مجلة الإيكونوميست
ينبغي على أمريكا أن تقرر على الفور
فيما إذا كانت تود أن تشارك أوروبا أو أن
تقوم بمفردها بالقضاء على الإرهابيين،
وعلى أسلحة الدمار الشامل.
ستجابه
أمريكا وأوروبا خلال الأشهر القادمة
القضية التي ستحدد مدى علاقتهما لعدة
قرون. وإذا ما قمنا بمقارنتها، نجد أنها
ذات صلة ضئيلة مع الدبلوماسية التي
أوجدت أزمة داخل الحلف على مدى الأسابيع
القليلة الماضية. وهذه القضية هي قضية
العراق.
وعندما
اتخذ "جورج بوش" قراراً في شتاء
العام الماضي مفاده أن التعامل مع
التهديد الجديد الموجه لأمريكا ، يعني
القضاء على أسلحة الدمار الشامل،
بالإضافة إلى محاربة الإرهاب، قررت
إدارة بوش مؤخراً الإطاحة بالحكم في "بغداد".
فلم تعد القضية مجرد البحث عن بديل
للحكم فقط ، وإنما كيف و متى يمكن القيام
بذلك. وقد أدى هذا القرار إلى بروز سؤال
أكبر حول مستقبل دول الحلف الأطلسي.
إن
القضية التي تواجه أوروبا حالياً هي
الانضمام إلى محاولة أمريكا للإطاحة
بصدام. فالأوروبيون لا يرغبون في تغيير
الحكم في بغداد من أجل صدام فقط، إلا
أنهم قد يقررون أن ذلك هو الطريق الوحيد
لمنع العراق من استخدام الأسلحة
الكيميائية والبيولوجية، واحتمال
استخدام الأسلحة النووية التي يمتلكها
أو التي مازال يحاول الحصول عليها.
فالقضية
بالنسبة لإدارة "بوش" هي قبول
المساعدة الأوروبية أم لا، لدى تقديم
هذه المساعدة. فإذا قبلت إدارة "بوش"
تلك المساعدة ، ستغدو دول الحلف الأطلسي
المقاتل الرئيسي الغربي في الصراع
العظيم في مستهل القرن الحادي
والعشرين، كما كان في الصراع الهائل
الذي جرى في النصف الثاني من القرن
العشرين ضد الشيوعية. وهذا بحد ذاته
ينبغي أن يعزز من العلاقة بين أوروبا
وأمريكا حتى لو أصبح العراق مثار جدل في
الرأي العام الأوروبي، وهذا ما سيحدث
بالفعل.
وإذا
اختار الأوروبيون عدم الانضمام لأمريكا
، أو طلبوا الانضمام وصدهم السيد "بوش"
، ستستمر الحرب حينئذ وستصبح عملية
أمريكيّة ليس إلا. وسيكون للأوربيين
دور، إذ أنهم سيستمرون بلعب أدوار مهمة
ضد الإرهاب (وذلك في صياغة السياسات،
والعمليات المالية، والمشاركة في
العمليات الاستخبارية). ولن ينتهي دور
دول الحلف الأطلسي. وسوف يستمر تمديد
معاهدة منظمة الشمال الأطلسي، وكذلك
صيغتها الرئيسية العرفية، وستستمر
المحاولة الجادة لإدخال روسيا ضمن إطار
عمل مؤيد للأمن الأوروبي.
فهذه
هي الأجزاء غير المنتهية من "المخطط
القديم" للحرب الباردة. فقد كان
الأوربيون جزءً متكاملاً من هذا
المخطط، لأن أوروبا كانت بمثابة المكان
الذي من المحتمل أن تبدأ منه الحرب
العالمية الثالثة. وهذا ليس صحيحاً
بالنسبة للصراع ضد الإرهاب. فإذا جرى
تهميش الأوروبيين ، فإن جدول الأعمال
الجديد ستقوده أمريكا، وبالتالي يكون
لدى أوروبا القليل في إبداء رأيها في
كيفية مواجهة التهديدات المستقبلية،
فلم يقرر كلا الطرفين ماذا يعملان، إلا
أن القرارات لن يطول اتخاذها.
فإذا
كان هدف الحملة هو طرد صدام ، فإن ذلك
يعني غزو العراق (لم يتم التأكد من ذلك)،
وسيكون هناك حاجة لأشهر من أجل التحضير
لذلك، وستطول هذه الأشهر إذا كان موضوع
قدوم مفتشي الأسلحة التابعين للأمم
المتحدة هو الجزء الأول من الحملة.
وكما
أفاد السيد "بوش" في خطابه الحكومي
في يناير، بأن الوقت ليس لصالحه. وسيقوم
رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير"
بزيارة إلى واشنطن قريبا وسيتم اتخاذ
القرارات الاستراتيجية فيما بعد. فلن
يقوما بتقرير مستقبل العراق فحسب، بل
وتقرير مستقبل كل من أوروبا وأمريكا.
مقاتلون ورقاب الاتحاد الأوروبي
يبدو
أن الحال ينذر بالشؤم . فإن خطاب السيد
"بوش" عن " محور الشر" - الذي
حدد فيه أن كوريا الشمالية، وإيران،
والعراق بؤرة للشر، وأنهم بذلك يهددون
السلام – قد نتج عنه تذمر وتكشير
الأنياب.
أفاد
وزير خارجية فرنسا "هوبيرت فيدرين"
قائلاً : إنه أمر ساذج. أما نظيره
الألماني فقال: لن تتم معاملتنا مثل
الفضائيات. وأضاف "كريس باتن"
مندوب العلاقات الخارجية للاتحاد
الأوروبي: "إن أمريكا تتجه نحو التفرد
بموضوعية تعجيل الأمور". وتجسد هذا
الضيق في كلمة السيد "فيدرين"، إذ
يشعر الأوروبيون أن أمريكا تنهي و تضرم
الأحداث وهي تتجاهل الأسباب الجذرية
للإرهاب، وتتجاهل قبل كل شئ الشرق
الأوسط.
عندما
كان السيد "بوش" في الخريف يحشد
تأييد الحلفاء ضد تنظيم القاعدة، جرى
ذكر الدولة الفلسطينية، وما كان ذلك إلا
خدعة لجذب العرب والأوربيين إلى جانبه
مع إعطاء الضوء الأخضر بطريقة لم تحدث
من قبل للسياسة الدموية التي ينتهجها
شارون رئيس وزراء إسرائيل.
ويخشى
الأوروبيون أيضا من أن الإطاحة بصدام قد
تجر المنطقة إلى عدم الاستقرار،
وينظرون إلى استعداد
أمريكا للقيام بهذه المخاطرة كجزء من
مشاعر الازدراء الكبيرة لمشاعر الشارع
العربي. فلم يكشف عن أنياب أمريكا إلا
القليل، ومن الواضح أن ذلك كان صدمة
للأوربيين تماما كما كانت ردة فعل صدمة
الأمريكان بالنسبة للأوروبيين.
وحقيقة
الأمر أن وزير الخارجية الأمريكي "كولن
باول" يقوم بتهدئة الأمور ويقول "أنه
سيجري اتصالاً مع الأصدقاء القلقين
إزاء تصرفات أمريكا". ولكن
هناك البعض في الإدارة الأمريكية من
يقول على نحو خاص ما يلتزم به المحررون
بكتابتهم في الصحافة. وكما عبر "تشارلز
كروثمر" في الواشنطن بوست قائلاً: "نحن
في حرب للدفاع عن النفس. إنها حرب أيضا
من أجل الحضارة الغربية. فإذا رفض
الأوروبيون أن يعتبروا أنفسهم بأنهم
جزء من هذا الصراع، فلا بأس، وإذا رغبوا
في التخلي عن هذا الدور، فلا بأس، فإننا
سنتركهم إلى أن يرضخوا لنا". ومع ذلك،
وبمنأى عن تضخيم الأمور، فقد أصبحت هذه
الأمور أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. ففي
أوروبا ، يسود رأيان رئيسيان حول
التعامل مع أسلحة الإرهاب الشامل.
الرأي
الأول
يدور حول "محور الحذر" وهو ينطوي
على ضرورة تبني أوروبا سياسة خاصة إزاء
إيران، والعراق، و كوريا الشمالية، وأن
ليس من الضروري لها الانضمام لأي محاولة
أمريكية للإطاحة بصدام. إذ يساورهم شعور
أنه لا توجد علاقة –بالقدر المناسب- بين
الحرب على الإرهاب ، والحرب على العراق
في أي حال من الأحوال.
أما
الرأي الآخر فهو يتمثل في رأي "توني
بلير" الذي كرره في صحيفة "الديلي
اكسبريس" في السادس من مارس القائل:
"ينبغي على المجتمع الدولي أن يمنع
صدام حسين من تطوير واستخدام أسلحته".
فهذا الأمر يجعل احتمال بريطانيا في
التورط في مسألة العراق مفتوحاً، ومع
ذلك، أفاد بلير في حديث آخر "إن أي فعل
نتخذه بهذا الخصوص هو أمر واضح".
وفي
أمريكا هناك ثلاث وجهات نظر بخصوص
التورط الأوروبي وهي تستند إلى وجهات
النظر المختلفة لعلاقة دول الحلف
الأطلسي بشكل عام، وبالعلاقة مع حلف
الناتو بشكل خاص. فالرأيان الأوليان من
المحتمل أن يرفضا التورط الأوروبي و ذلك
لأسباب عديدة.
فالرأي
الأول
يرى أن العلاقة السائدة لدول حلف
الأطلسي قد سارت إلى أبعد حدودها. إذ
هناك ميل للشك بأن هذه العلاقة ما هي إلا
امتداد واسع مقترح للناتو في قمة "براغ"
التي ستعقد في أواخر هذا العام ( وجرى
تلميح إلى أن الرئيس بوش بصدد دعم هذه
القمة). ولا يزال هناك شك حول المقترحات
المقدمة من أجل إيجاد تعاون وثيق بين
الناتو و روسيا. فبالنسبة للعراق، من
المحتمل أن تكون مستعدة لتقبل بعض
المساعدة من حلفاء الناتو، إلا أنها
تحبذ أن تكون هذه المساعدة مقدمة من
الدول بشكل انفرادي وألا تتباين هذه
المساعدة من حيث نوعيتها على سبيل
المثال، إذا كانت مقدمة من استراليا أو
الكويت. وعلى هذا النهج جرت حرب الخليج.
وحسب
هذا الرأي – الذي يمكن أن نطلق عليه رأي
مدرسة "بيرل" تيمنا باسم "ريتشارد
بيرل" رئيس مجلس إدارة السياسة
الدفاعية في البنتاغون – فإن لدى
أمريكا فرصة ضئيلة قبل أن يقدم صدام
حسين على الحصول على المزيد من الأسلحة
المروعة. فإذا تم إقحام الأوروبيين،
فإنهم سوف يقومون بإعاقة كل شيء وستذهب
الفرصة قبل أن يقوم الحلفاء بعمل أي شيء
مُجْد.
أما
بالنسبة للمدرسة الثانية فهي أيضا
تعارض في إقحام الأوروبيين ولكن لسبب
مخالف تماماً. فهي تعتقد أن حلف الناتو
يقوم بعمل رائع وعليه المضي قدماً بذلك
في أوروبا. فهذه المدرسة هي أكثر
اهتماماً من أي مدرسة أخرى حول البرنامج
غير المنتهي للحرب الباردة. فهي تريد
التوسع الأكثر سرعة وانتشاراً بقدر
الإمكان للناتو من أجل لمّ شمل جميع دول
وسط وشرق أوروبا إلى الحلف. وتود كذلك
هذه المدرسة أن تدمج كلاً من روسيا و
أوكرانيا عبر نظام أمني أوروبي ضمن مجلس
يضم روسيا و الناتو. فهي تقبل تقسيم
العمل بحيث تقوم أمريكا بشن الحروب
الكبيرة، ويقتصر دور أوروبا على عملية
حفظ السلام وخاصة في دول البلقان
الواقعة من الجهة الخلفية لأوروبا.
وترى
هذه المدرسة أن هناك تناوباً بين
البرنامج القديم والبرنامج الجديد.
ويساور الخوف أنصار هذه المدرسة أن خوض
المجازفات في العراق قد يفكك من حلف
الناتو، لذا فهم يودون أن يركز
الأوروبيون على إبقاء أوروبا آمنة وأن
يتركوا أمريكا تتصرف حيال بقية العالم.
كان
ذلك هو وجهة نظر عدة أعضاء في مجلس الأمن
القومي الذي تترأسه " كوندوليزا رايس".
أما
المدرسة الثالثة فهي الوحيدة التي تود
من الأوروبيين توريط أنفسهم خارج حدود
دولهم. وهي بهذه النظرية تكون – نوعا ما
– أكثر تفاؤلاً مما جاء في البرنامج
الأول، زاعمة بذلك أن الشركاء في دول
الحلف الأطلسي قد قاموا الآن بما فيه
الكفاية ، وأنهم يستطيعون الالتفات إلى
الأمور الأخرى. وهي تنظر إلى الناتو على
أنه القوة الدفاعية الطبيعية ليس فقط
لأوروبا، بل لكل أمر يؤثر على الغرب،
لذا فهي تريده أن يكون الوسيلة الرئيسية
في القضاء على الإرهاب وأسلحة الدمار
الشامل.
وقد
شجع الجمهوريون العالميون بشدة هذا
الرأي، وأيدته وزارة الخارجية إلى حد
بعيد وقد حصل هذا الرأي بشكل تدريجي على
الموافقة في واشنطن فيما بعد.
فالمناقشة
الحقيقية تتمثل في محاربة الإرهاب
جماعياً أم فردياً. إن على صانعي القرار
الرئيسيين مثل السادة بوش، بلير،
جيرهارد شرودير، و فلاديمير بوتن أن
يبدوا اهتمامهم بذلك.
فمن
وجهة نظر أمريكا، هناك ثلاثة أسئلة،
الأول: هل يمكن أن نثق بالأوروبيين؟
والثاني: ما هي الحاجة الملحة لهم؟
الثالث: بما أنهم سيرغمون بمحض إرادتهم
على الاستجابة لما نقوم به مهما يحدث،
فهل يتوجب علينا أن نصغي إليهم؟.
محاولة تسوية
إن الانتقادات الأخيرة التي صدرت عن
فرنسا و ألمانيا قد أدت لأن تساور
أمريكا المخاوف بأن الأوروبيين غير
جديرين بالوثوق بهم في مسألة الصراع ضد
الإرهاب. فكان رد الأوروبيين أن المسألة
ليست مسألة جبن، وإنما اختلاف في وجهة
نظر. فالعديد منهم لا يشعرون بالسعادة
إزاء ما يرونه من اتجاه أمريكا بالتفرد،
وهم غاضبون لعدم مقدرتهم على فعل الكثير
من أجل ذلك.
وقد
أدركت الدول الأوروبية الأخرى مدى
ضعفها، فلم ترد أن تقطع علاقاتها مع
الولايات المتحدة. وقد رحب كل من رئيسيي
وزراء إيطاليا و إسبانيا بما يسمى بـ
"محور الشر" حيث قارن "جوزيه
أزنار" هذا التشبيه بما أفاد به "
هاري ترومان" من محاربة الغرب
للشيوعية السوفيتية. وتستمر بريطانيا –من
وجهة نظر بلير- بالإفصاح عن الأمور
القيمة.
وطالما
أن هذه الدول ظلت باقية خلف أمريكا،
فهذا بحد ذاته سوف يبطل المقولة بأنه تم
استرضاء الأوروبيين على نحو جماعي. وهذا
بالطبع لا ينطبق على ألمانيا و فرنسا (لأن
عضويتهما الدائمة في مجلس أمن الأمم
المتحدة يضفي عليهما أهمية يضاهي
دورهما في الاتحاد الأوروبي).
ولكن معارضتهما للإطاحة بصدام حسين
قد لا تبدو كما هو ظاهر لكل منهما. إذ
ستجري فرنسا و ألمانيا انتخابات هذا
العام، وهناك بعض السياسيين الذين قد
يكون لديهم مصلحة في استخدام اللهجة
المعادية لأمريكا أثناء القيام بحملتهم
الانتخابية، وخاصة "جوشكا فشر" حيث
يواجه حزبه "الأخضر" خطر الاندثار
في التصويت في الانتخابات في ألمانيا.
وباختصار،
قد يكون هناك أكثر من حدث ضمن التاريخ
الطويل للصراع الأوروبي في محاولة هذه
الدول للتكيف مع المبادرة الأمريكية
الاستراتيجية. وقد حدث الشئ نفسه بعد
خطاب "رونالد ريغان" الذي كان
بعنوان "الإمبراطورية الشريرة". ثم
تبع ذلك خوف مبدئي لدى إدخال الصواريخ
المتوسطة المدى في أوروبا، وعقب
الانهيار الأخير للاتحاد السوفيتي.
ربما
يحدث تكيف مماثل بالنسبة لمسألة العراق.
فالأمريكيون
في بادئ الأمر يقولون"حسناً" ولكن
حتى بافتراض أن الأوربيين مستعدون
لتقديم المساعدة السياسية للحملة ضد
صدام، فما هي الحاجة الملحة لهم؟
فنفقاتهم الدفاعية يرثى لها. و تقنياتهم
العسكرية متخلفة عنا
بأجيال. ولم نكن بحاجة إليهم على أية
حال في أفغانستان. نعم ، حقاً أن الناتو
قد قام بتنفيذ المادة الخامسة في الثاني
عشر من سبتمبر مصرحاً أن الهجوم على أحد
أعضاء الناتو يعتبر هجوماً على الجميع.
ولكن أمريكا استعانت في الواقع بمساعدة
ضئيلة من الحلفاء. إنه من الصعوبة بمكان
الرد على هذا النقد، لأن بعضاً منه على
الأقل صحيح.
إن
الأمريكيين والأوروبيين الذين يعتقدون
أن الحلف له دور في محاربة الإرهاب
العالمي يجادلون أن الحملة في
أفغانستان –بصرف النظر عن كونها صراع
قديم في شكل جديد للحروب، هي حالة
مستثناة. فلم يكن هناك وقت كاف
للاستعداد لهذه الحرب. وقد بدأت أمريكا
بالهجوم بعد الحادي عشر من سبتمبر، ولم
تستطع الانتظار. ولن يكون هذا مثلاً
يحتذى به في موضوع العراق. وحتى لو كان
صحيحاً، فهذه النظرة التفاؤلية لا تأخذ
بعين الاعتبار انعدام المقدرة العسكرية
لأوروبا. فإذا قسنا هذا الأمر على
أمريكا نرى أنها تنفق حوالي 40% من
الميزانية التي ينفقها العالم على
الدفاع. فقد بلغت ميزانية البنتاغون
الآن أكثر من عشرة أضعاف ما سينفقه
الناتو من نفقات عسكرية ( بريطانيا).
يمكن
أن تعزى هذه الثغرة في الموارد إلى وجود
ثغرة في التقنية، كما وجد الأوروبيون
أنفسهم في أفغانستان. فلا عجب أن نرى
الأمين العام للناتو اللورد "روبيرتسون"
قلقاً بشكل كبير بشأن ضآلة التقنية
الأوروبية العسكرية. وهذا الاختلاف في
المجال العسكري – الذي سيتفاقم من جراء
القفزة في النفقات الدفاعية الأمريكية
هذا العام – قد يوضح الخشية الشديدة
السائدة في أوروبا من إدارة بوش. لقد
تنبهت أمريكا إلى التفوق الكبير لقوتها
العسكرية، وقد لاحظت أوروبا ذلك وهي
قلقة حول مدى الاستخدام الأمثل والحكيم
لتلك القوة، وحول ضعفها في هذا المجال.
لقد
نشأ الاختلاف بين أوروبا وأمريكا بسبب
سياسة التجاهل التي انتهجها الأوروبيون
لعدة سنوات، حيث أنهم يفضلون إنفاق
المال العام على الخدمات الاجتماعية،
وهذا لا يمكن تغييره بسرعة، ولا يريد
العديد في أوروبا و أمريكا تغيير ذلك
بأي حال من الأحوال. إنهم يؤثرون أن تبقى
الأمور كما هي. فالأوروبيون لا يودون
التخلي عن نعيمهم مقابل المزيد من
النار، لأنهم يشعرون أن ليس هناك تهديد
حاليا ليبرر محاولتهم لسد الثغرة في
مقدرتهم العسكرية.
والأمريكيون
لم يبالغوا بقلقهم إزاء فشل أوروبا في
عملية المنافسة العسكرية، طالما أن من
شأن هذا أن يزيد من حرية أمريكا في
التصرف. وفي حقيقة الأمر، قد يساور
أمريكا القلق إلى أقصى حد إذا ما قام
الأوروبيون – بكل ثقة – بالإيفاء
بوعدهم حول القوة الدفاعية للاتحاد
الأوروبي، وبالتالي ينشأ عن ذلك وجود
رأي لهم في اتخاذ القرارات. لذا لا يبدي
أي من الطرفين رغبة في إعادة موازنة
العلاقة. وهناك رأي أن مساهمة أوروبا في
موضوع الإنفاق الحالي لن تكون عديمة
الأثر. وهذا ما ردده الرئيس بوش في
إعلانه بأن هناك نوعاً جديداً من الحرب
يكون فيها رسم السياسات والمشاركة في
العمليات الاستخبارية والعقوبات
الاقتصادية، وهذا مهم تماماً كأهمية
الأمور العسكرية.
إن
الاستفادة من أوروبا في جميع تلك
المجالات لن تكون محصورة على ميزانيتها
الدفاعية الضعيفة. وبما أنه لم يتخذ أحد
قراراً بنوعية العمل العسكري الذي قد
يتخذ ضد العراق، إلا أنه من السابق
لأوانه أن يقرر في عدم مقدرة القوات
الأوروبية في المساهمة في هذه العملية.
ومن الخطأ أيضا اعتبار القوة الدفاعية
الأوروبية بأنها عديمة الجدوى وخاصة
أنه لا يمكن الآن شراء موجهات الصواريخ
وتقنيات المراقبة بأسعار زهيدة.
لذا،
من المحتمل أن يشارك الأوروبيون –
بالرغم من كل شكوكهم ومصاعبهم- في
الحملة ضد صدام، وقد يثبت في النهاية أن
هناك فائدة تجنى منهم. وهذا يعني أن
المشكلة هي في السؤال الثالث وهو: إذا
التزمت أوروبا بإتباع أمريكا بأي
طريقة، فهل على الرئيس بوش الاهتمام بما
يفكر به الأوروبيون؟
الحاجة إلى الإصغاء
هناك أسباب عديدة
توجب على الرئيس بوش بذل الاهتمام،
وهي باختصار تتلخص في المقولة بأن أحداث
الحادي عشر من سبتمبر قد أدت إلى حدوث
تقارب وثيق بين أمريكا و أوروبا .
فأوروبا
هي الهدف الغربي الآخر الذي يكرهه تنظيم
القاعدة، وأوروبا لديها مصالح واسعة مع
أمريكا. وبما أن العديد من الخلايا
الراقدة لتنظيم القاعدة موجودة في
أوروبا، فإن الشرطة الأوروبية،
والجواسيس، ومكافحي الاحتيال
الاقتصادي سوف يعملون ما بوسعهم للقضاء
على خلايا الإرهابيين. فإذا افترضنا على
سبيل المثال أن الضربة التالية
للإرهابيين هي باريس أو لندن، فإن
أمريكا لن تكون وحدها الهدف.
والأسباب
التي تدعو إلى أن يكون هناك تعاون بين
الطرفين قد لا يهم واشنطن الآن.
فالإدارة الأمريكية يديرها ساسة محنكون
، وإحساس قوي بقوة بلادهم.
ويرى
البعض أن أفضل تعريف لما يجب أن يحدث هو
ماذا تريد أمريكا أن تفعله. فإذا كانت
تريد الإطاحة بصدام حسين دون مساعدة
أوروبا، وأن تشكل حكومة أكثر
ديموقراطية في بغداد، فهل سيتذمر
الأوروبيون؟ الجواب
: لا. وإذا تجاهلت أمريكا أوروبا فيما
يخص العراق، فهل سيصبح الأوروبيون
معادين لتوسع الناتو أو الاتحاد
الأوروبي؟ بالطبع لا. لذا، فلن يكون
السؤال الذي يطرحه الساسة في الإدارة
الأمريكية – الذين لا يرغبون بالمساعدة
الأوروبية في الحرب على الإرهاب – "
هل لدينا مصالح"؟ والجواب على ذلك
وبكل وضوح نعم، وإنما يكون السؤال"
ماذا سيفعل الأوروبيون إذا تجاهلناهم
تماما؟ وقد يبدو الجواب: لن يهتموا
كثيرا. سوف يقوم الأوروبيون بنشر قوات
شرطتهم والتجسس على مصالحهم الخاصة،
وقد يدعمون التحالف المعادي لصدام
للسبب نفسه.
ويعتقد
العديد في الإدارة الأمريكية أنها هذه
هي أسباب التجاهل بعدم التعاون مع
أوروبا. ومن هذا المنطلق يعمد
الأوروبيون لإيجاد تبريرات للتعاون مع
أمريكا في هذا المجال و بما أنها لا تقوم
بذلك طواعية، ولكن أمريكا تريدها أن
تقوم بذلك.
وتفترض
الإدارة الأمريكية على سبيل المثال أن
الدول الأوروبية الأخرى ستحذو الحذو
نفسه وهو تشكيل الحكومة، وما بعد هذه
الفترة التي تعتقد أمريكا أنها دون ذلك.
وقد قدم آخرون حصة الأسد في تقديم
مساعدة بناء أفغانستان. ولكن ماذا سيحدث
لو توقفوا فجأة عن هذه المساعدة؟
إن
بريطانيا –
التي تقود قوات حفظ السلام – الآن تتردد
حول موضوع توسيع عملياتها خارج "كابول"
، كما تتردد في مسألة تمديد فترة
انتدابها التي تبلغ 6 أشهر. ولا ترغب
الإدارة الأمريكية أيضا في إيجاد أزمة
مع روسيا فيما يتعلق بالعراق. ربما تكون
أفضل وسيلة هي تقوية سبل التعاون بين
روسيا و والناتو، وهذا الأمر يتطلب
دعماً أوروبياً. وهناك الكثير من الدول
التي ترتبط أوروبا معها بمصالح أكثر من
الأمور الاستخباراتية والدبلوماسية
مثل أمريكا. فإذا ما تجاهلت أمريكا
الأوروبيين في مسألة العراق، فقد
تتجاهل أوروبا أمريكا في أمور حيوية
أخرى خاصة بالعالم. إنها وجهات نظر غير
ودية و خبيثة، وينبغي دراسة المخاطر
المحتملة قبل الشروع بها.
والسؤال
الهام جدا الذي يطرح نفسه: ما هو الأمر
الأكثر أهمية بالنسبة للإدارة
الأمريكية فيما يخص الحرب ضد أسلحة
الإرهاب الشامل، هل هو تصرف أمريكا الذي
يتسم بالحرية و بالاحدودية ، أم الحليف
الأطلنطي؟
يمكن
للرئيس بوش الإجابة على هذا السؤال. إلا
أن المراهنات كبيرة جداً إلى أقصى حد.
فإما أن يعطي الرئيس بوش الحلفاء في
الحلف الأطلسي سبباً جديداً من أجل
وجودهم في القرن الحادي والعشرين، أو أن
تضاف ضحية أخرى إلى محصلة هجمات الحادي
عشر من سبتمبر، إنه مستقبل الحليف ذاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق