بيتر بينارت
Peter Beinart
مازالت
الحرب ضد الارهاب في بدايتها، وقد حصدت
على الأقل ضحية واحدة : إنه ضمير الغرب
إزاء الشيشان.
عندما
طلبت إدارة حكومة »بوش«
المساعدة من »موسكو«
–عقب الهجمات على مركز
التجارة العالمي – أجاب الروس قائلين:
أنهم مازالوا يعانون من الإرهاب .
وأوضحوا الأمر أنهم في الحقيقة يقاومون
الإرهابيين منذ سنوات عدة ، وأنه يسرهم
أن يقدموا دعمهم لأمريكا في حربها
الجديدة طالما أن أمريكا تدعم روسيا في
حربها ضد عدوها المعهود في الشيشان. وقد
أوضح »إيفيجني كوزوكين«
مدير معهد الكرملين للدراسات
الإستراتيجية بأن »الحرب على الإرهاب كانت من ضمن الأولويات
التي توليها روسيا منذ سنوات. لقد شهدت
اليوم الولايات المتحدة ماواجهناه
من قبل وربما أنهم يتفهموننا الآن بصورة
أفضل«.
وبالفعل
تفهمت أمريكا وحلفاؤها من "الناتو"
موقف روسيا إزاء الشيشان بشكل أفضل منذ
أحداث الحادي عشر من سبتمبر . وقد بين
المستشار الألماني »جيرهارد
شرودير« في الاسبوع الماضي أن الغرب »سيقوم بإعادة تقييم«
موقفه إزاء الحرب.
وسبق
أن أعلن كبير مساعدي »شرودير«
لصحيفة »نيويورك
تايمز«
بصراحة متناهية: »أن
هذا التآلف الجديد ما هو إلا نتاج
السكوت عن قضية الشيشان«.
واحتذى
الرئيس »بوش«
في اليوم التالي حذوه وقال: »ينبغي
محاكمة أؤلئك الإرهابيين العرب الذين
لهم صلة بتنظيم القاعدة كما هو الحال
تماما بالنسبة للإرهابيين المتواجدين
في الشيشان«.
وباختصار ، إننا نتخلص من الشيشان.
وأنه ربما لايوجد لنا خيار آخر لتنفيذ
ذلك إلا بشكل تدريجي. ينبغي معاقبة
الأشخاص الذين أودوا بحياة 6000 أمريكي .
ومن أجل معاقبتهم نحن بحاجة إلى مساعدة
كل من القواعد والمخابرات العسكرية
الروسية. وإذا لم يكفّ البوشيون عن
الكلام عن أكثر الحروب وحشية في القارة
الأوروبية فلن ينالوا ما يبتغون. هذا كل
شئ بكل بساطة.
إلا
أنه من الناحية الفكرية لدينا خيار هام
جدا. فالرئيس الروسي يرغب وبشدة من
الأمريكان- كما أردف في حديثه- »أن يؤمنوا بأن لدينا عدوا مشتركا«.
وفجأة نجد أن العديد من الأمريكان
يميلون للموافقة على هذا الرأي. فينبغي
عليهم عدم الاعتقاد بذلك. تقوم أمريكا و
روسيا – بشكل افتراضي – بشن حرب على
الإرهاب ليلا ونهارا. وإذا قمنا بدمج
هذه الحرب المشتركة فإن كفاحنا ضد
مرتكبي هجمات الحادي عشر من سبتمبر لن
يفشل فقط بل يستحق أن يفشل.
لقد
كانت الحرب في الشيشان ومنذ البداية
حربا تدور رحاها حول أمر واحد وهو:
القومية. ففي نهاية عهد »غورباتشوف«
كانت الإمبراطورية السوفيتية تنسلخ
وتنهار كما تنسلخ قشور البصل. وكان
الحال كذلك بالنسبة لدول الكتلة
الشرقية مثل بولندا، وهنغاريا اللتين
واجهتا المصير نفسه. أما بالنسبة
للأراضي غير الروسية والواقعة في اتحاد
الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية مثل
لتوينيا، أوكرانيا، وكازاخستان فكان
مصيرها كمصير سابقاتها من البلدان. وقد
حذت أقاليم عرقية بارزة في روسيا الحذو
نفسه. وكان القادة الشيشانيون قد تأثروا
بالحركات المستقلة التي حدثت في
البلطيق. فالشيشانيون –الذين أبعد
ستالين مئات الآلاف منهم إلى آسيا
الوسطى – لا يثقون كل الثقة بروسيا.
ولذا، اجتمع الآلاف من الشيشان في عام
1990 في مؤتمر قومي وأعلنوا عن استقلال
بلادهم. ولم يكن الإعلان جديا بشكل كامل.
واستمر الشيشان حتى عقب انتخابهم رئيسا
وبرلمانا لهم في عام 1991 ، استمروا في
استخدامهم للعملة الروسية وجوازات
السفر الروسية. ومازالت الشيشان عضوا في
الاتحاد الروسي لكرة القدم.
وأخيرا
وافقت تتارستان التي –
أعلنت الاستقلال – على البقاء في
الاتحاد الروسي مقابل استقلالها سياسيا واقتصاديا. وهناك دليل على أن
القيادة في الشيشان قد تقبل بالشئ نفسه.
وكان
قد قام رئيس الشيشان المتسلط والغريب
الأطوار »جوخار
دودايف«
وبشكل متكرر بإهانة »بوريس
يلتسين«. وبمرور الوقت ودون حدوث أية
اتفاقية ، حل المتطرفون القوميون مكان
الإصلاحيين إبان حكم يلتسين . وبعد
النجاح الباهر الذي أحرزه الزعيم
الغوغائي المتعصب سياسيا »فلاديمير
زيرنوفسكي« في الانتخابات البرلمانية
التي جرت في روسيا عام 1994، قرر »يلتسين« أنَّ حسم النزاع في قضية
الشيشان سيساعده في إتاحة الفرصة له في
إعادة انتخابه في عام 1994. لذا قامت روسيا
في ديسمبر عام 1994 بشن حرب ضروس آلت بعد
سنتين إلى وقوع روسيا في مأزق.
فما
هي علاقة كل ذلك بأسامة بن لادن؟ فلا دخل
له بذلك بشكل كلي .
كان
الكرملين يدعو الشيشان المتمردين
بالمجاهدين الأصوليين. إلا أن الكاتبين »كارولتا
جال« و »توماس
دووال« قد ذكرا في أفضل ما كتباه عن
الشيشان في كتابهما »الفاجعة
في القوقاز« أنه »لم
يكن الإسلام العامل الرئيسي في الحركة
القومية التي ظهرت عام 1991، بل إنهما
وجدا أنه خلال مرحلة الإستقلال كان يوجد
في عاصمة الشيشان غرونزي محكمة تحكم جليا بالشريعة الإسلامية، يديرها
قاض إسلامي يدخن سجائر مارلبورو«.
وفي
الحقيقة ازداد بمرور السنين ترسخ
الحماس الديني. ففي عام 1996 لم يبق في
غرونزي بناء قائم بسبب الإعتداء الروسي
. وتدهورت الأوضاع حتى بعد عام 1999 عندما
حصل »بوتن« –الذي كان يواجه بنفسه
حملة الإنتخابات – على دعم القوميين،
وقام بغزو الشيشان مرة أخرى. وقد قسمت
هاتان الحربان نصف الشعب الشيشاني إلى
أسرى و مشردين. وقد اعترف زعيم القوات
الروسية في المنطقة في صيف هذا العام
بأن قواته قد ارتكبت جرائم واسعة
الانتشار ضد المدنيين. لذا، فإنه ليس
أمرا يدعو للدهشة بأن المتعصبين
الإسلاميين في جميع أنحاء العالم قد
استغلوا هذه الفوضى ومشاعر الكره. وقد
قام المتشددون – على وجه الخصوص –
بمنأى عن سيطرة الرئيس
الشيشاني المنتخب بالإغارة على جارتهم
داغستان.( ومن المحتمل أنهم قاموا كذلك
بتفجير الأبنية في موسكو، على الرغم
من أن المتحررين الروس يعتقدون بأن ذلك
كان مجرد تلفيق لا أكثر). وقد انتهز »بوتن«
حدوث ذلك ليصف حالة التمرد بأنها عمل
ارتكبه الدخلاء . ورأت موسكو أن العرب
الذين يحاربون في الشيشان يشكلون نسبة
70% من مجموع المحاربين. ولكن هذا بحد
ذاته شيء سخيف.
إلا
أن المخابرات الأمريكية قد قدرت بأن عدد
المقاتلين العرب في الحرب لم يتجاوز
عددهم المئات. وفي شهر حزيران/يونيه من
العام المنصرم أشارت مجلة »الإيكونومست« أن روسيا – من خلال أسرها
للآلاف من الشيشانيين خلال الحرب – قد
ساعدت على إيجاد أربع فئات من الأجانب،
حيث أشار مدير مؤسسة حقوق الإنسان
الروسية( جلاسنوست) »سيرجي
جريوناتس« إلى أنه قد يكون هناك
إرهابيون في الشيشان، ولكن من الخطأ
تماما أن نقول بأن تمرد الشيشان خلال
العشر سنوات هو تعبير عن الإرهاب
الإسلامي.
وإلى
حين تاريخ سقوط مركز التجارة العالمي،
كانت الولايات المتحدة ترى أنه من الخطأ
تماما الاعتقاد بذلك ، فقد أفاد في
الاسبوع الماضي أحد الموظفين في حكومة »بوش«
بما يلي: »نحن
نعلم بأن تنظيم القاعدة قد استغل الحرب
في الشيشان ، (و) قد ساعد في إثارة هذه
الحرب«.
و
يبدو أنه لم يسبق لهم معرفة تنظيم
القاعدة قبيل أحداث الحادي عشر من
سبتمبر، لأن مجلة »التايمز« أشارت بأن إدارة »بوش«
لم يسبق لها أن تحدثت بشيء من هذا القبيل
عن تنظيم القاعدة. وفي الحقيقة وخلال
الحملة الانتخابية كان جورج دبليو بوش
يعتقد بأن حرب روسيا على الشيشان لا
يمكن تبريرها أبدا بحيث أبدى الآحتجاج
على تقديم المساعدة الدولية في هذا
الشأن.
وما
كان حقيقة في الماضي أصبح واقعا في
الحاضر: إنه من المضحك الاعتقاد بأن
روسيا – التي تساعد إيران في بناء
المفاعل النووي – قلقة جدا من الإرهاب.
فالقادة الروس قلقون على مصيرهم ، وبما
أنه لا يوجد شىء حقيقي يقدمونه لشعبهم
فإن الحرب هي الطريقة المثلى لضمان
وجودهم، لذا قاموا بإحياء مشاعر العداء
القديمة الدينية والثقافية وتصديرها
إلى ميدان المعركة.
فمن
المحتمل أن تخفض أمريكا مؤقتا من لهجتها
حيال الحرب في الشيشان، إلا أنها ستقوم
بإعلائها ثانية لأن الحرب الروسية على
الشيشان مبنية على أكذوبة وهي أن الحرب
الأمريكية على الإرهاب- في جميع الأحوال
– ينبغي أن تتجنب بأن: »كل
مسلم يحارب من أجل بلده هو أسامة بن لادن«؛
فلم يكن ذلك صحيحا في البوسنة، وكذلك
الأمر في كوسوفو، ولم يكن صحيحا كذلك في
الشيشان مهما قال كل من »فلاديمير
بوتن« و »جورج
دبليو بوش«.
Peter
Beinart, "War-time Lies," New
Republic, 10/15/2001, Vol. 225 Issue 4526, p6, 1p
خدمات
الفسطاط للترجمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق