د.
عجيل النشمي
دولة
الخلافة والحركة الوهابية
المرحلة
الثانية
(الصدام
المسلح بين دولة الخلافة والحركة
الوهابية)
تبدأ
المرحلة الثاني في علاقة الحركة
الوهابية بدولة الخلافة بعد وفاة الشيخ
محمد بن عبد الوهاب. لقد كان تأثير الشيخ
علي الأمير محمد ومن بعده عبد العزيز
وسعود واضحاً في رسم سياسة الدولة
وعلائقها مع بلاد نجد والحجاز ودولة
الخلافة. لقد بدأ هذا التأثير منذ تعاهد
الأمير محمد بن سعود مع الشيخ في البيعة
الأولى، فكان الأمير محمد حريصاً على
اصطحاب ابنه عبد العزيز لزيارة الشيخ كل
يوم مرتين صباحاً ومساءً، وكان يجلسان
عنده متأدبين صامتين لا ينطقان بشيء
مالم يحدثهم به الشيخ أولاً، وهكذا
استمر هذا الارتباط الوثيق، وكأنه
ارتباط الأخوة الخالصة بل ارتباط
التلميذ بشيخه، حتى توفي الشيخ عام 1206
هـ.
وانتقل
الأمر إلى يد الأمير عبد العزيز وولي
عهده ابنه سعود بن عبد العزيز ولم أحد من
أبناء الشيخ قادراً على سد فراغ والده
مع ما يتحلى به بعضهم من مكانة علمية
مشهورة من مثل الشيخ علي وحسين بن محمد
بن عبد الوهاب. وقد ولي حسين المشيخة في
حياة والده عندما بلغ الثمانين من عمره
–كما سبق- ومع ذلك كان الأمير محمد
وابنه عبد العزيز يستشيران الشيخ في
المعضلات دون الرجوع إلى الشيخ حسين.
وعلى
ذلك نستطيع القول أن المرحلة الثانية
للحركة الوهابية أو للدولة السعودية
الأولى اتصفت منذ البداية بما يشبه
الاستقلالية في تسيير دفة الدولة وليس
معنى هذا أن التوازن بين آل الشيخ وآل
سعود قد زال بوفاة الشيخ، لكنه على أية
حال خف عما كان عليه، فقد كان الشيخ وراء
رسم الخطط الدعوية والعسكرية، وكانت
مشاركته في ذلك مشاركة فاعلة مؤثرة –كما
رأينا سابقاً، ومما لا شك فيه أن ذلك قد
خف كثيراً بعد وفاته من حيث مشاركة
أبنائه في تسيير الدولة على الأقل في
المشارة السياسية ولكي نعكس العلاقة
بين دولة الخلافة والحركة الوهابية في
مرحلتها الثانية لابد من تتبع سير
الحركة في هذه المرحلة في جانبها العملي.
أما الجانب النظري أو الفكري فقد أرسى
قواعده ووضح معالمه الشيخ محمد بن عبد
الوهاب، وما توفي رحمه الله حتى أتم ذلك
دون نقص أو ابهام، ولم يترك مجالاً لمن
خلفه للإضافة ولم يطرأ على دعوته في
جانبها الفكري أي تغيير.
وإن
أول ما يواجه الدارس لهذه المرحلة بشكل
واضح هو تصعّد الصراع والنزاع بين
الحركة الوهابية وشرفاء الحرمين مكة
والمدينة.
فإذا
كان الصراع في عهد الشيخ يتمثل في
التحرشات من جانب شرفاء مكة والمدينة ثم
محاولة الهجوم على الدعوة في مقرها في
الدرعية، وعدم مقابلة تلك في عهد الشيخ
بأي ردة فعل معاكسة فإن الصورة في هذه
المرحلة أخذت خطاً آخر. فقد بدأت الحركة
تصد الهجوم بهجوم، بل بدأت تبادر
بالهجوم. وهذا التطور في علاقة الحركة
ببلاد الحجاز يحتاج لتوضيحه، تتبع
الأحداث لترى ما سينبني على ذلك من نتاج.
كان
أول تحرك له أهميته في المواجهة بين
الحركة الوهابية وشرفاء مكة بعد
وفاة الشيخ بثلاث سنوات أي في عام 1209هـ/1794م
وقد كانت الدعوة في أوج قوتها العسكرية.
وكان هذا التحرك على أثر معركة بدأها
عبد الله بن محمد بن معقل أمير بلدة شقرا
عام 1208هـ/1793م حيث قاد معركةجند بعض
القبائل الحجازية فهزم بادئ الأمر، ثم
قاد جيشاً آخر فألحق الهزيمة ببعض
القبائل الحجازية، واستولى على أموالهم
وساق الخمس إلى الدرعية.
ولكن
الدرعية لم تكتف بذلك فجهزت جيشاً في
شهر ذي القعدة عام 1209هـ/1794م بقيادة
الأمير سعود وإمرته بمهاجمة »تربة«
بلد البقوم، فسار بجيشه وحاصرها حصاراً
شديداً وقطع كثيراً من نخلها، ثم خرج
أهل البلدة لقتاله فقتل منهم عدداً
كبيراً، وقفل راجعاً إلى الدرعية.
وأراد
الشريف غالب بن ساعد شريف مكة أن ينتقم
لقبائل الحجاز من تلك الهجمات، فجهز
جيشاً كبيراً عام 1210هـ/1795م، بقيادة
الشريف »فهيد«،
وضم هذا الجيش عدداً كبيراً من قبائل
الحجاز. والتحم في معركة ضارية مع هادي
بن قرملة بوادي بني قحطان الموالية
للدرعية، وكانت الغلبة فيه لقوات
الشريف.
ولم
تشأ الدرعية أن تترك هذه الحادثة تمر
دون أن تثأر لها، فأصدرت أوامرها إلى
محمد بن معتيل صاحب شقرا ليسير بأهل
الوشم و غيرها لمهاجمة قبيلة »عتيبة«
التابعة للحجاز، فهاجمهم واستولى على
كثير من أموالهم وأنعامهم. ولم تكتف
الدرعية بهذا وحسب بل جهزت جيشاً أسندت
قيادته إلى الأمير سعود وسيّرتْه
لمهاجمة قبائل الحجاز. فأغار على عتيبة
ومطير، فدارت المعركة بين الطرفين وكان
النصر فيها إلى جانب الأمير سعود وكان
ذلك في آخر شهر جمادى الثانية من عام 1210هـ/1795م.
وقد
ردّ الشريف غالب على عمليات سعود بإعداد
جيش بقيادة الشريف ناصر بن يحيى لمهادمة
هادي بن قريملة رئيس قبائل قحطان. فلما
شعرت الدرعية بمسير هذا الجيش استنفرت
قبائل عتيبة ومطير والدواسر والهول
والعجمان وغيرهم لمناصرة هادي بن
قريملة، ولما وصل الشريف بجيشه، عسكر
على ماء »الجماينة«
والتحم الجيشان في حرب ضارية كانت
نتيجتها انتصار القوات الموالية
للدرعية.
ثم
قررت الدرعية القيام بهجوم شامل على
أطراف الأراضي الحجازية فأصدر الأمير
عبد العزيز بن محمد بن سعود سنة 1211هـ/1796م
أمره إلى ربيع بن زيد أمير الدواسر
ليقوم ببعض العمليات العسكرية في
الأراضي الحجازية وتمكن فعلاً من
الإغارة على فريق من أعراب شهر وهزمهم
ثم سار إلى بيشة ونزلت قواته على
الشقيقة والجنينة، وتحت زطأة الهجمات
اضطر أهل هذه المنطقة إلى إعلان خضوعهم
لسلطان الدرعية.
وصدرت
أوامر الدرعية بعد ذلك إلى ربيع بن زيد
لمواصلة تحركاته صوب »رينة«
وتمكن من القيام ببعض العمليات الحربية
الناجحة في هذه المنطقة وبعد أن تم له
إخضاعها عقد إمارتها لمحمد بن سعيد بن
قطنان ممثلاً لنفوذ الدرعية في تلك
الناحية.
وكان
لهذه الأعمال العسكرية أثرها الكبير
على امتداد سلطان الدرعية قهراً على
كثير من البقاع إن لم يكن أغلبها وأهمها.
ولا
شك أن هذه الانتصارات أضعفت من شأن
الشريف غالب ورفعت شأن الأمير عبد
العزيز وولي عهده سعود.
ولقد
حاول الشريف الاستعانة بدولة الخلافة
لمساندته ولكنه لم يتلق أي مساعدة وأرسل
الرسائل تلو الرسائل وأوعز إلى الشيخ
أحمد التركي سنة 1212هـ/1797م ليطلب من دولة
الخلافة العون فلم تجبه ولم تكترث بما
يحدث له.
أضف
إلى ذلك أن أكبر القبائل المساندة
للشريف مثل مطير وقحطان وعتيبة وسبيع قد
طلبوا الأمان من الأمير عبد العزيز
وأعلنوا خضوعهم له.
كل
ذلك –بلا شك- كان مضعفاً لموقف الشريف،
مما اضطره أخيراً إلى طلب الصلح من
الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود،
وقبلت الدرعية عقد الصلح. وسنأتي على
هذا العقد في الحلقة القادمة إن شاء
الله.
مجلة المجتمع العدد 511، 1401هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق