بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله،
أما بعد فقد ورد إلى مجمع
فقهاء الشريعة بأمريكا استفسار حول مدى مشروعية إمامة المراة لصلاة الجمعة
وإلقائها لخطبتها وذلك بمناسبة ما أعلن عنه مؤخرا من اعتزام بعض النساء على إلقاء
خطبة الجمعة وإمامة صلاتها بأحد مساجد نيويورك
والمجمع إذ يستنكر
هذا الموقف البدعي الضال ويستبشعه فإنه يقرر للأمة الحقائق التالية:
·
أولا: أن الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الكتاب والسنة، وقد قال صلى الله عليه
وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم
به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي) وأن الإجماع على فهم نص من النصوص
حجة دامغة تقطع الشغب في دلالته، فقد عصم الله مجموع هذه الأمة من أن تجمع على
ضلالة، وأن من عدل عن ما أجمع عيه المسلمون عبر القرون كان مفتتحاً لباب ضلالة، متبعا لغير سبيل المؤمنين، وقد قال تعالى : (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير
سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)
(النساء: 115). وقال صلى الله عليه وسلم
في معرض بيانه للفرقة الناجية في زحام الفرق الهالكة:
(من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
·
ثانيا: لقد انعقد إجماع الأمة في المشارق والمغارب على أنه لا مدخل للنساء في خطبة
الجمعة ولا في إمامة صلاتها، وأن من شارك في ذلك فصلاته باطلة إماماً كان أو مأموماً،
فلم يسطر في كتاب من كتب المسلمين على مدى هذه القرون المتعاقبة من تاريخ الإسلام
فيما نعلم قول فقيه واحد: سني أو شيعي، حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي يجيز
للمرأة خطبة الجمعة أو إمامة صلاتها، فهو قول محدث من جميع الوجوه ، باطل في جميع
المذاهب المتبوعة، السنية والبدعية على حد سواء!
·
ثالثا: لقد علم بالضرورة من دين الإسلام أن سنة النساء في الصلاة التأخير عن الرجال، فخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء
آخرها، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها،
وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» وما ذلك إلا صيانة لهن
من الفتنة وقطعاً لذريعة الافتنان بهن من
جميع الوجوه، فكيف يجوز لهن صعود المنابر والتقدم لإمامة الرجال في المحافل
العامة؟!
·
رابعا: لم يثبت أن امرأة واحدة عبر التاريخ الإسلامي قد أقدمت على هذا الفعل أو
طالبت به على مدى هذه العصور المتعاقبة من عمر الإسلام، لا في عصر النبوة ولا في عصر الخلفاء الراشدين ولا في عصر التابعين، ولا فيما تلا ذلك من
العصور، وإن ذلك ليؤكد تأكيدا قاطعاً على ضلال هذا المسلك
وبدعية من دعا إليه أو أعان عليه.
ولو كان شيئا من ذلك
جائزاً لكان أولى الناس به أمهات
المؤمنين وقد كان منهن الفقيهات النابغات، وعن بعضهن نقل كثير من الدين، وحسبك
بالفصيحة البليغة العالمة النابهة الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها، ولو كان في ذلك خير لسبقونا إليه وسنوا لنا سنة الإقتداء به. لقد عرف تاريخ الإسلام فقيهات نابغات ومحدثات ثقات
أعلام، وقد أبلى النساء في ذلك
بلاء حسناً
وعرفن بالصدق والأمانة حتى قال الحافظ الذهبي: (لم يؤثر
عن امرأة أنها كذبت في الحديث) ويقول رحمه الله : (وما علمت من النساء من اتهمت
ولا من تركوها) (ميزان الاعتدال : 4 / 604) وحتى كان من شيوخ الحافظ ابن عساكر بضع وثمانون من النساء! ومثله الإمام أبو مسلم الفراهيدي المحدث الذي كتب عن سبعين امرأة، ومن النساء في تاريخ هذه الأمة
من كن شيوخاً لمثل الشافعي والبخاري وابن خلكان وابن حيان وغيرهم!! ومع ذلك لم يؤثر عن واحدة
منهن أنها تطلعت إلى خطبة الجمعة أو تشوفت إلى إمامة الصلاة فيها مع ما تفوقن فيه
على كثير من الرجال يومئذ من الفقه في الدين والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم
.
لقد
عرف تاريخ الإسلام المرأة عاملة على جميع الأصعدة،
عرفها عالمة وفقيهة، وعرفها مشاركة في العبادات الجماعية، ومشاركة في العمليات الإغاثية، ومشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه لم يعرفها خطيبة جمعة ولا إمامة
جماعة عامة من الرجال.
وبهذا
يعلم بالضرورة والبداهة من دين المسلمين أن الذكورة شرط في خطبة الجمعة وإمامة
صلوات الجماعة العامة، وأمام من يجادل في ذلك عمر نوح لكي يفتش في كتب التراث
ليخرج لنا شيئا من ذلك، وهيهات هيهات! وما ينبغي لهم وما يستطيعون!
·
خامسا: أما تعويل من زعم ذلك على ما روي من أن أم ورقة قد أذن لها النبي صلى الله
عليه وسلم في إمامة أهل بيتها فإن هذا الحديث على فرض صحته لا علاقة له بموضوع
النازلة، فإنه يتحدث عن إمامة خاصة داخل البيت بالنساء أو بهن وببعض أهل البيت من
الرجال على أوسع التفسيرات وأكثرها ترخصا فأين ذلك من خطبة الجمعة والإمامة العامة
للصلاة؟
إن
المجمع ليحذر الأمة من الافتتان بمثل هذه الدعوات الضالة المارقة من الدين،
والمتبعة لغير سبيل المؤمنين، ويدعوهم إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، ويذكرهم بأن هذا العلم دين وأن عليهم أن ينظروا عمن يأخذون دينهم،
وأن القابض على دينه في هذه الأزمنة كالقابض على الجمر، ويسأل الله لهذه الأمة السلامة
من الفتن والعافية من جميع المحن، وأن يحملها في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة،
إنه ولي ذلك والقادر عليه
والله من وراء
القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
الامين العام
د. صلاح الصاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق