س:
من هو المرتدُّ فضيلة الشيخ؟ نرجو تحديده بشكل واضح؛ فقد يُحكم بردَّة شخص لديه
شبهة.
ج
: الحكم بالرِّدَّة والخروج من الدِّين من صلاحيَّات أهل العلم الرَّاسخين في
العلم، وهم القضاة في المحاكم الشرعيَّة؛ كغيرها من القضايا، وليس من حق كل أحد،
أو من حقِّ أنصاف المتعلِّمين، أو المنتسبين إلى العلم، والذين ينقصُهم الفقه في
الدِّين، ليس من صلاحيَّاتهم أن يحكُموا بالرِّدَّة؛ لأن هذا يلزم منه الفساد، وقد
يحكمون على المسلم بالرِّدَّة، وهو ليس كذلك، وتفكيرُ المسلم الذي لم يرتكب ناقضاً
من نواقض الإسلام فيه خطورة عظيمة، ومن قال لأخيه: يا كافر! أو: يا فاسق! وهو ليس
كذلك؛ فإنَّ هذا الكلام يعود على قائله؛ فالذين يحكمون بالرِّدَّة هم القضاة
الشرعيُّون، والذين ينفِّذون هذا الحكم هم ولاة أمور المسلمين، وما عدا هذا؛ فهو
فوضى وشرٌّ.
الشيخ
صالح الفوزان
رقم
الفتوى : 16255
* * *
معلوم أن المرتد هو من ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة،
ويستوى فى ذلك من ولد مسلماً ومن أسلم بعد كفر. ويستوى فى ذلك أيضاً من اعتنق
ديناً يقر عليه أهله كاليهودية والنصرانية ومن لم يعتنق هذين الدينين . وقد جاء فى
عقوبته الدنيوية قوله صلى الله عليه وسلم « من بدل دينه فاقتلوه » رواه البخارى
ومسلم . وبصورة موجزة ألخص ما قاله الماوردي فى كتابه « الأحكام السلطانية » ص 55
، فقد جاء فيه : إن كان المرتدون أفراداً لم يتحيزوا بدار يتميزون بها عن المسلمين
فلا نقاتلهم . وإنما نحاورهم ، فإن ذكروا شبهة فى الدين أوضحت لهم بالحجج والأدلة
حتى يتبين لهم الحق . وطلبنا منهم التوبة مما دخلوا فيه من الباطل ، فإن تابوا
قبلت توبتهم وعادوا إلى الإسلام كما كانوا ، وعليهم بعد التوبة قضاء ما تركوه من
الصلاة والصيام في زمان الردة ، لاعترافهم بوجوبه قبل الردة ، وقال أبو حنيفة : لا
قضاء عليهم كمن أسلم عن كفر. ومن كان من المرتدين قد حج فى الإسلام قبل الردة لم
يبطل حجه بها ولم يلزمه قضاؤه بعد التوبة، وقال أبو حنيفة، قد بطل بالردة ولزمه
القضاء بعد التوبة .
ومن أقام على ردته ولم يتب وجب قتله ، رجلا كان أو امرأة .
وقال أبو حنيفة : لا أقتل المرأة بالردة . وقد قتل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
بالردة امرأة كانت تكنى "أم رومان " . ولا يجوز إقرار المرتد على ردته
بجزية ولا عهد، ولا تؤكل ذبيحته ، ولا تنكح منه امرأة .
واختلف الفقهاء فى قتل المرتدين هل يعجل فى الحال أو يؤجلون
فيه ثلاثة أيام ؟ هناك قولان ، قول بتعجيل قتلهم فى الحال حتى لا يؤخر لله حق ،
وقول بإنظارهم ثلاثة أيام لعلهم يتوبون ، وقد أنظر علي كرم الله وجهه « المستورد
العجلي » بالتوبة ثلاثة أيام ثم قتله بعدها ، والقتل يكون بالسيف ، وقال ابن سريج
من أصحاب الشافعى : يضرب بالخشب حتى يموت ، لأنه أبطأ قتلاً من السيف ، ولعله
يستدرك بالتوبة، وإذا قتل لم يغسل ولم يصلَّ عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين ، بل
ولا فى مقابر المشركين ويكون ماله فيئاً فى بيت مال المسلمين ، لأنه لا يرثه عنه
مسلم ولا كافر. وقال أبو حنيفة : يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة، ويكون ما اكتسبه
بعد الردة فيئا وقال أبو يوسف يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة وبعدها .
تذييل:
لا يقال إن الأمر بقتل المرتد مصادرة لحرية العقيدة ، لأن
المرتد عن الدين قد دخل فيه غالباً للكيد للمسلمين ( وقالت طائفةٌ من أهلِ الكتابِ
آمنوا بالذى أنزلَ على الذين آمنوا وجهَ النهارِ واكفروا آخرَه لعلهم يرجعون ) (آل
عمران : 72) ، فقتله هو دفاع عن المسلمين .
أما الكافر الأصلى فالإسلام يعرض عليه دون إكراه ، وإن لم يؤمن
عاملناه على ضوء قوله تعالى ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) (التوبة : 7) .
(
دار الإفتاء المصرية )
* * *
س
: يقول بعض الناس إن حديث "من
بدَّل دينه فاقتلوه" معارض للقرآن الذى لم يجعل للردة حداً فى الدنيا، بل جعل
له عقوبة فى الآخرة، ولذلك لا يعمل بالحديث ، وبخاصة أنه حديث آحاد والحدود لا
تثبت إلا بالحديث المتواتر ، كما أن هذا الحديث لو أخذ به يطبق على من بدَّل دينه
من غير المسلمين ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
ج
: هذا السؤال فيه ثلاث نقط :
1-
أين معارضة الحديث للقرآن ؟ الواقع أنه لا تعارض ، لأن القرآن إذا قرر عقوبة
أخروية على معصية فلا يمنع أن تكون هناك عقوبة دنيوية، فقد قرر عقوبة القتل العمد
بمثل قوله ( ومن يقتل مؤمنًا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اللهُ عليه
ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ) (النساء :93) ومع ذلك قرر العقوبة فى الدنيا بالقصاص
بمثل قوله : ( يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاصُ فى القتلى الحرُّ بالحرِّ
والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) (البقرة : 178) وكذلك حرّم السرقة لأنها ظلم
وعقابه شديد فى الآخرة ، فقال فى الغلول وهو صورة من السرقة ( ومن يغلل يأتِ بما
غلَّ يوم القيامة ثم تُوفَّى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلَمون ) (آل عمران : 161) ،
ومع ذلك قرر العقوبة فى الدنيا بقطع اليد ، قال تعالى : ( والسارقُ والسارقةُ
فاقطعوا أيديَهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) (المائدة : 38)
. وكذلك حرّم الزنا فى آيات كثيرة وقرر له عقوبة فى الدنيا وهى الجلد مائة وحرم
القذف للمحصنات المؤمنات الغافلات المؤمنات ، وقرر له عقوبة فى الدنيا وهى الجلد
ثمانين .. وعقوبة الآخرة هى لمن مات ولم يتب ، ومن التوبة إقامة الحد على الرأى
بأن الحدود جوابر، فهل القرآن يعارض بعضه بعضاً؟ وإذا كان قد قرر عقوبة المرتد فى
قوله ( ومن يرتددَّ منكم عن دينه فَيَمُتْ وهو كافرٌ فأولئك حَبِطَتْ أعمالُهم فى
الدنيا والآخرة وأولئك أصحابُ النارِ هم فيها خالدونِ ) (البقرة : 217) وكل
العقوبات الأخروية لم تأتِ بصيغة الحصر فذلك لا يمنع من العقوبات الدنيوية .
2
-هل حديث الآحاد لا تثبت به الحدود ؟ هذا خطأ ، لأن العقائد هى التى لا تثبت بحديث
الآحاد عند بعض العلماء، حيث إنها لا تفيد العلم القطعي ، وإن قال الشافعي بأنها
تفيد العلم القطعي ، أما الأحكام العملية وفروع الشريعة فيؤخذ فيها بحديث الآحاد
إذا كان صحيحاً بأقسامه الثلاثة ، الغريب والعزيز والمشهور، وكذلك إذا كان الحديث
حسناً، ومن ذلك حد الرجم للزاني المحصن . فقد ثبت بالحديث غير المتواتر وهو ما
رواه البخارى ومسلم « لا يحل دم امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ،
والقاتل ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ». وما رواه مسلم « خذوا عني خذوا عني،
قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد
مائة والرجم » .
وثبت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر برجم امرأة
زنى بها العسيف لما أقرّت ، وأمر برجم رجل أقر بالزنا بعد استيضاحه ، وأكد رجم المحصن
عمر، وأجمع عليه المسلمون .
وكذلك حد شرب الخمر ثبت بالحديث الذى رواه مسلم عن علي : جلَدَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين ، وكلٌّ سنة ،
وهذا أحب إلي.
يؤخذ من هذا أن بعض الحدود ثبت بالسنة غير المتواترة كما فى
شرب الخمر، وكما فى رجم الزاني المحصن ، وإن كان البعض قد قال : إن رجم المحصن
حديثه متواتر .
3-إن
حد الردة ثابت على المسلم الذى ترك الإسلام ، وهذا شرعنا ، ولا شأن لنا بشرع نسخه
الإسلام ، وكل إنسان غير مسلم لو ترك دينه وأسلم لا يؤاخذ بما حدث منه قبل الإسلام
كما قال تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) (الأنفال : 28)
، ولا شأن لنا بمن انتقل من دين غير الإسلام إلى دين آخر غيره، فالكفر كله ملة
واحدة، فلا تلازم بين المسلم المرتد، وغير المسلم التارك لدينه ، وقياسه عليه قياس
مع الفارق كما يقولون .
والخلاصة أن عدم النص فى القرآن على عقوبة دنيوية إلى جانب
العقوبة الأخروية لا يلزم منه منع العقبة الدنيوية إذا ثبتت بطريق السنة الصحيحة
متواترة كانت أو غير متواترة ، وأن الحدود تثبت بالسنة غير المتواترة ، وأن حد
الردة هو للمسلم التارك للإسلام وليس لغيره من الأديان الاخرى .
(دار
الإفتاء المصرية)
* * *
س: سمعت في أحد البرامج الإذاعية في مقابلة مع أحد الأشخاص بأنه
لا يوجد أي دليل في القـرآن الكـريم أو حديث شـريف أو فتـوى دينية بإجازة قتل
المـرتد عن الإسلام أرجـو إفادتي عـن صحـة هـذا ؟
ج: الحمد لله ،
قد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة ، على قتل المرتد إذا لم
يتب في قوله سبحانه في سورة التوبة : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )،
فدلّت هذه الآية الكريمة على أن من لم يتب لا يخلى سبيله . وفي صحيح البخاري عن
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَن بدّلَ دينَه
فاقتلوه » . وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أنه قال لمرتد رآه عند أبي موسى
الأشعري في اليمن : « لا أنزل- يعني من دابته- حتى يُقتل قضاءَ الله ورسوله ».
والأدلة في هذا كثيرة وقد أوضحها أهل العلم في باب حكم المرتد في جميع المذاهب
الأربعة فمن أحب أن يعلمها فليراجع الباب المذكور . فمن أنكر ذلك فهو جاهل أو ضال
لا يجوز الالتفات إلى قوله بل يجب أن ينصح ويعلم ، لعله يهتدي . والله ولي
التوفيق.
الشيخ
عبد العزيز بن باز
رقم
الفتوى : 10852
* * *
س: يقول الله تعالى في سورة آل عمران: ( إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّون) (سورة آل عمران: آية 90) ، ويقول
تعالى في آية أخرى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ
لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
) (سورة الزمر: آية 53)، فما معنى هاتين الآيتين وكيف نوفق بينهما؟ وهل معنى
الأولى أن هناك ذنوبًا لا تقبل التوبة من فاعلها مهما حاول أم أن إحداهما ناسخة
للأخرى أم كيف ذلك؟
ج: الحمد لله . لا تعارض بين الآيتين الكريمتين، لأن الآية
الأولى محمولة على المرتد الذي لم يتب، ومات على ردته، فهؤلاء لا تقبل توبتهم لو
تابوا عند الموت لقوله تعالى: ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ
الآنَ ) (سورة النساء: آية 18)، ولقوله تعالى: ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
) (سورة البقرة: آية 217).
الحاصل أن الآية الأولى هي فيمن ارتد عن الدين، واستمر على
ردته ولم يتب إلا عند الموت وعند الغرغرة كما في الحديث : « إن التوبة تقبل ما لم
يغرغر » (رواه الإمام أحمد في مسنده (2/132)، ورواه الترمذي في سننه (9/192)،
ورواه ابن ماجه في سننه (2/1420)، ورواه الحاكم في مستدركه (4/257)، كلهم من حديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلا ابن ماجه فهو من حديث عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما (كذا في المطبوع))، وبعض العلماء يحملها على من تكررت ردته فإنه لا
تقبل توبته بل يقام عليه حد الردة بكل حال.
وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ )
(سورة الزمر: آية 53) فهذه في الذي يتوب قبل حضور الموت فإن الله جل وعلا
يتوب عليه، وبهذا يتضح أنه لا تعارض بين الآيتين الكريمتين.
الشيخ
صالح الفوزان
رقم
الفتوى : 17228
* * *
س
: ما مدى صحة الحديث القائل : « مَن
بدّلَ دينَه فاقتلوه » (رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (8/50) من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما) ، وما معناه وكيف نجمع بينه وبين قوله تعالى: ( لاَ
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (سورة البقرة: آية 256) وبين قوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ
رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ
حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) (سورة يونس: آية 99) وبين الحديث القائل: «
أَمِرْتُ أن أقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل » ،
وهل يفهم أن اعتناق الدين بالاختيار لا بالإكراه؟
ج
: الحمد لله .
أولاً الحديث « مَن بدّلَ دينه فاقتلوه » حديث صحيح رواه
البخاري وغيره من أهل السنة بهذا اللفظ : « مَن بدل دينه فاقتلوه ». وأما الجمع
بينه وبين ما ذكر من الأدلة فلا تعارض بين الأدلة ولله الحمد. لأن قوله صلى الله
عليه وسلم: « من بدل دينه فاقتلوه » (رواه الإمام البخاري في "صحيحه"
(8/50) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما) في المرتد الذي يكفر بعد إسلامه فيجب
قتله بعد أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وأما قوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) (سورة البقرة: آية 256) وقول
تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا
أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ) (سورة يونس: آية 99) فلا تعارض بين هذه الأدلة؛ لأن
الدخول في الإسلام لا يمكن الإكراه عليه؛ لأنه شيء في القلب واقتناع في القلب، ولا
يمكن أن نتصرف في القلوب، وأن نجعلها مؤمنة، هذا بيد الله عز وجل هو مقلب القلوب،
وهو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء. لكن واجبنا الدعوة إلى الله عز وجل والبيان
والجهاد في سبيل الله لمن عاند بعد أن عرف الحق، وعاند بعد معرفته، فهذا يجب علينا
أن نجاهده، وأما أننا نكرهه على الدخول في الإسلام، ونجعل الإيمان في قلبه هذا ليس
لنا، وإنما هو راجع إلى الله سبحانه وتعالى لكن نحن، أولاً: ندعو إلى الله عز وجل
بالحكمة والموعظة الحسنة ونبيّن للناس هذا الدين.
وثانيًا:
نجاهد أهل العناد وأهل الكفر والجحود حتى يكون الدين لله وحده، عز وجل، حتى لا
تكون فتنة . أما المرتد فهذا يقتل، لأنه كفر بعد إسلامه، وترك الحق بعد معرفته،
فهو عضو فاسد يجب بتره، وإراحة المجتمع منه؛ لأنه فاسد العقيدة ويخشى أن يفسد
عقائد الباقين، لأنه ترك الحق لا عن جهل، وإنما عن عناد بعد معرفة الحق، فلذلك صار
لا يصلح للبقاء فيجب قتله، فلا تعارض بين قوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ ) (سورة البقرة: آية 256) وبين قتل المرتد ، لأن الإكراه في الدين هنا
عند الدخول في الإسلام، وأما قتل المرتد فهو عند الخروج من الإسلام بعد معرفته
وبعد الدخول فيه. على أن الآية قوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (سورة
التوبة: آية 5) فيها أقوال للمفسرين منهم من يقول: إنها خاصة بأهل الكتاب، وأن أهل
الكتاب لا يكرهون، وإنما يطلب منهم الإيمان أو دفع الجزية فيقرون على دينهم إذا
دفعوا الجزية، وخضعوا لحكم الإسلام، وليست عامة في كل كافر، ومن العلماء من يرى
أنها منسوخة بقوله تعالى: ( فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ )
(سورة التوبة: آية 5) فهي منسوخة بهذه الآية. ولكن الصحيح أنها ليست منسوخة، وأنها
ليست خاصة بأهل الكتاب، وإنما معناها أن هذا الدين بيِّن واضح تقبله الفطر
والعقول، وأن أحدًا لا يدخله عن كراهية، وإنما يدخله عن اقتناع وعن محبة ورغبة.
هذا هو الصحيح.
الشيخ
صالح الفوزان
رقم
الفتوى : 18945
* * *
س:
ما حكم من وقع في الكفر والشرك جهلاً؟
وماذا يعمل؟
ج: بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه
وسلم: يجب (أولاً) دعوته إلى الله تعالى وإلى الإيمان والتوحيد، وتعريفه بالحق
والدين، وإقامة الأدلة على ذلك، ثم إزالة شبهته، والجواب عن الإشكالات التي تعرض
له، فإن أصرّ وعاند على الشرك واستمر عليه، وجبت عقوبته ولو بالقتل، فيحل دمه
وماله، ويحكم بردته، ويقتل كما يقتل المرتد، أما إذا لم تقم عليه الحجة فلا يجوز
تكفيره، لكن إن تمكن من البحث والسؤال عن الدين فلم يفعل، أو قلد أهل بلده على
الشرك أو وسائله، ولم يهتم لدينه، فقد فرط وأهمل، فمثل هذا لا يحكم بإسلامه، ولا
يستغفر له، و يتبرأ منه، وفي الآخرة أمره إلى الله تعالى، إن شاء الله عذبه، وإن
شاء غفر له، وأما من لم يسمع بالإسلام ولم يصل إليه الدعاة فحكمه حكم أهل الفترات،
وأولاد المشركين، وقد تكلم عليهم الحافظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ( وما
كُنَّا معذِّبينَ حتى نَبْعَثَ رسولاً ) (الإسراء:15). والله أعلم.
الشيخ
عبد الله بن جبرين
رقم
الفتوى : 9928
(الفتاوى
مأخوذة من موقع : نداء الإيمان)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق