الاثنين، 22 يوليو 2013

هل تحقق مشروعات الإصلاح أهداف الغرب؟

بقلم: مصطفى محمد الطحان
 منذ أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) مشروعه (الشرق الأوسط الكبير).. والصحف على اختلاف اتجاهاتها تكتب مطولاً حول هذا المشروع.. بين مؤيد ومخالف..
وبعد قراءتي لكل ما وقع تحت يدي من هذه المقالات.. وصلت إلى نتيجة أحببت أن أقدمها للسادة القراء.. فقد تكون فكرة مفيدة يبنون عليها.. أو لا تكون كذلك فينسونها.
التاريخ يعيد نفسه
·    إن هذا المشروع الذي أطلق عليه (الشرق الأوسط الكبير أو الأكبر).. ما هو إلا نسخة معدلة منقحة للمعاهدات الاستعمارية التي بدأت بغزو نابليون لمصر وإعلانه بأنه جاء ومعه مطبعة لتحرير الشعب المصري من جور الدولة العثمانية واستبدادها وتحرير المصريين وتنويرهم.. وبعد دخوله إلى مصر ليحرر المصريين توجه نحو فلسطين وفي طريقه وجه نداءه الشهير إلى يهود العالم.. يخبرهم ويطمئنهم انه إنما جاء لإيجاد وطن قومي ليهود العالم في فلسطين.
·    والمشروع استمرار لاتفاقيات الشريف حسين مع الإنكليز الذين وعدوا بتشكيل إمبراطورية عربية تضم جميع الدول العربية يكون الشريف حسين على رأسها.. مقابل أن يعلن الشريف حسين الثورة ضد الدولة العثمانية.. وأن تنضم القوات العربية إلى قوات الحلفاء..
ونفذ الشريف حسين ما اتفق عليه..
أما دول الغرب فقد عقدت معاهدة سايكس – بيكو السرية عام 1916 لاقتسام الأرض العربية والإسلامية.. وأعطت بريطانيا لليهود وعد بلفور عام 1917 وأرسلت هربرت صموئيل اليهودي الصهيوني مندوباً سامياً إلى فلسطين ليحوّلها إلى إسرائيل عام 1948.
وفي عام 1918 وبينما كان الشريف حسين يتهيأ للجلوس على عرش إمبراطوريته.. كان الجنرال اللنبي قائد القوات المشتركة للحلفاء يدخل القدس ويعلن على رؤوس الأشهاد انتهاء الحروب الصليبية. وقال: لم تنته هذه الحروب يوم أعاد صلاح الدين القدس إلى هويتها الإسلامية.. بل انتهت اليوم عندما أعادها اللنبي إلى هويتها الصليبية.
وفعل مثل فعله وقال مثل قوله الجنرال غورو الفرنسي وهو يدخل دمشق.. ويقف على قبر صلاح الدين ويقول: ها قد عدنا يا صلاح الدين..!
·    والمشروع استمرار لكل الفيتو الأمريكي ضد حقوق المسلمين والعرب وأهل فلسطين.. ولكل التأييد لمشاريع الصهاينة في استيلائهم على فلسطين وتشريد شعب فلسطين.. وتمكين إسرائيل من المنطقة.. وتقوية ترسانتها النووية وتزويدها بأكبر ترسانة من نوعها في المنطقة.
·    والمشروع ليس مشروعاً أمريكياً.. فأمريكا اليوم مجرد قائد للصليبيين كما كانت يوماً إنكلترا وكما كانت قبلها فرنسا وهولندا والبرتغال.
إنه مشروع استعماري يمثل جميع القوى الغربية.. وعليه فسيعرض المشروع الذي اعدته أمريكا على قمة مجموعة الثماني الكبار في جورجيا الأمريكية الصيف المقبل، وعلى قمة الاتحاد الأوروبي السنوية، وعلى قمة حلف الأطلسي الصيف المقبل في استانبول.. ولقد ذكر وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد أن استراتيجية أمريكا للحرية بدأت تلقى قبولاً في أوساط الأطلسي بحيث تتمدد مظلته العسكرية نحو الجنوب لتشمل كامل المنطقة العربية من المغرب وحتى البحرين.
·    الأمر يختلف كليا عن ما تقوله أمريكا.. فالقضية هي هيمنة استعمارية جديدة تحت اسم جديد.. على المنطقة الإسلامية التي ستكون نقطة التركيز الأولى للدولة العظمى الوحيدة في العالم، لعقود عدة مقبلة، سواء كان قاطن البيت الأبيض من المحافظين الجمهوريين أو من الليبراليين الديمقراطيين كجون كيري.
لقد طالبت صحف واشنطن بوست ونيويورك تايمز مرشح الرئاسة الديمقراطي جون كيري بتوضيح موقفه من العراق، باتجاه الإعلان بأنه لا ينوي التخلي عن العراق في حالة فوزه بالانتخابات.(مجلة الوسط اللندنية 23/2/2004
قراءة موضوعية للمشروع
القراءة الموضوعية للمشروع لا تعزله عن موقعه وسياقه في السياسة الأمريكية. وما تتضمنه من أهمية إحداث تغييرات جوهرية في الشرق الأوسط عبر إقامة نظم ديمقراطية في دوله ليس جديداً. وإنما له جذوره التي تمتد إلى عام 1992 حين أعد بول وولفوفيتز مساعد وزير الدفاع آنذاك ديك تشيني (في ولاية جورج بوش الأب) دراسة حول توجهات سياسة الدفاع في الولايات المتحدة،  دعا فيها إلى إعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية، بعدما خلت لها الساحة، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين، ودخول العالم في حقبة القطب الأوحد. في تلك الدراسة تحدث وولفوفيتز عن ضرورة منع ظهور أي منافس للولايات المتحدة في الساحة الدولية، ودعا إلى الاهتمام بتوسيع مناطق الديمقراطية والسلام في العالم. وقد شاءت المقادير أن يصبح وولفوفيتز نائباً لوزير الدفاع في الإدارة الحالية، وتشيني نائباً لرئيس الجمهورية.
في عام 1997 تأسس المركز الذي تبنى مشروع القرن الأمريكي الجديد، وأصدر مؤسسوه آنذاك (إعلان مبادئ) ركز على أهمية الدور الأمريكي في قيادة العالم، وضرورة إقامة نظام عالمي (موال لأمتنا ورخائنا ومبادئنا). وتحدث عن نقطتين أخريين هما:
·        التعاون مع الحلفاء الديمقراطيين في النظم المعادية لمصالحنا وقيمنا (الموجودة في الشرق الأوسط أساساً).
·        وتعزيز قضية الحرية السياسية والاقتصادية في الخارج.
في عام 1998 وجه (18) من الشخصيات الأمريكية رسالة إلى الرئيس كلينتون طالبوه فيها بوضع استراتيجية جديدة تحمي مصالح أمريكا وحلفائها وتحقق الدفاع عن القيم الأمريكية. ودعوا صراحة إلى إسقاط النظام العراقي، منبهين إلى فشل سياسة احتوائه. وكان من بين الموقعين على تلك الرسالة أشخاص أصبحوا يحتلون مناصب مهمة في الإدارة الأمريكية الحالية، منهم رامسفيلد وزير الدفاع ونائبه وولفوفيتز وزلماي خليل زاده، الذي صار مبعوث الإدارة الأمريكية في أفغانستان، ثم سفيراً في كابول. وريتشارد بيرل عضو مجلس الدفاع (استقال مؤخراً).
في سنة 2002  وبعد أحداث سبتمبر  أعلن الرئيس بوش استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي ركزت في فصلها السابع على أهمية توفير البنية الأساسية للديمقراطية في الشرق الأوسط، وتوسيع دائرة التنمية لإنضاج مجتمعات المنطقة.
هذا التراث الذي تراكم منذ أوائل التسعينيات، وأسهم فيه خبراء الدفاع مع عناصر المحافظين الجدد (وكلهم من الصقور) احتل مكانة في عقل الإدارة الراهنة، خصوصاً أن كثيرين ممن صنعوا ذلك التراث أصبحوا من أعمدة تلك الإدارة. وقد امتد تأثيره إلى أروقة وزارة الخارجية، حتى صار يشكل الوعاء الأساسي الذي خرجت منه مبادرة المشاركة في الشرق الأوسط التي أطلقها في العام الماضي كولن باول وزير الخارجية، ثم مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي نحن بصدده. وهو ما يعني بصريح العبارة أننا بصدد حلقة في مسلسل طويل يفتقد إلى البراءة. وأن المشروع من أوله إلى آخره لا يستهدف تلبية لأشواقنا الوطنية كما يزعم الذين يريدون استغفالنا، وإنما هو توسل بتلك الأشواق وتوظيف لها يراد به إحداث تغييرات في هيكل المنطقة وبنيتها بما يظن انه يخدم الأمن القومي الأمريكي، ويصب في (اختراع الشرق الأوسط) ورفع ألوية القرن الأمريكي عليه.(المكر والاستعباط في المشروع الأمريكي- فهمي هويدي (9/3/2004).
لقد حان الوقت
ومما زاد الصورة جلاء الرئيس السابق لوكالـة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي
إيه) جيمس ولسي الذي قال: أن الوقت قد حان لكي تستبدل الولايات المتحدة جميع الأنظمة العربية.
وأشار ولسي في كلمة ألقاها خلال مناظرة كبيرة نظمها اتحاد الطلبة في جامعة أوكسفورد البريطانية إلى أنه حان وقت إصلاح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتعاملها مع الحكومات العـربية الحاليـة وذلـك بسبب تعطشها للطاقة والنفط، وأضاف أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تخطط لإزالة الأنظمة العربية الحالية وأن تجد بدائل للطاقة.
وقال ولسي في مناظرة (الحرب على الإرهاب) أن الدول العربية تقسم إلى قسمين: إما ديكتاتوريات مطلقة، أو أنظمة لأسر محدودة تتولى الحكم بأسلوب بيروقراطي متخلف لا يترك أي مجال للمشاركة السياسية.
وقال أن الحرب التي تنوي الولايات المتحدة شنها على العراق لا ترتبط بالضرورة بموضوع أسلحة الدمار الشامل، بل هي (أساس لنشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي).
وهاجم الرئيس السابق (للسي أي إيه) الحكومات العربية قائلا: ما أن ننتهي من الصداميين، حتى ننتقل إلى المباركيين (في إشارة إلى مصر) ومن ثم إلى السعوديين. نريد تحرير الشعوب العربية والإسلامية من أنظمة حكمها.
كلمة أخيرة
يريدون تحرير الشعوب العربية، كما حررت فرنسا مصر.. وكما فعلت بريطانيا وفرنسا في إسقاط دولة الخلافة العثمانية واقتسام أراضيها تحت شعارات براقة مثل التحرير والتنمية والتجديد.. وكما فعلوا جميعاً بفلسطين التي مازال يتعرض شعبها للتصفية..
جميع حكامنا يوافقون في الحقيقة على هذا المشروع.. وما رفضهم الظاهري له إلا محاولة لتثبيت مواقعهم في كراسي الحكم لأنفسهم ولأبنائهم من بعدهم.. فإذا حصلوا على ذلك.. انتهت تحفظاتهم. ألم نقرأ ونسمع حكام العرب يسمون الجهاد الفلسطيني إرهاباً؟!!
1/4/2004م

[1]  .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق