الدكتور:
عجيل النشمي
السنوسية
تجاهد
·
أوروبا
تعتبر الحرب ضد السنوسية امتداداً
للحروب الصليبية
·
القيادة
في الأستانة تأذن للأمير شكيب أرسلان
بتهريب الضباط لمساعدة السنوسيين في
حربهم
·
بدأت
المؤامرة لاقتسام تركة الرجل المريض
بحملة مكثفة ضد السنوسية قام بها
المبشرون.
وسط
جو سياسي مضطرب تحفزت فيه الدول
الاستعمارية للإجهاز على ما تبقى لدولة
الخلافة الإسلامية من رمق، بعد أن
تغلغلت هذه الدول في أجزاء كثيرة من
الوطن الإسلامي الكبير، وبدأت تعقد
الاتفاقات لتوزيع تركة الرجل المريض.
كان الدور ينتظر الحركة السنوسية وما
عساها أن تفعل للدفاع عن بيضة الإسلام
وحوضه.
وكانت
بوادر المؤامرة حملة مكثفة قام بها
المبشرون وأبواقهم في الصحف الفرنسية
وغيرها ضد الحركة السنوسية متهمينها
بالتعصب وتدبير الاغتيالات ضد المسحيين.
وألّبوا الرأي العام الأوروبي ضد
السنوسية عدوة النصرانية والتي تستعد
للقضاء على الصليب وأهله، كل ذلك كي
يشعلوا فتيل الحروب الصليبية من جديد ضد
المسلمين، وكانت هذه الدعايات والحملات
بداية إشارة للحرب ضد السنوسية تبعها
تقدم القوات الفرنسية جهة »كانم« في كامل عددها ومعداتها
الحديثة. وكان السنوسي قد انتقل من
الجغبوب في 22 شوال 1312هـ/18 أبريل 1895م
متوجهاً إلى الكفرة واتخذها مركزاً
جديداً للحركة ثم انتقل بعد أربع سنوات
ونصف إلى قرو في الصحراء الإفريقية في
السودان الأوسط واتخذها مركزاً للحركة.
وكان استقراره في واحدة »قرو«
لاتخاذ الأهبة لمواجهة الفرنسيين
الزاحفين من جهة بحيرة تشاد. وأرسل
السنوسي من قرو محمد البراني إلى كانم
التي كان يتوقع أن الهجوم سيأتي من
قبلها ولكي تكون الخط الأول للمواجهة –فبنى
زاوية في »بير
العلالي« وطفق يجمع جيوشاً من قبائل
البتو والطوارق وأولاد سليمان والزوية
والمجابرة.
وبدأت
الحرب عندما تقدم الفرنسيون صوب كانم
مزودة بكامل العدة والعتاد الحربي
الحديث، وتهيأ السنوسيون لملاقاتهم
فوضعوا حامية كبيرة في بير العلالي وكان
على رأسها أحمد الشريف يساعده شيخ
الزاوية محمد البراني، وحدث الاشتباك
بين الطرفين فأحرز السنوسيون بعض
الانتصارات وردّوا الحملة الفرنسية
أكثر من مرة، ثم تغلّب الفرنسيون وانهزم
محمد البراني في معركة دامية في أوائل
عام 1902م، وسقطت بير العلالي في أيدي
الفرنسينن الذين هدموا زاويتها وبنوا
مكانها قلعة حصينة.
وكان
لموقف دولة الخلافة العثمانية السلبي
أثر كبير في سقوط بير العلالي في يد
الفرنسيين. فكانت الدولة العثمانية في
هذه الفترة تقيم علاقات مع فرنسا وتعتبر
أنها في حالة سلم معها وكان وضعاً سيئاً
تحتاج فيه إلى مودة فرنسا والدول
الغربية، وخصوصاً عندما توتر الوضع
العسكري في [شبه] جزيرة البلقان. وهذا ما
جعل من الصعب على المجاهدين الحصول على
الأسلحة والذخيرة والمؤن اللازمة
للاستمرار ضد الفرنسيين في هذه الأصقاع
النائية.
أضف
إلى هذا أنه في الاشتباكات الأولى بين
السنوسيين والفرنسيين في بير العلالي
اشتد المرض على محمد بن محمد السنوسي ثم
توفاه الله في يوم الأحد 24 صفر 1320هـ/2
يونيو 1902م في زاوية قرو. وكان لوفاته أثر
بليغ في نفوس السنوسيين، واستلم إمرة
السنوسية من بعده أحمد الشريف وهذا ما
مكن الحركة من الاستمرار بعد ذلك في
الخط الجهادي، واستمر في القتال ضد
الفرنسيين.
إلا
أن السيد أحمد الشريف اضطر أخيراً إلى
ترك النضال ضد الفرنسيين عندما فاجأ
الإيطاليون دولة الخلافة بقطع علاقاتهم
معها وإعلان الحرب عليها في الأيام
الأخيرة من سبتمبر سنة 1911م ثم أطلق
أسطولهم قذائفه على موانئ طرابلس
وبرقة؛ ووقع على السنوسيين عبء الدفاع
عن البلاد التي نشأت فيها دعوتهم وكانت
مقر إمارتهم ومنطلق دعوتهم، وجاء اليوم
الذي تنبأ بحدوثه مؤسس الحركة محمد بن
علي السنوسي من أن الإيطاليين سيهاجمون
برقة، فتقاطرت جموعهم واحتشدت في
ميادين القتال الشمالية خصوصاً في برقة
وبدأ من ثَم لذلك الجهاد العنيف ضد
إيطاليا.
وفي
هذه المرحلة الحرجة من بدء الجهاد ختمت
حياة محمد بن محمد السنوسي بعد حوالي
أربعين سنة قضاها في العمل الدائب
المستمر لتحقيق هدفه في خدمة الإسلام
والمسلمين وإعادة الخلافة الإسلامية.
وكانت
هجمة إيطاليا على طرابلس الغرب هجمة
شرسة ضد أولئك التي تبنوا رد هذا الجيش
بكامل أسلحته الحديثة، ولم تحرك الدولة
العثمانية ساكناً، لولا أن الأمير شكيب
أرسلان بذل جهوده لإعانة السنوسيين
وكان جهوداً شخصية حيث راسل أصحابه في
مصر والأستانة بإمداد المجاهدين من
السنوسيين ودفع اعتداء الطليان الذي لم
يسبق له مثيل في التاريخ –حسب تعبير
أرسلان- وكان قد اقترح إرسال ضباط
كثيرين متنكرين في زيّهم من طريق مصر
وطريق تونس إلى طرابلس وبنغازي وإرسال
ما يمكن من المال والسلاح تهريباً. وعلل
ذلك بأن الأهالي أهل حمية وشجاهة وقد
وطنوا أنفسهم على الكفاح لكنهم يحتاجون
إلى القوت والسلاح. ونفذ فعلاً ما أراد،
فقام أنور بك بهذه المهمة وأخذ معه
مبلغاً من المال واستصحب عدداً من
الضباط وساروا متنكرين من طريق
الاسكندرية، وسار فتحي بك وكان ملحقاً
عسكرياً في باريس إلى طرابلس من طريق
تونس ووافاه هناك ضباط متنكرون، جاءوا
من الأستانة وأخذت الدولة تمدهم بالمال
اللازم كما أنها أرسلت بعض بواخر حاملة
سلاحاً ومهمات حربية، فوقع أكثرها في يد
الطليان، ولكن وصل بعضها واستفاد
الأهالي منه كثيراً.
وسافر
أرسلان إلى دمشق وطلب أرسلان عساكر
وضباطاً إلى طرابلس متنكرين وأذنت
القيادة في الأستانة بذلك، ووصلت هذه
النجدات فعلاً إلى درنة، ثم سافر شكيب
أرسلان من الاسكندرية إلى الزاوية
السنوسية في نهاية خط سكة حديد مريوط،
ومن هناك ركب الخيل، وكانت جمعية الهلال
الأحمر أرسلت معه أرزاقاً محمول ستمائة
جمل إلى المجاهدين وإلى البعثات الطبية
المصرية التي كانت قد ذهبت إلى الجبل
الأخضر.
وفي
هذه الأثناء وصلت الأخبار بأن الدولة
العثمانية تنوي عقد صلح مع إيطاليا،
ولقد ساء هذا الخبر المجاهدين
السنوسيين كما ساء شكيب أرسلان وكان
يومها بين مجاهدي السنوسية فقرر السفر
إلى الأستانة للحيلولة دون هذه
المعاهدة، فسافر إلى الاسكندرية
واستقبله الخديوي، وتبين له أن الخديوي
يرى ضرورة هذه المعاهدة. وقد وعد
الخديوي الطليان بتسكين الثورة
السنوسية، وبالفعل أرسل جملة وفود إلى
السيد أحمد الشريف السنوسي ينصحه بترك
الجهاد والاتفاق مع إيطاليا. وواصل [شكيب]
سفره إلى الأستانة والتقى هناك بكامل
باشا مختار باشا وجمال الدين الأفغاني
وناظم باشا ناظر الحربية وحسين حلمي
باشا والخليفة عبد المجيد، وكلّمهم في
ضرورة مساندة السنوسيين في طرابلس وعدم
توقيع هذه المعاهدة، فقيل له: أن الدولة
لا تقدر أن تتابع الحرب الطرابلسية [وأنها]
لا يمكنها أن تحارب إيطاليا والدول
البلقانية الأربع في وقت واحد.
ومع
هذا لم يترك شكيب أرسلان الموقف يتم دون
عمل ما فاقترح إرسال الامدادات سراً إلى
المجاهدين وطلب منهم أن يجتهدوا في
أثناء عقد الصلح مع إيطاليا بأن يحافظ
ما أمكن على حقوق الأهالي وأن يجعلوا
نزول السلطان عن حقه في طرابلس لأهل
طرابلس لا للطليان، فلا يبقى لإيطاليا
حق أن تقول أن السيادة العثمانية انتقلت
إليها. ووعدوه بهذين المطلبين الامداد
سراً وأن يكون التنازل لأهل طرابلس.
وفي
هذه الأثناء أعلنت الدول البلقانية
الأربع بلغاريا وصربيا واليونان والجبل
الأسود الحرب على تركيا وكان ذلك بترتيب
الروس، فأسرعت تركيا إلى توقيع عقد
الصلح مع الطليان، ونفذت ما طلبه أرسلان
فلم تترك حقها في السيادة على طرابلس
لإيطاليا بل تركت الأهالي أحراراً في
شأنهم.
وبعد
إعلان الحرب البلقانية شغل الناس عن حرب
طرابلس ولكن المعارك استمرت متصلة بين
السنوسيين وإيطاليا قدّم فيها
السنوسيون خلال ثلاثين سنة من الجهاد
المتواصل الشهداءَ تلو الشهداء، وظلت
برقة مسرحاً للجهاد بين قوتين غير
متكافئتين، وكانت نهاية المطاف انتصار
الثورة وخروج المستعمر الإيطالي من
الشمال الإفريقي كله.
وفي
أثناء قيادة أحمد الشريف الحرب ضد
الإيطاليين منفرداً رغم توقيع الصلح
بين الدولة العثمانية وإيطاليا، دبّ
خلاف بينه وبين ابن عمه السيد محمد
إدريس فقلّ أنصاره، ثم دعي إلى
الأستانة، وولى في العاصمة العثمانية
محمد السادس العرش وبويع له بالإمارة في
ذي القعدة 1340هـ/يوليو 1922م.
(نقلاً عن مجلة المجتمع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق