الإمام الشوكاني *
القسم الأول
ميلاده ونشأته
هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني . والشوكاني نسبة إلى عدني شوكان ، أو إلى هجرة شوكان [1] ، وهما اسمان لقرية واحدة ، بينها وبين صنعاء دون مسافة يوم ، وهي نسبة والده . والصنعاني نسبة إلى صنعاء .
ولد بهجرة شوكان « حسبما وُجد بخط والده ، في وسط نهار يوم الاثنين الثامن والعشروين من شهر القعدة سنة 1173 هـ [2] » ، ولا مجال للاختلاف في تاريخ ميلاده بعد هذه النص من والده [3] .
وكان والده قاضي صنعاء ، ومن العلماء البارزين فيها ، فيه طيبة وصلاح تجعل من يعرفه حق المعرفة يتيقن أنه من أولياء الله ، ولعل هذا كان له أثره في حياة ابنه بعد ذلك .
نشأ بصنعاء فقرأ القرآن وجوَّده على جماعة من مشايخ القراء بصنعاء ، وفي أثناء ذلك كان قد حفظ عدة مختصرات : في الفقه والنحو ، والعروض ، وآداب البحث وعلوم اللغة ، وطالعَ عدة كتب من كتب التاريخ والأدب ، ثم شرع في طلب العلم فدرس على والده ، وعلى البارزين من العماء في عصره في مختلف العلوم : الدينية ، واللسانية ، والعقلية ، والرياضي ، والفلكية . وظل كما يقول : يأخذ عن شيوخه حتى استوفى كل ما عندهم من كتب ، بل زاد في قراءاته الخاصة على ماليس عندهم ، وكان طلبه للعلم في صنعاء نفسها ، لم يرحل عنها على عادة طلاب العلم لعدم إذن أبويه له في الرحلة ، فكان عند إذنهما .
وكان في أثناء دراسته يُلقي ما يأخذه عن مشايخه إلى تلاميذه الذين اجتمعوا عليه ، وهو لا يزال في دور الطلب الأول ، ولذلك كانت دروسه تبلغ في اليوم والليلة ثلاثة عشر درساً ، منها ما يأخذه عن أساتذته ، ومنها ما يلقيه ع لى تلاميذه .
ثم تفرغ لإفادة طلاب العلم ، فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس كما قال : في فنون متعددة كالتفسير والحديث والأصول والمعاني والبيان ، والمنطق . وتقدم للإفتاء وهو في نحو العشرين من عمره ، وكانت ترد عليه الفتاوى من خارج صنعاء ، وشيوخه إذ ذاك أحياء ، وكاد الإفتاء يدور عليه وحده ، وهو في هذه السن .
وقد أحاط – إلى جانب العلوم العربية الدينية – بالعلوم الرياضية والطبيعية والإلهية ، وعلم الهيئة ، والمناظرة والوضع ، وحده دون معلم مباشر ، ودرّس هذه العلوم أيضاً لتلاميذه .
وفي الجملة ، فقد درس دراسة واسعة ، واطلع اطلاعاً يندر أن يحيط به غيره ، فليس من المستطاع سرد ما درسه من كتب ، أو استجازه من مراجع . ومن يرجع إلى كتابه – مثلاً – (إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر) يدرك مدى ما كان عليه هذا الرجل من تنوّع في الثقافة ، واتساع فيها . وقد برع في كل ذلك تقريباً ، وصنف ودرس فيه . ولا غرو أنْ رأينا بعض كتاب التراجم يعرّف به فيقول : مفسر ، محدث ، فقيه ، أصولي ، مؤرخ ، أديب ، نحوي ، منطقي ، متكلم ، حكيم [4] .
حياته العلمية والعامة
وقد أعانته هذه الثقافة الواسعة والعمية ، وذكاؤه الخارق ، إلى جانب اتقانه للحديث الشريف وعلومه ، على الاتجاه وجهة اجتهادية ، وخلْعِ ربقة التقليد ، وهو دون الثلاثين ، وكان قبل ذلك على المذهب الزيدي ، وصار علماً من أعلام الاجتهاد ، وأكبر داعية إلى ترك التقليد ، وأخْذ الأحكام اجتهاداً من الكتاب والسنة ، فهو بذلك يعد طليعة المجددين والمجتهدين في العصر الحديث ، ومن الذين شاركوا في إيقاظ الأمة الإسلامية والعربية في هذا العصر .
وقد أحس بوطأة الجمود ، وجناية التقليد الذي ران على الأمة الإسلامية من بعد القرن الرابع الهجري ، وأثر هذا كله في زلزلة العقيدة الإسلامية ، واعتناق البدع والاعتقاد في الخرافات وشيوعها ، وتحلل الناس من التعاليم الدينية ، وانكبابهم عل ىالموبقات والمنكرات ، مما جعله يشرع قلمه ولسانه في وجه الجمود والتقليد ، ويقف حياته على محاولة تغيير هذه الأوضاع الفاسدة ، وتطهير تلك العقائد الباطلة ، فكتب للعلماء تارة ، وللعوام أخرى ، وللسلاطين ثالثة ، ومما كتبه في ذلك إلى الحاكم أو إمام المسلمين في اليمن وغيره اليمن وهو لا يزال بعيداً عن الحياة السياسية ، رسالة بعنوان « الدواء العاجل في دفع العدو الصائل » ، بيّن فيها أن الفتنة لا تنزل بالبلاد ، ولا يتغلب عدوها عليها ، إلا بسبب ما عليه أهلها من معاصٍ ، وذلك على سبيل العقوبة لهم ، وقد وقع هذا في الإسلام ، فقد سلط الله على أهله « طوائف من عدوهم عقوبة لهم ، حيث لم ينتهوا عن المنكرات ، ولم يحرصوا على العمل بالشريعة المطهرة ، كما وقع من تسليط الخوارج ، ثم تسليط القرامطة والباطنية ، ثم تسليط الترك ، وكما يقع كثيراً من تسليط الفرنج ونحوه » [5] .
وهو يصنف حال الشعب المحكوم إلى ثلاثة أصناف : « رعايا يأتمرون بأمر الدولة ، وينتهون بنهيها ، وأكثر هؤلاء لا يحسنون الصلاة ، فمنهم من تركها كلية ، ومنهم من أداها بطريقة غير مقبولة ، وكذلك الصيام ، فربما لا يكمل شهر رمضان صوماً إلا القليل ، وكثيراً ما يأتي هؤلاء بألفاظ كفرية كالحلف بالطلاق ، والخلف بالخروج من الدين ، والاستغاثة بغير الله تعالى ، من نبي أو رجل من الأموات » [6] .
والقسم الثاني ، وهم بقية البلاد الإسلامية ، التي ليس للدولة عليها سلطان ، كبلاد القبلة ، والشرق ونحو ذلك « ممن لم يسكنوا المدن ، وهؤلاء الأمر فيهم أشد وأفظع ، فإنهم جميعاً لا يحسنون الصلاة والقراءة . وبالجملة فالفرائض الشرعية بأسرها من غير فرق بين أركان الإسلام الخمسة وغيرها مهجورة عندهم ، بل كلمة الشهادة قد ضاعت من ألسنتهم فضلاً عن قلوبهم وسط الانشغال بأوليائهم من أصحاب القبور وممن يدعون الصلاح فيهم » [7] .
وأما القسم الثالث : وهو الساكنون في المدن ، فهم وإن كانوا أقرب من هذين إلى الخير ، إلا أن غالبهم عامة جهّال ، يهملون كثيراً مما أوجبه الله عليهم من الفرائض ، جهلاً وتساهلاً ، « فهم لا يحسنون أركان الصلاة ، ويتعاملون في بيعهم وشرائهم بطرق يخالفون فيها المسلك الشرعي ، وكثيراً ما يقع منهم الربا ، ويتكلمون بالألفاظ الكفرية ، وينهمك كثير منهم في معاص صغيرة وكبيرة ، ومع ذلك فهم أقرب الناس إلى الخير ، وأسرعهم قبولاً للتعليم ، إذا وجدوا مَن يعزم عليهم عزيمة مستمرة دائمة » [8] . ثم يوجّه النداء إلى الحاكم وأنه هو المسئول المباشر عن هؤلاء جميعاً فيقول : « والواجب على إمام المسلمين ، وعلى أعوانه ، افتقاد هؤلاء ، والبحث عن مباشرتهم ، وعن كيفية معاملتهم ممن يتولون عليهم » . ويختم هذه الرسالة بقوله : « والله المسئول أن يلهم إمام المسلمين ، أقام الله به أركان الدين ، القيامَ بما أرشدناه إليه في هذه الرسالة ، وإبلاغ الجهد في أحوال هذه الأحكام التي ذكرناها ، فإنه إذا فعل ذلك صلحت له أحوال الدين والدنيا ، ودفع الله عن رعاياه كل محنة ، ولم يسلط عليهم عدواً قط كائناً من كان » [9] .
ولا شك في أن تحوّل هذه الأمة الإسلامية إلى تلك الحالة من الأعمال لا يكون إلا عن نبذها لكتاب الله وسنة رسوله ، وتوضهم عنها بمقالات أصحاب المذاهب السابقين ومَن تبعهم من العلماء الذين جمدوا على آراء هؤلاء السابقين ، واتخذوا التشيع عقيدة ، والتصوف مذهباً [10] . ومن هنا وقف على مواطن الداء ، وأخذ يشخص الدواء ، فبيّن أن الرجوع إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو الطريق الوحيد لصلاح الدين والدنيا ، وأن على علماء الدين أن يزنوا أقوالهم وأفعالهم بميزان الكتاب والسنة ، لا بأقوال سلفهم ممن هم مثلهم ، بل ربما أقل من مستواهم في العلم والتفكير ، وفرض الحياة العلمية والكتابية ، وأن هذه هي الروح الاجتهادية التي دعا إليها القرآن الكريم وسار عليها الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح . وعلى الشعب أن يزن أفعاله بميزان الكتاب والسنة ا الذي لا يتعارض مع ميزان العقل الصحيح . وعلى هذا الأساس صدر في دعوته إلى عودة الاتجاه الاجتهادي ، فصارت كل بحوثه ومؤلفاته على هذا الأساس ، ووجدنا فيها العناية كل العناية بالكتاب والسنة ، والمساهمة في إحياء علومها ، سواء منها ما هو عقلي ، أو لساني وبياني ، أو تاريخي . ويمكن أن نتبيّن أبعاد هذه الحياة العلمية العملية في ثلاثة خطوط بارزة :
1) دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد .
2) دعوته إلى العقيدة السلفية في بساطتها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم .
3) دعوته إلى تطهير العقيدة وتنقيتها من مظاهر الشرك الخفي .
(1) دعوته إلى الاجتهاد
لقد ذهب إلى أن ترك الاجتهاد من القادر عليه كفر وشرك ، لأنه تعطيل لكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإحلال لقول صاحب المذهب محلّهما [11] .
والإمام الشوكاني في هذا يعبّر عن الروح الاجتهادية لدى الأئمة السابقين ، وإن كان قد تشدد في الحكم على المقلد القادر على الاجتهاد بالشرك . فمثلاً ، نرى الإمام الغزالي [12] يوجب الاجتهاد على القادرين عليه دون أن يُدينه بالشرك ، أو الكفر ، إذا أصرّ على التقليد ، لأن الذي وصل إلى درجة الاجتهاد « غير عاجز ، فلا يكون في معنى العاجز ، فينبغي أن يطلب الحق بنفسه ، فإنه يجوز الخطأ على العالِم بوضع الاجتهاد في غير محله ، كما أنه يجوز على المجتهد أيضاً الذي نقلده أن يبادر بالحكم قبل استتمام الاجتهاد ، والغفلة عن دليل قاطع ، والعالم المقلد قادر على معرفة ما يعرفه إمامه الذي يقلده ، ومن الممكن أن يتوصل بنفسه إلى ما يريده ، إما إلى درجة اليقين ، وإما إلى الظن ، فكيف يبني الأمر على عماية كالعميان ، وهو بصير بنفسه ؟ » [13] .
ويحمل على هؤلاء المقلدين الذين يبلغ بهم التعصب لإمامهم أن يعتقدوا فيه العصمة عن الخطأ في الأحكام ، مع أن المجتهدين أنفسهم لا يدعون العصمة « أو يعدون الحق وقفاً عليهم » [14] .
وكذلك يرى الإمام الشوكني أن القدرة على الاجتهاد ليست بالأمر الذي يتطلب تفوقاً في الإحاطة بعلوم الاجتهاد وعلم السنة ، بل يكفي في ذلك أن يكون على علم من لغة العرب ، بحيث يستطيع به أن يفهم كتاب الله العزيز ، بعد أن يقوِّم لسانه بشيء من علم النحو والصرف ، وبعض من مهمات كليات أصول الفقه ، واطلاع عن كتب السنة المطهرة التي جمعها الأئمة المعتبرون ، كالصحيحين وما يلتحق بهما مما التزم فيه مصنفوه الصحة ، أو جمعوا فيه بين الصحيح وغيره مع البيان لما هو صحيح ، ولما هو حسن ، ولما هو ضعيف . « ولا يشترط في هذا أن تكون الأحاديث مخفوظة له ، بل يكون ممن يتمكن من استخراجها من مواطنها عند الحاجة » [15] ، وهو لا يرى بعد ذلك ضرورة الإحاطة بعلوم البلاغة لفهم كتاب الله ، فإنه يغني عنها ما عليه المجتهد من معرفة باللغة والنحو والصرف والأصول . وأما علوم البلاغة فإنها ليست لازمة لاستخراج الأحكام ، وإنما هي لمعرفة بلاغة القرآن الكريم ، وما عليه من إعجاز .
فالتبحر في هذه العلوم ليس مراداً للقدرة على الاجتهاد ، ولا مانع منه عند الإمكان ، فإن به فقط يظهر التفاوت بين المجتهدين . وإلى مثل هذا التبسيط ذهب الشيخ الظاهري في دعوته الإصلاحية أخيراً [16] . هذا بالنسبة للعلماء المختصين . وأما غيرهم لا يجوز لهم التقليد أيضاً ، ولا أخذ آراء الآخرين دون دليل ؛ بل لا بد أن يسألوا أهل الذكر عن الأحكام ويسْتَروُونهم النصوص في ذلك ، ويطلبون منهم الأدلة على ما يقولون ، وإلا كانوا مقلدين أيضاً ، لأن التقليد ، كما أجمع عليه العلماء ، هو أخذ رأي الغير دون دليله ، وأما من يطلب الدليل فقد ارتفع على مستوى التقليد وأصبح قريباً من رتبة الاجتهاد ، فهذا صنف ثالث بين المجتهدين والمقلدين ، وهو من رتبة وسط بينهما ، فهو عامل بدليل بواسطة مجتهد . وهذا الصنف كان موجوداً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، وهو غالب السلف الصالح وهم خير القرون ، ومن أنكر هذا وقال : إن جميع الصحابة كانوا مجتهدين ، أو مقلدين ، فقد أعظم الفرية ، وجاء بما لا يقبله عارف .
وهو في ذلك أقرب إلى روح الدين التي تخاطب في الإنسان عقله وتفكيره من الإمام الغزالي الذي لا يرى الأمر إلا أحد وجهين : إما اجتهاد للقادر عليه ، وإما تقليد للعامي أو الذي لم يصل إلى درجة الاجتهاد من المتعلمين . وعلى هذا فالإمام الغزالي يبيح التقليد بلفظه ومعناه ويجعل له شروطاً وأوضاعاً يلتزمها المقلد في أخذه عن غيره [17] .
والإمام الشوكاني يواجه المقلدين في العالم الإسلامي بكلام أئمتهم الأوائل الذين اجتهدوا لآرائهم بأنهم من الممتنع عليهم ، بل من المحرم أن يقلدوهم في تلك الآراء ، بل يقارنوا بينها وبين الحديث ؛ فإذا صحّ الحديث فهو مذهبهم ، هذا هو رأي مالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل وغيرهم من علماء الاجتهاد ، سواء كانوا من مذاهبهم أو على مذاهب أخرى [18] . وهو في هذا قريب من الإمام الغزالي الذي يواجه المقلدين من العلماء بأنهم يقلدون من لا يرى لنفسه مزية على غيره ، أو أنه قد أصاب الحق من جميع وجوهه [19] . وفي القطر اليمين يواجههم بالإمام الذي قلدوه وبآرائه وهو الإمام الهادي يحيى بن الحسين [20] ، وأنه « صرَّح تصريحاً ، لا يبقى عنده شك ولا شبهة ، بمنع التقليد له ، وهذه مقالة مشهورة في الديار اليمنية ، يعلمها مقلدوه فضلاً عن غيرهم ، ولكنهم قلدوه شاء أم أبى ، وقالوا : قد قلدوه وإن كان لا يجوز ذلك عملاً بما قاله بعض المتأخرين : أنه يجوز تقليد الإمام الهادي ، وإنْ منع من التقليد . وهذا من أغرب ما يطرق سمعك ، وبهذا تعرف أن مؤلفات أتباع الإمام الهادي في الأصول والفروع – وإن صرحوا في بعضها بجواز التقليد – فهو على غير مذهب إمامهم ، وهذا لما وقع لغيرهم من أهل المذاهب » [21] .
والإمام الشوكاني يرى أن المقلدين بإصرارهم على التقليد يخرجون على منطق الحياة ، وسنن الكون ، فإنهم قد ادّعوا أن الله قد « رفع ما تفضل به على مَن قبلهم من الأئمة كمالَ الفهم ، وقوة الإدراك ، والاستعداد للمعارف . وهذه دعوى من أبطل الباطلات ، بل هي جهالة من الجهالات ، فإن نهاية العالم ليست كبدايته ، بل هو سائر في طريق التطور والكمال والنضج العقلي عن طريق ازدياد المعارف وتطورها [22] » ، وهو في هذا يتفق مع ديكارت الذي يرى « أن العلم يتقدم دائماً نحو مرتبة نسبية من الكمال ، وأن عظماء الرجال هم الذين يأتون دائماً بآراء جديدة » [23] .
ثم هناك دعوى أخرى يدَّعيها المقلدون ليبرروا بها قعودهم عن الاجتهاد وهي أن العلم كان ميسراً لمن كان قبلهم ، ولكنه الآن أصبح تحصيله صعباً عليهم وعلى أهل عصورهم المتأخرة .
ولكن الإمام الشوكاني يرى أن هذه دعوى باطلة أيضاً « فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين تيسيراً لم يكن للسابقين ، لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دُوِّنت وصارت في الكثرة إلى حد لا يمكن حصره ، وكذلك السنة المطهرة . وتكلم الأئمة في التفسير والتجريح والتصحيح والترجيح بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد ، وقد كان السلف الصالح ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد من قطر إلى قطر ، فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجتهاد على المتقدمين ، ولا يخالف في هذا من له فهم صحيح وعقل سويّ » [24] .
هذه إشارة إلى رأيه في الاجتهاد والتقليد ، وعنوان لروح مذهبه ، وهو في ذكل عالم أصيل متمكن ، مقتنع بما هو يقول ، متحمس له ، من باب التديُّن والمحافظة على الكتاب والسنة ، وهو يقول في ذلك : « والذي أدين الله به أنه لا رخصة لمن علم من لغة العرب ما يفهم به كتاب الله بعد أن يقيم لسانه بشيء من علم النحو والصرف وشطر من مهمات كليات أصول الفقه ، في ترك العمل بما يفهمه من آيات الكتاب العزيز ، أو السنة المطهرة ، ولا يحل التمسك بما يخالفه من الرأي سواء كاء قائله واحداً ، أو جماعة ، أو الجمهور » [25] .
نجد هذه الروح القوية في جميع كتبه التي وصلتنا والتي ألفت في علوم الكتاب والسنة جميعها ، مما يجعل منه مجاهداً كبيراً في هذا الميدان ، لا مجرد عالم صاحب دعوة وكفى . وقد وقف بعض كتبه على بيان وجوب الاجتهاد وعدم جواز التقليد ، مثل : كتاب « السيل الجرار » ، وكتاب « أدب الطلب ومنتهى الأرب » ، وكتاب « القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد » ، و« بغية المستفيد في الرد على من أنكر الاجتهاد من أهل التقليد » . بل لقد بلغ به دفاعه للمقلدين وتأكيده لفكرته في تطور العلم دائماً وسيره نحو الكمال ، أن ألف كتاباً للتراجم ، كدليل عملي وواقعي على أن باب الاجتهاد لم ينسدّ ، وأنه مفتوح إلى يوم الدين ، ذلك هو كتابه المشهور « البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع » ذكر فيه أصنافاً من المجتهدين ، أو ممن فاقوا رتبه الاجتهاد ، كإبطالٍ لفكرة انتهاء الاجتهاد بانتهاء القرن السادس الهجري ، وفي ذلك يقول : « فإنه لما شاء على ألسن جماعة من الرعاع اختصاص سلف هذه الأمة بإحراز فضيلة السبق في العلوم دون خلَفِها ، حتى اشتهر عن جماعة من أهل هذه المذاهب الأربعة تعذُّر وجود مجتهد بعد المائة السادسة ، كما نُقِل عن البعض ، أو بعد المائة السابعة ، كما زعمه آخرون ... حداني ذلك إلى وضع كتاب يشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم مما بلغني خبره إلى عصرنا هذا ، ليعلم صاحب تلك المقالة أن الله ، وله المنة ، قد تفضل على الخلف ، كما تفضل على السلف ، بل ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف« فإنه لما شاء على ألسن جماعة من الرعاع اختصاص سلف هذه الأمة بإحراز فضيلة السبق في العلوم دون خلَفِها ، حتى اشتهر عن جماعة من أهل هذه المذاهب الأربعة تعذُّر وجود مجتهد بعد المائة السادسة ، كما نُقِل عن البعض ، أو بعد المائة السابعة ، كما زعمه آخرون ... حداني ذلك إلى وضع كتاب يشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم مما بلغني خبره إلى عصرنا هذا ، ليعلم صاحب تلك المقالة أن الله ، وله المنة ، قد تفضل على الخلف ، كما تفضل على السلف ، بل ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية على اختلاف أنواعها من يقل نظيره من أهل العصور المتقدمة ، كما سيقف على ذلك مَن أمعن النظر في هذا الكتاب » [26] .
وقد وقف جزءاً من هذا الكتاب موضع التحقيق والدراسة ، وهو « قطر الولي على حديث الولي » على ذلك أيضاً [27] ، وبيّن فيه جهاده مع المقلدين وما رآه منهم وما قاله فيهم ، وأشار إلى أنه رأى منهم الكثير ، وقال فيهم من الشعر ما صوّر به حاله وحالهم ، وأودع ذلك كله كتابَه المتقدم : « أدب الطلب ومنتهى الأرب » .
ومن قوله في ذلك :
يا غارقينَ بشؤم الجهلِ في بدع * ونافرين عن الهدى القويم ، هُدوا
ما باجتهادِ فتى في العلم منقصة * النقص في الجهل لا حياكم الصمدُ
لا تنكروا مورداً عذباً لشاربه * إن كان لابد من إنكاره فَرِدُوا
وهذا بالنسبة للمقلدين من الزيدية [28] وغيرهم ، أما بقية علماء الزيدية ، وهم كثرة ، فكانوا على الاجتهاد ، وعلى تقدير وإجلال للشوكاني ، كما كانوا هم أيضاً موضع إجلاله وثنائه ، وفيهم يقول : « فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عدداً يجاوز الوصف ، يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة ، ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثة ، وما يلتحق بها من دواوين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام ، ولا يرفعون للتقليد رأساً ، بل هم على نمط السلف الصالح » [29] .
وربما كان متأثراً في اجتهاده ببعض شخصيات المجتهدين السابقين منهم ، كالسيد محمد بن إبراهيم بن الوزير [30] الذي ترجم له ترجمة حافلة ، وأثنى عليه ثناء عاطراً [31] .
كما كان له منهم التلاميذ الكثيرون ، معاصرون ومتأخرون ، وقد وفوا له ولمبادئه [32] ، ويكفي أن يكون منهم السيد محمد بن محمد زباره ، الذي يرجع إليه الفضل في نشر كتبه هنا في مصر ، وتعريف المصريين به ، كما أن الأئمة الحاكمين كانوا أسرع إلى اقتناء كتبه وروايتها والمحافظة عليها [33] ، وبلغ بهم أن جعلوا ما كان منها في مكتبة صنعاء ضمن الكتب التي لا يجوز خروجها من المكتبة ، حرصاً عليها ومحافظة [34] .
(2) الدعوة إلى عقيدة السلف في الأصول
يرى الإمام الشوكاني « أن طرق المتكلمين لا توصل إلى يقين ، ولا يمكن أن تصيب الحق فيما هدفت إليه ، لأن معظمها قام على أصول ظنية ، لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل ، والفرية على الفطرة ، فكل فريق منهم قد جعل له أصولاً تخالف ما عليه الآخر ، وقد أقام هذه الأصول على ما رآه عنده هو صحيحاً من حكم عقله الخاص المبني على نظره القاصر ، فبطُلَ عنده ما صح عند غيره ، وقاسوا بهذه الأصول المتعارضة كلام الله ورسوله في الإلهيات وما يتصل بها من العقائد ، فأصبح كل منهم يعتقد نقيض ما يعتقده الآخر ، وكل منهم يزعم أن العقل يقتضي ما يعتقده . وحاشا العقل الصحيح السليم عن تغير ما فطره الله عليه ، أن يتعقل الشيء ونقيضه ، فإن اجتماع النقيضين محال عند جميع العقلاء ، فكيف تقتضي عقول بعض العقلاء أحد النقيضين ، وعقول البعض الآخر النقيض بعد ذلك الاجتماع ؟ وما هذا الأمر إلا الغلط البحث الناشئ من العصبية » [35] . ثم جعلوا هذه الأصول معياراً لصفات الرب تعالى ، فأثبتوا لله تعالى الشيء ونقيضه ، ولم ينظروا إلى ما وصف الله به نفسه ، وما وصف به رسوله « بل أن وجدوا ذلك موافقاً لما تعقلوه ، جعلوه مؤيداً له ومقوياً ، وقالوا قد ورد دليل السمع مطابقاً لدليل العقل ، وإن وجدوه مخالفاً لما تعقلوه جعلوه وارداً على خلاف الأصل ومتشابهاً ، وغير معقول المعنى ولا ظاهر الدلالة . ثم قابلهم المخالف لهم بنقيض قولهم فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلاف ما تعقله خصمه وجعل ذلك أصلاً يرد إليه أدلة الكتاب والسنة ، وجعل المتشابه عند أولئك محكماً عنده ، والمخالف لدليل العقل عندهم موافقاً له عنده » [36] ، فوقعوا في التناقض أمام فهم كتاب الله العزيز ، إلى جانب ما ذهبوا إليه من الباطل . ومن مظاهر ذلك ما وقع فيه المعتزلة من مبدأ نفي الصفات بناءً على مبدئهم في التنزيه ، وما غلا فيه الأشعرية من الوقوع في التجسيم ، بناء على ما ذهبوا إليه من التأويل والمبالغة في الاثبات [37] . ويحيل الإمام الشوكاني إلى جانب ذلك على بعض المسائل التي تجلّى فيها هذا الخطأ وذلك التناقض فيقول : « وإن كنتَ تشك في هذا فراجع كتب الكلام ، وانظر المسائل التي قد صارت عند أهله من المراكز ، كمسألة التحسين والتوبيخ ، وخلق الأفعال ، وتكليف ما لا يُطاق ، ومسألة خلق القرآن ، فإنك تجد ما حكيتُه لك بعينه » [38] .
ويرى أستاذنا محمود قاسم أن هذا الاختلاف والتناقض بين علماء الكلام طبيعي « طالما كانوا ينهجون منهج الجدل ، وطالما ينسون في كثير من الأحيان أنه لا يحق للباحث في مسائل الدين أن يطبق الاعتبارات الإنسانية على الأمور الإلهية » ، وهذه هي علة التناقض والاختلاف عندهم [39] .
لذلك كان المسلك القويم في الإلهيات والإيمان بما جاء فيها هو مسلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، مِن حمْل صفات الباري على ظاهرها ، وفهم الآيات والأحاديث على ما يوحيه المعنى اللغوي العام ، وعدم الخوض في تأويلها ، والإيمان بها على ذلك دون تكلف ولا تعسف ولا تشبيه ولا تعطيل ، وإثبات ما أثبته الله لنفسه من صفاته على وجه لا يعلمه إلا هو ، فإنه القائل : ( ليس كمثلهِ شيءٌ وهو السميعُ البصيرُ ) فأثبت لنفسه صفة السمع والبصر مع نفي المماثلة للحوادث في الوقت نفسه [40] ، وأن القرآن عربي ، وخاطب قوماً عرباً على الفطرة ؛ فلا داعي للتطرق إلى ما وراء اللغة من عقليات مخترعة ، بل الواجب فهمه في ضوء ما جاءت به اللغة ، وما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم من شرح وإيضاح .
وينتهي الغزالي وابن رشد إلى مثل ما سينتهي إليه الشوكاني من قصور علم الكلام عن أن يُكسِب الناس الإيمان عن طريق تلك الأدله الجدلية [41] التي لا تصلح للجمهور ولا للعلماء ، فإنها بعيدة عن أن تكون « طرقاً نظرية يقينية ، ولا طرقاً شرعية يقينية » ، وهذه الأخيرة هي الطرق التي جاء بها الكتاب العزيز ليفهم عن طريقها الخاصةُ والعامةُ ، « وذلك أن الطرق الشرعية إذا تؤمِّلت وجدت في الأكثر قد جمعت وصفين : أحدهما أنْ تكون يقينية ، والثاني أن تكون بسيطة غير مركبة ، أعني قليلة المقدمات ، فتكون نتائجها قريبة من المقدمات الأولى » [42] . أما أدلة المتكلمين في تعقيداتها وتشعيباتها وعدم قيامها على أسس يقينية فإنها غالباً ما يلزمها شكوك عويصة « لا يتخلص منها العلماء المهرة بعلم الكلام فضلاً عن العامة » [43] . ولأجل هذا فقد صرّح الإمام الغزالي « بأن الخوض في علم الكلام حرام لكثرة الآفة فيه » [44] ، وأن الواجب الرجوع إلى طريقة السلف ، لأن مذهبهم هو الحق [45] .
ويمكن أن نعتبر هذا رداً لما ذهب إليه أبو الحسن الأشعري من استحسان الخوض في علم الكلام ، وادعى أنه اجتهاد وهو جائز ، وأنه أولى بالجواز من أحكام حوادث الفروع « لأن حكم مسائل الشرع التي طريقها السمع أن تكون مردودة إلى أصول الشرع الذي طريقه السمع ، وحكم مسائل العقليات والمحسوسات أن يرد كل شيء من ذلك إلى بابه » [46] ، ثم يجعل أيضاً براهين المتكلمين صورة من براهين القرآن [47] في إثبات وجود الله ووحدانيته .
وغني عن البيان أن يقلب الحقائق بذلك ، فإن الفروع ليست من السمعيات ، وإنما الأصول هي التي منها ، كما أن موازين علم الكلام ليست من موازين القرآن الكريم في شيء ، كما هو واضح في « القسطاس المستقيم » للغزالي وغيره .
والإمام الشوكاني يجعل عمدته في الدعوة إلى مذهب السلف هاتين الآيتين الكريمتين ، قوله تعالى : ( ليسَ كمثله شيءٌ وهوالسميعُ البصير ) وقوله : ( ولا يُحيطون به علماً ) ، ففيهما الإثبات والنفي : إثباتُ صفات الباري ونفي مماثلة هذه الصفات للحوادث ، ثم تقييد هذا الإثبات بظاهر ما صرّحت به الآيات وأجملته ؛ والزجرُ عن الخوض في كيفية هذه الصفات ، فإن الله سبحانه قد أخبرنا أنهم لا يُحيطون به علماً ، فمن زعم أن ذاته كذا أو صفته كذا فلا شك أن صحة ذلك متوقفة على الإحاطة ، وقد نفيت عن كل فرد من الأفراد [48] : ( ولا يُحيطونَ به علماً ) .
تجد هذا المذهب مثبوتاً في تضاعيف كتبه ، وقد أفرد له بعض الرسائل مثل رسالة « التحف في مذهب السلف » ، و « كشف الشبهات عن المشتبهات » .
وقد اعتنق هذا المذهب اجتهاداً لا تقليداً ، فقد كان في بادئ أمره عليه ، ولكنه أراد أن يزداد به بصيرة ، فتحوَّل بعض الوقت إلى علم الكلام وأكب على مؤلفات طوائفه المختلفة ، وشغل بها زمناً ، فلم يظفر بشيء ولم يستفد غير الخيبة والحيرة ، وهو يقول في ذلك : « ولتعلم أني لم أقل هذا تقليداً لبغض من أرشدني إلى ترك الاشتغال بهذا الفن ، كما وقع لجماعة من محققي العلماء ، بل قلتُ هذا بعد تضييع برهة من العمر في الاشتغال به ، وإحفاء السؤال لمن يعرفه ، والأخذ عن المشهورين به ، والإكباب على مطالعة كثير من مختصراته ومطولاته ، حتى قلتُ عند الوقوف على حقيقته من أبيات ، منها :
وغاية ما حصلته من مباحثي * ومن نظري من بعد طولِ تدبير
هو الوقف ما بين الطريقين حيرة * فما علم من لم يلق غير التحيُّرِ
على أنني قد خضت منه غمارة * ولم أرتضَ فيه بدون التبحُّرِ
يتبع...
ترجمة الإمام محمد بن علي الشوكاني
القسم الثاني
(3) دعوته إلى تطهير الاعتقاد
رأى الإمام الشوكاني ما أدخله غلاة الشيعة والصوفية على العقيدة الإسلامية من جراء رفعهم للقبور ، وبناء للقباب وتجميلها على الأموات من أئمتهم وأوليائهم ، وجرّهم العامة إلى زيارتها والتبرك بها ، والتوسل بأصحابها واعتقادهم فيهم القدرة على الضرر والنفع ، وشيوع هذا في الناس وتأصله فيهم ، وميلهم بهذا عن دعوة الله ، إلى دعوة هؤلاء الأموات والعكوف على قبورهم ، وطوافهم بها وتعظيمها والذبح لهم والنذر إليهم ، فأعلن أن هذا كفر صراح ، ولا يمكن أن يتفق مع شهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) فإنّ مقتضى هذه الشهادة ألا يعتقد إنسان في غيره أنه يستطيع أن يفعل له يختص الله وحده بالقدرة على فعله ، وألا يأتي من الأعمال ، ولا من العبادات ، ما يشعر بهذا الاعتقاد ، وأنه من الواجب على كل مسلم أن يخلص شهادة التوحيد لله . وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله ، والنداء والاستعانة والرجاء واستجلاب الخير واستدفاع الشر له ومنه لا لغيره : « فلا تدعوا مع الله أحداً » [49] ، « له دعوةُ الحق ، والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء » [50] ، « وعلى الله فليتوكل المؤمنون » [51] [52] . هذا دعاء القرآن نحو إخلاص الدين ، أو التوحيد لله .
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن رفع القبور ، أو بناء المساجد عليها أو بالقرب منها ، وبين أن هذا من خصال الذين ضلوا من النصارى واليهود من قبل ، فإنهم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً .
ويرد على أئمة الشيعة أنفسهم بما أخرجه مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي عليّ : « ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تدعَ صورة إلا طمستَها ، ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيتَه » [53] .
ويبين أن بناء القبور ورفع القباب عليها ، وتجميلها على ما هو متبع الآن من شأنه أنيوحي بالعظمة في نفس الزائر من العوام ، فيقع في الكفر من حيث لا يشعر « فقد ذهب بعض أهل مكة إلىالقبة المقامة على قبر الإمام أحمد بن الحسين (صاحب ذي بين) فرآها وهي موقدة بالشموع ، والبخور والطيب ينفخ في جوانبها ،وعلى القبر الستور الفائقة ، فقال عند وصوله إلى الباب: أمسيتَ بالخير يا أرحم الراحمين » [54] . ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاءة القبور ، أو بنائها بالجص أي الجير ، وما يشبهه .
وعبادة الأوثان ، والأصنام قديماً ، قد تطورت في كثير من الأحوال عن مثل هذه الأبنية على الصالحين عند العرب ، وعند قوم نوح ، فاللات اسم رجل صالح كان يلت للحجاج السويق ، فمات فعكفوا على قبره . « وفي الصحيح عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى : « ولا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوثَ ويعوقَ ونسراً » قال : هذه أسماء رجال من قوم نوح ، لما هلكوا ، أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم ، التي كان يجلسون عليها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم يُعبَدوا حتى إذا هلكوا ونُسِيَ العلم عُبدَت . وقال غير واحد من السلف : لما ماتوا عكفوا على قبورهم » [55] .
وهو يجهر بهذه الدعوة للعوام والخواص . ومما كتبه يشنع فيه على بعض الخواص مممن نسوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وانساقوا وراء التعصب والتقليد ، رسالةً بعنوان « شرح الصدور بتحريم رفع القبور » وهو على عادته يجعل المسألة التي تدور عليها هذه الرسالة صورة من صور الاجتهاد ، أو من الرد إلى كتاب الله وسنةالرسول عند الاختلاف أو عند إرادة الحكم الصحيح ، فيقول : « ولنجعل هذه المسألة التي جعلناها مثالاً لما ذكرناه ، وإيضاحاً لما أمليناه : هي المسألة التي لهج بالكلام فيها أهلُ عصرنا ومصرنا ، خصوصاً في هذه الأيام لأسباب لا تخفى ،وهي : مسألة رفع القبور والبناء عليها ، كما يفعله الناس من بناء المساجد والقباب على القبور » [56] . وهذه المسألة هي الرد على الإمام (يحيى بن حمزة) [57] في قوله : لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء والملوك لاستعمال المسلمين ، ولم يُنكَر . فيثبت أن هذا أول نداء بهذه البدعة صدر في الديار اليمنية ، ثم تتابع المؤلفون في الفقه بهذا التصريح والجواز وراءه تقليداً له واقتداء به . وهو يُبطل هذه الفتوى بإبطال أدلتها التي أسندها بها صاحبها ، وهي (استعمال المسلمين ، ولم ينكر) فإن استعمال المسلمين أو عدم إنكارهم ، إذا تعارض مع الكتاب أو السنة ، كان ذلك الاستعمال باطلاً ، فإن المرجع في الجواز وعدمه هو كتاب الله وسنة الرسول : « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول » [58] . وقد ظهر في الكتاب والسنةأن هذه أعمال تتساوى مع الكفر ومع عبادة الأصنام .وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « كل أمر ليس عليه أمرنا فهو ردّ » [59] . ثم إن علماء المسلمين في كل عصر ، ما زالوا يروون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعن مَن فعل ذلك ويقررون شريعة الإسلام في تحريم ذلك في مدارسهم ومجالس حفاظهم ، يرويها الآخر عن الأول والصغير عن الكبير » [60] .
وبهذا يرينا كيف أن التقليد وترك الاجتهاد كان له أيضاً مدخل في تشويه العقيدة والإخلاص بإخلاص التوحيد لله ، وأن الطريق إلى تصحيح العقيدة هو الرجوع إلى الكتاب والسنة في كل عمل أو اعتقاد .
وقد رأى الإمام الشوكاني أن إخلاص التوحيد ، أو النطق بشهادة « أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله » على وجهها ، هو الطريق إلى أداء العبادات ، ثم أداء الأعمال اليومية على وجهها بمراقبة الله فيها ، وأن المجتمع لا يمكن أن يستفيد من إيمانه إو إسلامه في حياة الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية ، إلا إذا كانت هذه الشهادة خالصة من مظاهر الشرك ، فهنا يمكن أن ينتفع الإنسان من هذه الشهادة ديناً ودنيا ، وأنه ما أخر المسلمين ، وقعد بهم عن الاستمرار في نهضتهم وعزتهم ، إلا تحريف هذه الشهادة ، وحيلولة مظاهر الشرك بينها وبين حلولها في القلب أو حلولها ، ولكن بزيغ وتشويه ، وأن هذه هي علة المسلمين اليوم ، والتي وراء كل جمود وتأخر وذلة [61] .
وقد أخذت هذه الدعوة منه حيزاً كبيراً بحيث صار فيها في اليمن إماماً ، كابن عبد الوهاب في الحجاز من قبل ، وابن تيمية في مصر والشام ، ولاقى من جرائها الكثير من المتعصبين ومن المقلدين ، ورُمِي بالنصب من أجلها ، ومن أجل دعوته إلى الاجتهاد والرجوع بالتشريع إلى طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
ولكن طبيعة سلوكه ترد عليهم ، فإنه لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يصلّ عليه إلا وصلى على آله أيضاً معه ، نرى هذا واضحاً في كتبه التي وصلتنا ، كما تراه أيضاً في كتابه الذي ألفه بعنوان « در السحاب في مناقب القرابة والأصحاب » فقد جمع فيه كل ما وصلت إليه يده ، مما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم في فضائل علي رضي الله عنه وزوجه فاطمة وأولادها رضي الله عنهم .
(الشوكاني) وابن تيمية وابن عبد الوهاب
وهو في هذا ليس متأثراً بابن تيمية ولا بابن عبد الوهاب كما يتبادر إلى الذهن ، وإنما سعة إحاطته بالسنة وكثرة رصيده من محفوظها ، ثم تشبّعه بالناحية العقلية التي امتاز بها الزيدية في عمومهم ، وغلبة الروح الاجتهادية عليهم ، هو الذي أثر فيه ووجّهه هذه الوجهة القويمة ، كما كان لنشأته الصالحة في كنف والده الصالح أثر كبير في ذلك ، وأثار هذه الروح وأبرز هذه الوجهة ما سمعه في العالم الإسلامي ، وما رآه في قطره من مظاهر الخروج على الكتاب والسنة من جمود ومن تشويه في العقيدة فنهض يدعو إلى كتاب الله ويرشد إلى طريق النهضة بكل ما أوتي من علم ومن سلطان .
وقد ظهر لنا هذا الاستقلال في تلك الدعوة ، من النظر في نشأته عموماً ، وفي موقفه من دعوة ابن عبد الوهاب ورأيه فيه ، وفي ابن تيمية ، فرغم أنه ينتهي في النهاية إلى ما قاله ابن عبد الوهاب إلاأنه قد وضح في رده على خلفه سعود بن عبد العزيز في إحدى قصائده أن له اتجاهاً خاصاً يختلف شيئاً ما عن ابن عبد الوهاب ،وأنه إذا كان قد جعل التوسل بالأولياء وزيارة قبورهم كفراً بعد ذلك في غير هذه القصيدة [62] فإنما هذه لعقيدته الخاصة ودراسته الشخصية ، فيقول في هذه القصيدة مخاطباً أهل نجد بعد أن وصل إليه منهم ما أوجبها :
نردّ إلى الكتاب إلى اختلفنا * مقالتنا ، وليس لذا جحود
مضى خير القرون ، ومن تلاه * ولا قيل ، ولا قال ولود
لهم من حلة الإنصاف حَلى * ولبس الهدى لهم برود
وما قالوا بتكفير لقوم * لهم بدع على الإسلام سود
وما قالوا بأن الرفض كفر * وبدعته تشق لها الجلود
فكيف يقال قد كفرت أناس * يرى لقبورهم حجر وعود
فإن قالوا أتى أمر صحيح * بتسوية القبور فلا جحود
ولكن ذاك ذنب ليس كفراً * ولا فسقاً فهل في ذا ردود
وإلا كان من يعصي بذنب * كفراً ، إن ذا قول شرود
ولي في ذا كتاب قمتُ فيه * مقاماً ليس ينكره الحسود
وقد سارت به الركبان شرقاً * وغرباً لم ترد فيه ردود [63]
وهكذا يصرح في هذه القصيدة بأنه لم يصل إلى نفس الرأي الذي وصل إليه أتباع ابن عبد الوهاب ، وأنه إذا كان قد ساواهم في شيء فإنما هو قد وصل إليه قبل أن يعرفهم .
كما أن بلوغ الشوكاني مرتبة النضج العلمي والعقلي في سن مبكرة ، ووصوله إلى مرتبة الاجتهاد وهو دون الثلاثين ، ومعاصرته لابن عبد الوهاب تقريباً [64] ، إذ أنه توفي والشوكاني سنه إذ ذاك ثلاث وثلاثون ، يعطي أن هذا عالم وذاك عالم ، هذا نشأ في صنعاء ، وذاك نشأ في الحجاز ، وكلاهما اتجه اتجاهاً مستقلاً عن الآخر ، في وقت متعاصر تقريباً ، وخاصة أن الإمام الشوكاني لم ينتقل من صنعاء .
فإذا كان هناك تطور في عقيدة الإمام الشوكاني ، وصل به إلى أن تساوى مع عقيدة ابن عبد الوهاب أو قرب منها ، فإنما هذا لاجتهاده الخاص ، ولا يعدو أن يكون مجرد توافق والتقاء طبيعي على نتيجة واحدة لمذهبين جعلا منهلهما واحداً : هو الكتاب والسنة ، وآثار السلف الصالح . وهكذا إذا كان المبدأ متحداً فلا بد أن تكون الغاية والنتيجة متشابهة .
ومن هنا فهو يلتقي مع ابن عبد الوهاب على الدعوة إلى تطهير الاعتقاد وكون كل منهما موجهاً للنهضة العلمية والدينية وجهة عقلية سلفية منتجة في العصر الحديث .
وبالنسبة لابن تيمية ، فالأمر يكاد أن يكون كذلك ، رغم أنه نقل عن هذا الأخير بعض نُقولٍ ، وتأثر به في اتجاهه التصوفي أخيراً ، كما هو واضح في « قطر الولي » [65] ، فإنه ترجم لابن تيمية في (البدر الطالع) ورغم أنه قد أعطاه حقه في الثناء إلا أنه لم يشر إلى أنه قد أخذ عنه شيئاً ، أو تأثر به أو انتفع به . ويبدو أن قراءته له بعد تكونه العلمي ،فإنه لم يشر في ترجمته لنفسه إلى كتب ابن تيمية ضمن الكتب التي قرأها وتتلمذ فيها أو عليها [66] ، وفي ذلك نفي لما يدعيه الشيخ عبد المتعال الصعيدي من أن الشوكاني كان مقلداً لابن تيمية وأنه لا يعتبر من المجتهدين [67] ، فهو كلام لشخص لم يخبر هذا الرجل ، وأغلب الظن أنه سمع عنه سماعاً مشوهاً أو قرأ له فقط ترجمته لابن تيمية ففهم من احتفائه به أنه مقلد له .
3 – أساتذته:
نذكر منهم :
1- والده علي بن محمد الشوكاني [68] .
2- السيد عبد الرحمن بن قاسم المداني [69] .
3- العلامة أحمد بن عامر الحدائي [70] .
4- السيد العلامة إسماعيل بن الحسن بن أحمد ابن الإمام القاسم بن محمد [71] .
5- العلامة القاسم بن يحيى الخولاني [72] .
6- العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي ، درس عليه كل شرح (إيساغوجي) للقاضي زكريا [73] .
7- العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي ، درس عليه شرح الشمسية للقطب وحاشيته للشريف [74] .
8- السيد الإمام عبد القادر بن أحمد الكوكباني [75] .
9- السيد الإمام علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن أحمد بن عامر [76] .
10- السيد العارف يحيى بن محمد الحوتي [77] .
11- القاضي عبد الرحمن بن حسن الأكوع [78] .
4- تلاميذه :
منهم :
1- السيد محمد بن محمد زبارة الحسني اليمني الصنعاني ، الذي ترجم للشوكاني في كتابه « نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر » والذي ساهم في نشر بعض مؤلفات الشوكاني في مصر ، وهم من الجيل الثاني من تلاميذ الشوكاني ، توفي سنة 1381 هـ ، وحوالي 1962 م .
2- محمد بن أحمد السودي ، ولد سنة 1178 ولازم الشوكاني منذ ابتداء طلبه إلى انتهائه . وقال فيه الشوكاني :
أعز المعالي أنت للدهر زينة * وأنت على رغم الحواسد ماجدُه
توفي سنة 1226 هـ .
3- محمد بن أحمد مشحم الصعدي الصنعاني ، وتولى القضاء في صنعاء وغيرها وأثنى عليه الشوكاني كثيراً . ولد سنة 1186 هـ ، وتوفي 1223 م .
4- السيد أحمد بن علي بن محسن بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم . ولد سنة 1150 هـ واشتغل بطلب العلم بعد أن قارب الخمسين ، ولازم الإمام الشوكاني نحو عشر سنين في الطلب . توفي سنة 1223 هـ .
5- السيد محمد بن محمد بن هاشم ين يحيى الشامي ثم الصنعاني . ولد سنة 1178 وتوفي سنة 1251 هـ .
6- عبد الرحمن بن أحمد البهكلي الضمدي الصبياني . ولد سنة 1180 هـ . درس على الشوكاني وغيره . ولكنه اختص بالشوكاني اختصاصاً كاملاً ، وكان من أولى تلاميذه له ، ولي القضاء . توفي سنة 1227 هـ .
7- أحمد بن عبد الله الضمدي ، ولد سنة 1174 هـ ، نسبة إلى « ضمد » . أخذ عن الشوكاني وغيره ، ولكن صلته به كانت أكثر . صار المرجع إليه في التدريس والإفتاء في « ضمد » وما حولها ، وله أسئلة عديدة إلى أستاذه الشوكاني أجاب له عنها في رسالة سمّاها (العقد المنضَّد في جيل مسائل علامة ضمَّد) [79] . وتوفي سنة 1222 هـ ..وقد نشرتُ هذه الرسالة ، أجوبتها وأسئلتها في كتاب (أمناء الشريعة) : مجموعة رسائل للإمام الشوكاني ، في دار النهضة العربية في القاهرة .
8- علي بن أحمد هاجر الصنعاني ، ولد تقريباً سنة 1180 هـ . تبحر في العلوم العقلية وأتقنها ودرس على الشوكاني في علم المنطق وغيره . قال عنه الشوكاني بالنسبة للمنطق : « هو يفهمه فهماً بديعاً ، ويتقنه إتقاناً عجيباً.. قلّ أن يوجد نظيره، مع صلابة في الدين » . توفي سنة 1235 هـ .
9- عبد الله بن محسن الحيمي ثم الصنعاني . ولد تقريباً سنة 1170 . درس على الشوكاني واستفاد منه في عدة فنون ، ونقل كثيراً من رسائله ، وهو من التلاميذ الذين لازموا الشوكاني ، وأحبهم وأحبوه . توفي بعد سنة 1240 هـ .
10- القاضي محمد بن حسن الشجني الذماري . ولد سنة 1200 هـ . سمع على القاضي محمد بن علي الشوكاني صاحب الترجمة ودرس عليه ، وأجازه إجازة عامة في رجب سنة 1239 هـ ، ويعتبر أول شخص ترجم للشوكاني بإفاضة ومن جميع نواحيه ، وذلك في كتابه (النقصار في جيد زمن علامة الأقاليم والأمصار) ويقصد بعلامة الأقاليم والأمصار أستاذه محمد بن علي الشوكاني هذا ، فجعل هذا الكتاب ثلاثة أقسام : الأول منها في ذكر ولادة شيخه هذا ونشأته وكيفية طلبه ، وخلاله وخصاله ، وذكر مؤلفاته وبعض رسائله ونظمه ؛ والثاني في تراجم مشايخه ؛ والثالث في تراجم تلامذته . وكان شاعراً أديباً بليغاً قال بعضُ من ترجموا له : « فهو الفرد الكامل والعماد الفاضل ، بل الذي ألقت إليه البلاغة زمامها... صار إمام أهل بلده في علوم الآلات علىاختلافها ... » توفي سنة 1286 هـ .
11- ابنه القاضي أحمد بن محمد الشوكاني . ولد في سنة 1229هـ ، « وكان له الاشتغال التام بمؤلفات والده ، حتى حاز من العلم السهم الوافر ، وانتفع به عدة من الأكابر ، وتولى القضاء العام بمدينة صنعاء ، وله مؤلفات مفيدة » [80] ، وكان أكبر علماء اليمن بعد والده ، توفي سنة 1281 هـ .
هذا ، وتلاميذ الشوكاني أكثر من أن يحصوا [81] ، وقد جمع أساتذته وتلاميذه في كتابه (الإعلام بالمشايخ والأعلام والتلامذة الكرام) . وهؤلاء هم تلاميذه المباشرون ، أما غير المباشرين فما أكثرهم ، ففي اليوم لا تزال مدرسته قائمة إلى اليوم على أقوى ما تكون ، ورجالها يضيق عنهم نطاق الحصر ، وكلهم على مبدأ الاجتهاد .
وقد كان الإمام الشوكاني محظوظاً ، أو كان الكتاب والسنة محظوطين على يديه ، إذ سريعاً ما انتشر مذهبه في الاجتهاد في الهند ، وباكستان على يد تلميذه الشيخ عبد الله بن فضل الهندي – كما يقال – وحمل منه لواء هذه الرسالة ، تلميذ الشوكاني غير المباشر والمتحمس له السيد محمد صديق حسن خان (1248 – 1307هـ) أمير مملكة بهوبال بالهند ، والذي كان مهتماً بنشر الكتب هناك .
ونلاحظ أنه معجب ، ومقدر غاية التقدير لأساتذته ، إلى جانب أنه يذكر تلاميذه بكثير من الفضل والثناء .
5 – كتبه :
(1) ومن الكتب التي لا تزال مخطوطة [82]
1- الأبحاث البديعة في وجوب الإجابة إلى أحكام الشريعة .
2- الأبحاث الرضية في الكلام على حديث حب الدنيا رأس كل خطية .
3- ابطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع .
4- الابطال لدعوى الاختلال في حل الإشكال : رد بها على بعض العلماء في رد هذا الأخير على رسالة الشوكاني : (حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال) . ينظر مقدمة فتح القدير (ص هـ) .
5- إتحاف المهرة في الكلام على حديث « لا عدوى ولا طيرة » .
6- « أدب الطلب ومنتهى الأرب » نسخة بخط المؤلف ومن وقْفه على مكتبة الجامع المقدس بصنعاء رقم (302) حديث . وقد حكى فيه ما وقع له مع المقلدين وتاريخ حياته كاملاً في طلب العلم ، وما الذي يجب أن يكون عليه طالب العلم وما يجب عليه أن يحصله [83] .
7- « إرشاد الأعيان إلى تصحيح ما في عقود الجمان » رسالة رد بها على السيد العلامة حسين بن يحيى الديلمي في اعتراضه على ما في كتاب الشوكاني
« عقود الجمان » [84] .
8- « إرشاد السائل إلى دلائل المسائل » ضمن محموع (13) مجاميع المتوكلية بصنعاء .
9- « إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي » ضمن مجموع (53) مجاميع المتوكلية . وقد أشار إليه في قطر الولي [85] ، وفيه يقول : فإني قد نقلت فيه نحو أربعة عشر إجماعاً لأئمة أهل البيت على تعظيمهم جانب الصحابة ، واتباعهم لهم ، وتمسّكهم بمذهبهم .
10- « إرشاد المستفيد إلى دفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقييد » .
11- « إشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين » .
12- « إطلاع أرباب الكلام على ما رسالة الجلال في الهلال من الاختلال » .
13- « الإعلان بالمشايخ الأعلام والتلامذة الكرام » جعله كالمعجم لشيوخه وتلاميذه [86] .
14- « إفادة السائل في العشر المسائل » رقم (3) من مجموع (59) مجاميع بالمتوكلية .
15- « أمنية المنشوق في تحقيق حكم المنطق » .
16- « إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات » .
17- « إيضاح القول في إثبات العول » .
19- « بحث فيما تفعله النساء من الإنشاءات » ضمن مجموع (50) مجاميع المتوكلية .
20- « بحث في الرد على الزمخشري ، في استحسان بيت المربة في سورة سبحان » 38 من مجموع (59) المتوكلية .
* ترجمة الشوكاني مقتبسة من مقدمة كتابه : «قطر الولي على حديث الولي» بقلم الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال ، وكتبها سنة 1397هـ (1977م) وقد جعلناها في قسمين لطولها (الفسطاط) .
[1] نلاحظ أنه نسب على غير قياس ، لأن النسب إلى المضاف يكون إلى صدره ، وقد قال الإمام الشوكاني : إنها «نسبة غير حقيقية» ص481 ج1 من البدر الطالع .
[2] المصدر المتقدم ص215 ج2 ويوافق سنة 1760م .
[3] قد ذهب البعض إلى تحديد ميلاده بتاريخ غير هذا التاريخ ، مثل السيد محمد صديق حسن خان ، والدكتور أحمد أمين . انظر : الأعلام للزركلي ج2 ص 190، ومعجم المؤلفين لكحالة ج11 ص3 ، وزعماء الإصلاح في العصر الحديث للدكتور أحمد أمين ص 19 طبعة سنة 1948.
[4] معجم المؤلفين لكحالة ج 11 ص 50.
[5] رسالة الدواء العاجل في دفع العدو الصائل ، ص 65 ، ضمن مجموعة أخرى ، طبع السنة المحمدية .
[6] المصدر المتقدم ، ص 56 .
[7] نفس المصدر ، ص 63 ، 64.
[8] المصدر المتقدم ص 70.
[9] نفس المصدر ، ص 72.
[10] الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ، ص 31 ، 32 .
[11] القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد ، ص 27 .
[12] هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي ، المتوفى سة 505 هـ.
[13] المستصفى في علم الأصول ص 122 ، وينظر أيضاً ص 102 – 124.
[14] دراسات في الفلسفة الإسلامية ، لأستاذي الدكتور محمود قاسم ، ص 70 (الغزالي ورأيه في العقل والتقليد) .
[15] البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع ، ص 85، 86 ؛ إرشاد الفحول في علم الأصول ، ص 221 ، قارِن : العلم والعلماء ص 138 للشيخ الظواهري .
[16] انظر العلم والعلماء ، ص 13 ، 14 .
[17] دراسات في الفلسفة الإسلامية ، ص88 ، 89 ؛ فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للإمام الغزالي ص 174 ضمن مجموعة القصور العوالي .
[18] القول المفيد ، ص 23 ؛ قطر الولي في (وجود الاجتهاد في المذاهب حجة على المقلدين) .
[19] انظر دراسات في الفلسفة الإسلامية ص 70 .
[20] ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب (رض). ولد عام 255 هـ بالمدينة المنورة ، وخرج إلى اليمن سنة 280هـ وملك ما بين صنعاء وصعدة ثمانية عشر عاماً ، وجاهد طاغي القرامطة عليها ابنَ الفضل ، ثم مات سنة 298 هـ ، وقد سمي الذين قلدوه بـ (المهدوية) نسبة إليه كما سمي أتباع الشافعي بالشافعية ، وأبي حنيفة بالحنفية... إلخ وفقههم بفقه المهدوية .
[21] القول المفيد ص 25 ، 26 .
[22] إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول ص 223 ، 224 ؛ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ج2 ، ص 84 ، 85 ؛ القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد ، ص26 ، 27 .
[23] المنطق الحديث لأستاذي الدكتور محمود قاسم ، ص 28 ، وانظر أيضاً ص 32 نسبية المنطق .
[24] إرشاد الفحول ، ص 223 ، 224 .
[25] البدر الطالع ج 2 ص 84 وما بعدها .
[26] البدر الطالع ج 1 ص 2 ، 3
[27] ينظر : حماية العلماء العاملين للأمة من التقليد .
[28] وعرف هؤلاء باسم الهدوية ، نسبة إلى الإمام الذي قلدوه رغماً عنه ، وهو الإمام الهادي يحيى بن الحسين آخر علماء المائة الثالثة بعد الهجرة في اليمن (القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد) ص 25 ، 26 ، وقد تقدمت ترجمة له فيما سبق .
[29] البدر الطالع ج2 ص82 ، قارن قطر الولي في : (أهل اليمن والاجتهاد) .
[30] (من سنة 775 – 840 هـ) نفس المصدر .
[31] ينظر نفس المصدر ص 81 ، 93 .
[32] وهو يقول في ذلك بعد حديثه عن كثرة المجتهدين في اليمن : «بل غالب الآخذين عنه ، وهم العدد الجم ، هم بهذه الصفة ، وعلى هذه الخصلة المحمودة» . قطر الولي في (أهل اليمن والاجتهاد) .
[33] كما في قطر الولي ينظر صفحة الغلاف والعنوان في المصر ، وينظر ص 2 من تفسير الشوكاني ج1 ففي بدئه يروي تلميذه محمد زبارة هذا التفسير عن سيف الإسلام أحمد بن قاسم بن عبد الله بن حميد الدين ع ن السيد الحافظ عبد الكريم بن عبد الله الحسني اليمني المتوفى سنة 1309هـ عن القاضي أحمد بن محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1281 عن أبيه .
[34] ينظر : نهاية فهرس الخزانة المتوكلية لمكتبة الجامع المقدس بصنعاء الموجود بدار الكتب المصرية .
[35] كشف الشبهات عن المشتبهات ، ص 22 ، 23.
[36] التحف في مذاهب السلف ، ص 50 ، 51.
[37] انظر رسالة الأشعري في استحسان الخوض في علم الكلام ص 10 ، 11 .
[38] كشف الشبهات ، ص 22 ، 23 .
[39] مقدمة في نقد علم الكلام ص 9 ، 10 من مناهج الأدلة في عقائد الملة .
[40] التحف في مذهب السلف ص 53 ؛ فتح القدير في علم التفسير ج1 ص514.
[41] ص71 وما بعدها من دراسات في الفلسفة الإسلامية ، وفيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للغوالي ص 173 ، 174 ضمن مجموعة القصور العوالي .
[42] منهاج الأدلة في عقائد الملة ص 148 – 143 .
[43] المصدر المتقدم ص 137 ، 133 ، وينظر الفصل الأول بأكملة الخاص بالبرهنة على وجود الله ، ففيه إبطال لأدلة المتكلمين بطريقة عملية .
[44] مصدره المتقدم ص 173.
[45] إلجام العوام عن علم الكلام ص 13 ، 33 .
[46] رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام ص 10 .
[47] المصدر المتقدم ص 3 – 9 .
[48] نفس المصدرين والصفحتين المتقدمتين ، والآية الأولى رقم (11) سورة الشورى ، والثانية رقم (119) سورة طه .
[49] سورة الجن ، آية 18.
[50] سورة الرعد ، آية 14 .
[51] سورة إبراهيم ، آية : 11
[52] الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ، ص 15 .
[53] المصدر المتقدم ، ص 14 ؛ شرح الصدور بتحريم رفع القبور ، ص 13 .
[54] نفس المصدر ، ص 17 ؛ الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ، ص 11 .
[55] المصدر المتقد م ، ص 11 ؛ الدراري المضيئة للشوكاني أيضاً ، ج1 ص 248 – 249 . وقارن كشف الشبهات لابن عبد الوهاب ، مطبعة السنة المحمدية ص 6 .
[56] ص 7 من الرسالة المذكورة ، شرح الصدور بتحريم رفع القبور ، ص 12 .
[57] من كبار أئمة الزيدية في اليمن في القرن الثامن الهجري ، ولد عام 669 وتوفي سنة 747 هـ .
[58] سورة النساء ، آية 59 .
[59] شرح الصدور بتحريم رفع القبور ، ص 9 وما بعدها .
[60] نفس المصدر ، ص 23 وما قبلها .
[61] رسالة الدواء العاجل في دفع العدو الصائل ، ص 62 ، 63 ، 68 وما بعدها . الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ، ص 13 ، 15 ، 19.
[62] انظر شرح الصدور ص 17، 19، 20، 21 ؛ الدر النضيد طبعة الدمشقي سنة 1351 ، ص 61، 17، 20، 21، 26، 27.
[63] نيل الوطر للشيخ محمد زبارة ص 299 – 302 ،وهي إحدى المكاتبات التي جرت بينه وبينهم .
[64] إذ أن ابن عبد الوهاب ولد سنة 1115 هـ ، وتوفي سنة 1206 هـ ، والشوكاني (1173 – 1250 هـ) .
[65] ينظر « العنوان الخاض بأفضل الأولياء وطبقات الأولياء » ، وقارن «الفرقان» لابن تيمية ص 27-29 ، 40-45 ، قطر الولي قيما يتصل بتصوفه العنوان الخاص بالواجب على الولي فيما يصدر من أعمال ، وقارن الفرقان ص 72 ، 73 الطبعة الثانية سنة 1958.
[66] وهذا واضح أيضاً من النظر في تاريخ تأليفه للبدر الطالع ، ولقطر الولي ، فإن الأول متقدم على الثاني بكثير ، فإنه قد انتهى من تأليفه عام (1213هـ) ، ومن قطر الولي سنة 1239 هـ ، فيظهر أنه قد تكوّن علمياً ووصل إلى درجة الاجتهاد قبل أن ينطبع في نفسه ابن تيمية .
[67] المجددون في الإسلام ، ص 472-485 .
[68] توفي سنة 1211 هـ
[69] توفي سنة 1211 هـ
[70] توفي سنة 1197 هـ
[71] توفي سنة 1206 هـ
[72] توفي سنة 1209 ، وولد سنة 1162 ، وقد اعتبره الإمام الشوكاني شيخه الأكبر وأثنى عليه علماً وديناً ، ويذكر أنه رافقع في الطلب أيضاً ، إلى جانب تلمذه عليه .
[73] توفي سنة 1128 هـ
[74] توفي سنة 1208 هـ
[75] ينتهي نسبه إلى الإمام المهدي أحمد بن يحيى ، ولد سنة 1135 هـ ، قال عنه الشوكاني : « لم تر عيني مثله في كمالاته ، ولم آخذ عن أحد يساويه في مجموع علومه » . وتوفي سنة 1207 هـ .
[76] ولد سنة 1143 هـ ، وقيل سنة 1129 هـ ، وتوفي سنة 1207 هـ .
[77] ولد تقريباً سنة 1160 هـ ، وهو شيخ الشوكاني في علم الفراض والوصايا والضرب والمساحة ، وتوفي سنة 1247 هـ .
[78] توفي سنة 1206 هـ .
[79] البدر الطالع ج1 ص77 ، وسماها الشوكاني في رواية أخرى « عقود الزبرجد » ، انظر كتبه فيما سيأتي ، والبدر الطالع ج 2 ص220.
[80] نيل الوطر ، ج1 ص 215 ، المطبعة السلفية .
[81] وتراجمهم تملأ تقريباً أربع مجلدات كبار من كتابه (البدر الطالع في محاسن مَن بعد القرن السابع) ، وكتاب (نيل الوطر في تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر) لتلميذه السيد محمد زبارة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق