(إن الأمة التى تعجز أن تنتقل من حكم الأشخاص إلى حكم المؤسسات بينها
وبين النهوض بون واسع)
بقلم :
سيد يوسف
بات من المعلوم ومن المسلم به أن اختيار القيادة وتحديد مدتها وتجديدها
هى أمور اجتهادية تحكمها المصلحة العامة ، وليس في ذلك نص ديني محكم .
ولكن من الإصابات الخطيرة التي لحقت بمجتمعاتنا : عجزها وعدم قدرتها على
استنبات قيادات متجددة ومعاصرة حتى بتنا نرى الغرّ
من الناس يستلبون إرادتهم قائلين (من نعرفه أفضل ممن لا نعرفه) مسوّغين
بذلك استمرار أنظمة الحكم الراهنة.
فهل عجزت أمتنا عن إنتاج القيادات ؟ أم باتت تخشى بطش الظالمين فخرست
ألسنة مجموعها ؟ أم سلّمت راية الاحتجاج والتنديد الصوتي لضميرها ممثلاً
في بعض حركاتها النخبوية ؟ أم أنها حين بحثت عن روافد صنع القادة وجدت
جفافاً وتجفيفاً متعمّداً ؟
ولماذا ركب فى اللاشعور الجمعى للأمة انتظار القائد الملهم ؟
(1)
فكرة القائد المخلص
لست أدري ما سبب ولع بعضنا بالمحافظة على استمرارية القيادات حتى ولو
أصبحت عاجزة عن العمل ، فهل هذا نوع من الوفاء مثلاً ونحن شعوب تحكمنا
العاطفة بدرجة كبيرة ، أم أنه خلل شديد فى البنية العقلية لكثير من أبناء
أمتنا؟
ولماذا يصرّ البعضُ بغباوة رائعة ألا يفكر إلا بعقل القادة حتى على مستوى
الإدارات الأقل ؟
لماذا السير فى إطار يحدده القادة فقط ؟ ولماذا الارتباك حين نفقد القادة
بمرض أو موت مثلاً (القادة السياسيين) ؟ ولماذا سيناريوهات الفراغ
السياسي ومحاولة ملء الفراغ واجتهاد من هنا وهناك وكأننا –بل هو- لا نحكم
إلا بالأفراد لا بالمؤسسات ؟
ولكأننا قد جبلت طبائعنا على انتظار القائد المخلص الذى يعفينا من
مسئولية العمل والمشاركة في صنع الإنجاز والنجاح إن كان ثمة نجاح .
(2)
فروق بين القيادة الفكرية والقيادة الإدارية
يدرك الفاقهون أن ثمة فارقاً كبيراً بين القيادة الفكرية وبين القيادة
الإدارية وليس من يتميز فكرياً ويستطيع تنظير قضايا أمته تشخيصاً وعلاجاً
يصلح لقيادة العمل من الناحية الإدارية ، وقد اهتمت دراسات عدة فى ميادين
مختلفة من فروع العلم بتحديد سمات القادة الإداريين وتحديد خصائص الإدارة
الجيدة وهو الأمر الذي بات مفتقداً في كثير من أنظمتنا العربية والتي
باتت تعتمد فى إدارة البلاد على نظام الفهلوة أو النظر تحت الأقدام مع
إقصاء ذوي الكفاية .
(3)
تجفيف المنابع
ومع سياسة الإقصاء هذي بتنا نرى أن من يتقلد المناصب الإدارية هم أهل
الثقة وأهل النفاق في مواطن كثيرة فى البلاد وليس أدل على ذلك من إلغاء
الانتخابات فى تلك القطاعات سواء الجامعية أو المحلية أو المؤسساتية
كالصحافة والإعلام.
ومن هنا اعتمدت سياسة تجفيف المنابع ...فمن أين يُستنبت القادة إذن ؟ من
أين يُستنبتون وراية العلم مُغيبّة ؟من أين يُستنبتون وجامعاتنا في ذيل
قائمة الأمم ؟من أين يستنبتون وكبت الإبداع مسلط بسياسة الإقصاء وتجفيف
المنابع ؟
إن وجود بعض النوابغ الإدارية هنا أو هناك ليس دليل تميز النظام وسياسته
وإنما هو دليل تميز هؤلاء الأفراد ودليل على خمول العامة ... فلو أن
مصالحنا ترعاها مؤسسات حرة لأنبتت لنا قادة كثر فى كل ميدان سياسي وغيره
وفي جميع الأعمار . ولعل بعضنا يستحضر من ذاكرته قول الشاعر:
وليس يهلك منّا سيّد أبداً * إلاّ افتلينا غلاماً سيّداً فينا
(4)
إعادة تشكيل عقل الأمة حتى تعود إلى تربية قوامها استنبات القادة
لذا بات من الضروري على الأمة أن تنهض بتعهد بنيها فى الأسرة والمدرسة
وعبر وسائط المجتمع الأخرى بتربية قيادية قوامها الحرية والقوة والقدرة
على التنظيم وتنمية الإبداع و و و و ... وهذا قول سهل لكنه يحتاج إلى
مجهود ضخم يحتاج أن يعاد النظر – بداية – فى عقل الأمة ومحتواه ليعاد
تشكيله من جديد تشكيل يتشرب معاني حقوق الإنسان وحرية الإبداع و جودة
الإنتاج وتجريم الكسل وتجاوز الارتكاز على الفرد والشخص إلى الاعتماد على
المؤسسة القادرة على التخطيط والعمل الواعي المستمر.
قد تبدو هذه أحلام لكننا نرجو الانتقال بها إلى الفعل وعسى فأول الغيث
قطرة .
فى النهاية
كانت هذى خطوط عامة عريضة لاستبيان أن هذه الأمة يحاك ضدها مخاطر كثيرة
بدأت حين أراد الطغاة تجفيف منابع استنبات القادة ، ولو أنا أولينا
الثغور التي تتعرض منها أمتنا للخطر لكان ذلك أولى لنا وأجدى .
أسأل الله أن يهيىء لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه وتنهض به من كبوتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق