الأربعاء، 16 يوليو 2025

الجولان وسوريا الجديدة – قضية تتجدد

 طوفان الشام

(4)

الجولان وسوريا الجديدة – قضية تتجدد

لعقود طويلة، شكّلت هضبة الجولان المحتلة جبهةً صامتة—رمزًا لفقدان السيادة السورية وتمزّق الكرامة الوطنية. فمنذ احتلالها عام 1967 خلال حرب الأيام الستة، ثم إعلان ضمّها من قبل إسرائيل عام 1981 (وهو إجراء أبطله قرار مجلس الأمن رقم 497)، ظلّت هذه الأرض منسية في الخطاب الرسمي السوري، تُستخدم كشعارٍ فارغ أكثر من كونها هدفًا استراتيجيًا.

تحت حكم حافظ الأسد ومن بعده بشار، لم يُطلق رصاص واحد من الجبهة الجنوبية بعد اتفاق فضّ الاشتباك عام 1974. بالنسبة لإسرائيل، كان هذا الوضع مثاليًا: نظامٌ مستقر يمكن التنبؤ بتصرفاته، لا يشكّل تهديدًا حقيقيًا، بل يمثّل حزام أمان. لكن كل ذلك تغيّر مع اندلاع الثورة السورية.

الثورة تعيد تعريف السيادة

لم تكن استعادة الجولان في صدارة شعارات الثورة عند انطلاقها عام 2011، إذ انشغل المتظاهرون بحرية الداخل وكرامته. إلا أن الثورة أعادت تشكيل وعيٍ وطنيٍ جديد، يرى أن التحرر الداخلي لا يكتمل دون استعادة الأرض المغتصبة، وأن السيادة الحقيقية لا يمكن تجزئتها.

ومع سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، تفكّك التوازن الذي ساد المنطقة لعقود. الدولة السورية الجديدة، التي صيغت بإرادة الشعب وتضحياته، أعادت الجولان إلى مركز الخطاب السياسي والثقافي، ليس كأداة تفاوض بل كركيزة للهوية الوطنية.

مأزق استراتيجي لإسرائيل

إن انهيار النظام السابق ترك إسرائيل في مواجهة جارٍ جديد غير قابل للتوقع. النظام البائد كان يؤمّن الهدوء، أما سوريا الثورية فهي دولة شعب، تتحدث باسم مواطنيها، لا تقايض الأرض بالحماية، ولا تخضع لصفقات تحت الطاولة.

وتدرك إسرائيل أن التهديد الجديد ليس عسكريًا فحسب، بل أيديولوجي أيضًا. فسوريا التي أطاحت بنظامٍ مدعوم من روسيا وإيران، وتمسكت بوحدتها رغم الجراح، قادرة على إحياء وعيٍ شعبيٍ عربيٍ يتجاوز حدود سايكس بيكو.

من الشعارات إلى الفعل

في يناير 2025، أعلنت الحكومة الانتقالية السورية أن الجولان "أولوية وطنية غير قابلة للتفاوض". وشكّلت لجنة خاصة بشؤون الجولان، وأُطلقت حملات توعوية في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية. وظهرت الجداريات التي تُصوّر قرى الجولان المدمّرة في ميادين إدلب ودرعا وحلب.

وفي الجولان المحتل ذاته، حيث يرفض معظم الدروز الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ظهرت بوادر تفاعل جديد مع الدولة السورية الوليدة. حملات توثيق، ومبادرات ثقافية، ومؤشرات على تواصل سريّ يعكس وحدة الانتماء والهوية.

المسار القانوني والدبلوماسي

تقدّمت الحكومة الثورية بشكوى قانونية إلى محكمة العدل الدولية في مارس 2025، تتضمن أدلة موثّقة على عمليات التهجير، مصادرة الأراضي، والاستيطان القسري. كما أعادت إحياء ملف القرار 497 في الأمم المتحدة، وطالبت بإعادة تفعيله ضمن حملة دبلوماسية متعددة الأطراف.

وفي مشهد غير مسبوق، قدّم خبراء قانونيون سوريون، بالتعاون مع منظمات دولية، ملفًا يطعن بشرعية الضمّ أمام محافل حقوقية. وبذلك تحوّلت قضية الجولان من شعارٍ إلى مطالبةٍ شرعية مدعومة بالقانون الدولي.

التعبئة الشعبية والثقافية

يتميّز هذا العصر الجديد بالحراك الشعبي من الأسفل للأعلى. أنتج المخرجون السوريون أفلامًا وثائقيةً عن مهجّري الجولان، ونُظمت مسرحيات عن الأسر المفصولة بالاحتلال. وفي وسائل التواصل، تصدّر وسم #العودة_إلى_الجولان منصات الشباب والشتات.

لم تعد القضية محصورةً ببياناتٍ رسمية؛ بل أصبحت جزءًا من وجدان الأمة السورية. وعبر هذا الحراك، برزت الدولة الثورية كأمين على الذاكرة والعدالة، لا كسلطةٍ مؤقتة.

العقيدة العسكرية الجديدة

رغم تأكيد الحكومة الجديدة مرارًا أنها لا تسعى لحروب، إلا أنها تدرك أن الدفاع عن السيادة يتطلب الاستعداد. وفي مارس 2025، اعتمد المجلس العسكري الموحّد عقيدةً دفاعية جديدة تركّز على الجبهة الجنوبية.

القادة العسكريون الجدد—كالعقيد قاسم الدرني—أوضحوا في مقابلات إعلامية أن سوريا ما بعد الثورة ترى في الجولان قضية ردع، لا وسيلة حرب. جيشها الجديد لا طائفي، ولا تابع لأي محور خارجي، بل جيش وطني تحت إشراف مدني.

اختبار الاستقلال السوري

أصبحت قضية الجولان اختبارًا لمصداقية الثورة، ومقياسًا لعدالة المجتمع الدولي. هل سيعترف الغرب بحق سوريا الثورية في استعادة أرضها؟ أم ستظل الحسابات الجيوسياسية تتغلّب على مبادئ القانون والعدالة؟

السوريون يعرفون أن الطريق طويل. لكنهم أيضًا يدركون أن الثورة لم تكن فقط لإسقاط طاغية، بل لاستعادة وطن كامل. واسترجاع الجولان—بالقانون، بالثقافة، أو بالردع—سيكون شاهدًا على بقاء القيم التي أطلقت شرارة التغيير.


المصادر والمراجع

1.    وكالة فرانس برس: "سوريا تودع ملف الجولان لمحكمة العدل الدولية"، مارس 2025.

2.    الجزيرة العربية: "الثورة السورية والجبهة المنسية: الجولان من جديد"، ديسمبر 2024.

3.    هآرتس: "كيف تحوّل الجولان إلى ورقة مساومة بيد الأسد"، يوليو 2019.

4.    هيثم سليم: "العقيدة العسكرية السورية الجديدة وتداعياتها الإقليمية"، مركز كارنيغي، أبريل 2025.

5.    هيومن رايتس ووتش: "الجولان المحتل: المصادرة والمقاومة"، أكتوبر 2023.

6.    مركز الدراسات الأمنية (INSS): "تقييم استراتيجي 2025: إسرائيل وسوريا ما بعد الأسد"، فبراير 2025.

7.    سوريا اليوم: "إحياء الجولان: التعليم والثقافة الثورية"، فبراير 2025.

8.    المجلس الانتقالي السوري: بيان الأولويات الوطنية، يناير 2025.

9.    قرار مجلس الأمن رقم 497 (1981): رفض ضم إسرائيل للجولان.

10. العربي الجديد: تقارير ميدانية حول الجنوب السوري ما بعد الأسد، 2025.

11. مركز دراسات الجمهورية السورية: "الجولان في الذاكرة الوطنية السورية"، إسطنبول، 2020.

12. زمان الوصل: شهادات من نشطاء وسكان الجولان المحتل، 2024–2025.

13. يزيد صايغ، "مآزق الإصلاح والمقاومة في العالم العربي"، مؤسسة كارنيغي، 2021.

14. تشارلز غلاس، "سوريا تحترق: تاريخ موجز لكارثة"، دار فيرسو، 2016.

 

خوف إسرائيل من سوريا الثورية

(طوفان الشام) 

(3)

خوف إسرائيل من سوريا الثورية

من نظام "الهدنة الدائمة" إلى دولة ثورية:

منذ توقيع اتفاقية فضّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في 1974 عقب حرب تشرين، ظلت جبهة الجولان المحتل هادئة لعقود. النظام البعثي بقيادة حافظ الأسد، ومن بعده بشار، لم يخض أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل رغم شعاراته القومية، وركّز بدلاً من ذلك على "الممانعة الكلامية" واستخدام ورقة المقاومة كورقة تفاوضية لا أكثر.

إسرائيل كانت ترى في نظام الأسد "عدوًا يمكن ضبطه" أو كما وصفه أحد القادة الإسرائيليين: "الشيطان الذي نعرفه". لم تشكل سوريا خطرًا مباشرًا عليها ما دام النظام مستقرًا، ولا سيما أن النظام التزم بعدم تحريك الجبهة مقابل استمراره في الحكم دون تدخل إسرائيلي. وقد لعبت الاستخبارات الغربية، ومنها الإسرائيلية، دورًا كبيرًا في حماية استقرار النظام ضمنيًا، خاصة في بداية الثورة.

الخوف من سوريا جديدة بمشروع قومي تحرري:

سوريا بعد الثورة تغيّرت جوهريًا. لم تعد دولة تابعة لنظام أمني مغلق، بل أصبحت ــ بحسب تصور تل أبيب ــ مهدّدة بإعادة تشكيل عقيدة قومية ثورية ترى في تحرير فلسطين قضية مركزية. إنّ نجاح ثورة شعبية في سوريا ضد نظام استبدادي مدعوم من قوى عالمية، مثل روسيا وإيران، أرسل رسالة قوية إلى المنطقة مفادها أن "الإرادة الشعبية يمكن أن تنتصر"، وهو أمر مرعب للكيان الصهيوني الذي يعتمد على بيئة إقليمية منهكة ومجزأة.

فالقيادة الجديدة في دمشق ـ المولودة من رحم الثورة ـ قد تتبنى استراتيجية مقاومة حقيقية، وليس مجرد شعارات. كما أن توجهها نحو التحالف مع حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، بعيدًا عن المحاور الإقليمية والدولية التقليدية، سيجعل منها شوكة في الخاصرة الإسرائيلية.

 الجولان المحتل... القنبلة المؤجلة

أحد أكبر مصادر القلق الإسرائيلي هو احتمال عودة الجولان المحتل إلى واجهة الصراع. فإسرائيل ضمت الجولان رسميًا عام 1981 في خطوة لم يعترف بها أحد، سوى إدارة ترامب في 2019. سقوط نظام الأسد، الذي "جمّد" المطالبة بالجولان فعليًا لعقود، يفتح الباب أمام المطالبة النشطة باستعادته.

سوريا الجديدة قد تلجأ إلى المقاومة الشعبية أو القانونية أو حتى العسكرية لاستعادة الجولان، مستندة إلى الدعم الشعبي الإقليمي والدولي الذي تكتسبه كثمرة لتضحياتها في الثورة.

التغيير في العقيدة العسكرية

أحد أخطر آثار الثورة على إسرائيل هو ظهور جيل عسكري سوري جديد غير ملوث بعقيدة الهزيمة والتراجع، بل محملٌ بخبرة قتالية عالية. هذا الجيل، الذي قاوم أعتى الحملات الروسية والإيرانية والأسدية، بات يدرك أن النصر ممكن بالإعداد والتخطيط والعمل الشعبي. وهم أكثر استقلالية عن التحالفات الإقليمية التقليدية، ولا يتبعون للقرار الإيراني أو الروسي.

هذا الجيل هو نواة جيش وطني جديد قد يتحول إلى خطر عسكري حقيقي على الكيان الإسرائيلي في حال توحيد القوى الثورية وبناء دولة قوية.

المتغير الشعبي والإسلامي

الثورة السورية كانت ذات بعد إسلامي واضح، خاصة في مرحلتها المتقدمة. هذا يجعل إسرائيل تخشى من عودة "الروح الإسلامية" التي تُحرّك الشعوب في اتجاه رفض الاحتلال، والمطالبة بتحرير المسجد الأقصى. إن الربط بين دمشق والقدس في الخطاب الثوري أصبح قويًا، وهو ما يُعيد إلى الواجهة معادلات الصراع التي سعت إسرائيل لدفنها منذ التسعينيات.

خلاصة تحليلية

إسرائيل تخشى من "سوريا ما بعد الأسد" لأنها:

·       تمثل نهاية مرحلة الجبهات الهادئة وبداية زمن المبادرة.

·       قد تتحول إلى نموذج للنهضة الشعبية القومية في المنطقة.

·       تهدد بمشروع مقاوم غير تابع لأي قوة دولية أو محور إقليمي.

·       قد تعيد فتح ملف الجولان المحتل على مستويات سياسية وعسكرية.

وعليه، فإن تل أبيب، بحسب تقارير متعددة، فضلت بقاء الأسد كنظام قابل للضبط، على أن تتعامل مع واقع ثوري جديد غير مضمون التوجهات.


المصادر والمراجع

1.    قناة الجزيرة، “هل انتصرت إسرائيل ببقاء نظام الأسد؟، aljazeera.net.

2.    مؤسسة الدراسات الفلسطينية، “الجولان المحتل وموقف النظام السوري”، 2022.

3.    شبكة الميادين، “الجبهة الجنوبية: مستقبل الصراع مع الكيان الإسرائيلي”، 2024.

4.    أحمد موفق زيدان، سوريا الثورة المفتوحة، ط. بيروت، 2021.

5.    مركز الزيتونة للدراسات، "الثورة السورية وفلسطين: روابط التاريخ والمستقبل"، 2023.

6.      Haaretz, “Israel prefers Assad to chaos in Syria,” 2020.

7.      Middle East Eye, “How Israel quietly supported Assad's survival,” 2023.

8.      Foreign Affairs، “The Syrian Revolution and the End of Israeli Strategic Quiet,” 2021.



سوريا الجديدة وإسرائيل: (2) لماذا ترى إسرائيل في سوريا الثورية تهديداً استراتيجياً؟

(طوفان الشام)

لماذا ترى إسرائيل في سوريا الثورية تهديدًا استراتيجيًا؟

منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية في مارس 2011، وقفت إسرائيل موقفًا حذرًا ومربكًا في آنٍ معًا. فعلى الرغم من أن نظام بشار الأسد لطالما قدّم نفسه كعدو لإسرائيل، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا؛ فقد كانت الجبهة السورية في الجولان هادئة لعقود، ولم تُطلق منها رصاصة واحدة منذ اتفاق فضّ الاشتباك عام 1974.

في البداية، راقبت إسرائيل المشهد السوري عن كثب، ولم تُصدر أي موقف رسمي مؤيد أو معارض للثورة، ولكنّ صمتها لم يكن حيادًا، بل حسابًا دقيقًا لما قد ينجم عن انهيار نظام الأسد. فالنظام الذي يرفع راية "الممانعة" ظلّ لعقود يؤمّن حدودها الشمالية، ويمنع أي تحرك عسكري على الجبهة، ويخدم بشكل غير مباشر مشروع "إدارة الصراع" بدلًا من إنهائه.

مع تصاعد زخم الثورة السورية وانتقالها من الحراك السلمي إلى المقاومة المسلحة، بدأت مراكز التفكير الإسرائيلي ودوائر صنع القرار تُظهر قلقًا متزايدًا من مستقبل سوريا في حال سقوط النظام. لم يكن الخوف من الفوضى وحسب، بل من أن تحلّ محلّ النظام دولة وطنية نابعة من إرادة الشعب، ذات خطاب تحرري، وقضية مركزية اسمها فلسطين. مثل هذه الدولة ستكون غير قابلة للاحتواء أو التوظيف، وتشكل خطرًا استراتيجيًا طويل الأمد على إسرائيل، سياسيًا وأمنيًا وحتى رمزيًا.

وبين عامي 2012 و2015، بينما كانت فصائل المعارضة السورية تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، خاصة في الجنوب السوري القريب من الجولان، بدأت إسرائيل تنفذ ضربات جوية على أهداف للفصائل المسلحة بحجة مكافحة الإرهاب. لكنّ مراقبين وثقوا أن بعض هذه الضربات كانت تستهدف فصائل لا علاقة لها بالتطرف، بل شاركت في قتال النظام، مما اعتُبر مؤشّرًا على انحياز غير معلن لمنع المعارضة من الاقتراب من حدود الجولان.

في أيلول/سبتمبر 2015، ومع التدخل العسكري الروسي الكبير لإنقاذ نظام الأسد من السقوط، أنشأت إسرائيل قنوات اتصال مباشرة مع موسكو. هدف هذه القنوات، وفق التصريحات الإسرائيلية، هو "منع التصادم" في الأجواء السورية، لكنها عمليًا أتاحت لإسرائيل حرية ضرب مواقع خصومها، مقابل سكوت تام عن جرائم الأسد وروسيا بحق المدنيين.

ورغم تصعيدها لضربات جوية على مواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا، إلا أن إسرائيل لم تبذل أي جهد فعلي لإسقاط الأسد، بل على العكس، روّجت في بعض الأوساط الغربية لفكرة أنه "أهون الشرّين"، ووجوده أفضل من البديل الإسلامي أو الثوري.

الأكثر حساسية من ذلك أن بعض التقارير الاستخباراتية تحدثت عن تواصل إسرائيلي مع مجموعات محلية في الجنوب السوري، خاصة في محافظتي القنيطرة والسويداء، بهدف منع تقدم فصائل المعارضة نحو الجولان، أو حتى دعم تحركات محلية مناهضة للقيادة الثورية الجديدة بعد سقوط النظام في نهاية 2024.

كما تُشير مصادر متقاطعة إلى أن إسرائيل استغلت ضعف الدولة السورية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد، وتوغلت في بعض المناطق الحدودية قرب الجولان تحت ذرائع أمنية، في مخالفة واضحة للقانون الدولي واتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974.

من وجهة نظر استراتيجية، ترى إسرائيل أن سوريا الثورية، حتى وهي تخرج من حرب دامية، تمثل خطرًا "بنيةً ونواةً" وليس فقط بالقدرات. إن مجتمعاً تحرر من الاستبداد، ويمتلك ذاكرة نضالية، ويستعيد قضاياه المركزية وفي مقدمتها فلسطين، لهو التهديد الأخطر لإسرائيل، لأنه يعيد الوعي العربي إلى معادلة الصراع.

لهذا، يمكن القول إن إسرائيل، رغم تظاهرها بالقلق من محور إيران–الأسد، كانت عمليًا أكثر ارتياحًا لوجود نظام ضعيف محاصر ومعتمد على الخارج، من أن ترى دولة حرة تنهض في الشمال الشرقي من فلسطين، حاملةً شعارات الحرية والسيادة، وشعبًا لم ينسَ أن الجولان لا يزال تحت الاحتلال.


 

المراجع والمصادر:

1.    دراسات وتقارير مركز الفكر الاستراتيجي – تركيا: “الفاعل الإسرائيلي في الجنوب السوري” (2021).

2.    وثائق وتقارير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ضربات إسرائيل في سوريا (2015–2022).

3.    مقابلات وتحقيقات ميدانية من السويداء والقنيطرة – شبكة السويداء ANS (2023–2024).

4.    مداخلات ومقالات تحليلية في موقعي العربي الجديد وميدل إيست مونيتور.

5.      Yossi Melman, Israel’s Secret War in Syria, Haaretz, 2019.

6.      Middle East Eye – Investigative reports on Israeli coordination in southern Syria (2018–2022).

7.      “Israel and the Syrian Civil War,” International Crisis Group, Report No. 182, 2019.

8.      Charles Lister, The Syrian Jihad: Al-Qaeda, the Islamic State and the Evolution of an Insurgency, Oxford University Press, 2016.

9.      Al Jazeera Centre for Studies – Syria File (2011–2023).

10.   Reports by Syrian Observatory for Human Rights (SOHR), 2015–2023.

سوريا الجديدة وإسرائيل: (1) هل ستكون إسرائيل العدو التالي؟

من كتاب: طوفان الشام: مختصر تاريخ الثورة السورية من 2011 إلى 2024

(1)

هل ستكون إسرائيل العدو التالي؟

مقدمة: ما بعد التحرير... إلى أين؟

مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، ونجاح الثورة السورية في استعادة القرار الوطني، لم يعد السؤال الأهم هو: كيف سقط النظام؟ بل إلى أين تتجه سوريا الجديدة؟ وفي هذا الإطار، تبرز إسرائيل كأحد أبرز التحديات التي ستواجه الدولة السورية المحررة، سواء من حيث التهديدات الأمنية أو من زاوية الدور التاريخي لسوريا في الصراع العربي–الصهيوني.

فبعد أكثر من خمسين عامًا من الصمت الاستراتيجي على الجبهة الجنوبية، تفتح الثورة السورية الباب مجددًا أمام احتمال استعادة الدور القومي لسوريا، ليس فقط على مستوى الخطاب، بل على مستوى الفعل والمبادرة. فهل ستكون إسرائيل العدو التالي؟ هذا ما يحاول هذا الباب تحليله.


أولًا: إسرائيل ونظام الأسد – تحالف العداء المصطنع

منذ توقيع اتفاقية فصل القوات عام 1974، بقيت جبهة الجولان هادئة بشكل شبه تام. لم تطلق رصاصة واحدة من طرف النظام السوري على إسرائيل طوال عقود، رغم خطاب "الممانعة" العالي النبرة. في الواقع، كانت إسرائيل تعتبر نظام الأسد–الأب ثم الابن، "عدوًا يمكن التفاهم معه"؛ عدوًا يحسن ضبط الجبهة الجنوبية، ويمنع تسرب الفوضى إلى الداخل الفلسطيني المحتل.

وقد دعمت إسرائيل النظام السوري في عدة محطات، سواء بشكل غير مباشر من خلال تشجيع القوى الدولية على الإبقاء عليه كـ"أهون الشرّين"، أو من خلال التنسيق الأمني عبر أطراف وسيطة. وحين اندلعت الثورة السورية، لم تُخفِ إسرائيل قلقها من احتمال انهيار هذا "التوازن المريح"، وعبّر كبار المسؤولين في تل أبيب عن خشيتهم من صعود قوى إسلامية أو وطنية غير منضبطة.

 

ثانيًا: ماذا تخشى إسرائيل من سوريا الجديدة؟

سوريا ما بعد الأسد ليست سوريا الضعيفة، الممزقة، المهادنة. بل هي سوريا الثورة، التي عرفت الدم والتضحية، وخرجت من رماد المجازر بميلاد جيل جديد من القادة، المقاتلين، والمفكرين. من هنا، فإن الخشية الإسرائيلية الكبرى هي أن تعود سوريا إلى موقعها الطبيعي كقاعدة متقدمة للمقاومة العربية.

أبرز المخاوف الإسرائيلية:

1.    إحياء المطلب القانوني والسياسي بالجولان السوري المحتل، بوسائل دبلوماسية وشعبية وإعلامية وعسكرية.

2.    دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، بعد أن تخلصت سوريا من وصاية النظام الإيراني وارتباطاته الطائفية.

3.    انفتاح التنسيق مع الشعوب العربية والإسلامية، بدل الاقتصار على المحور الإيراني–الروسي المنغلق.

4.    تحوّل الجبهة الجنوبية (القنيطرة–درعا–الجولان) إلى منطقة توتر متجدد، مما يُربك الأمن الإسرائيلي في الشمال.

في كل هذه السيناريوهات، إسرائيل لا تواجه دولة تبحث عن مغامرة، بل عن استعادة حقها، وهذا ما يجعل التهديد الجديد أكثر "شرعية" وأصعب في المكافحة، حسب تعبير أحد التقارير الأمنية الصادرة عن "معهد الأمن القومي الإسرائيلي" عام 2025.

ثالثًا: الثورة السورية أنتجت جيلًا جديدًا لا يشبه أحدًا

من أكبر نتائج الثورة السورية أنها أعادت إنتاج "الفاعل السوري" المستقل، بعد عقود من القمع والإذلال الأمني. الجيل الذي خاض الثورة منذ 2011 وحتى 2024، هو جيلٌ:

1.    لا يعرف الخوف من الأنظمة أو من القوى الكبرى.

2.    تمرّس في العمل العسكري والسياسي والإعلامي.

3.    أقام هياكل مدنية في مناطق محررة رغم القصف والتجويع.

4.    خاض معارك ضد النظام، وروسيا، وإيران، وتنظيم داعش في وقت واحد.

5.    اكتسب شرعية شعبية حقيقية داخل سوريا وخارجها.

هذا الجيل يمتلك القدرة على بناء دولة، لكنه في الوقت نفسه، لن يقبل بإبقاء الجولان تحت الاحتلال، ولن يتساهل مع كيانٍ استغل ضعف سوريا لسنوات طويلة. بل يرى في المواجهة مع إسرائيل – السياسية والميدانية – استعادة للكرامة الوطنية، وليست مجرد مغامرة أيديولوجية.

العدو المقبل؟ أم بوابة التحرر؟

ليس بالضرورة أن تنجرّ سوريا الجديدة إلى حرب مباشرة مع إسرائيل، فالشعب السوري أنهكته الحرب ولا يريد تكرار المآسي. ولكن، من المؤكد أن معادلة الردع التي أرستها إسرائيل منذ 1974 قد انتهت. كما أن الدولة السورية المقبلة ستضع في أولوياتها إعادة الجولان، واستعادة دورها في دعم القضية الفلسطينية.

قد تكون المعركة القادمة مع إسرائيل معركة من نوع جديد: معركة وعي، إعلام، حصار اقتصادي، دعم للمقاومة، تحالفات إقليمية، وبناء دولة قوية ومستقلة، تستعيد حقها بالميدان لا بالشعارات.


المراجع والمصادر

1.    معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي  – INSS، تقرير: "تحولات ما بعد الأسد: التهديد القادم من سوريا؟"، يناير 2025.

2.    "الأسد حليف غير معلن" – تحليل في مجلة Foreign Policy، مايو 2017.

3.    تصريحات إيهود باراك (وزير الدفاع الأسبق) – صحيفة "هآرتس"، مارس 2013.

4.    مقابلة بنيامين نتنياهو مع CNN، يونيو 2016، حيث قال: "الأسد ليس صديقنا، لكنه أفضل من فوضى إسلامية على حدودنا".

5.    تقارير ميدل إيست آي والجزيرة نت حول التنسيق الإسرائيلي–الروسي لحماية الأسد، 2016–2018.

6.    دراسة مركز جسور للدراسات: "الثورة السورية والموقف من إسرائيل: تغير في الموقف الشعبي والرسمي".

7.      The Syria File – مجموعة أوراق بحثية صادرة عن معهد كارنيغي، 2024.