(طوفان الشام)
لماذا ترى إسرائيل في سوريا الثورية
تهديدًا استراتيجيًا؟
منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية
في مارس 2011، وقفت إسرائيل موقفًا حذرًا ومربكًا في آنٍ معًا. فعلى الرغم من أن
نظام بشار الأسد لطالما قدّم نفسه كعدو لإسرائيل، إلا أن الواقع
كان مختلفًا تمامًا؛ فقد كانت الجبهة السورية في الجولان هادئة لعقود، ولم تُطلق
منها رصاصة واحدة منذ اتفاق فضّ الاشتباك عام 1974.
في البداية، راقبت إسرائيل المشهد السوري
عن كثب، ولم تُصدر أي موقف رسمي مؤيد أو معارض للثورة، ولكنّ صمتها لم يكن حيادًا،
بل حسابًا دقيقًا لما قد ينجم عن انهيار نظام الأسد. فالنظام الذي يرفع راية
"الممانعة" ظلّ لعقود يؤمّن حدودها الشمالية، ويمنع أي تحرك
عسكري على الجبهة، ويخدم بشكل غير مباشر مشروع "إدارة الصراع" بدلًا من
إنهائه.
مع تصاعد زخم الثورة السورية وانتقالها من
الحراك السلمي إلى المقاومة المسلحة، بدأت مراكز التفكير الإسرائيلي ودوائر صنع
القرار تُظهر قلقًا متزايدًا من مستقبل سوريا في حال سقوط النظام. لم يكن الخوف من
الفوضى وحسب، بل من أن تحلّ محلّ النظام دولة وطنية نابعة من إرادة الشعب، ذات
خطاب تحرري، وقضية مركزية اسمها فلسطين. مثل هذه الدولة ستكون غير قابلة
للاحتواء أو التوظيف، وتشكل خطرًا استراتيجيًا طويل الأمد على إسرائيل، سياسيًا
وأمنيًا وحتى رمزيًا.
وبين عامي 2012 و2015، بينما كانت فصائل
المعارضة السورية تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، خاصة في الجنوب السوري القريب
من الجولان، بدأت إسرائيل تنفذ ضربات جوية على أهداف للفصائل المسلحة بحجة
مكافحة الإرهاب. لكنّ مراقبين وثقوا أن بعض هذه الضربات كانت تستهدف فصائل لا
علاقة لها بالتطرف، بل شاركت في قتال النظام، مما اعتُبر مؤشّرًا على انحياز غير
معلن لمنع المعارضة من الاقتراب من حدود الجولان.
في أيلول/سبتمبر 2015، ومع التدخل العسكري الروسي الكبير لإنقاذ نظام الأسد من
السقوط، أنشأت إسرائيل قنوات اتصال مباشرة مع موسكو. هدف هذه
القنوات، وفق التصريحات الإسرائيلية، هو "منع التصادم" في الأجواء
السورية، لكنها عمليًا أتاحت لإسرائيل حرية ضرب مواقع خصومها، مقابل سكوت تام
عن جرائم الأسد وروسيا بحق المدنيين.
ورغم تصعيدها لضربات جوية على مواقع الحرس
الثوري الإيراني في سوريا، إلا أن إسرائيل لم تبذل أي جهد فعلي لإسقاط الأسد،
بل على العكس، روّجت في بعض الأوساط الغربية لفكرة أنه "أهون
الشرّين"، ووجوده أفضل من البديل الإسلامي أو الثوري.
الأكثر حساسية من ذلك أن بعض التقارير
الاستخباراتية تحدثت عن تواصل إسرائيلي مع مجموعات محلية في الجنوب السوري،
خاصة في محافظتي القنيطرة والسويداء، بهدف منع تقدم فصائل المعارضة نحو الجولان،
أو حتى دعم تحركات محلية مناهضة للقيادة الثورية الجديدة بعد سقوط النظام في نهاية
2024.
كما تُشير مصادر متقاطعة إلى أن إسرائيل استغلت
ضعف الدولة السورية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد، وتوغلت في بعض المناطق الحدودية
قرب الجولان تحت ذرائع أمنية، في مخالفة واضحة للقانون الدولي واتفاقية فضّ
الاشتباك لعام 1974.
من وجهة نظر استراتيجية، ترى إسرائيل أن
سوريا الثورية، حتى وهي تخرج من حرب دامية، تمثل خطرًا "بنيةً ونواةً"
وليس فقط بالقدرات. إن مجتمعاً تحرر من الاستبداد، ويمتلك ذاكرة نضالية،
ويستعيد قضاياه المركزية وفي مقدمتها فلسطين، لهو التهديد الأخطر لإسرائيل، لأنه
يعيد الوعي العربي إلى معادلة الصراع.
لهذا، يمكن القول إن إسرائيل، رغم تظاهرها
بالقلق من محور إيران–الأسد، كانت عمليًا أكثر ارتياحًا لوجود نظام ضعيف محاصر
ومعتمد على الخارج، من أن ترى دولة حرة تنهض في الشمال الشرقي من فلسطين، حاملةً
شعارات الحرية والسيادة، وشعبًا لم ينسَ أن الجولان لا يزال تحت الاحتلال.
المراجع والمصادر:
1.
دراسات
وتقارير مركز الفكر الاستراتيجي – تركيا: “الفاعل الإسرائيلي في الجنوب السوري”
(2021).
2.
وثائق
وتقارير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ضربات إسرائيل في سوريا
(2015–2022).
3.
مقابلات
وتحقيقات ميدانية من السويداء والقنيطرة – شبكة السويداء ANS (2023–2024).
4.
مداخلات
ومقالات تحليلية في موقعي العربي الجديد وميدل إيست مونيتور.
5.
Yossi Melman, Israel’s Secret
War in Syria, Haaretz, 2019.
6.
Middle East Eye – Investigative
reports on Israeli coordination in southern Syria (2018–2022).
7.
“Israel and the Syrian Civil
War,” International Crisis Group, Report No. 182, 2019.
8.
Charles Lister, The Syrian
Jihad: Al-Qaeda, the Islamic State and the Evolution of an Insurgency,
Oxford University Press, 2016.
9.
Al Jazeera Centre for Studies –
Syria File (2011–2023).
10.
Reports by Syrian Observatory
for Human Rights (SOHR), 2015–2023.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق