الأربعاء، 24 يوليو 2013

جمهورية أوزبكستان الاتحاديّة الموقع والسكان

بقلم: مصطفى محمد الطحان
-------------------------------
أوزبكستان هي قلب آسيا الوسطى.. وهي بكل المقاييس أهم دولة في منظومة الجمهوريات التي استقلت حديثاً عن الاتحاد السوفياتي. تبلغ مساحتها 478 ألف كم2. تحدها شمالاً كازاخستان وبحر آرال وجنوباً طاجيكستان وأفغانستان وتركمانستان وشرقاً قرقيزيا وطاجيكستان وغرباً تركمانستان وكازاخستان.
 تتألف أوزبكستان من مرتفعات جبلية في الجزء الجنوب الشرقي تهبط تدريجياً كلما اتجهنا نحو الشمال الغربي حتي تصل إلى صحراء كزل كوم وسهل طوران الذي تتقاسمه مع كازاخستان. وتمتد أوزبكستان شرقاً بلسان أرضي طوله (500) ميل وعرضه (20) ميلاً داخل طاجكستان وقرقيزيا. ويجمع الخبراء على أن سهول أوزبكستان من أغنى وأخصب السهول في العالم.
تحتل أوزبكستان موقعاً استراتيجياً هو الأول من نوعه في المنطقة، إذ تلتف حولها كل دول آسيا الوسطى: تركمانستان وطاجكستان وقرقيزيا وكازاخستان، ويمر فيها نهرا سيحون وجيحون، وتتحكم ببحر آرال مع كازاخستان، وبهذا المعنى فهي تملك موقعاً استراتيجياً في هذه المنطقة.
أما السكان: فيصل عددهم إلى اثنين وعشرين مليون نسمة يشكلون الثقل السكاني للمسلمين في المنطقة. 90% من السكان مسلمون سنّة. عرقيا يمثل الأوزبك 57% من السكان، والروس والأكران 10% وبقية الأقليات خاصة الكازاخ والقرقيز والتتار يشكلون حوالي 15%، وهنــاك أقليـة عربية في مدينة (عربخانـة) عددهـا حوالي 50 ألف نسمة. انخفض عدد السكان في الماضي بتأثير المذابح الجماعية التي قام بها الروس ضد الأوزبك فوصل عدهم عام 1926م إلى 9ر3 مليوناً فقط. وقد فرّ كثير منهم إلى تركستان وأفغانستان وبقية المناطق المجاورة. ولكن نسبة زيادة السكان التي تبلغ سنوياً 3ر2% أعاد للمنطقة طابعها الإسلامي من الناحية العددية. الأوزبك شعب مشهور بتدينه ومحافظته وله تاريخ مجيد مع الإسلام والجهاد والعلم، وهم أحناف المذهب وينتمي كثير منهم للطريقة النقشبندية، كما أنهم مشهورون بالكرم والضيافة.
لا يقتصر وجود الأوزبك على أوزبكستان وحدها وإنما يمتد إلى الدول المحيطة بها من أفغانستان إلى حدود الصين، ويصل عددهم إلى حوالي نصف عدد شعوب المنطقة مجتمعة. وهكذا تحتل أوزبكستان الموقع الديموغرافي الإثني الأول في آسيا الوسطى.
إن تنامى الفكر القومي الأوزبكي.. والاضطرابات العرقية التي أحدثها القوميون.. أشعر الأقليات العرقية بالخوف فحاولت مغادرة المنطقة، ولكن السلطات الرسمية أعلنت حماية الأقليات وأنها ستمنح كل من يسكن أوزبكستان الجنسية الأوزبكية.
أهم المـدن
طشقند: وهي العاصمة منذ العام 1930م، يسكنها (5 ، 2) مليون نسمة نصفهم من الروس. ترتفع (500) متر عن سطح البحر. تعاني من الزلازل والحركات الأرضية بين الفينة والأخرى. تقع على أحد روافد نهر سيحون، فيها الإدارة الدينية لمسلمي اسيا الوسطى برئاسة المفتي. وتعتبر طشقند وسمرقند وبخارى من أقدم مدن المنطقة، وهي تعطي التاريخ الإسلامي معناه الأبرز، هنا ازدهر الاسلام ومن هنا توسع وانتشر.
سمرقند: هي العاصمة التاريخية لأوزبكستان حتى العام 1930م، عندما نقلها الروس إلى طشقند وذلك لمظهرها الإسلامي الصارخ والضارب في عمق التاريخ. الروس فيها أقلية فهم لا يطيقون السكن فيها. كثيرة المساجد والآثار والبساتين، عمرها (2500) سنة، كانت مركز الصغد وعاصمة تيمورلنك، تقع على نهر سيحون وسط البلاد، شعبها متدين رفض الروسنة، مشهورة بكثرة مزاراتها فهي تضم رفات عدد كبير من الصحابة الذين استشهدوا في تلك الديار مثل (قثم بن العباس بن عبد المطلب) الذي يقال أنه استشهد في فتح بخارى.
خيـوة: وهي مدينة خوارزم وتقع في أقصى الغرب على الحدود مع تركمانيا، يغلب عليها الطابع الشرقي الإسلامي منذ كانت عاصمة لدولة خوارزم. لم تسقط المدينة في أيدي الروس إلا عام 1924م أي بعد الثورة الشيوعية بسبعة أعوام. وهي مدينة تاريخية اشتهرت عبر التاريخ بعلمائها كالبيروني ومحمد بن موسى الخوارزمي واضع علم الجبر ومبتكر علم اللوغاريتمات والإمام الزمخشري صاحب تفسير الكشاف.
بخارى: مسقط رأس إمام الحديث البخاري رضي الله عنه، هدمها جنكيزخان وأعاد بناءها تيمورلنك ثم حكمها الأوزبك من عائلة (بني منغيت) وهم قوم علم وجاه حتى سقطت في أيدي الروس  عام 1921م. تقع في الجنوب الغربي على ضفاف نهر (أفشان) وهي مدينة شرقية إسلامية تُعد واحة كبرى تحيط بها أرض قاحلة.
ترمـذ: وقد اشتهرت عبر التاريخ الإسلامي بمدارسها ومعاهدها، واشهر من نبغ فيها الأمام الترمذي.
ومن الأقاليم المشهورة إقليم صاغنيان وهو أول ما يصادفنا من بلاد ما وراء جيحون في جنوب أوزبكستان. عاصمة الإقليم مدينة صاغنيان فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
 أنغرن ولينسيك: مدن صناعية حديثة ذات طابع غربي يكثر فيها الروس. ومن المدن الحديثة أيضاً: بيكاباد وشيرشك ونافوس.
المـوارد الطبيعية
على الصعيد الاقتصادي تعتبر أوزبكستان من أغنى البلاد بمواردها الطبيعية، وفيها أكبر نسبة من الأراضي الزراعية المروية.. وعلى الرغم من ذلك، فإن قسما لا بأس به من سكانها يعيشون دون مستوى الفقر. ويرجع ذلك إلى طبيعة النظام الذي يستنزف ثروات البلاد دون أن يترك لشعوبها شيئاً.
تعتبر أوزبكستان المنتج الأول للقطن بين دول المنطقة.. وهي ثاني أكبر منتج للقطن في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
تكثر فيها زراعة الفاكهة وخاصة في الأودية وفي المناطق الشرقية المرتفعة على ضفاف نهر جيحون. وهي غنية بزراعة الحبوب التي تتركز في سهل طوران وإن كانت زراعة القطن أثّرت مؤخراً على إنتاج الحبوب والفاكهة.
تنتج أوزبكستان 50% من الأرز و 68% من القطن على مستوى الإتحاد السوفياتي السابق. وعلى مزارع التوت الواسعة الانتشار تتكاثر دودة القز مما جعلها تنتج ثلث حرير الاتحاد السوفياتي الطبيعي. كما أن ثرواتها الحيوانية مكنتها من إنتاج ثلث الصوف التي ينتجه الاتحاد السوفياتي. بالإضافة إلى 85% من جملة الياف القنب. كل ذلك بجانب الثروة السمكية والحيوانية الكبيرة.
المعادن: توجد في أوزبكستان كميات كبيرة من البترول والغاز الطبيعي. حقول الغاز في منطقة غازلي تسدّ حاجة اوزبكستان وتزود مدن قرقيزيا وكازاخستان بحاجتهما من الغاز المنزلي والصناعي. وتوجد فيها كميات من خامات الفحم والنحاس والذهب والمليبديوم (المعدن النادر والهام) والحديد والفضة.
ولقد وقّعت أوزبكستان مؤخرا عقدا مع شركة أمريكية للتعدين لاستخراج الذهب من منجم جديد تم اكتشافه في وسط صحراء كيزل كوم قرب مدينة زرافشان.
الصناعات: يسيطر الروس على القطاع الصناعي الذي يشمل الصناعات الثقيلة ومصافي النفط والأسمدة والصناعات الكيمياوية والحديد والصلب والجرارات الزراعية والنسيج والحرير.. تتركز معظم الصناعات في طشقند العاصمة ومدن انغرن ولينسيك الحديثتين(1). تشهد البلاد حالياً نهضة وازدهاراً إقتصادياً ويوجد فيها مصانع إلكترونية هامة. كما أنها تحتفظ بكميات من الصواريخ العابرة للقارات ومحطة فضائية لإطلاق الأقمار الصناعية. وفي طشقند وحدها أكثر من 2000 مؤسسة صناعية من بينها مصنع للطائرات.
خلاصة القول إن أوزبكستان بموقعها الهام وتاريخها المتميز وثرواتها الكبيرة يمرّ منها بالضرورة مصير المنطقة ومستقبلها وكل التطورات المهمة التي تنتظرها.
الإسلام في أوزبكستان
بدأ الفتح الإسلامي لبلاد التركستان بعد معركة نهاوند الشهيرة التي حسمت الأمر مع الساسانيين عام 21 هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولقد انساحت الجيوش الاسلامية بعد هذه المعركة الفاصلة في أرجاء فارس بقيادة الأحنف بن قيس. سارت جيوش الأحنف ففتحت هرات (شمال غربي افغانستان) ثم مرو (عاصمة خراسان).
عام 31 هـ في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه فتح الأحنف طخارستان (وهي ولاية كبيرة في أعالي جيحون).
عام 88 هـ في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.. فتح قتيبة بن مسلم الباهلي مدن بيكند وبخارى ومدن خوارزم وسمرقند. وفي العام التالي فتح بلاد الشاش (طشقند) وفرغانة.. ثم اتجه شرقاً ففتح مدينة كاشغر.
في هذه المنطقة قامت دولة السامانيين عام 261 هـ وكانت عاصمتها بخارى. ثم قامت الدولة السلجوقية.. ثم دولة خوارزم التي امتدت على مساحات شاسعة حتى بحر قزوين.
ولقد ظهرت في المنطقة مدن وحواضر إسلامية هامة مثل مرو وغزنة وبخارى وسمرقند.
في عام 1206 م اجتاحت جيوش المغول بقيادة جنكيزخان حواضر الإسلام ومدنه في خوارزم وبخارى وسمرقند ونيسابور، حيث قتل وأحرقَ كل ما وصلت إليه يداه.
بعد تفتت الدولة المغولية ثار تيمورلنك على الحكم المغولي.. وأقام للتتار مملكة كبرى واتخذ من سمرقند عاصمة له عام 1336م وجمع لها علماء وأدباء وحرفيّي العالم الإسلامي لبناء حضارتها.. وأصبحت المدينة في عهده قبلة الناس وياقوتة البلاد. وما إن مات تيمورلنك حتى ضيع من جاؤوا بعده شؤون المُلك فانهارت إمبراطوريتهم لترثها الدولة الشيبانية في أوائل العام 1505م التي اتخذت بخارى عاصمة لها.. وبينما كانت الجيوش العثمانية تتوغل في أوروبا وتحاصر (فينّا) في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، كانت روسيا القيصرية تخطط لمهاجمة المناطق الإسلامية في آسيا الوسطى، سقطت أولا قازان (الفولغا) ثم مملكة سيبير ثم اتجهت جيوشهم نحو أوزبكستان وتحديداً نحو سمرقند وكان سقوطها مروعاً. يومها بعث قائد الجيش الروسي الجنرال بروفسكي لقائد حامية (آق مسجد) يقول له: (لم يأت الروس إلى هنا ليقضوا يوماً أو عاماً وإنما ليقيموا إلى الأبد، وسوف لن ينسحبوا أبداً من هنا) !!.
المزارات والأضرحة صفة ملازمة لمدينة سمرقند، ويلاحظ الزائر أنه في أيام الاثنين والجمعة تشهد المدينة ازدحاماً شديداً على تلك المزارات. من أهمها (شاه زندة) أي الملك الحيّ والمقصود هو (قثم بن عبد المطلب) ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل إنه استشهد عام 57 هـ أثناء محاولات فتح المدينة، ومسجد (بي بي خانم) وهي زوجة تيمورلنك، ومدرسة (شيرادار) وتنطق أحياناً (شاردور) أي عرين الأسد وهي تحوي فنّاً معمارياً رفيعاً يأخذ بالألباب. من جوامع طشقند المشهورة مسجد (طلاشيخ). وفي أوزبكستان المدرستان الوحيدتان  في الاتحاد السوفياتي (السابق) اللتان يسمح فيهما بتدريس اللغة العربية والدروس الدينية وهما مدرستا (مير عرب) في بخارى ومدرسة الإمام البخاري في طشقند.
يتكلم أهل أوزبكستان اللغة الاوزبكية.. وكانت تكتب بالحرف العربي.. ثم حولها الشيوعيون إلى الحرف اللاتيني عام 1927م ثم  إلى الحرف الروسي عام 1940م ثم حوّلت حديثاً إلى الحرف اللاتيني بعد استقلال الجمهورية في بداية عام 1992م.
·    من هذه البلاد انطلقت ثورة الباسمشتية التي عمت كل التركستان، والتي انضم إليها إبراهيم باشا وزكي ولدا طوقان رئيس أول دولة في البشكير ثم أنور باشا وزير الحربية التركي في أثناء الحرب العالمية الأولى.
كانت مدن أوزبكستان هدفاً لجحافل لينين، ففي 5 فبراير 1918م هدم الروس مدينة خوقند للمرة الثانية وأبادوا سكانها، وفي عام 1922م سقطت بخارى، وفي عام 1924م سقطت خيوه. في 27 أكتوبر 1924م تأسست جمهورية أوزبكستان وضمّ إليها ستالين خانية خيوه وخانية بخارى وطاجيكستان.
في 5 ديسمبر 1929م فصل ستالين طاجيكستان وجعلها جمهورية مستقلة. وفي عام 1936م أضاف إليها ستالين جمهورية كاراكلباك ذات الحكم الذاتي. وعلى الرغم من حكم أوزبكستان بالحديد والنار إلا أن المسلمين ظلوا محافظين على دينهم، ويعد مفتي أوزبكستان بمثابة المفتي العام لجميع مسلمي الاتحاد السوفياتي السابق.
في ظل الحكم الشيوعي حاولت السلطات إثارة التفرقة بين المسلمين الأوزبك والطشقنديين ونجحت هذه السياسة إلى حين مما جعل الأوزبك والطشقنديين يحرقون بيوت بعضهم بعضا.
تشهد الجمهورية حاليا صحوة إسلامية عارمة فالطلبة يتجمعون في المساجد يتدارسون الكتب الإسلامية. كما عاد روّاد المساجد إليها واُعيد افتتاح معظم المدارس الدينية بعد إغلاق طويل. وعادت الطرق الصوفية لنشاطها العلني الأمر الذي يسبب قلقاً للسلطات في طشقند وموسكو. وتنشط حركة النهضة الإسلامية بشكل واضح. إن أوزبكستان تملك الميزات الموضوعية من الموقع والسكان والجغرافيا والتاريخ والثقافة، لتقود الجمهوريات الإسلامية في المنطقة.
أوزبكستان بعد الاستقلال
تيمورلنك (مؤسس الدولة الاوزبكية) سيحل قريباً مكان (كارل ماركس) في ساحة طشقند. هكذا قررت حكومة أوزبكستان، إن تعود رمزياً إلى الوراء قروناً عدة لتأكيد هويتها القومية للإشارة إلى تاريخها الخاص الذي غُيّب إلى حد كبير خلال الفترة الشيوعية الممتدة من العشرينات إلى نهاية العام 1991م. وينظر الأوزبك ومعهم الآذريون في ما وراء القوقاز إلى أنفسهم بوصفهم أصل الأتراك، وتسود بينهم النزعة الاوزبكية على ما عداها.
في الثمانينات ساد اعتقاد في الكرملين أن سبب مصائب الاتحاد السوفياتي يكمن في أوزبكستان. ارتفعت أصوات كثيرة في وسائل الإعلام ضد هذا البلد وأطلقت أحكام ضد الأوزبك بأسرهم من دون تمييز. واتخذت إجراءات تنتهك من كرامتهم الوطنية. كان مطلوباً (كبش محرقة) لتبرير مأزق النموذج السوفياتي فوقع الاختيار على الأوزبك، لكنه اختيار لم يأت من عدم. فقد اكتشفت موسكو، بعد سنوات من اعتقادها أن أوزبكستان هي النموذج الفاضل للتجربة السوفياتية، أن هذا البلد يخضع لسيطرة مافيا محلية منظمة بقيادة أوزبكي سوفياتي شهير بصداقاته العليا مع كبار قادة الكرملين. كان شرف رشيدوف بطل هذه القضية يقود الحزب الشيوعي في أوزبكستان منذ العام 1959م، وكان على علاقة جيدة مع نيكيتا خروتشوف، ومن ثم مع ليونيد بريجنيف الذي غمره بالأوسمة، لماذا ؟ لأن رشيدوف كان يصور لقادة الكرملين أنه خطط ونجح في رفع أوزبكستان إلى مرتبة النموذج السوفياتي المطلوب.
استطاع (الرفيق) الأوزبكي أن يبني علاقات فاسدة وصلت إلى موسكو نفسها مما يعني أن النمط السوفياتي فاسد في قاعدته وأطرافه على حد سواء، وهذا ما لم يكن بالإمكان إخفاؤه أثناء التحقيق الذي صار علنياً فيما بعد. ووصل الجميع إلى خلاصة مفادها إن عشرات السنين من بناء الاشتراكية في هذا البلد ذهبت (أدراج الرياح).
خلف إسلام كريموف الزعيم السابق رشيدوف، ووصف بالصامت الأكبر أثناء الانقلاب العسكري الذي جرى في موسكو في أغسطس 1991م ولكنه بادر في 31 أغسطس إلى الإعلان عن استقلال بلاده عن الاتحاد السوفياتي في خطوة هي الأولى في آسيا الوسطى.
في 29 ديسمبر 1991م تاريخ تفكك الاتحاد السوفياتي لم تشهد أوزبكستان انقلابا ثورياً.. فقد استدار كريموف وتحوّل من رئيس لجمهورية شيوعية ولحزب شيوعي إلى رئيس لجمهورية غير شيوعية ولحزب صار اسمه الحزب الديمقراطي الشعبي من دون أي تغيير جوهري في شخصية الرئيس أو بنية الحزب.
يعتقد كريموف أن دور الحزب الشيوعي (السابق) يجب أن يبقى، وأن الأرض ينبغي أن تبقى مملوكة للدولة.. وأن الأسلوب الصيني وسياسة الخطوة خطوة هي التي تناسب بلاده.. وان الخروج على روسيا في الوقت الحاضر سياسة غير حكيمة.
تعتمد أوزبكستان جملة سياسات خاصة بها تثير الكثير من القلق في البلدان المجاورة:
أولاً: فهي تحاول أن تجعل من طشقند قاعدة لجميع الأوزبك بما فيهم أولئك الذين هم خارج الحدود. وقد قيل إن اتصالات تجري مع الجنرال الأفغاني الأوزبكي عبد الرشيد دوستم من أجل استقلال منطقته المحاذية لطاجيكستان، وذلك للحؤول دون اتصال الطاجيك الأفغان (5 مليون نسمة) مع الطاجيك في طاجيكستان (5 ،3  مليون نسمة)، لأن مثل هذا الاتصال قد يغير التوازن بين البلدين. وتسعى طشقند للتأثير في سياسات جاراتها استناداً إلى الجاليات الاوزبكية الموجودة في هذه الدول (5 ،32%) من سكان طاجيكستان و 9% من سكان تركمانستان و (5 ،31%) من سكان قرقيزيا و 053 ألف في كازاخستان. وتجد هذه الجاليات قاعدة قومية ومصدراً لآمال تاريخية ما زالت حية في ذاكرة الشعب  الأوزبكي.
 ولا يستبعد أن تعجل هذه السياسة في تفجير الصراع الطاجيكي- الأوزبكي المزمن.. أو الصراع بين الثقافة التركية والفارسية ذات الجذور التاريخية. وكرد فعل فقد بادر الطاجيك في أوزبكستان إلى إنشاء (حركة سمرقند) وحركة شمس الصغد في بخارى للمطالبة بحقوق الطاجيك.
وهذه السياسة هي ثمرة مرة للتقسيمات التي أحدثها لينين وطبقها ستالين بقصد التحكم في المنطقة وزرع أسباب الخلاف بين القوميات والجمهوريات المجاورة. من ذلك نزع بخارى وسمرقند من طاجيكستان وضمها إلى أوزبكستان. ونزع خوقند من أوزبكستان وضمها إلى طاجيكستان .. وقد حدث مثل ذلك في العديد من الأماكن.
ثانياً: القضية التي تقلق الحكم القومي والمنحى العلماني للدولة هي تنامي التيار الإسلامي في أوزبكستان وخاصة في وادي فرغانة والمتمثل في حزب النهضة الإسلامي الذي تأسس في العام 1990م وهو يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ويجد مرجعه النظري في طروحات الأخوان المسلمين وأبو الأعلى المودودي. وشهدت طشقند تأسيس (حزب التنوير الإسلامي) كما شهدت أيضاً خـروج دار الإفتاء فـي العاصمة عن رقابة الـ  (ك.ج.ب) كما كان الحال من قبل، وصار المفتي الطشقندي يتمتع باستقلالية تثير مخاوف السلطات الأوزبكية. ويعتقد الباحث الفونس أوليفييه روا أن الحركات الإسلامية النامية في أوزبكستان وغيرها تتأثر بباكستان وليس بإيران. وان نموذج هذه الحركات هو الأخوان المسلمون وليس إيران الشيعية. ويخلص إلى القول أن إيران يمكن أن تلعب ورقة طاجيكستان وليس غيرها، بالانتماء الثقافي الفارسي أساساً(2).
وقد لجأت السلطات مؤخراً إلى سن التشريعات واتخاذ الإجراءات القمعية في محاولة للحدّ من تنامي الصحوة الدينية في البلاد. ومن هذه الإجراءات اعتقال رئيس حزب النهضة في أوزبكستان السيد عبد الله عطا حيث اقتحم منزله عدد من رجال الأمن بحثاً عن وثائق وأسلحة فلم يعثروا على شيء لكنهم القوا القبض على أمير الحزب المعروف باعتداله.
ولقد منعت السلطات قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، كما أصدرت الإدارة الدينية لمسلمي ما وراء النهر (دار الإفتاء) بياناً جاء فيه أن تأسيس مثل هذه الأحزاب أمرٌ يخالف أحكام الإسلام(!). ومع ذلك فقد بدأ ولأول مرة تدريس مادة أصول الدين في المدارس الثانوية وهذه خطوة هامة جداً. كما أعلن رئيس الدولة كريموف: إن الإسلام موضع احترامنا.. ولكن للدين المساجد، أما السياسة فنحن رجالها.
مجلس التنسيق مع الجهوريات المجاورة
شكلت جمهوريات آسيا الوسطى في قمة لرؤسائها عقدت في طشقند في يناير 1993م مجلساً تنسيقياً اعتبر نواة لكيان موحد يضم 55 مليون نسمة. تم الاتفاق في هذا اللقاء على توحيد السياسات الاقتصادية، واستثمار الخامات وتصديرها عبر إيران إلى الخليج وتركيا، وإنشاء شبكة تلفزيون موحدة وإصدار صحيفة إقليمية.
أكد الرئيس الكازاخي نور سلطان نزاربايف عقب الاجتماع إن توحيد جهود دول المنطقة لا يتناقض مع مصالح الدول الأخرى.
وأشار إلى التزام الجمهوريات الخمس بالوثائق المبرمة في إطار (أسرة الدول المستقلة). لكنه قال إن قادتها  أصدروا 200 قرار لم ينفذ منها شيء وأضاف إنه إذا ظهرت مشاكل (في الأسرة) فإن هذا لن يكون خيارنا.
ووافق رؤساء كازاخستان وأوزبكستان وقرقيزيا وتركمانستان وطاجيكستان على البقاء في منطقة الروبل شرط أن يكون عملة (غير قومية)، وأن يتم تشكيل اتحاد مصرفي يضم رؤساء المصارف الوطنية لكل الدول ولكل منهم صوت واحد في اتخاذ القرار، الأمر الذي لم توافق عليه روسيا التي يسيطر مصرفها المركزي على إصدارات الروبل.
وأعلن الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف عقب الاجتماع عن تشكيل سوق موحدة ولجان لتنسيق السياسة الاقتصادية واستثمار القدرات الكامنة (...) اعتماداً على التقارب التاريخي بين بلدان المنطقة. ويذكر أن أوزبكستان تنتج نحو 15% من إجمالي كمية الذهب المستخرج من أراضي الاتحاد السوفياتي (السابق)، فيما توجد كميات كبيرة من النفط في كازاخستان، ومن الغاز في تركمانستان، واليورانيوم في طاجكستان، إضافة إلى أن آسيا الوسطى هي من أكبر منتجي القطن في العالم.
واتفق الرؤساء على أن يحول النفط الكازاخي المستخرج من حوض بحر قزوين إلى مصافي التكرير في أوزبكستان وتركمانستان بعدما كانت كميات كبيرة منه تنقل إلى روسيا وجمهوريات أخرى.
----------------------------
(1)  مقدمة عن أوزبكستان- إعجاز جيلاني ونازيف شاهراني.
(2)  الحياة اللندنية   5/11/ 1993م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق