إعداد: عبد الرحمن كيلاني
مقدمة
كثيرة هي الدعوات التي ظهرت في
تاريخ المسلمين والتي تدعي الانتساب
لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن
الخلافة من حقهم منصوص عليها بأحاديث
مكذوبة نسبوها إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وقد اخترنا أن نتكلم عن أحد
هذه الدعوات والتي نتجت عنها دولة
العبيديين والتي تدعى تضليلاً للناس
دولة الفاطميين، نسبة إلى فاطمة رضي
الله عنها. سندرس كيف بدأت هذه الحركة
وعقيدتها وتاريخها، وعلاقتها بالتشيع
والحركات الأخرى، وما هي الفرق التي
تفرعت عنها. وقد اخترنا أن ننقل ما أورده
باختصار الأستاذ محمود شاكر في كتابه «التاريخ
الإسلامي» عن بدء هذه الحركة، ثم ننتقل
إلى الدولة العبيدية وتاريخها..
يقول
الأستاذ محمود شاكر:
«نشطت الحركات القرمطية، وتعددت
جماعاتها، وإذا كانت قد نُسبَت في أول
أمرها إلى قرمط وهو حمدان بن الأشعث،
إلا أنه قد أصبحت كل جماعة تحمل فكرة
قرمط تُنسب إليه، وهي تعتمد على إطلاق
العنان للشهوات البهيمية لاستغلال
الشباب واستغلال المحرومين من الحياة
الزوجية لبعدهم عن مواطنهم وعدم
إمكاناتهم من الزواج، والحاقدين في
الوقت نفسه على المتزوجين المنعّمين،
كما تعتمد على شيوعية الأموال واستغلال
الفقراء والناقمين على الأثرياء، أو
استغلال الأرقاء على ساداتهم، ثم
الإفساد بالأرض بكل وجوهه وأساليبه.
ففي جنوبي العراق وجد زكرويه بن
مهرويه، وهو من أصل فارسي، شدّةً عليه،
فمن ناحية ينقم عليه أتباع قرمط وابن
عمه عبدان، ومن ناحية ثانية فقد اشتد
الخليفة المعتضد في ملاحقة أتباع هذه
الأفكار الكافرة من جهة والدنيئة من جهة
أخرى، فأما الناحية الأولى فقد انتهى
منها بالتخلص من «عبدان» بقتله، ويبدو
أن يحيى بن زكرويه هو الذي تولى عملية
القتل، ثم تلاه التخلص من حمدان. أما
الناحية الثانية وهو ضغط الخليفة فلم
يستطع أن يتخلص منه بل اشتدت وطأته
عليه، لذا فقد بقي في مخبئه وظن أنه
يمكنه أن يضم إليه أتباع قرمط في
المستقبل بزوال رئيسهم حمدان، ومفكرهم
عبدان ما دامت الفكرة واحدة، ورأى أن
بلاد الشام تعمّها الفوضى، والحكم
الطولوني فيها قد أصبح ضعيفاً لذا يمكن
أن تكون مجالاً لنشاطه فأرسل أولاده.
بعث يحيى بعد أن بايعه أتباع أبيه
زكرويه في سواد الكوفة عام 289 هـ،
ولقّبوه بالشيخ، كما كان يُعرف بأبي
القاسم. ادّعى يحيى نسباً إسماعيلياً
فزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن
إسماعيل بن جعفر الصادق، وادّعى
لجماعته أن ناقته مأمورة، فإن تبعوها
ظفروا، وأظهر لهم عضداً ناقصة وزعم أنها
آية، وقد تسمّوا بالفاطميين، وأرسل لهم
هارون بن خمارويه جيشاً بقيادة «طغج بن
جف» فهزمته القرامطة، وسارت نحو دمشق
بعد أن انتهبت وانتهكت البلاد التي مرت
عليها كلها، وحاصرت دمشق عام 290 هـ
ولكنها عجزت عن فتحها، وأرسل
الطولونيون لها جيشاً بقيادة «بدر
الكبير» غلام أحمد بن طولون، فانتصر على
القرامطة وقتل زعيمهم يحيى بن زكرويه.
أرسل زكرويه بن مهرويه من مخبئه
ابنه الثاني «الحسين» وادّعى الآخر
نسباً إسماعيلياً فزعم أنه أحمد بن عبد
الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر
الصادق، ووضع شامة على وجهه، لذا عُرِف
باسم «صاحب الخال» أو «أبو شامة» وذكر
لأصحابه أنها آية له (!)، وسار في إثر
أخيه قبل أن يُقتَل.
لما شعر يحيى بن زكرويه أنه عاجز
عن فتح دمشق إذ جاءت أهلها نجدات من
بغداد ومن مصر، وأحسّ أنه مقتول لا
محالة ادّعى أنه سيطلع إلى السماء غداً،
وأنه سيبقى فيها أربعين يوماً، ثم يعود،
وأن أخاه «الحسين» سيأتي غداً في نجدة -وكان
قد بلغه ذلك- فعليهم بيعته والقتال معه
والسير وراءه، وفي اليوم الثاني جرت
المعركة قرب دمشق قُتِل فيها يحيى بن
زكرويه وكان قد عرف يومذاك بصاحب الجمل
حيث كان يمتطي جملاً خاصاً.
وكما اشتدت وطأة المعتضد على
القرامطة في جنوبي العراق اشتدت في كل
مكان، ففي السلمية في بلاد الشام زاد
الطلب على أسرة ميمون القداح التي تزعم
أنها تعمل لأبناء محمد ابن إسماعيل،
وتريد في الواقع أن تعمل لنفسها وتخفي
في الباطن ما تدعو إليه، ولها هدف سياسي
واضح من أصلها اليهودي. وبسبب هذا الطلب
فقد فرّ عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن
عبد الله بن ميمون القداح من السلمية
وهو رأس هذه الأسرة واتجه نحو الجنوب
حيث اختفى في الرملة. وفي هذا الوقت كان
الحسين بن زكرويه في طريقه من الكوفة
إلى أخيه يحيى بدمشق، فعرج الحسين إلى
الرملة وعرف مكان عبيد الله، والتقى به،
وحاول استرضاءه وإظهار الطاعة له عسى أن
يستفيد منه. وأظهر عبيد الله رضاه عنه
وموافقته على عمله خوفاً من أن يقتله أو
يرشد عليه عامل العباسيين، حيث كان آل
زكرويه يريدون التفرُّد بالسلطة،
ويرجعون بأصولهم إلى المجوسية، وإن
عبيد الله أقوى من أن يقف في وجههم. وما
أن غادر الحسين بن زكرويه الرملة حتى
انصرف منها أيضاً عبيد الله متجهاً نحو
مصر.
سار الحسين من الرملة إلى دمشق
فوجد أخاه يحيى قد قُتل، فالتفّ
القرامطة حوله، وحاصر بهم دمشق، لكنه
عجز عن فتحها، فطلبه أهل حمص فسار إليهم
فأطاعوه، ثم انتقل إلى السلمية فامتنعت
عنه، ثم فتحت أبوابها له بعد أن أعطى
أهلها الأمان، وما أن دخلها حتى نكّل
بقانطيها، فأحرق دورها، وهدم القلاع
فيها، وقتل الهاشميين فيها (1) دلالةً على الحقد الذي يغلي في صدور هذه
الفئة على آل البيت رغم ادّعاء زعمائها
بالانتساب إلى آل البيت، ودلالة أيضاً
على كراهية الإسلام الذي قضى على
المجوسية في فارس؛ ثم قتل عبيد الله بن
الحسين القداحي حيث كل منهم يعمل لنفسه
وكان عبيد الله قد رفض إعطاء آل زكرويه
مراكز مهمة في الدعوة التي يعمل لها. ثم
سار الحسين بن زكرويه من السلمية على
رأس قرامطته إلى حماة والمعرة وبعلبك
وعمل القتل في أهل كل بلد وصل إليها،
وأغارت جماعته على حلب، غير أن القرامطة
قد هُزِموا في جهات حلب لذا عادوا
فاتجهوا إلى جهات الكوفة وهناك قاتلهم
الخليفة المكتفي، فوقع الحسين بن
زكرويه أسير فحمل إلى بغداد حيث قُتِل
وصلب فيها عام 291. وعندما قُتل ولدا
زكروبه يحيى والحسين خرج أبوهما من
مخبئه الذي اختفى فيه مدة تقرب من ثلاث
سنوات، وعندما خرج سجد له أنصاره
المقربون الذين يعرفون أهداف الحركة،
وسار بأتباعه نحو بلاد الشام فأمعنوا في
القتل، واعترضوا طريق القوافل والحجاج،
وارتكبوا من الفواحش ما يصعب وصفه،
واتجه نحو مدينة دمشق فحاصرها، ولكنه
عجز عن فتحها، وأخيراً هُزم وقتل عام 294
بعد أن عاث في الأرض الفساد، وتشتت
أتباعه، فمنهم من انتقل إلى البحرين،
ومنهم من سار إلى بلاد الكلبية وبهراء
في بلاد الشام فاختلط مع أهلها الذين
يعيشون في قلاعهم ومعاقلهم في الجبال
الشمالية الغربية من بلاد الشام والذين
يلتقون معهم ببعض الأفكار وإن كانوا
أقرب إلى الأسرة القدّاحية حيث الأصل
اليهودي، ومنهم من احتفى في البوادي ثم
تحالف مع القبائل الضاربة فيها أو سار
إلى أماكن نائية حيث ضاع فعله بين
السكان الآخرين. وهكذا انتهى القرامطة
من جنوبي العراق، واتجهوا نحو بلاد
الشام فهزموا وذابوا.
أما عبيد الله بن الحسين القداحي
فقد علم ما حلّ بأهله بالسلمية وما نزل
بآل محمد بن إسماعيل فيها أيضاً، فنسب
نفسه إلى آل محمد بن إسماعيل، وعلم كذلك
أن الدعوة الشيعية قد قويت في بلاد
المغرب على يد أبي عبد الله الشيعي الذي
سار من اليمن عن طريق رستم بن الحسين بن
حوشب الذي يدعو إلى آل البيت عن طريق آل
محمد بن إسماعيل، فيمّمَ عبيد الله
القداحي وجهه نحو المغرب على أنه عبيد
الله بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن
محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق!
أما في اليمن فقد كان نجاح رستم بن
الحسين بن حوشب واضحاً إذ أسس دولته
الإسماعيلية وبدأ يرسل الدعاة إلى عدة
جهات ومنها المغرب، وكان من أكبر أعوانه
وقادته علي بن الفضل الذي اختلف معه
وافتتن بالتفاف الناس حوله، فسار شوطاً
بعيداً في الفساد فحكم البلاد، ودخل
زبيد وصنعاء، وادّعى النبوة، وأباح
المحرمات، وكان المؤذن في مجلسه يوذن «أشهد
أن علي ابن الفضل رسول الله». ثم امتد به
عتوّه، فجعل يكتب إلى عمّاله: «من باسط
الأرض وداحيها، ومزلزل الجبال ومرسيها
علي بن الفضل إلى عبده فلان». ثم مات
مسموماً عام 303، ولم تلبث دولة القرامطة
في اليمن أن دالت.
أما في البحرين فقد قدم إليها عام
281 رجل يقال له يحيى بن المهدي، نزل
القطيف ودعا أهلها إلى بيعة المهدي
فاستجاب له رجل يقال له علي بن العلاء بن
حمدان الزيادي وساعده في الدعوة إلى
المهدي، وجمع الشيعة الذين كانوا
بالقطيف فاستجابوا له، وكان من جملة من
استجاب له أبو سعيد الجنابي واسمه
الحسين بن بهرام، ويعود أصلة إلى بلدة (جنَّاب)
قرب سيراف [2]،
وقد نزل إلى البحرين منفياً فعمل
سمساراً في الطعام يبيعه، ويحسب للناس
الأثمان، ثم بدأ يعمل بالفراء وينتقل
بين البحرين وسواد الكوفة، وصحب عبدان
أو حمدان وتأثر به، وعندما رجع إلى
القطيف برز بين جماعته بدعوته. أما يحيى
بن المهدي فقد ادّعى النبوة وانفرد
بمجموعة، وتزعم أبو سعيد الجنابي بقية
المجموعة وأجابه عدد من السوقة ومن ساءت
حالتهم المعاشية، وعددٌ من الشباب
الذين أغراهم بالنساء التي جعلها جعلها
مباحةً بينهم، كما منّاهم بالمال
وامتلاك الأرض، وهيأ لهم طريق الشهرة
بالقوة التي أظهرها إذ زاد عددهم وبدا
لهم أنهم أصبحوا جماعة يُخشى جانبها
فظهروا عام 286 فعاثوا في الأرض الفساد إذ
قتلوا وسبوا في بلاد هجر كثيراً ثم
ساروا إلى القطيف فقتلوا الكثير من
أهلها، وأظهر أبو سعيد الجنابي أنه يريد
البصرة فجهز له الخليفة جيشاً قوامه
عشرة آلاف بإمرة العباس بن عمرو الغنوي،
فانتصر القرامطة وأسروا الجيش العباسي
كله، وقتل أبو سعيد الجنابي الأسرى
جميعهم باستثناء أمير الجيش الغنوي
الذي أطلق سراحه. واستمر نشاط القرامطة
حتى عام 301 حيث قُتِل الجنابي على يد
خادمه بالحمّام، ثم قَتَل خمسة آخرين من
كبارهم وحتى فطن له الباقون إلى أمرهم
فاجتمعوا على الخادم وقتلوه. ويبدو أن
قرامطة البحرين كانوا من أنصار حمدان
القرمطي وابن عمه عبدان، لذا لم يدعموا
أبناء زكرويه عندما قاموا بحركاتهم،
وإنما عملوا منفردين في منطقة البحرين (3) (4).
أسس العبيديُّون «الفاطميون»
دولتهم على أساس المذهب الإسماعيلي
الباطني؛ وقد نصَّ أتباع هذه الفرقة
الضالة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد
أبيه جعفر بن أبي عبد الله، بينما قالت
فرقة الانثي عشرية (الشيعة) بإمامة أخيه
موسى بن جعفر بدلاً منه. وقالت
الإسماعيلية بإمامة محمد بن إسماعيل
السابع التام بعد أبيه، وإنما تم دور
السبعة به، ثم ابتدئ منه بالأئمة
المستورين الذين كانوا يسيرون في
البلاد ويظهرون الدعوة جهراً. وقالوا:
إنما تدور أحكامهم على سبعة كأيام
الأسبوع والسماوات السبع والكواكب
السبع، والنقباء تدور أحكامهم على اثني
عشر، قالوا: وعن هذا وقعت الشبهة
للإمامية حيث قرروا عدد النقباء
للأئمة، ثم بعد الأئمة المستورين كان
ظهور المهدي والقائم بأمر الله
وأولادهم نصاً بعد نص على إمام بعد إمام.
ومذهبهم أنه من مات ولم يعرف إمام زمانه
مات ميتة جاهلية، وكذلك من مات ولم يكن
في عنقه بيعة إمام زمانه مات ميتة
جاهلية.. وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما
لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر
باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً، ولهم
ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية
والملحدة، وهم يقولون نحن إسماعيلية
لأننا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم(5).
أئمة الشيعة الجعفرية والإسماعيلية
1-
علي بن أبي طالب
2-
الحسن بن علي
3-
الحسين بن علي
4-
علي زين العابدين بن الحسين
5-
محمد الباقر
6-
جعفر بن محمد الصادق
الإسماعيلية
|
الشيعة
الجعفرية
|
7-إسماعيل
بن جعفر
الصادق
|
7-
موسى الكاظم
بن جعفر
|
8- محمد
بن إسماعيل
(الإمام السابع التام)
|
8- علي
الرضا بن
موسى
|
دور الأئمة
المستورين
|
9-محمد القانع
بن علي
|
حكام
العبيديين
|
10- علي
بن محمد
القانع
|
11-حسن
بن علي العسكري
|
|
12- محمد المهدي،
(لم يولد) (6)
|
تأسيس الحركة الإسماعيلية
ينسب الدور الأكبر في تنظيم
الحركة الإسماعيلية ووضع مبادئها إلى
ميمون القداح،والذي يدعى ابن الديصان،
وابنه عبد الله. وقد اتبع أتباعه
وأولاده أثره في توسيع نطاق الحركة. وقد
ظهر ميمون القداح سنة 176هـ بالكوفة،
وكان باطنياً خبيثاً، قال بأن لكل ظاهر
باطناً، وأمر بالاعتصام بالغائب
المفقود، وكان يعتقد اليهودية ويظهر
الإسلام. وقد سكن السلمية وتقرب من
إسماعيل بن جعفر. وينسب إليه القول
بفكرة المنتظر قبل ولادة أبو الحسن
العسكري الإمام الأحد عشر عند الشيعة (!).
ويقول الأستاذ أنور الجندي: «يؤكد
مؤرخو الغرب، مثل دي ساسي وديموج بوجه
خاص، بوجود دافع سياسي لدى عبد الله بن
ميمون القداح في القضاء على سلطان العرب
والإسلام الذي جلب إليهم تلك السلطة،
وإرجاع مجد فارس القديم مرة أخرى. ويؤكد
الدكتور عبد الله الدوري في كتابه (العصور
العباسية المتأخرة) القول بأن القداح
أراد أن يقوض الإسلام فأشعل الشعور
الشيعي عند الجماهير وكون المذهب
القرمطي المؤدي إلى الإلحاد واستغل اسم
اسماعيل بن جعفر الصادق في إثارة حركة
شيعية(7) قوية
تنقل الملك إلى أحد أحفاده باسم المهدي»
أهـ.
من المناسب هنا أن نشير إلى خطورة
مرحلة «دور الستْر» التي مرَّت به
الدعوة الإسماعيلية بعد الإمام التام
محمد بن إسماعيل، لأنه لولا هذا الدور
ما استطاع دعاتها أن يختفوا عن أنظار
الدولة العباسية التي كانت تلاحقهم
أولاً، ثم إنهم ثانياً استطاعوا من خلال
هذا الدور أن يلفِّقوا مسألة النسب.
فميمون القداح وابنه عبد الله
استقروا في منطقة السلمية من أعمال حماة
مع محمد بن إسماعيل وأهل بيته والذي كان
من بينهم عبد الله بن محمد. وهنا
يورد بايارد دودج Bayard
Dodge في
سلسلة مقالاته عن الإسماعيلية عبارة
تثير الانتباه، قال: «وفي الحقيقة، إن
كان بعض الناس يعتقدون أن الإمام محمد
وميمون يمثلان شخصاً واحداً، فإنه من
السهل أن يُعتقَد أنّ [عبد الله] ابن
محمد [ابن إسماعيل] هو نفسه عبد الله بن
ميمون!»[8]
ومن النظر إلى سلسلة نسب ميمون
وأولاده وإسماعيل وأولاد نعلم مدى دقة
الخطة التي كان ينفذها ميمون وأولاده
لسرقة نسب إسماعيل، وبالتالي ظهورهم
على الناس بأنهم هم من أهل البيت وأنهم
أحق بالحكم من بني العباس، ومن ثم تنفيذ
خطتهم في تحطيم الدولة العباسية،
والإسلام. وتاريخ العبيديين يشهد بهذا.
وقد أكد عبد القاهر البغدادي،
صاحب كتاب (الفَرق بين الفِرَق) أن الذين
وضعوا أساس الباطنية كانوا من أولاد
المجوس، وكانوا مائلين إلى دين
أسلافهم، وقال: «لا تجد على ظهر الأرض
مجوسياً إلاّ وهو موالٍ لهم "أي
الباطنية" منتظر لظهورهم على الديار».
مسألة نسب العبيديين لآل البيت
لقد أطلق جلال الدين السيوطي في
كتابه (تاريخ الخلفاء) اسم «الدولة
الخبيثة» على الفاطميين، فقال: «ولم
أورد أحداً من الخلفاء العبيديين لأن
إمامتهم غير صحيحة لأمور، منها:
أنهم غير قرشيين، وإنما سمتهم
بالفاطميين
جهلة العوام، وإلاّ
فجدهم
مجوسيّ. قال القاضي عبد الجبار
البصري: «اسم جد الخلفاء المصريين سعيد]أول
حكامهم] وكان أبوه (عبد
الله
بن ميمون) يهودياً حداداً نشابة». وقال القاضي أبوبكر
الباقلاني:
«القداح جَدّ عبيد الله
الذي يسمى بالمهدي كان مجوسياً. ودخل عبيد الله المهدي
المغرب
وادعى أنه ينسب إلى علي
بن
أبي طالب -رضي الله عنه- ولم يعرفه
أحد من علماء النسب، وسماهم جهلة الناس الفاطميين».[9] وقال ابن
خلكان:
«أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله جد
خلفاء
مصر، حتى أن العزيز بالله
ابن
المعز في ولايته صعد المنبر يوم الجمعة، فوجد فيها هذه
الأبيات:
يُتْلى علـى
المنبر الجامـعِ
|
إنَّا سمعنا
نسبا ً منكراً
|
فاذْكُرْ لنا أَبا بَعْد الأبِ
السَّابِعِ [10]
|
إن كنتَ فيما تدَّعي صادقاً
|
فانْسِب ْ لنا نفسَك
كالطَّائعِ
|
وإنْ كنتَ تُرِدْ تحقيقَ ما قُلتُه
|
وادخُلْ بِنا في النَّسَبِ الواسِعِ
|
أَوْ لا، دَعِ الأنسابَ مستورةً
|
يَقْصُر عنها
طَمَعُ الطامِعِ
|
فإنَّ أنسابَ بني
هــاشمٍ
|
وما أحسن ما قال المعز الفاطمي
صاحب القاهرة؛ وقد سأله ابن طباطبا عن
نسبهم، فجذب نصف سيفه من الغمد وقال: «هذا
نسبي، ونثر على الأمراء والحاضرين
الذهب، وقال: هذا حسبي».
·
ومنها: أن
أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سب
الأنبياء،
ومنهم من أباح الخمر،
ومنهم
من أمر بالسجود له؛ والخير منهم
رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، ومثل
هؤلاء
لا تنعقد ولا تصلح لهم
إمامة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: «كان
المهدي عبيد الله باطنياً خبيثاً حريصا
على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء
والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء
أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمور
والفجور وأشاعوا الرفض».
وقال الذهبي: «كان القائم ابن
المهدي شراً من أبيه زنديقاً ملعوناً
أظهر سبّ الأنبياء». وقال: «وكان
العبيديون شراً من التتار على ملة
الإسلام».
وقال
أبو الحسن القابسي: «إن الذين قتلهم
عبيدُ الله وبنوه من العلماء والعباد
أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن
الصحابة، فاختاروا الموت».
قال القاضي عياض: «سئل أبو محمد
القيرواني الكيزاني من علماء المالكية
عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في
دعوتهم أو يقتل؟ قال: يختار القتلَ، ولا
يعذر أحد في هذا الأمر،.. لأن المقام في
موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع وهو لا
يجوز».
وقال ابن خلكان: «وقد كانوا يدعون
المغيبات، وأخبارهم في ذلك مشهورة، حتى
أن العزيز صعد يوماً المنبر فرأى ورقة
فيها مكتوب:
بيِّن لنـا كاتبَ
البــطاقَهْ
|
إن كنتَ
أُعطيتَ علمَ
الغيبِ
|
وليــس بالكفـرِ
والحماقَهْ
|
بالظـلمِ والجـور قد رضينـا
|
وكتبت إليه إمرأة قصة فيها: بالذي
أعز اليهود بميشا والنصارى بابن نسطور،
وأذل المسلمين بك الا نظرت في أمري. وكان
ميشا اليهودي عاملا (له) بالشام وابن
نسطور النصراني في دمشق» اهـ
ومما يستدل به على زور نسب
الفاطميين لآل البيت هي الرسائل التي
تبودلت بين العزيز بالله الفاطمي
والحكم المستنصر الأموي في الأندلس،
فقد ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان (ج2 ص152)
أن العزيز كتب إلى الحكم المستنصر يسبّه
ويهجوه، فردّ هذا عليه بقوله: «أما بعد،
فقد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك».
وكان الحكم يطعن على العزيز بنسبه وأن
جدّه ميمون القداح الباطني.
وأما بالنسبة لنشرهم مذهبهم فقد
بنوا الجامع الأزهر لينشروا من خلال هذا
المركز مذهب الرفض، وكانوا يجبرون
المسلمين على اعتناقه. ثم لما رجعت مصر
إلى سلطة المسلمين من أهل السنة أبطل
السلطان صلاح الدين مذهب الرفض وأعاد
السنة إلى أرض مصر. وقد تركت الدولة
العبيدية آثاراً سيئة من البدع
والمنكرات ما زالت تمارس إلى زماننا هذا
في مصر وغيرها.
موقف الشيعة الاثني عشرية من العبيديين
إنّ
الشيعة الاثني عشرية تكفّر العبيديين
مع أنهم يتبعهم شيعة اليوم ويقولون عن
دولتهم: أنها كانت دولة شيعية، وأنهم
بناة مجدنا ودعاة مذهبنا ومؤسسو العلم
والحضارة في مصر، ومنشئو المساجد ودور
الكتب والجامعات. فمع تكفيرهم إياهم
واتفاقهم على خروجهم من الإسلام والملة
الإسلامية الحنيفية، فقد كتب محضر في
عصر الخليفة القادر العباسي في شهر ربيع
الآخر سنة 402هـ وعليه توقيعات من أشراف
القوم ونقبائهم وخصوصاً من يلقب بنقيب
الأشراف وجامع نهج البلاغة، السيد رضى
وأخيه السيد المرتضى، واحتفاظا على
التاريخ والوثيقة التاريخية ننقلها
بتمامها ههنا:
«إن
الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب
بالحاكم -حكم الله عليه بالبوار والخزي
والنكال- ابن معد بن إسماعيل بن عبد
الرحمن بن سعيد -لا أسعده الله- فإنه [أي
سعيد] لما سار إلى المغرب تسمى بعبيد
الله وتلقب بالمهدي وهو ومن تقدمه من
سلفه الأرجاس الأنجاس -عليه وعليهم
اللعنة- أدعياء الخوارج، لا نسب لهم في
ولد علي بن أبي طالب، وإن ذلك باطل وزور،
وإنهم لا يعلمون أن أحداً من الطالبيين
توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج
إنهم أدعياء، وقد كان شائعاَ بالحرمين
في أول أمرهم بالمغرب، منتشراً
انتشاراً يمنع من أن يدلس على أحد
كذبهم، أو يذهب وهم إلى تصديقهم، وإن
هذا الناجم بمصر هم وسلفه كفار وفساق
فجار زنادقة، ولمذهب الثنوية والمجوسية
معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا
الفروج، وسفكوا الدماء، وسبّوا
الأنبياء، ولعنوا السلف وادّعوا
الربوبية.
التوقيعات:
الشريف الرضي، السيد المرتضى أخوه،
وابن الأزرق الموسوي، ومحمد بن محمد بن
عمر بن أبي يعلى العلويون، والقاضي أبو
محمد عبد الله ابن الأكفاني، والقاضي
أبو القاسم الجزري، والإمام أبو حامد
الاسفرائيني، وغيرهم الكثيرون
الكثيرون»[11].
وبهذه الشهادات والبراهين
التاريخية نردّ على الذين يحاولون أن
يصححوا نسب الفاطميين لآل البيت وعلى
المخدوعين والمبعدين عن الحقائق
التاريخية والتي طالما لُقّنت لطلاب
المسلمين في مدارسهم ومعاهدهم على غير
حقيقتها.
رجال الإسماعيلية قبل تأسيس الدولة
1- ميمون القدّاح، ابن الديصان :
وهو واضع دعامة المذهب الإسماعيلي
الباطني، وهو فارسي. نُسِبَ إلى أحد
أجداده «الديصان» الذي كان ثنوي
المعتقد. [12]
2- عبد الله بن ميمون القداح:
كان مركزه السلمية من أعمال حماة في
بلاد الشام. وهو الذي ابتدع دعوة منظمة
قسمها إلى سبع درجات زيدت بعده حتى
أصبحت تسعاً في زمن الفاطميين، ولم يمت
حتى راجت الدعوة الإسماعيلية في كثير من
المناطق الإسلامية.
3- أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح:
وكان يلقب أبا الشَّلَعْلَع (أو أبا
الشلغلغ)، وكان يرأس الدعوة في بعض مدن
العراق كالكوفة وبغداد، وآلت إليه
الرئاسة التامة من عام 260-270هـ. ثم جاء
بعده ابن أخيه عبيد الله المهدي (سعيد
ابن محمد)، والذي سنتكلم عنه فيما بعد.
وأحمد هذا بعث ابن حوشب لنشر المذهب
الإسماعيلي في اليمن، وبعث إليه بعد ذلك
أبا عبد الله الشيعي حيث علمه ابن حوشب
أصولَ المذهب، ثم أرسله إلى المغرب لنشر
الدعوة هناك. ونلاحظ هنا أن دعاة
الإسماعيلية كانوا يدعون لمذهبهم
بعيداً عن بغداد، حاضرة الدولة
العباسية، سراً حتى لا تصطدم بها في
بادئ أمرها. ومن منطقة تونس -حالياً-
ابتدأت الدولة االعبيدية.
حكّام العبيديين
عبيد الله المهدي، سعيد بن محمد بن عبد
الله بن ميمون القداح (ت322هـ)
وهو أول من تسلم قيادة دولة
العبيديين، واسمه الأصلي سعيد، وقد دعي
إلى إفريقية بعد أن لقيت الدعوة
الإسماعيلية نجاحاً في اليمن بفضل ابن
حوشب -كما مر قريباً-، والذي تغلب على
معظم أرجائها، والذي بعث دعاته إلى
اليمامة والبحرين والسند والهند ومصر
والمغرب، وابن حوشب هذا أرسله أبو سعيد
محمد أخو أحمد بن عبد الله بن ميمون
القداح سنة 270هـ إلى اليمن من السلمية.
لاقى سعيد (عبيد الله) بن محمد
صعوبات شتى حتى استطاع الوصول إلى رقادة
عام 296هـ في رجب. فلقد سجنه اليسع بن
مدارا أمير سلجلماسة. فالرشوة التي
قدمها عبيد الله المهدي له لم تجد نفعاً.
وظل في سجنه حتى أطلق سراحه على يد أبي
عبد الله الشيعي الذي بعثه ابن حوشب من
اليمن إلى المغرب. وعندما وصل عبيد الله
إلى القيروان تلقاه أهلها بسلام
الخلافة اعتقاداً منهم بأنه علوي
فاطمي، ولم يلبث أن قسم رؤساء كتامة،
الذين ساعدوه على إقامة دولته، أعمال
هذه الدولة. ثم دون الدواوين وجبى
الأموال واستقرت قدمه في تلك البلاد.
ولم يكتف سعيد بما فعل، بل طمع
بالسيطرة على مصر بعد انتصار جيوشه
بالسيطرة على برقة تحت قيادة ولي عهده
أبي القاسم، وحباسة بن يوسف، أحد زعماء
كتامة. وقد واصلت جيوش المغرب سيرها إلى
الإسكندرية، فاستولت عليها وسارت على
الوجه البحري، ولكن الخليفة المقتدر
العباسي بعث جيشا كبيرا مقداره أربعون
ألف جندي أحل الهزيمة بالعبيديين
وأرغموهم على العودة إلى المغرب .
وفي سنة 307هـ عاود أبو القاسم ابن
المهدي المحاولة مرة أخرى واستولى على
الإسكندرية فأرسل الخليفة العباسي
خادمه مؤنس على رأس جيش فألحق بهم
الهزيمة وأحرق كثيراً من مراكبهم في
البحر وأرغمهم على العودة إلى بلادهم
عام 309هـ.
أما الحملة العبيدية الثالثة على
مصر فظلّت -كما قيل- ثلاث سنوات (321-324هـ)،
أُبرِمَت خلالها معاهدة صلح بين
الفريقين سنة 323هـ ولكن لم يطل أمده، فقد
انضم بعض زعماء المصريين إلى جيش
المغاربة الذي دخل الإسكندرية عام 324هـ،
فبعث إليهم الإخشيد جيشاً هزمهم فعادوا
إلى بلادهم منهزمين.
أقام سعيد (عبيد الله) بن محمد
بالقيروان -كحاضرة لدولته- لغاية سنة 304هـ
حيث اختط مدينة المهدية جنوب القيروان،
وقد ظلّت هذه المدينة آهلة بالسكان إلى
سنة 543هـ حيث أرسل روجر النورماندي صاحب
صقلية أحدَ قواده فاستولى عليها، وبقيت
في يده إلى أن حررها عبد المؤمن سنة 555هـ.
مات سعيد (عبيد الله) سنة 322هـ وخلفه ابنه
القاسم وتلقب بالقائم.
القائم والمنصور (322-341هـ)
كان القائم، كغيره من الملوك
العبيديين، ينقم على السِّنِّيين حتى
أنه أمر بلعن الصحابة -رضوان الله عليهم-،
وقد أثار غضب المغاربة، وخاصة الخوارج
منهم الذين ثاروا على العبيديين، وكانت
أشد هذه الثورات خطراً وأشدها بلاء تلك
الثورة التي أشعل نارها أبو يزيد مخلد
بن كيداد، والتي استمرت طوال عهد القائم
ولم تخمد إلا في عهد ابنه المنصور. توفي
القائم في رمضان سنة 334هـ، وخلفه ابنه
أبو الظاهر إسماعيل الذي تلقب
بالمنصور، وكان في العشرين من عمره. وقد
اشتهر المنصور بالشجاعة ورباطة الجأش
وباستطاعته على التأثير على نفوس
سامعيه بفصاحته وبلاغته وقدرته على
ارتجال الخطب. وعندما مات أبوه القائم
أخفى نبأ موته عن جيشه حتى لا يؤثر على
حماسته في إخماد ثورة أبي يزيد مخلد بن
كيداد. وقد انقطعت العلاقات بين مصر
وبلاد المغرب طوال عهده، لأن همه كان هو
القضاء على ثورة أبي يزيد، ثم قدر له أن
يهزم جيش أبي يزيد وطارده إلى الصحراء
وقبض عليه، ثم لما ساقه إلى المهدية مات
أبو يزيد متأثراً بجراحه في محرم سنة 336هـ.
قضى المنصور البقية الباقية من
خلافته في إعادة تنظيم بلاده، فأنشأ
أسطولاً كبيراً، وأسس مدينة المنصورية
سنة 337هـ واتخذها حاضرة لدولته. ومنذ ذلك
الحين أصبحت حاضرة العبيديين. حكم
المنصور سبع سنين وستة أيام ومات في يوم
الجمعة في سوال سنة 341هـ وقبر بالمهدية.
المعز لدين الله (341-365هـ)
هو معد بن إسماعيل، أبو تميم، بنى
القاهرة، وهو أول من ملك الديار المصرية
من الملوك العبيديين. في عهده دانت له
قبائل البربر كافة والمغرب كلّه. فلما
رأى الأمر كذلك فكّر بفتح مصر، فبعث بين
يديه جوهراً الصقلي حتى أخذها من كافور
الإخشيدي بعد حروب جرت بينهما، وذلك في
سنة 362هـ. وكان المعزّ ومن سبقه من
خلفائهم متلبسون بالرفض ظاهراً
وباطناً، كما قال القاضي الباقلاني من
أن مذهبهم الكفر المحض. وقد أورد ابن
كثير -رحمه الله- في [البداية والنهاية
11/284]: «أن المعز أُحضِر بين يديه الزاهد
العابد الورع الناسك التقي أبو بكر
النابلسي، فقال به المعز: بلغني أنك
قلتَ لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم
بتسعة ورميت المصريين [أي العبيديين]
بسهم. فقال: ما قلتُ هذا. فظن أنه رجع عن
قوله، فقال: كيف قلتَ؟ قال: قلتُ ينبغي
أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. قال:
ولم ؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة وقتلتم
الصالحين وأطفأتم نور الإلهية وادعيتم
ما ليس لكم. فأمر بإشهاره في أول يوم ثم
ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً
شديداً مبرحاً، ثم أمر بسلخه في اليوم
الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو
يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة
عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته
بالسكين فمات، رحمه الله. فكان يقال له
الشهيد» أهـ
والمعز بجانب ظلمه وبطشه ورفضه
كان مثقفا يجيد عدة لغات منها الطليانية
والصقلية، كما عرف اللغة السودانية.
وكان ذا ولع بالعلوم ودراية بالأدب،
فضلا عما عرف به من حسن التدبير وإحكام
الأمور (!).
قضى المعز الشطر الأكبر من خلافته
في بلاد المغرب، ولم يبق في مصر أكثر من
سنتين إلا قليلاً. وقد مات المعز في شهر
ربيع الآخر سنة 365هـ بعد أن حكم أربعاً
وعشرين سنة.
العزيز بالله (365-386هـ)
هو نزار بن المعز، ويكنى أبا
منصور، ويلقب بالعزيز، وكانت ولايته
إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام.
توفي عن اثنين وأربعين سنة، وقام بالأمر
بعده ابنه الحاكم. اشتُهر عن العزيز أنه
كان يستوزر اليهود والنصارى (!). فقد
استوزر ابن نسطورس وأخر يهودياً اسمه
ميشا. ويقول ابن كثير: فَعَزَّ بسببهما -أي
ابن نسطورس وميشا- أهلُ هاتين الملتين
في ذلك الزمان على المسلمين. أهـ
ويذكر د. حسن إبراهيم حسن في كتابه
(تاريخ الإسلام السياسي) (3/167): «أن عهد
الخليفة العزيز بالله الفاطمي عهد يسر
ورخاء وتسامح ديني وثقافة (!)..» اهـ. وذكر
أيضاً أن العزيز تزوج بنصرانية، وتوإلى
عطفه (!) على الكنيسة القبطية.
وفي أيام العزيز تفاقم خطر
القرامطة وأفتكين ببلاد الشام، وكان قد
استعصى أمرهما على أبيه المعز من قبل،
ولم يكد العزيز يوطد سلطته في مصر حتى
وجّه عنايته لاسترداد بلاد الشام
وفلسطين بعد سيطرة القرامطة عليهما،
فوجّه العزيز جوهراً الصقلي إلى
القرامطة وأفتكين، لكنّه هزُِم ولم
يستطع استرداد الشام وفلسطين، ثم أشار
جوهر على العزيز بحرب القرامطة وأفتكين
بنفسه، فالتقى بجيوشهما في الرملة
فهزمهم وذلك في محرم سنة 368هـ. وقبض على
أفتكين لكنه عفا عنه وأغدق عليه.
ولا يخفى علينا أن العلاقة بين
الإسماعيلية والقرامطة كانت وثيقة جداً
في بداية نشأتهما، لكن حصلت اختلافات
بينهما أدت إلى النزاع.
كان سبب انتزاع القرامطة وأفتكين
الشام وفلسطين من العبيديين هو تذمّر
أهلهما على مذهب العبيديين، فاضطروا
إلى طلب معونة القرامطة وأفتكين ونجحوا
في إسقاط حكم العبيديين على بلادهما،
وحوادث دمشق مشهورة في هذا.
في عهد العزيز وجه العبيديون
اهتمامهم إلى بثّ عقائد المذهب
الإسماعيلي الشيعي الباطني، وأصبحت كل
أمور الدولة في أيديهم.
مات العزيز ببلبيس سنة 386هـ، وهو
في الرابع والأربعين من عمره. كان
العزيز كريماً محباً للعفو -مع أمثاله- و
كان رجلاً ممتعاً يميل إلى الأبهة، كما
كان خبيراً بالجواهر، يحبّ الصيد -وخاصة
السباع- وكان ذكياً أريباً مستنيراً،
يجيد عدة لغات كأبيه المعز.
الحاكم بأمر الله (386-411هـ)
وهو أبو علي المنصور، ولد في شهر
ربيع الأول سنة 375هـ، وعهد إليه أبوه
بالخلافة من بعده في سنة 383هـ، ثم بويع
بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه أبوه
العزيز، وذلك في رمضان سنة 386هـ و له
إحدى عشرة سنة ونصف السنة، وتولى تربيته
والوصاية عليه أستاذه برجوان الخادم.
ونترك المجال للمؤرخ ابن عماد
الحنبلي يحدثنا عن الحاكم في ترجمته له
في وفيات سنة 411هـ. قال: «وفيها الحاكم
بأمر الله..... العبيدي صاحب مصر والشام
والحجاز والمغرب، فُقِدَ في شوال وله ست
وثلاثون سنة، قتلته أخته ست الملك بعد
أن كتب إليها ما أوحشها وخوفها واتهمها
بالزنا، فدسّت من قتله وهو طليب بن دواس
المتهم بها، ولم يوجد من جسده شيء،
وأقامت بعده ولده، ثم قتلت طليباً وكلَّ
من اطلع على أمر أخيها.
وكان الحاكم شيطاناً مريداً خبيث
النفس متلون الاعتقاد سمحاً جواداً
سفاكاً للدماء، قتل عدداً من كبراء
دولته صبراً، وأمر بشتم الصحابة وكتبه
على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب
حتى لم يبق في مملكته منها إلا القليل،
وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لا
فلوس له، وأتى بمن باع ذلك سراً فقتلهم
ونهى عن بيع الرطب، ثم جمع منه شيئاً
عظيماً وحرقه، وأباد أكثر الكروم وشدّد
في الخمر، وألزم أهل الذمة بحمل الصلبان
والقرامى في أعناقهم، وأمرهم بلبس
العمائم السود، وهدم الكنائس، ونهى عن
تقبيل الأرض له ديانة وأمر بالسلام فقط
وأمر الفقهاء ببثّ ذلك، واتخذ له
مالكييْن يفقهانه ثم ذبحهما صبراً، ثم
نفى المنجمين من بلاده وحرم على النساء
الخروج، وما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة
أشهر حتى قتِل. ثم تزهّد وتألّه ولبس
الصوف، وبقي يركب حماراً ويمر وحده في
الأسواق ويقيم الحسبة بنفسه، ويقال أنه
أراد أن يدعي الإلهية كفرعون وشرع في
ذلك فخوّفه خواصُّه من زوال دولته
فانتهى. وكان المسلمون وأهل الذمة في
ويل وبلاء شديد معه، قال ابن خلكان:
والحاكم المذكور هو الذي بنى الجامع
الكبير بالقاهرة بعد أن شرع فيه والده
فأكمله هو، وبنى جامع راشدة بظاهر مصر
وكان المتولي بناءه الحافظ عبد الغني بن
سعيد، والمصحّح لقبلته ابن يونس
المنجم، وأنشأ عدة مساجد بالقرافة،
وحمل إلى الجامع من المصاحف والآلات
الفضية والستور والحصر ما له قيمة
طائلة، وكان يفعل الشيء وينقضه.
وكان الحاكم المذكور سيئ الاعتقاد
كثير التنقل من حال إلى حال ابتدأ أمره
بالتزيي بزي آبائه وهو الثياب المذهبة
والفاخرة والعمائم المنظومة بالجواهر
النفيسة وركوب السروج الثقيلة المصوغة،
ثم بدا له بعد ذلك وتركه على تدرج بأن
انتقل منه إلى المعلم غير المذهب ثم زاد
الأمر به حتى لبس الصوف وركب الحمر
وأكثر من طلب أخبار الناس والوقوف على
أحوالهم، وبعث المتجسسين من الرجال
والنساء، فلم يكن يخفى عليه رجل ولا
امرأة من حواشيه ورعيته، وكان مؤاخِذاً
بيسير الذنب لا يملك نفسه عند الغضب
فأفنى رجالاً وأباد أجيالاً، وأقام
هيبة عظيمة وناموساً، وكان يقتل خاصته
وأقرب الناس إليه، وربما أمر بإحراق
بعضهم، وربما أمر بحمل بعضهم وتكفينه
ودفنه وبناء تربة عليه، وألزم كافة
الخواص بملازمة قبره والمبيت عنده،
وأشياء من هذا الجنس يموَّه بها على
أصحاب العقول السخيفة فيعتقدون أنّ له
في ذلك أغراضاً صحيحة. ومع هذا القتل
العظيم والطغيان المستمر يركب وحده
منفرداً تارة وفي الموكب أخرى وفي
المدينة طوراً وفي البرية آونة، والناس
كافة على غاية الهيبة والخوف منه والوجل
لرؤيته، وهو بينهم كالأسد الضاري.
فاستمر أمره كذلك مدة ملكه، وهو نحو
إحدى وعشرين سنة، حتى عَنَّ له أن
يدَّعيَ الإلهية ويصرِّح بالحلول
والتناسخ ويحمل الناس عليه، وألزم
الناس بالسجود مرة إذا ذكر، فلم يكن
يذكر في محفل ولا مسجد ولا على طريق إلا
سجد من يسمع ذكره وقبَّل الأرض إجلالاً.
ثم لم يرضه ذلك حتى كان في شهر رجب سنة
تسع وأربعمائة ظهر رجل يقال له حسن بن
حيدرة الفرغاني الأخرم يرى حلول الإله
في الحاكم ويدعو إلى ذلك ويتكلم في
إبطال الثواب وتأوَّل جميع ما ورد في
الشريعة، فاستدعاه الحاكم وقد كثر
أتباعه، وخلع عليه خلعاً سنية وحمله على
فرس مسرج في موكبه.... فينما هو يسير في
بعض الأيام تقدم إليه رجل من الكرخ.. وهو
في الموكب فألقاه عن فرسه ووالى العرب
عليه حتى قتله فارتجّ الموكب..» اهـ
بعد أن هلك الحاكم العبيدي
الباطني ورثه ابنه أبو الحسن الذي تلقب
بالظاهر، وتولى الحكم بعد قتل أبيه
بأيام. والجدير بالذكر هنا أن فرقة
الدروز المارقة ظهرت بدعوة حسن بن حيدرة
الفرغاني وهم يؤلهون الحاكم، والدرزية
نسبة إلى أحد موالي الحاكم وهو هشتكين
الدرزي.[13]
الظاهر لدين الله علي بن الحاكم العبيدي (
411-427هـ)
ولد يوم الأربعاء في العاشر من
رمضان سنة 395هـ بالقاهرة. ويذكر ابن
العماد في شذرات الذهب أن أمر الدولة
العبيدية بدأ بالانحطاط منذ ولايته
عليها، حيث أخذ حسان بن مفرج الطائي
أكثر الشام وأخذ صالح بن مرداس حلب،
وقوي نائبهم على القيروان.
لم يتمتع الظاهر بالخلافة مدة
طويلة -فقط سبعة عشر عاما-، فقد مرض
بالاستسقاء ومات في منتصف شعبان سنة 427هـ.
وكان الظاهر قد استوزر أبا القاسم علي
بن أحمد الجرجرائي -وكان مقطوع اليدين
من المرفقين، قطعهما الحاكم سنة 404 هـ-
فعندما علم الجرجرائي بموته أخذ البيعة
لابنه أبي تميم الذي تلقب بالمسنتصر. «وكان
الظاهر -كما يقول د. حسن إبراهيم حسن-:
سمحاً، عاقلاً، لين العريكة، استطاع
بحسن سياسته (!) أن يكسب عطف أهل الذمة
ومحبتهم له (!)، فتمتعوا في عهده بالحرية
الدينية. كما وجه عنايته إلى ترقية شؤون
البلاد وتحسين حالة الزراعة.»[14]
المستنصر أبو تميم معد بن الظاهر (427-487هـ)
بويع له بالخلافة في يوم وفاة أبيه
وكان في السابعة من عمره، وبقي في
الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر، وهذا شيء
لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني
العباس.
في أيام المستنصر حدث الغلاء
العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف
عليه السلام، وأقام سبع سنين وأكل الناس
بعضهم بعضاً، حيث انتشر الوباء والقحط
في مصر، وانقطع النيل، ونكبت الأمم
الإسلامية فيه من مصر إلى سمرقند.
في القسم الأول من عهد المستنصر
امتد سلطان دولته على بلاد الشام
وفلسطين والحجاز وصقلية وشمال أفريقيا،
وكان اسمه يذاع على جميع منابر البلاد
الممتدة من الأطلسي إلى البحر الأحمر.
بل في بغداد نفسها حاضرة العباسيين، كان
يخطب للمستنصر سنة على منابرها [15].
لكن هذه البلدان ما لبثت أن خرجت من
سلطان العبيديين . فقد أعلنت الدولة
الزيرية في سنة 36 هـ، وكذا الدولة
الحمدانية سنة 39هـ ولم تأت سنة 443هـ حتى
تقلص الحكم العبيدي من المغرب. وفي سنة
475هـ زالت سلطتهم من المغرب الأقصى،
واستولى روجر النورماندي على جزيرة
صقلية، وخلع أمير مكة والمدينة الطاعة
سنة 462هـ.
في هذه الفترات انتشرت الفوضى
وسادت مصر، حتى أن أربعين وزيراً تقلدوا
الوزارة في تسع سنوات بعد قتل الوزير
اليازوري سنة 451هـ. ثم عاد القحط وأعقبه
من الوباء والموت في سنة 459هـ. وكان
القحط الأول قد امتد من سنة 446هـ إلى 454هـ،
وظلّت الحالة كذلك حتى سنة 464هـ. وظهرت
الفتن والحروب الأهلية في مصر حتى تدارك
مصر بدرُ الجمالي والي عكّا الذي
استدعاه المستنصر في سنة 466هـ فأعاد
النظام ووجه همه إلى الإصلاح والقضاء
على المفسدين. مات المستنصر سنة 487هـ،
وبويع ابنه المستعلي دون أخيه الأكبر
نزار.
المستعلي أبو القاسم أحمد (487-495هـ)
عندما مات المستنصر سنة 487هـ كان
قد عهد إلى ابنه الأكبر نزار، إلا أن
الأفضل ابن بدر الجمالي قائد الجيوش خلع
نزاراً هذا وولّى مكانه أخاه الأصغر
المستعلي أبا القاسم، فثار نزار وهرب
إلى الإسكندرية ودعا لنفسه وأخذ
البيعة، فلحقه الأفضل وهزمه وسجنه حتى
مات، واستقر الأمر للمستعلي.
لما خلع نزار لم تعترف
الإسماعيلية بخلافة المستعلي وبقيت
بجانب أخيه. ولما مات نزار هذا بقيت
الإسماعيلية على رأيهم وأن الخلفاء من
نسب نزار وليس المستعلي، وتعرف هذه
المجموعة بالإسماعيلية الشرقية، ومنهم
الحشاشون Assassins
جماعة الحسن ابن الصباح،
والذين عرفوا أيضاً بالباطنية كجزء من
كلّ، وقاموا باغتيالات لشخصيات إسلامية
عسكرية كانت ترابط في الجهاد ضد
الصليبيين الذين استولوا على بعض أرض
المسلمين. لذلك لابد هنا من الكلام عن
هذه الفرقة ولو بشيء من الاختصار.
فرقة الحشاشين Assassins
كان لتأسيس جماعة الحشاشين على يد
الحسن بن الصباح خطر كبير على الأمة
الإسلامية في ذلك الوقت، وفي كل وقت. فقد
درس الحسن ابن صباح كتب الإسماعيلية،
واشترى قلعة "ألموت" الواقعة على
الشاطئ الجنوبي لبحر قزوين (الخزر)
وجعلها مقرّه، فمنها انطلق وبها اعتصم.
وقد دخل قلعته مرة ولم يخرج إلا بعد خمس
وعشرين عاماً، كان يدرس خلالها ويخطط.
لقد قامت حركة الحشاشين في اغتيال
ثمانين شخصية إسلامية قيادية
سُنِّيَّة، ما بين عالم وقائد عسكري
مجاهد. وقد كان نظام الملك وزير ملكشاه
السلجوقي أول ضحاياهم. وفي عام 523هـ
ازداد خطر الإسماعيلية في مدينة دمشق -وكانت
تشكل خط الدفاع ضد الصليبيين في ذلك
الوقت وهم في فلسطين- ودعوا الفرنجة
للحضور اليها حتى يتسلموها، وكان
زعيمهم يدعى "المزدقاني"، فاكتشف
أمره تاجُ الملوك -حاكم دمشق- فاستدعاه
فقتله وعلّق رأسه على باب القلعة، ونودي
في دمشق بقتل الباطنية، فقتل منهم ستة
آلاف نفس. وعندما علم صاحب بانياس [16] بهذا -وكان
إسماعيلياً باطنياً- راسل الفرنجة فسلم
إليهم القلعة ورحل إلى بلادهم.
وقُتِل عماد الدين الزنكي -رحمه
الله- على أيديهم أثناء حصاره لقلعة
جعبر على شاطئ الفرات. وقتلوا من قبله
الأمير مودود، قتلوه في دمشق يوم الجمعة
بعد الصلاة في مسجدها. وقتلوا من
العلماء قاضي أصفهان عبيد الله الخطيب،
والقاضي أحمد قاضي نيسابور، قتلوه في
شهر رمضان. ولاشك أن أيديهم امتدت في
زماننا الحاضر إلى قتل بعض علماء
المسلمين وقوادهم كأمثال فاضح الباطنية
في وقتنا الكاتب إحسان إلهي ظهير. وإنّ
محالفة الباطنيين مع أعداء المسلمين ضد
المسلمين خلال التاريخ لهو أكبر دليل
على عداوتهم للإسلام وولايتهم لأعداء
المسلمين من يهود ونصارى وغيرهم من ملل
الكفر.
يقول لويس برنارد في كتابه (الحشاشون
The
Assassins):
«كانت هناك علاقة بين شيخ الجبل (رئيس
الباطنية في الشام) وبين ملك القدس من
الصليبيين وهو الكونت هنري"، و "عندما
غزا سانت لويس بيت المقدس سنة 1250م تبادل
الهدايا مع شيخ الجبل، وكان الصليبيون
يسمونهم الملحدين، وأتت في كتاباتهم بـ Mulihet"
. "وعندما مرَّ ماركو بولو Marco
Polo من
فارس سنة 1273م رأى قلعة وقرية "ألموت"
وقال عنها أنها المقر الرئيسي
للإسماعيلية» اهـ. وكان للإسماعيلية
عمليات اغتيال في أوربا، فكان بعض
الملوك فيها يستخدمونهم في التخلص من
أعدائهم، وكانوا يطلقون كلمة رفيق على
أعضائهم.
ومازال للإسماعيلية رجال يكتبون
عنها ويشيدون بما فعل أجدادهم (!)، فمنهم
د. مصطفى غالب، له كتاب (تاريخ الدعوة
الإسماعيلية) و كتاب عن (الحركات السرية
في الإسلام)، وكتاب عن الحسن بن الصباح
أسماه (الطائر الحميري، الحسن بن الصباح)،
وله موسوعة فلسفية حشاها بآراء
الباطنيين كابن سينا والفارابي وإخوان
الصفا وغيرهم ممن ينسبون إلى الإسلام.
وهناك الكاتب عارف تامر له كتاب (على
أبواب أَلَموت) وكتاب (الحاكم بأمر الله)
وبعض التحقيقات على كتب الإسماعيليين.
قلعة ألموت، مركز الحشاشين - اضغط
للتكبير
بقية حكّام العبيديين
جاء الآمر بعد المستعلي عام 495 هـ،
وهو الذي قتل الأفضل بن بدر الجمالي
قائد الجيوش عام 515هـ وقد خلفه ابنه
الأكمل. ويبدو أن الآمر كان مختلفاً عن
غيره من ملوك العبيدية، إذ أنه ألغى
الاحتفالات التي كانت تقام بمناسبة
المولد النبوي ومولد فاطمة وعلي ومولد
الخليفة القائم بالأمر.
في عام 524 هـ قُتِل الآمر بيد
الباطنية الذين كانوا يرَوْن أنّ أولاد
نزار أحق بالملك من أولاد المستعلي.
وخالف الأكمل العبيديين -وكان من الشيعة
الاثني عشرية- فقتلوه.
وفي عام 529هـ -أي في عهد الحافظ
الذي خلف الآمر المقتول- استُوزِر بهرام
الأرمني على القاهرة وكثرت الأرمن فيها.
ازدادت حدّة الخلافات بعد الحافظ
بين جنود ووزراء العبيديين. وقد جاء بعد
الحافظ الظاهر ثم الفائز تلاه العاضد،
والذي بعهده انتهت وعضدت دولة بني عبيد
الباطنية، وذلك بعد أن حكمت لمدة 260
عاماً مساحات شاسعة من بلاد المسلمين
شرقاً وغرباً.
انتهت دولة العبيديين على يد صلاح
الدين يوسف بن أيوب -رحمه الله-، فانتهى
عهد الباطنية وعادت مصر وما بقي من دولة
بني عبيد إلى حظيرة أهل السنة والجماعة.
ثم تابع صلاح الدين والمسلمون خلفه
المسيرة الجهادية حتى فتحوا القدس
وأعادوا المسجد الأقصى إلى رحاب
الإسلام وذلك عام 583 هـ.[17]
[1] انظر
ما نقله الطبري في تاريخه عن سبي
القرامطة لنساء أهل البيت وفعلهم بهن
في حوادث سنة 290 هـ
[2] سيراف
ميناء قديم على الخليج العربي من جهة
فارس.
[3] انتهى
ما نقلناه من كتاب «التاريخ الإسلامي»
ج6 ص59-100
[4] للاستزادة والتفصيل انظر تاريخ
الطبري حوادث سنة 298 إلى 301 هـ
[5]
الشيعة
والتشيع، إحسان إلهي ظهير.
[6]
انظر
«الشيعة وأهل البيت» إحسان إلهي
ظهير، ص294
[7]
من
المعروف أن الإسماعيلية هي حركة
مختلفة عن التشيع تماماً، بالرغم من
أنها حملت راية التشيع لآل البيت
ابتداءً واستغلت شعور العاطفة لأهل
البيت عند العامة، لكنها ما لبثت أن
كشفت عن وجهها الحقيقي بعد أن سيطرت
على مصر.
[8] Al-Isma’iliyah and the Origin of the Fatimids.
The Muslim World, vol. 49, p299
[9]
أي
أن الجد ميمون القداح كان مجوسياً،
وتهوَّد ابنه عبد الله بن ميمون، ثم
أظهر التشيع.
[10]
يعني
إسماعيل بن جعفر الصادق؛ ثم يأتي
الأئمة المستورون.
[11]
الشيعة
وأهل البيت لإحسان إلهي ظهير (ص283-284).
[12]
الديصان
ثنوي فارسي مشهور في القرن الثاني
الميلادي؛ تحول إلى النصرانية بعد أن
عمل منجماً في مدينة أديسا (الرها/أُرفا).
ومع كونه أصبح نصرانياً فقد كان يحمل
بعض المعتقدات الإلحادية والزردتشية.
ويبدو أن حفيده ميمون أظهر الإسلام
ولكنه تبع خطا جده ديصان في الخلط بين
أكثر من دين.
[13]
الشيعة
والتشيع: فرق وتاريخ، للكاتب إحسان
إلهي ظهير (ص236).
[14]
تاريخ
الإسلام السياسي (3/173).
[15]
أنظر
فتنة البساسيري في كتب التاريخ.
[16] مدينة قرب أرض فلسطين، وهي غير
بانياس التي على ساحل الشام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق