الثلاثاء، 23 يوليو 2013

اليابانيون في احتلالهم أندونيسيا

كلمة شاهد عيان في بورينو الغربية

بقلم
محب الدين الخطيب

كتب إلينا صديق جليل من كبار علماء أندونيسيا في بورينو الغربية يقول:
لم أكن أسمع قبل الحرب الأخيرة قول أحد من أهل أندونيسيا عند ذكر اليابانيين إلا وهو يمدح تقدمهم ورقيهم، ويحب شراء مصنوعاتهم، ويتوسم الخير فيهم، ويتمنى النجاح والتقدم لهم، ويود لو يكون إنقاذ أندونيسيا من الاستعمار الهولندي على أيديهم. فلما نشبت الحرب العالمية الأخيرة، وخاضت اليابان غمارها وغزت جزائر أندونيسيا وحطمت فيها قوات الهولنديين، وتم الإستيلاء الياباني على بلادنا، رأيت منهم غير الذي كنا نتوقعه، فعاملوا أهالي بلادنا بالخشونة ومساوئ الأخلاق رغم ما كانوا يعلمونه من محبتهم لهم، ورغم ما كان منهم من المساعدة على تحطيم الهولنديين.
ومن أمثلة ما رأيناه بأعيننا من أعمال اليابانيين أنهم كانوا يلطمون الرجل الأندونيسي على وجهه إذا لم يطأطئ لهم رأسه إذا مروا أمامه في الطريق العام، ويبدون للوطنيين من الغطرسة والظلم والكبرياء ما أنساهم سيرة الهولنديين، فأيقنوا أن كلاً من الاستعمارين شر من الآخر، وصدق في ذلك قول الله عز وجل :« إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً » (النمل: من الآية34).
نعم هكذا فعل اليابانيون بأعزة أهل البلاد الأندونيسية من الملوك والأمراء إلى الأغياء والخاصة والعلماء، وكانوا يقتلونهم شر قتلة لأتفه الأسباب الإستعمارية. وبلغ عدد الذين قتلوهم في بورينو الغربية التي أنا مقيم فيها أكثر من ألف شخص ما بين رجال ونساء، وكان للجاليات الصينية الموجودة في أندونيسيا نصيب من هذا الفتك والظلم والبغي. ولو تأخرت القنابل الذرية عن بلاد اليابان لكان بغيهم في أندونيسيا أوسع نطاقاً وأكثر فتكاً وأسوأ عاقبة.
ومن الخطط التي رسمها اليابانيون في احتلالهم بلادنا أن يبطشوا بأهل المكانة ليصفو لهم الجو فينشؤوا الأطفال نشأة وثنية يابانية على قواعدهم ورسومهم، ولكن رحمة الله التي وسعت كل شيء حطمت الهولنديين بأسلحة اليابانيين واليابانيين بقنابل الأمريكيين وجعلت بأس الظالمين بينهم رحمة منه بأمتنا وبأمثالنا.
أما نهب اليابانيين لأموال الأهالي وإفسادهم أخلاق أولادهم وبناتهم فظن شراً ما شئت، وكل ما كانوا قبل الحرب الأخيرة يتظاهرون به من العطف على الإسلام إنما كان كذباً، فإن من سياستهم الأساسية في كل أرض إسلامية يبسطون عليها سلطانهم أن يستأصلوا الإسلام، ويضعفوا حيويته، ويجبروا المسلمين على الركوع للعلم الياباني، ولصورة الميكادو في طوكيو كل يوم، حتى يكون هذا القصر كعبة للمسلمين ولا سيما النشء الجديد الذي لم يسبق له معرفة الكعبة ولم يتعود بعد الاتجاه بالعبادة إليها.
هذا شيء قليل من أخبارهم السيئة المدهشة التي لم يستطع قلمي تصويرها لقراء فتحنا الأغر، وإنما اقتصرت على ما ذكرته ليصحح المسلمون رأيهم في هذه الأمة ويعلموا ما تسره للمسلمين لو استطاعت أن تستولي بأسلحتها وآلاتها وأنظمتها على شيء من أو طانهم.
أيها المسلمون إن الضعف جريمة، فكونوا أقوياء، ليكون لحكمك مراً في أفواه الناهشين.
(الفتح) : ما كادت المواصلات تعود بيننا وبين أندونيسيا حتى انهالت علينا الرسائل منها بهذا المعنى. ونحن فهمنا هذه الحقيقة عن اليابان منذ رأيناها تحاول الاتصال بالإسلام اتصال مستفيد لا اتصال متعاون منصف، ثم رأينا سيرتها في الصين فأيقنا أنها ليست أقل شراً من دول الاستعمار الغربية، ثم حاولت سنة 1359 (1940) أن تغش العالم الإسلامي بما أعلنته من عزمها على سن (نظام جديد) لشرق آسيا، فكتبنا في صدر العدد 726 من الفتح (غرة رمضان 1359) مقالة عنوانها «النظام الجديد الذي ترسمه اليابان في آسيا» بيَّنا فيه الحقائق التي يجب أن يفهمها المسلمون والآسيويون لئلا ينخدعوا بالاستعمار مهما تنوعت ألوانه. والعدل الإلهي لا ينسى أحداً من الظالمين.

صحيفة الفتح، العدد 849 ( ذو القعدة / 1366 )، ص 871

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق