجح لصالح بوش.
وجدير بالملاحظة أيضاً أنه
على الرغم من حقيقة أن جورج دبليو بوش كان ولا يزال الأقل اعتماداً من
بين الرؤساء الأمريكيين المعاصرين على الناخبين اليهود، إلا أنه اتخذ
المواقف الأكثر تشدداً في تأييد اليمين الإسرائيلي من أي رئيس أمريكي
آخر.
وقد يلتزم بعض مؤيدي كيري
بنظريات لمناهضة السامية ويعتقدون حقاً بأن المصالح اليهودية القوية
تسيطر بصورة فعالة على برنامج السياسة الخارجية للأحزاب الأمريكية
الرئيسية. وهذا يخرج كيري من السنارة: وإن الشخص الوحيد الذي ينبغي لومه
بسبب معانقة جون كيري لليمين الإسرائيلي هو جون كيري نفسه.
والمشكلة مع سياسات الرئيس
بوش وسياسات كيري ليست هي أنهما "مواليان لإسرائيل" كثيراً، مع العلم
بخطورة وعدم فعالية سياسات شارون فيما يتعلق بمصالح الدولة اليهودية على
المدى الطويل، بل إن المشكلة هي أن بوش وكيري يمينيان إلى أقصى حد.
وبعبارات أخرى فإن تأييد
كيري للغزو الأمريكي للعراق واحتلاله ليس ضربة حظ. وإن تأييده لدعم بوش
لشارون هو أشبه بتأييده لطلب بوش لإعطائه تخويلاً لغزو العراق. وهذا يظهر
بأن يشارك إدارة بوش في ازدراء القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية
–بما في ذلك الاعتقاد بأن الولايات المتحدة وحلفاءها لهم الحق بغزو أو
احتلال الدول العربية على هواهم. إنها لظاهرة محزنة لواقع السياسات
الأمريكية التي ركزت اهتمام الحملات هذا الخريف على أي من المرشحين سيتخذ
الموقف الأكثر شدة ضد الإرهاب بدلاً من أي المرشحين يمكنه أن يغير على
نحو أفضل السياسات الخارجية التي تمنع من الإرهاب بالفعل.
أي خيار لدينا؟
إن الإسرائيليين المعتدلين
والتقدميين، مثل نظرائهم في كل مكان آخر في العالم، كانوا ومازالوا
يأملون بأن يُخرج الأمريكيون بوش من منصبه في انتخابات نوفمبر. وهذه هي
الحال أيضاً بالنسبة للفلسطينيين. فمنذ أن أصبح كيري المرشح الديمقراطي
المفترض، فإن معظم الإسرائليين والفلسطينيين ليس لديهم سوى القليل من
الأسباب التي تحملهم على الاكتراث في الشخص الذي سيفوز. واستناداً إلى
البيانات التي أدلى بها كيري أثناء حملته، فإنه يبدو أن مجيء إدارة
برئاسة كيري ستكون سيئة بنفس القدر –إن لم تكن أكثر سوءاً- من إدارة بوش.
وفي الحقيقة، إن المرات
القليلة التي فصل فيها كيري نفسه عن الرئيس بوش حول هذه المسألة أثناء
الحملة، إنما قام بتحدي بوش لعدم تأييده شارون بما في الكفاية. فهل يعني
هذا أن أولئك الذين تُعتبر السياسة الأمريكية تجاه الصراع
الإسرائيلي-الفلسطيني مسألتهم رقم واحد ينبغي أن يصوتوا لصالح بوش؟ ليس
بالضرورة!
إن الدلائل تشير إلى أن
كيري يهتم حقاً بمصالح إسرائيل الأمنية المشروعية. وكنتيجة لذلك، فإنه
إذا ما أصبح رئيساً فإنه من المحتمل أن يعترف على نحو أكثر من بوش بأن
سياسات شارون مؤذية لأمن إسرائيل على المدى الطويل، ولذلك فإنه سيكون من
المحتمل أكثر أن يضغط على تلك الحكومة بأن تقدم تنازلات من أجل صالحها
بالذات.
وإن كيري، الذي يعتبر أكثر
معرفة بكثير وأقل إيديولوجية من الرئيس الحالي، قد يرى استخدام
العسكرتاريا بدلاً من الدبلوماسية لن يؤدي إلا إلى تشجيع الإرهابيين
والمتطرفين الإسلاميين الذين يسعون إلى تدمير إسرائيل.
وعلى الرغم من قرار كيري
منع أي موظف ذي نفوذ في السياسة الخارجية من الاجتماع مع صهاينة أمريكيين
بارزين ممن يعارضون الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن لم يُحط نفسه، كما هي
الحال بالنسبة للرئيس بوش، بالأصوليين المسيحيين الذين يرون في الصراع
الحالي مجرد استمرار للمعركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولعل الأكثر أهمية هو أن
قاعدة مهمة من الحزب الديمقراطي تشمل ليبراليين –رغم التزامهم بحق
إسرائيل في الوجود بسلام وأمن وبكون الولايات المتحدة ضامناً لذلك الحق-
يعارضون الاحتلال والدعم الأمريكي للاحتلال. وإذا انتخب كيري، فإن
باستطاعة المرء أن يأمل بأن قاعدة الحزب لن تختار بعد اليوم تجاهُل
مواقفه اليمينية حول إسرائيل وفلسطين وتطالبه بأن يغير سياساته. وإذا لم
يحدث ذلك فلن يكون هناك أمل في السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.
|
الجمعة، 2 أغسطس 2013
حملة الرئاسة الأمريكية لا تقدم سوى القليل للسلام العربي-الإسرائيلي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق