"أفادت
روسيا والهند أنه لولا مساعدتهما لما
استطاعت الجبهة المتحدة من هزيمة
طالبان. وبسبب هذا الدعم الفعال فإن
روسيا والهند تتوقعان-دون شك- أن يكون
لهما حق إبداء الرأي في مستقبل
أفغانستان".
بقلم:
توماس وثينغتون.
"لاشيء
يضاهي ثقة العالم في بندقية
الكلاشينكوف حسبما أفاد به جميع
الأفغان". كان هذا رأي الرئيس الروسي
" فلاديمير بوتن" حول شعبية
الأسلحة السوفيتية والروسية خلال
زيارته الأولى لمقر المكتب الرئيسي
لحلف "الناتو" في بروكسل
3/11/2001.
ولدى
بوتن كل الأسباب كي يكون
خبيراً بما يفضله الجنود الأفغان من
الأسلحة، وخاصة أؤلئك الذين يعودون إلى
الجبهة المتحدة ( الجبهة الإسلامية
لتحرير أفغانستان، أو ما يسمى بتحالف
الشمال، كما أصبح معروفا لدى أجهزة
الإعلام الأمريكية). حيث قامت بلاده منذ
عام 1995 بتجهيزهم ببندقية "كلاشينكوف"
الهجومية AK-47،
والدبابات، وتجهيزات عسكرية متنوعة
أخرى.
تتألف
الجبهة المتحدة من مجموعة متباينة من
الفئات المسلحة جاءت من أصول دينية
وسياسية عرقية متفاوتة، إلا أنها متحدة
فيما بينها في كراهيتها المتبادلة
لطالبان ذات الأصول الباشتونية.
ويشتمل التحالف على مجموعة رئيسية
من الأحزاب مثل" الجماعة الإسلامية"
و " جمبيشي إيميلي" ، و"حزب
الوحدة الكاهيلي".
استطاعت
الجبهة المتحدة الاعتماد كلياً على
راعييها الرئيسيين الهند وروسيا وذلك
بشأن إمدادها بالتجهيزات العسكرية ومن
أجل التدريب، والهندسة والصيانة ( قدم
الروس أكثر المساعدات الأخيرة ولكن
الولايات المتحدة هي التي كانت تدفع
المال من أجل ذلك)، مما مكن مساعدة
الجبهة المتحدة بأن يكون وادي "بانشير"
معقلا لها في شمال شرق أفغانستان لفترة 5
سنوات مضت، حيث تراجعت بعد أن تم طردها
من "كابول" من قبل طالبان عام 1996.
كان
الدعم الهندي الروسي دون شك فعالاً في
مساعدة الجبهة المتحدة بالتقدم سريعا
عبر أفغانستان.
الهند والحلف الطالباني الكشميري
هناك
أسباب عديدة دفعت الهند لمساعدة ودعم
الجبهة المتحدة. فقد كانت الهند دائما
قلقة بشأن موضوع الأمن في الحدود
الشمالية والشمالية الغربية من بلادها.
ومن الناحية التاريخية، كانت الهند
تتمتع بعلاقات طيبة مع أفغانستان. وكانت
"كابول" موطنا لعدد كبير من
الهندوس ، ومجموعة قليلة من السيخ. وتقع
أيضا كابول على طريق التجارة الغربية من
الهند وكانت غالبا ما تستضيف التجار
الهنود والمسافرين. وبدأت نيودلهي في
التعامل مع أفغانستان في سياستها
الخارجية خلال الانسحاب السوفيتي في
شهر فبراير عام 1989وبعد سقوط حكم نجيب
الله الشيوعي الجديد حيث كانت الهند على
علاقات حسنة معه.
وعقب
سقوط نجيب الله أقامت الهند علاقات
وطيدة مع برهان الدين رباني الذي أصبح
فيما بعد رئيساً للدولة. ومازال في
الواقع يُعتَرف بحكومة رباني على
أنها الحكومة الشرعية الأخيرة
لأفغانستان وأنها ذات تمثيل مستمر لها
في الأمم المتحدة. إضافة إلى ذلك، فقد
أصبحت الهند فيما بعد معقلا لحوالي 80000
لاجئ فروا من أفغانستان عقب سقوط حكم رباني
في عام 1996 حيث بسطت حكومة طالبان
نفوذها على أفغانستان.
كانت
نيودلهي أيضا قلقة جداً من أن
النزعة التطرفية الإسلامية لطالبان قد
تؤجج توترات طائفية حساسة في البلاد.
وقد ساد التوتر إلى حد ما في العلاقات
بين جماعات المسلمين في الهند وجماعات
الهندوس بعد فوز حزب الشعب الباهاراتي
القومي الهندوسي (BJP)
كمشارك ذي أغلبية في الحكومة
الائتلافية خلال انتخابات الهند العامة
التي جرت عام 1998.
ومما
زاد في سخط الهند أكثر وذلك عندما أصدرت
طالبان عام 2001 أمرا تطالب فيه الأقلية
من الهندوس الموجودين في كابول بارتداء
شارات صفراء لتمييزهم عن غيرهم.
وقد
رأت نيودلهي والعديد من الحكومات
الأخرى أن إتباع هذه السياسة يشابه بشكل
كبير ما كان يفرض على اليهود من قبل
النازيين أثناء احتلالهم لأوروبا وهو
أن يضع اليهود النجوم الصفراء. وعلى أية
حال، إن أحد المخاوف التي تساور الهند
هو الأثر الناجم عن ظهور طالبان بالنسبة
للوضع المعقد في كشمير. وعلى الرغم من أن
العمل الفدائي ضد الحكم الهندي في كشمير
كان دائماً يرمي إلى أكثر من بعد أخلاقي-
أي النضال فقط من أجل تقرير المصير- من
أن يكون حملة ذات طابع ديني سياسي ، إلا
أن ذلك بدأ يتغير بعد أن شددت طالبان
قبضتها على أفغانستان.
أخذت
طالبان الحاكمة لأفغانستان في إيواء
العديد من الجماعات المتمردة العاملة
في وسط وجنوب آسيا، وفي الشرق الأوسط
ومناطق أخرى. وبالإضافة إلى شبكة تنظيم
القاعدة السيئة السمعة والتي يتزعمها أسامة
بن لادن، استفادت جماعات مـن مثل"
مجاهدي خلق" من إيران، وجماعة سينكيانج/تركستان
الشرقية الجبهة التحريرية للصين،
والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وحزب
المجاهدين العامل في جامو كشمير،
استفادوا جميعاً من حسن ضيافة طالبان
لهم ومن التدريبات العسكرية التي
تلقوها داخل أفغانستان.
وطبقا
لما أفادت به المصادر الهندية فإن عدد
المتسللين منذ صيف 1992 من أفغانيين
ورعايا دول أجنبية من ضمنها
أفغانستان، باكستان، الجزائر، مصر،
الأردن، وتونس وصل إلى ما يقرب حوالي 2000
متسلل.
وفي
مايو عام 2000 ، ادعى وزير خارجية الجبهة
المتحدة الدكتور عبد الله عبد الله بـأن
"حوالي 5000 باكستاني يتدربون في
معسكرات تديرها طالبان للتدريب على حرب
العصابات والإرهاب في إقليم كشمير
الواقع تحت السيطرة الهندية". وقد
أصرت الجبهة المتحدة بأنها ستقوم
بإغلاق جميع معسكرات التدريب لدى إلحاق
الهزيمة بطالبان.
لقد
أضاف اختطاف المقاتلين الكشميريين
لطائرة الخطوط الجوية الهندية في يناير
عام 1999 حافزاً لمعارضة حكم طالبان. وقد
أجبرت الطائرة أخيراً على الهبوط في "قندهار"
وقتل راكب واحد. وكان لزاما على الهند –
من أجل إطلاق سراح ركاب الطائرة
الباقيين وعددهم 155 راكبا- أن تفرج عن
ثلاثة مقاتلين كشميريين سجنوا في الهند.
وقد منح الخاطفون لجوءاً سياسياً داخل
أفغانستان. وقد أدى هذا الحادث إلى
إحراج فعلي للهند، وزاد من كره الهند
الشديد لطالبان، ودفع "نيودلهي"
أكثر إلى الميل نحو الجبهة المتحدة.
ومنذ
هجمات الحادي عشر من سبتمبر على واشنطن
ونيويورك، تصر الهند على أن الجماعات
الكشميرية الفدائية مثل "لشكر طيبة"
لها علاقة وثيقة مع طالبان وتنظيم
القاعدة.
وأفاد
الصحفي الهندي رول بيدي بأن
الولايات المتحدة "قد قدمت دليلاً
قاطعاً على وجود حوالي 120 معسكر تدريب
تديره المخابرات الداخلية الموجودة في
باكستان وأفغانستان، وأن بعض الجماعات
مثل "لشكر طيبة"
تمول من قبل تنظيم القاعدة الذي
يرأسه أسامة بن لادن".
وأفاد
بيدي كذلك أن وزير الخارجية والدفاع
الهندي"جاسوانت سنج" قد صرح
بأنه تم اعتراض رسائل عبر الراديو من
أفغانستان يأمر فيها الملا محمد عمر-الزعيم
الروحي لطالبان- جميع أعضاء جماعة "لشكر
طيبة" بالعودة من باكستان
وكشمير إلى أفغانستان للدفاع عنها إزاء
أي هجوم بري تشنه الولايات المتحدة
وقوات التحالف، عقب بدء العمليات
العسكرية في 7/10/2001. فمن غير الواضح كيف
استطاع العديد من أعضاء هذه الجماعات
تلبية نداء الملا عمر.
وكانت
الهند قلقة أيضا بسبب سعي هذه الجماعات
المقاتلة لتصدير الجهاد –الذي يشنوه
داخل كشمير التي تحتلها الهند- إلى
أجزاء أخرى من الدولة.
وتصرّ
الجماعات الكشميرية مثل جماعة "مركز
الدعوة والإرشاد" وحركة المجتهدين،
و"بدر"، بأن تحرير كشمير ماهو
إلا أحد المطالب في برنامج الجماعات،
وأن تحرير "حيدر آباد" و "جنغاد"
-كلاهما مدينتان إسلاميتان هنديتان
هامتان- ينبغي أن يتبعها وأن يصاحب ذلك
تأسيس دولتين هنديتين مستقلتين ضمن
حدود الأراضي الهندية في الشمال
والجنوب.
ويأتي
دعم باكستان السابق لطالبان ضمن مخاوف
الهند المباشرة حول محور القتال
الكشميري والطالباني.
لقد
كانت سياسة الهند ذات أثر في مساعدة
الحركة بالظهور في أفغانستان. فبالنسبة
لباكستان ، كانت ترى أن طالبان سوف تؤسس
حكومة في كابول تتعاطف مع اهتمامات
إسلام آباد. وهذا بحد ذاته سوف يدعم
القوة العسكرية لباكستان بالعمق
الاستراتيجي المرغوب به كثيراً. وكانت
إسلام آباد ترى أن هذا العمق
الاستراتيجي يرمي لجعل باكستان قادرة
على طلب المساعدة العسكرية من طالبان في
أوقات الأزمات أو في حالة النزاع مع
الهند. وفي الوقت نفسه، تمثل طالبان
المكان المجدي الذي تستطيع عن طريقه
جماعة "لشكر طيبة" من تنظيم وتسليح
وتدريب المتمردين الموالين لباكستان
للتسلل إلى كشمير التي تحتلها الهند.
إن
دعم الهند للجبهة المتحدة يؤيد- في جزء
منه على الأقل- المثل القديم القائل: "عدو
عدوي صديقي". إن علاقات الهند
القوية مع حكومة رباني، ووعود الجبهة
المتحدة بإغلاق جميع معسكرات التدريب
للمقاتلين الكشميريين قد دفع الهند
لتقديم الدعم. كما أدى غضب الجبهة
المتحدة بسبب تمويل باكستان لطالبان
إلى إيجاد مبرر لتقديم الهند المساعدة
للجبهة المتحدة. فالهند تود أن ترى
حكومة في كابول تتعاطف مع مخاوفها، وإن
علاقات الهند الجيدة مع إيران سوف تدعو
لأن تصبح باكستان فعلياً محاطة من جميع
الجهات بحكومات حليفة للهند؛ وترى نيودلهي
أنها بذلك قد حددت سياستها، وهذا
بالتالي سيتيح فرصة ضئيلة للمناورة.
مخاوف روسيا
إن
الدعم الهندي للجبهة المتحدة ينسجم
بصورة كلية مع علاقات روسيا بالجبهة.
فروسيا تتمتع –مثل الهند- بعلاقات طيبة
مع حكومة رباني السابقة لطالبان. إذ
تعتبر أن حكم رباني أكثر اعتدالاً، لذلك
فحكومة رباني تبدو أنها أكثر توافقاً مع
مخاوف موسكو.
إن
انتشار الدين الإسلامي الأصولي من
أفغانستان إلى الدول المجاورة لدول
آسيا الوسطى مثل "أوزبكستان"، "تاجكستان"،
و"تركمستان" غالباً ما يدل على
مخاوف روسيا الحساسة، ويدعو موسكو لأن
تشعر بالخوف منه وخاصة بسبب استمرار
الحرب إزاء المتمردين الإسلاميين في
الشيشان.
تشعر
موسكو كذلك بالامتعاض لوجود معسكرات
تدريب العصابات في أفغانستان
وهي تتمنى – كما تتمنى الهند- بأن تغلق
الجبهة المتحدة هذه المعسكرات لدى
القضاء على طالبان. وقد لوحظت هذه
الأمنية عندما حررت الجبهة مزار شريف،
هراة، قندوز، وكابول، ولدى مهاجمة
القوات الجوية الأمريكية "معسكرات
تدريب الإرهابيين". إذ كان يعتقد أن
العديد من هذه المعسكرات كانت تقوم
بتدريب المقاتلين الشيشان. وقد يكون
لهذه المعسكرات علاقات مع تنظيم
القاعدة.
إن
نجاح الحرب في أفغانستان قد يساعد أيضا
على تهدئة المخاوف الروسية من حصول
طالبان على موطئ قدم لها في آسيا الوسطى.
تُعتَبر
دول آسيا الوسطى موطناً للعديد من الروس
العرقيين، كما أنها تحتوي على معسكرات
روسية ذات أهمية. وبالتالي فإن روسيا
تخشى قيام أي انقلاب من قبل العناصر
الإسلامية في المناطق الجنوبية
المجاورة لها وهذا قد يؤدي إلى وجود
أنظمة تتعاطف مع طالبان الموجودة في
الحدود الجنوبية، وأن ما ينتج عن الهجرة
الجماعية للروس العرقيين يعني تدفق 10
ملايين لاجئ يصلون إلى عتبة روسيا الأم.
إن
هذا الاحتمال، بالإضافة إلى المخاوف من
الشيشان، حمل روسيا -مثل الهند- على
القيام بحماية ما تراهن عليه وذلك بأن
تدعم الجبهة المتحدة. وقد أدى موقف
الجبهة المتحدة الأكثر اعتدالاً
وبتعهدها بكبح جماح تدريب الإرهابيين ،
لأن تكون المرشح الأكيد لتلقي دعم موسكو.
تعزيز الجبهة المتحدة
تبلور
الدعم الهندي والروسي للجبهة المتحدة
في عام 1995 عندما نشأت حركة طالبان وبدأت
في الاستيلاء السريع على أفغانستان. ودق
ناقوس الخطر في موسكو ونيودلهي لدى
استيلاء طالبان على المدينة الغربية هراة
في سبتمبر من تلك السنة. في الوقت الذي
كانت فيه روسيا تصدر بشكل متقطع
التجهيزات إلى حكومة رباني، دخلت الهند
فجأة إلى ميدان النزاع وأرسلت إمدادات
غير عسكرية عن طريق إيران. واستمر الدعم
العسكري لكل من الهند و روسيا طوال عام
1996.
وفي
مطلع ذلك العام زادت روسيا عدد القواعد
الجوية التابعة للجبهة المتحدة في شمال
شرق العاصمة الأفغانية طالقان
المتاخمة للحدود الأفغانية التاجيكية.
أدت
المساعدة الروسية إلى تمكين الجبهة
المتحدة من بناء جسر جوي يربط مابين "طالقان"
و "كولوب" وهي قاعدة جوية روسية
في جنوب تاجكستان بحيث سمح للجبهة
باستخدامها وذلك لإعادة عملية الإمداد
وأن تكون نقطة انطلاق لجناحها الجوي.
واستمر التطوير الروسي للمجالات الجوية
داخل أفغانستان وقد ازداد الدافع لذلك
عام 1996بعد سقوط كابول وطرد حكومة رباني
من العاصمة.
كما
ساعدت الهند الجبهة المتحدة في عملية
صيانة جناحها الجوي. وقد قام حوالي 30
فنياً هنديا بصيانة مجموعة طائرات
الجبهة المتحدة القليلة العدد وهي من
طراز" سوخوي" و "ميغ" ، وهذه
الطائرات الحربية مماثلة للطائرات في
سلاح القوة الجوية الهندية. كما قامت
الهند بتزويد الجبهة المتحدة بمستشارين
عسكريين قاموا بمساعدتهم في كيفية
استخدام الأساليب الفنية الحربية ذات
المستوى العالـي، وتم تزويدهم بأجهزة
متخصصة تبلغ قيمتها مابين (6-10 ملايين
دولار). ويتفوق الجيش الهندي في استخدام
هذه الأساليب الحربية، وهذا يرجع دون شك
إلى خبرته في القتال في منطقة أعالي
كشمير.
قام
الجنرال أحمد شاه مسعود قائد الجبهة
المتحدة في أكتوبر عام 2000 بعقد اجتماعات
مع وزير الدفاع الروسي"ايغور
سيرجيف" الذي وعد بتقديم مساعدة
عسكرية إضافية ومساعدة الجبهة المتحدة
في إعادة الاستيلاء على عاصمتها
السابقة "طالقان" (وقد تم ذلك
أخيرا في نوفمبر عام 2001). واستمرت
محادثات مسعود مع سيرجي حتى مطلع عام 2001.
وقد التقى "أسد بانشير" في هذا
الوقت مع نظيره الروسي في "دوشنبه"
في تاجكستان. وكانت هذه المحادثات مجدية
للغاية، إذ زودت الجبهة المتحدة بدفعة
من الدبابات والناقلات المدرعة، وهي
سوفيتية الصنع ومن الطراز القديم، على
الرغم أنه من الواضح أن هذا الطراز
القديم مفضل عادة عن الطراز الأكثر
حداثة (حيث أن العديد من قواد الجبهة
المتحدة من المجاهدين السابقين -حرب
العصابا- الذين قاتلوا الجيش السوفيتي
خلال الاحتلال، لديهم خبرة واسعة في
تشغيل المعدات السوفيتية المستولى
عليها).
وكما
أشار مؤخراً وزير الدفاع الروسي الحالي
"سيرجي إيمانوف" بأن تحالف
الشمال يحبذ كثيراً الأسلحة السوفيتية
الصنع، وأنه بالتأكيد بارع في
استخدامها، وأعلن بصراحة أنه لا يريد
أية أسلحة أخرى حتى الأسلحة الروسية
الحديثة الصنع".
وحذت
الهند حذو روسيا إذ قامت بعد ذلك بزيادة
مساعدتها للجبهة المتحدة في مطلع عام 2001،
على الرغم من أنها استمرت في تقديم
الدعم العسكري غير الفتاك. وقد أصر أحمد
شاه مسعود على طلب 20 طائرة نقل مروحية
على الأقل في عملياته ضد طالبان، وأن
يتم كذلك إمداد جهات التحالف في
أفغانستان بقوات وعتاد. واستجابت الهند
بتقديم 4 طائرات، واتخذت ترتيبات بتأجير
5 طائرات شاحنة من طراز Cline
An-32. كما
أرسلت نيودلهي مهندسين إلى جنوب "بدخشان"
للمساعدة في تجديد مهبط الطائرات، وقيل
أن الهند قامت بإمداد الجبهة المتحدة
بالمال وذلك عبر سفارتها في طهران، على
الرغم من صعوبة معرفة المبالغ الصحيحة
التي قدمت لهم.
لقد
أدت الهجمات الإرهابية على الولايات
المتحدة في 11 سبتمبر 2001، وما تبعها من
حملة عسكرية تحالفية، إلى أن تعزز روسيا
من دعمها للجبهة المتحدة (وبدأت
الولايات المتحدة بتقديم الدعم للجبهة
المتحدة حيث قدمت لها المال لشراء أسلحة
من روسيا). وأعلن الرئيس الروسي بوتن
في الثالث من أكتوبر عن زيادة الدعم
الروسي للجبهة التي كان يطلق عليها اسم
"حكومة الرئيس برهان الدين رباني
الشرعية".
وفي
السابع والعشرين من أكتوبر وعدت موسكو
بتزويد قوات التمرد بدبابات ( 40-T-55)
وبحوالي 100 ناقلة مدرعة وعربات
استطلاعية، وعربات مشاة قتالية، حيث
بدأ التسليم فوراً واستمر طوال العام.
وقد جاءت هذه الوعود من قبل موسكو عقب
الاجتماعات التي عقدت بين الجنرال محمد
فهيم القائد الجديد للجبهة المتحدة
وزير الدفاع الجديد في حكومة رباني وبين
الجنرال أناتولي كوفاشن القائد
الأعلى للأركان في دوشنبه. وكان
الجنرال محمد فهيم قد تولى هذا المنصب
عقب الإصابة المميتة التي حلت بأحمد شاه
مسعود أثناء هجوم قيل أن تنظيم القاعدة
قد نفذه في التاسع من سبتمبر.
وقد
انتشرت تقارير مفادها أن روسيا كانت
تقدم في مطلع شهر أكتوبر أكثر من دعم
ظاهري للمعدات العسكرية للجبهة المتحدة.
إذ رأت بعض المصادر أن موسكو قد قامت
بالفعل بتقديم الدعم للجبهة بقوات
روسية كانت تساعد المتمردين أثناء
توجههم إلى كابول. ويعتقد أن ذلك كان
أمراً ظاهرياً لرد اعتبار موسكو التي
أعلنت أن الحملة العسكرية الدولية ضد
طالبان لم تكن تدار بشكل واسع من قبل
الولايات المتحدة فقط. إذ ثبت أيضا أنها
كانت محاولة من قبل روسيا لتؤكد أن لها
مقعداً على المائدة التي سيتم فيها رسم
مستقبل أفغانستان السياسي والذي يعني
لها (أي روسيا) التأكد من الإزاحة التامة
لطالبان من المسرح السياسي في
أفغانستان وأن يكون للجبهة المتحدة
المنصب السياسي القيادي.
استعادة
الأحداث الماضية
إن
دعم روسيا والهند الطويل الأمد للجبهة
المتحدة كان له دون شك أثر واضح على
التحالف المتمرد. لقد غابت أفغانستان عن
أنظار رادار واشنطن عقب الانسحاب
السوفييتي عام 1989، ولم تول الولايات
المتحدة اهتماماً كبيراً إلى الحرب
الضروس التي هيمنت على أفغانستان وعلى
ظهور طالبان وتقدمها النهائي.
قامت
الولايات المتحدة- التي مدت المجاهدين
خلال الاحتلال السوفيتي بملايين
الدولارات على شكل معدات دفاعية- بإعادة
توجيه أنظارها لأنها أصبحت متورطة
بعمليات عسكرية في الخليج العربي وفي
يوغسلافيا سابقاً.
قامت
الشركات الأمريكية بتقديم عروض اتفاقية
إلى حكومة طالبان، تهدف بذلك إلى ضمان
حقوق النقل المربحة من أجل نقل الغاز
الطبيعي والبترول من بحر قزوين وذلك عبر
أفغانستان. ومع ذلك ظهرت أفغانستان
ثانية في عام 1998 وبشكل واقعي على مسرح
الرادار. فقد تم تدمير سفارات الولايات
المتحدة في دار السلام، تنزانيا، وفي
نيروبي، كينيا، بواسطة انفجار عربات
نقل ضخمة في ذلك العام. وقامت الولايات
المتحدة بالانتقام وشنت هجوما
بالصواريخ على ما تعتقده مراكز تدريب
الإرهابيين بالقرب من "خوست" شرق
أفغانستان التي كان يديرها المنشق
السعودي الذي لم يكن معروفاً سابقاً
واسمه "أسامة بن لادن"، حيث اعتبر
تنظيمه القاعدة مسؤولاً عن تفجير
السفارات. قامت واشنطن بعد ذلك بدعم
جهود الأمم المتحدة بوضع حكم طالبان تحت
العقوبات الاقتصادية نظراً لإيوائها
أسامة بن لادن. ولم تقم واشنطن بعد ذلك
بشكل مستمر بتقديم الدعم إلى الحكومة
السابقة سواء أكان مالياً أو على شكل
معدات. وبذلك بقيت روسيا والهند تدعمان
الجبهة المتحدة التي نالت حصة ضئيلة من
أفغانستان، فقد احتلت مابين 5% إلى 10% من
أراضي طالبان.
وتبين
أن نيودلهي و روسيا وطهران تدعم الجهة
التي هي غير جديرة بالدعم. ففي بعض
الأحيان كانت تلك الدول قد اتهمت بأنها
عملت على إطالة الحرب، وقيل أن أسلحتها
ودعمها كانت تساعد على استمرار الصراع
القائم. وقد اقتنع النقاد بأنه على
الرغم من أن طالبان كانت مكروهة إلا أن
الحرب كانت أسوأ وأن إلحاق الهزيمة
بالجبهة المتحدة قد يدعو إلى نشر السلام
في البلاد. ومن الضروري بمكان أن أذكر أن
دعم روسيا والهند بدا أنه مجرد مقامرة
نظراً لعدم التأكد من أن الجبهة المتحدة
قد تعيد احتلال البلد ثانية. وبدا أن
الهند و روسيا قد خسرتا أخيراً
مراهنتهما على التاسع من سبتمبر عندما
قتل أحمد شاه مسعود. فقد كان ينظر إلى
مسعود على أنه الشخصية الوحيدة القادرة
على توحيد الجبهة المتحدة ضد طالبان.
وبعد ساعات من الهجوم، بدا أن الجبهة
المتحدة قد تتفكك أوصالها بسبب احتدام
شجار مرير بين الأحزاب المتعددة.
إن
نكبة الحادي عشر من سبتمبر قد أدت إلى
عدم حدوث ذلك التفكك.
فقد أعلنت واشنطن أن تنظيم القاعدة
الذي يتزعمه أسامة بن لادن هو المسؤول
الرئيسي عن الاعتداءات التي حدثت ضد
الولايات المتحدة، وكذلك طالبان التي
كانت تؤوي هذا التنظيم وكانت تشاطره في
ارتكاب الاعتداء، وقد أدى الهجوم الجوي
للحلفاء الذي بدأ في 7 أكتوبر إلى القضاء
على طالبان في حين ارتفعت معنويات
الجبهة المتحدة إلى مستوى لم يسبق له
مثيل. كان ذلك نقطة الانطلاق العسكري
الذي كانت الجبهة تتطلع إليه. وشرعت
القوات المتمردة فيما بعد بالقيام
باختراق مثير من مناطقهم في شمال شرق
أفغانستان وقامت باحتلال أكثر من نصف
البلاد ومن ضمنها العاصمة كابول ومدينة
مزار شربف في أقل من أسبوع.
توقيع
عقد الإيجار
أثبتت
الاستراتيجية الروسية والهندية أنها
على صواب. فقد ساعدت الإمدادات والدعم
المقدم من كلا البلدين الجبهة المتحدة
في الصمود أمام وجه السيطرة الساحقة
لطالبان. وقد أدى دعمهما وخاصة عملية
التسليم الأخيرة للأسلحة من روسيا إلى
تصعيد سرعة تقدم الجبهة عبر أفغانستان.
وعلاوة على ذلك، هناك أمر مثير للجدل
وهو وجود حوافز خارجة عن نطاق سيطرة كل
من الهند و موسكو دفعتهما لهذا التصرف.
وعندما قررت الولايات المتحدة مهاجمة
طالبان وتنظيم القاعدة، قضي على هاتين
الحركتين تماما.
إن
القضاء التام على طالبان باستخدام
القوة الجوية سمح لقوات الجبهة المتحدة
بعبور أفغانستان دون وجود أي تحديات،
واستطاعت الهند و روسيا أن تبرهنا على
أنه لولا دعمهما لما استطاعت الجبهة
المتحدة من إلحاق الهزيمة بطالبان،
ولولا دعم الجبهة المتحدة لكان لزاماً
على واشنطن ولندن أن تنشرا أعداداً
كبيرة من القوات البرية لشن غزو مرير و
ساحق للقضاء على طالبان وإنهاء تنظيم
القاعدة واعتقال قادتها، وأن تفرض بعض
القوانين والأنظمة نظر لحدوث فراغ في
السلطة. وبسبب هذا الدعم المجدي تتوقع
الهند و روسيا-دون شك- أن يكون لهما دور
في مستقبل أفغانستان وبطرد طالبان من
كابول، وتتوقع روسيا إغلاق مراكز
التدريب الشيشانية وبذا يتم وضع حد
للتهديد الذي يشكل خطراً على آسيا
الوسطى. وترى الهند أن الجبهة المتحدة
من المحتمل أيضا أن تغلق المعسكرات التي
تقوم بتدريب المقاتلين للتسلل إلى
المناطق الخاضعة لها في كشمير. إضافة
إلى ذلك، من المحتمل أن تتعامل موسكو
ونيودلهي –إذا شكلت الجبهة المتحدة
المحور المستقبلي لحكومة أفغانستان- مع
الحكومة الأكثر انسجاماً وتعاطفا مع
سياستهما.
وبالطبع،
فإن اجتياح الجبهة المتحدة للبلاد لا
يشكل نهاية لصراع استمر أكثر من 20 عاما.
وقد تتمزق الجبهة المتحدة وتغادر
البلاد بلا حكومة، ودون أية دلائل
حقيقية على إعادة بناء أفغانستان. وربما
يكتب لها بألا يكون لها حكومة. فهذا لن
يخدم مصالح الولايات المتحدة أو جيران
أفغانستان، ولاسيما الهند و روسيا. ولا
توجد ضمانات لأن تستمر الجبهة المتحدة
–عندما تصل إلى السلطة- للاذعان إلى
رغبـات موسكو و الـهند، وكما يقول المثل
المحلي الأفغاني "يمكنك أن تستأجر
أفغاني، ولكن لا تستطيع شراءه".
Withington,Thomas,
"The Other Allies: Russia, India, and Afghanistan’s United
Front," Current History, January 2002
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق