من كتاب: طوفان الشام: مختصر تاريخ الثورة السورية من 2011 إلى 2024
(1)
هل ستكون إسرائيل العدو التالي؟
مقدمة: ما
بعد التحرير... إلى أين؟
مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، ونجاح الثورة السورية في
استعادة القرار الوطني، لم يعد السؤال الأهم هو: كيف سقط
النظام؟ بل إلى أين تتجه سوريا الجديدة؟ وفي هذا
الإطار، تبرز إسرائيل كأحد أبرز التحديات التي ستواجه الدولة السورية المحررة،
سواء من حيث التهديدات الأمنية أو من زاوية الدور التاريخي لسوريا في الصراع
العربي–الصهيوني.
فبعد أكثر من خمسين عامًا من الصمت
الاستراتيجي على الجبهة الجنوبية، تفتح الثورة السورية الباب مجددًا أمام احتمال
استعادة الدور القومي لسوريا، ليس فقط على مستوى الخطاب، بل على مستوى الفعل
والمبادرة. فهل ستكون إسرائيل العدو التالي؟ هذا ما يحاول هذا الباب تحليله.
أولًا: إسرائيل
ونظام الأسد – تحالف العداء المصطنع
منذ توقيع اتفاقية فصل القوات عام 1974،
بقيت جبهة الجولان هادئة بشكل شبه تام. لم تطلق رصاصة واحدة من طرف النظام السوري
على إسرائيل طوال عقود، رغم خطاب "الممانعة" العالي النبرة. في الواقع، كانت
إسرائيل تعتبر نظام الأسد–الأب ثم الابن، "عدوًا يمكن التفاهم معه"؛ عدوًا يحسن ضبط الجبهة الجنوبية، ويمنع تسرب الفوضى إلى الداخل
الفلسطيني المحتل.
وقد دعمت إسرائيل النظام السوري في عدة
محطات، سواء بشكل غير مباشر من خلال تشجيع القوى الدولية على الإبقاء عليه
كـ"أهون الشرّين"، أو من خلال التنسيق الأمني عبر أطراف وسيطة. وحين
اندلعت الثورة السورية، لم تُخفِ إسرائيل قلقها من احتمال انهيار هذا
"التوازن المريح"،
وعبّر كبار المسؤولين في تل أبيب عن خشيتهم من صعود قوى إسلامية أو وطنية غير
منضبطة.
ثانيًا: ماذا تخشى
إسرائيل من سوريا الجديدة؟
سوريا ما بعد الأسد ليست سوريا الضعيفة،
الممزقة، المهادنة. بل هي سوريا الثورة، التي عرفت الدم والتضحية، وخرجت من رماد
المجازر بميلاد جيل جديد من القادة، المقاتلين، والمفكرين. من هنا، فإن الخشية
الإسرائيلية الكبرى هي أن تعود سوريا إلى موقعها الطبيعي كقاعدة متقدمة للمقاومة
العربية.
أبرز المخاوف
الإسرائيلية:
1. إحياء المطلب القانوني والسياسي بالجولان
السوري المحتل، بوسائل دبلوماسية وشعبية وإعلامية
وعسكرية.
2. دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، بعد أن تخلصت سوريا من وصاية النظام الإيراني وارتباطاته الطائفية.
3. انفتاح التنسيق مع الشعوب العربية
والإسلامية، بدل الاقتصار على المحور الإيراني–الروسي
المنغلق.
4. تحوّل الجبهة الجنوبية (القنيطرة–درعا–الجولان) إلى منطقة توتر متجدد، مما
يُربك الأمن الإسرائيلي في الشمال.
في كل هذه السيناريوهات، إسرائيل لا تواجه
دولة تبحث عن مغامرة، بل عن استعادة حقها، وهذا ما يجعل التهديد الجديد أكثر
"شرعية" وأصعب في المكافحة، حسب تعبير أحد التقارير الأمنية الصادرة
عن "معهد الأمن القومي الإسرائيلي" عام 2025.
ثالثًا: الثورة
السورية أنتجت جيلًا جديدًا لا يشبه أحدًا
من أكبر نتائج الثورة السورية أنها أعادت
إنتاج "الفاعل السوري" المستقل، بعد عقود من القمع والإذلال الأمني.
الجيل الذي خاض الثورة منذ 2011 وحتى 2024، هو جيلٌ:
1. لا يعرف الخوف من الأنظمة أو من القوى
الكبرى.
2. تمرّس في العمل العسكري والسياسي
والإعلامي.
3. أقام هياكل مدنية في مناطق محررة رغم
القصف والتجويع.
4. خاض معارك ضد النظام، وروسيا، وإيران،
وتنظيم داعش في وقت واحد.
5. اكتسب شرعية شعبية حقيقية داخل سوريا
وخارجها.
هذا الجيل يمتلك
القدرة على بناء دولة، لكنه في الوقت نفسه، لن يقبل بإبقاء الجولان تحت الاحتلال،
ولن يتساهل مع كيانٍ استغل ضعف سوريا لسنوات طويلة. بل يرى في المواجهة مع إسرائيل – السياسية والميدانية – استعادة للكرامة
الوطنية، وليست مجرد مغامرة أيديولوجية.
العدو المقبل؟ أم
بوابة التحرر؟
ليس بالضرورة أن تنجرّ سوريا الجديدة إلى حرب مباشرة مع إسرائيل، فالشعب السوري
أنهكته الحرب ولا يريد تكرار المآسي. ولكن، من المؤكد أن معادلة الردع التي
أرستها إسرائيل منذ 1974 قد انتهت. كما أن الدولة
السورية المقبلة ستضع في أولوياتها إعادة الجولان، واستعادة دورها في دعم القضية
الفلسطينية.
قد تكون المعركة القادمة مع إسرائيل معركة
من نوع جديد: معركة
وعي، إعلام، حصار اقتصادي، دعم للمقاومة، تحالفات إقليمية، وبناء دولة قوية
ومستقلة، تستعيد حقها بالميدان لا بالشعارات.
المراجع والمصادر
1.
معهد
دراسات الأمن القومي الإسرائيلي –
INSS، تقرير: "تحولات ما بعد الأسد: التهديد القادم من سوريا؟"،
يناير 2025.
2. "الأسد حليف غير معلن" – تحليل في
مجلة Foreign Policy، مايو 2017.
3.
تصريحات
إيهود باراك (وزير الدفاع الأسبق) – صحيفة "هآرتس"، مارس 2013.
4.
مقابلة
بنيامين نتنياهو مع CNN،
يونيو 2016، حيث قال: "الأسد ليس صديقنا، لكنه أفضل من فوضى إسلامية على
حدودنا".
5.
تقارير
ميدل إيست آي والجزيرة نت حول التنسيق الإسرائيلي–الروسي لحماية الأسد، 2016–2018.
6.
دراسة
مركز جسور للدراسات: "الثورة
السورية والموقف من إسرائيل: تغير في الموقف الشعبي والرسمي".
7.
The Syria File – مجموعة أوراق بحثية صادرة عن معهد كارنيغي، 2024.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق