الأربعاء، 16 يوليو 2025

خوف إسرائيل من سوريا الثورية

(طوفان الشام) 

(3)

خوف إسرائيل من سوريا الثورية

من نظام "الهدنة الدائمة" إلى دولة ثورية:

منذ توقيع اتفاقية فضّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في 1974 عقب حرب تشرين، ظلت جبهة الجولان المحتل هادئة لعقود. النظام البعثي بقيادة حافظ الأسد، ومن بعده بشار، لم يخض أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل رغم شعاراته القومية، وركّز بدلاً من ذلك على "الممانعة الكلامية" واستخدام ورقة المقاومة كورقة تفاوضية لا أكثر.

إسرائيل كانت ترى في نظام الأسد "عدوًا يمكن ضبطه" أو كما وصفه أحد القادة الإسرائيليين: "الشيطان الذي نعرفه". لم تشكل سوريا خطرًا مباشرًا عليها ما دام النظام مستقرًا، ولا سيما أن النظام التزم بعدم تحريك الجبهة مقابل استمراره في الحكم دون تدخل إسرائيلي. وقد لعبت الاستخبارات الغربية، ومنها الإسرائيلية، دورًا كبيرًا في حماية استقرار النظام ضمنيًا، خاصة في بداية الثورة.

الخوف من سوريا جديدة بمشروع قومي تحرري:

سوريا بعد الثورة تغيّرت جوهريًا. لم تعد دولة تابعة لنظام أمني مغلق، بل أصبحت ــ بحسب تصور تل أبيب ــ مهدّدة بإعادة تشكيل عقيدة قومية ثورية ترى في تحرير فلسطين قضية مركزية. إنّ نجاح ثورة شعبية في سوريا ضد نظام استبدادي مدعوم من قوى عالمية، مثل روسيا وإيران، أرسل رسالة قوية إلى المنطقة مفادها أن "الإرادة الشعبية يمكن أن تنتصر"، وهو أمر مرعب للكيان الصهيوني الذي يعتمد على بيئة إقليمية منهكة ومجزأة.

فالقيادة الجديدة في دمشق ـ المولودة من رحم الثورة ـ قد تتبنى استراتيجية مقاومة حقيقية، وليس مجرد شعارات. كما أن توجهها نحو التحالف مع حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، بعيدًا عن المحاور الإقليمية والدولية التقليدية، سيجعل منها شوكة في الخاصرة الإسرائيلية.

 الجولان المحتل... القنبلة المؤجلة

أحد أكبر مصادر القلق الإسرائيلي هو احتمال عودة الجولان المحتل إلى واجهة الصراع. فإسرائيل ضمت الجولان رسميًا عام 1981 في خطوة لم يعترف بها أحد، سوى إدارة ترامب في 2019. سقوط نظام الأسد، الذي "جمّد" المطالبة بالجولان فعليًا لعقود، يفتح الباب أمام المطالبة النشطة باستعادته.

سوريا الجديدة قد تلجأ إلى المقاومة الشعبية أو القانونية أو حتى العسكرية لاستعادة الجولان، مستندة إلى الدعم الشعبي الإقليمي والدولي الذي تكتسبه كثمرة لتضحياتها في الثورة.

التغيير في العقيدة العسكرية

أحد أخطر آثار الثورة على إسرائيل هو ظهور جيل عسكري سوري جديد غير ملوث بعقيدة الهزيمة والتراجع، بل محملٌ بخبرة قتالية عالية. هذا الجيل، الذي قاوم أعتى الحملات الروسية والإيرانية والأسدية، بات يدرك أن النصر ممكن بالإعداد والتخطيط والعمل الشعبي. وهم أكثر استقلالية عن التحالفات الإقليمية التقليدية، ولا يتبعون للقرار الإيراني أو الروسي.

هذا الجيل هو نواة جيش وطني جديد قد يتحول إلى خطر عسكري حقيقي على الكيان الإسرائيلي في حال توحيد القوى الثورية وبناء دولة قوية.

المتغير الشعبي والإسلامي

الثورة السورية كانت ذات بعد إسلامي واضح، خاصة في مرحلتها المتقدمة. هذا يجعل إسرائيل تخشى من عودة "الروح الإسلامية" التي تُحرّك الشعوب في اتجاه رفض الاحتلال، والمطالبة بتحرير المسجد الأقصى. إن الربط بين دمشق والقدس في الخطاب الثوري أصبح قويًا، وهو ما يُعيد إلى الواجهة معادلات الصراع التي سعت إسرائيل لدفنها منذ التسعينيات.

خلاصة تحليلية

إسرائيل تخشى من "سوريا ما بعد الأسد" لأنها:

·       تمثل نهاية مرحلة الجبهات الهادئة وبداية زمن المبادرة.

·       قد تتحول إلى نموذج للنهضة الشعبية القومية في المنطقة.

·       تهدد بمشروع مقاوم غير تابع لأي قوة دولية أو محور إقليمي.

·       قد تعيد فتح ملف الجولان المحتل على مستويات سياسية وعسكرية.

وعليه، فإن تل أبيب، بحسب تقارير متعددة، فضلت بقاء الأسد كنظام قابل للضبط، على أن تتعامل مع واقع ثوري جديد غير مضمون التوجهات.


المصادر والمراجع

1.    قناة الجزيرة، “هل انتصرت إسرائيل ببقاء نظام الأسد؟، aljazeera.net.

2.    مؤسسة الدراسات الفلسطينية، “الجولان المحتل وموقف النظام السوري”، 2022.

3.    شبكة الميادين، “الجبهة الجنوبية: مستقبل الصراع مع الكيان الإسرائيلي”، 2024.

4.    أحمد موفق زيدان، سوريا الثورة المفتوحة، ط. بيروت، 2021.

5.    مركز الزيتونة للدراسات، "الثورة السورية وفلسطين: روابط التاريخ والمستقبل"، 2023.

6.      Haaretz, “Israel prefers Assad to chaos in Syria,” 2020.

7.      Middle East Eye, “How Israel quietly supported Assad's survival,” 2023.

8.      Foreign Affairs، “The Syrian Revolution and the End of Israeli Strategic Quiet,” 2021.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق