الثلاثاء، 23 يوليو 2013

في مؤتمر الشبان المسلمين *

محب الدين الخطيب

                 هو المؤتمر الأول ، من مؤتمرات لا عداد لها سوف يوالي الشبان المسلمون عقدها في مختلف بلاد الإسلام من الآن إلى قيام الساعة ، باحثين عن عيوب مجتمعهم ، مفكرين في نقائصهم ، عاملين على لمِّ شعثهم ، وتحقيق آمالهم ، حتى يبلغوا المطمح
                وُلدَتْ فكرة « جمعية الشبان المسلمين » عام 1346 في غرفة صغيرة بعيدة عن ضوضاء الضلال العصري ، ومنعزلة عن الغرور الثقافي ، وأخذت تنمو بحكمة وتواضع وشجاعة نموَّاً لم يسبق له نظير في جماعاتنا الإسلامية الحديثة . وما هي إلا بضعة أسابيع حتى كان في القاهرة لفكرة « جمعية الشبان المسلمين » ثلاثمائة جندي يعملون لتحقيقها بنشاط وفيهم نحو ثلاثين شاباً على الأقل يؤمنون بهذه الفكرة إيماناً تاماً ، ومن ورائهم عشرات من أهل الفضل راضون عن هذا السعي ، ومعجَبون باستمراره على حين غفلة من بعض الصحف التي تبغض نشاط المشروعات الإسلامية وتقطع عليها الطريق ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً . ولما صار لفكرة « جمعية الشبان المسلمين » هذا العدد من الجنود المخلصين ، ظهرت حينئذ إلى الميدان ، وتقدمت إلى الصحافة بخبر وجودها ، وأعلنت نتيجة انتخاب مجلس إدارتها ، فكان ذلك حادثاً عجباً .
                إن الجمعية التي كان هذا نبأ تأسيسها في عام 1346 ، قد بلغت اليوم أشدَّها ، وصار لها فروع في أنحاء القطر المصري إلى أقصى الصعيد ، وفي فلسطين حتى في قراها الصغيرة ، وفي العراق من عاصمته إلى ثغره الأكبر (البصرة) ، وفي الشام وتونس ، والهند وأمريكا . كل ذلك في ثلاث سنوات فقط .
                والآن ينعقد من مندوبي مجالس إدارة جمعيات الشبان المسلمين أول مؤتمر ، وهو بمثابة التصفية السنوية التي يقوم بها التاجر في متجره مستعرضاً حساباته ليرى ماذا فعل في عامه المنقضي .
                نظر مؤتمر جمعيات الشبان المسلمين في الشوط الذي قطعته هذه الجمعيات من عام 1346 إلى عام 1349 ، فوجد في بنيان عمله نقائص وعيوباً متعددة ، لكنه في الوقت نفسه وجد أن المسافة  التي قطعها لم تكن قصيرة ، بل نستطيع أن نقول إنها مسافة مباركة جداً . ولا ريب أن الذين كانوا يعملون لتحقيق هذه الفكرة من شباب المسلمين في سنة 1346 لم يكونوا يظنون أنهم سيخطون كل هذه الخطوات في هذه المدة القصيرة ، حتى يجلسوا في مؤتمر محترم يشترك فيه القادم من عكا وحيفا وخان يونس إلى جانب إخوانه القادمين من سوههاج وكفر الشيخ والإسكندرية، فيتداولوا في الداء والدواء ، ويتذاكروا حساب ما لهم وما عليهم من أعمالهم في ثلاث سنوات أو أقل .
                جاء مندوبو مجالس إدارة جمعيات الشبان المسلمين إلى مؤتمرهم بآمال أوسع من آفاق السماء ، وقد يكون كثير مما جاءوا به سابقاً لأوانه ، ولكنه دليل على أن لهم آمالاً بعيدة المدى ، وهو في الوقت نفسه دليل على اعتقادهم في جمعية الشبان المسلمين أنها وُجدَت لتحلَّ كثيراً من مشاكلنا الاجتماعية ، ولنحقق آمالنا الروحية والأدبية . وهذه علامة خير تبشر باستئناس رجال جمعية الشبان المسلمين بمثَلِهم الأعلى ، وشعورهم بالمسئولية العظمى الملقاة على عواتقهم ، ولا غرو فمستقبل العالم الإسلامي هو في الحقيقة مستقبل شبابه ، وجدير بجمعية تمثل روح الشباب الإسلامي أن تخترق بنظراتها البعيدة أجواز السماء ، وأن تجعل المثل الأعلى نصب عينيها في كل الظروف وتحت جميع الشروط .
                لقد كان المؤتمر الأول لمجالس إدارة جمعيات الشبان المسلمين تجربة لطيفة ، ولما أتمَّ المؤتمر أعماله تبين لأعضائه أن التجربة جاءت ناجحة ، لذلك عزم القوم  على أن يسيروا مع نصوص اللائحة الداخلية لجمعية  الشبان المسلمين في معاودة هذا المؤتمر مرة في كل سنتين ؛ فنرجو لهم من الله الهدى والتوفيق .


*  العدد 208 ، القاهرة : يوم الخميس 21 صفر 1349 ، السنة الخامسة [ص 113-114]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق