محب الدين الخطيب
هو المؤتمر الأول ، من مؤتمرات لا عداد
لها سوف يوالي الشبان المسلمون عقدها في مختلف بلاد الإسلام من الآن إلى
قيام الساعة ، باحثين عن عيوب مجتمعهم ، مفكرين في نقائصهم ، عاملين على
لمِّ شعثهم ، وتحقيق آمالهم ، حتى يبلغوا المطمح
وُلدَتْ فكرة « جمعية الشبان المسلمين » عام 1346 في
غرفة صغيرة بعيدة عن ضوضاء الضلال العصري ، ومنعزلة عن الغرور الثقافي ،
وأخذت تنمو
–
بحكمة وتواضع وشجاعة
–
نموَّاً لم يسبق له نظير في جماعاتنا الإسلامية الحديثة . وما هي إلا
بضعة أسابيع حتى كان في القاهرة لفكرة « جمعية الشبان المسلمين »
ثلاثمائة جندي يعملون لتحقيقها بنشاط وفيهم نحو ثلاثين شاباً على الأقل
يؤمنون بهذه الفكرة إيماناً تاماً ، ومن ورائهم عشرات من أهل الفضل راضون
عن هذا السعي ، ومعجَبون باستمراره على حين غفلة من بعض الصحف التي تبغض
نشاط المشروعات الإسلامية وتقطع عليها الطريق ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً
. ولما صار لفكرة « جمعية الشبان المسلمين » هذا العدد من الجنود
المخلصين ، ظهرت حينئذ إلى الميدان ، وتقدمت إلى الصحافة بخبر وجودها ،
وأعلنت نتيجة انتخاب مجلس إدارتها ، فكان ذلك حادثاً عجباً .
إن الجمعية التي كان هذا نبأ تأسيسها في عام 1346 ، قد
بلغت اليوم أشدَّها ، وصار لها فروع في أنحاء القطر المصري إلى أقصى
الصعيد ، وفي فلسطين حتى في قراها الصغيرة ، وفي العراق من عاصمته إلى
ثغره الأكبر (البصرة) ، وفي الشام وتونس ، والهند وأمريكا . كل ذلك في
ثلاث سنوات فقط .
والآن ينعقد من مندوبي مجالس إدارة جمعيات الشبان
المسلمين أول مؤتمر ، وهو بمثابة التصفية السنوية التي يقوم بها التاجر
في متجره مستعرضاً حساباته ليرى ماذا فعل في عامه المنقضي .
نظر مؤتمر جمعيات الشبان المسلمين في الشوط الذي قطعته
هذه الجمعيات من عام 1346 إلى عام 1349 ، فوجد في بنيان عمله نقائص
وعيوباً متعددة ، لكنه في الوقت نفسه وجد أن المسافة التي قطعها لم تكن
قصيرة ، بل نستطيع أن نقول إنها مسافة مباركة جداً . ولا ريب أن الذين
كانوا يعملون لتحقيق هذه الفكرة من شباب المسلمين في سنة 1346 لم يكونوا
يظنون أنهم سيخطون كل هذه الخطوات في هذه المدة القصيرة ، حتى يجلسوا في
مؤتمر محترم يشترك فيه القادم من عكا وحيفا وخان يونس إلى جانب إخوانه
القادمين من سوههاج وكفر الشيخ والإسكندرية، فيتداولوا في الداء والدواء
، ويتذاكروا حساب ما لهم وما عليهم من أعمالهم في ثلاث سنوات أو أقل .
جاء مندوبو مجالس إدارة جمعيات الشبان المسلمين إلى
مؤتمرهم بآمال أوسع من آفاق السماء ، وقد يكون كثير مما جاءوا به سابقاً
لأوانه ، ولكنه دليل على أن لهم آمالاً بعيدة المدى ، وهو في الوقت نفسه
دليل على اعتقادهم في جمعية الشبان المسلمين أنها وُجدَت لتحلَّ كثيراً
من مشاكلنا الاجتماعية ، ولنحقق آمالنا الروحية والأدبية . وهذه علامة
خير تبشر باستئناس رجال جمعية الشبان المسلمين بمثَلِهم الأعلى ، وشعورهم
بالمسئولية العظمى الملقاة على عواتقهم ، ولا غرو فمستقبل العالم
الإسلامي هو في الحقيقة مستقبل شبابه ، وجدير بجمعية تمثل روح الشباب
الإسلامي أن تخترق بنظراتها البعيدة أجواز السماء ، وأن تجعل المثل
الأعلى نصب عينيها في كل الظروف وتحت جميع الشروط .
لقد كان المؤتمر الأول لمجالس إدارة جمعيات الشبان
المسلمين تجربة لطيفة ، ولما أتمَّ المؤتمر أعماله تبين لأعضائه أن
التجربة جاءت ناجحة ، لذلك عزم القوم على أن يسيروا مع نصوص اللائحة
الداخلية لجمعية الشبان المسلمين في معاودة هذا المؤتمر مرة في كل سنتين
؛ فنرجو لهم من الله الهدى والتوفيق .
*
العدد
208 ، القاهرة : يوم الخميس 21 صفر 1349 ، السنة الخامسة [ص 113-114]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق