الثلاثاء، 23 يوليو 2013

أدباء شهداء

إعداد : لمياء قاسمي

المثقفون والأدباء و الكتاب والفنانون الجزائريون كانوا دائماً في طليعة الكفاح الوطني خلال سنوات الإرهاب الماضية حين كانوا هدفاً للموت ، وسقط العشرات منهم وقبل ذلك خلال النضال ضد الاستعمار وأثناء الثورة التحريرية.
فيما يلي بعض النماذج لهؤلاء الأدباء الذين استشهدوا خلال حرب التحرير دفاعاً عن الحرية والوطن.
مولود فرعون
ولد مولود فرعون في عام 1912 بإحدى قرى جبال القبائل لأب فلاح . وفي طفولته هاجر مع والده الذي اضطرته ظروف الحياة للعمل في فرنسا ، وبفضل منحة دراسية قدر له أن يلتحق بمدرسة متوسطة ثم بدار المعلمين العليا بالجزائر، وعندما تخرج عين معلماً في مسقط رأسه ولم يترك منطقة القبائل إلا في عام 1957 ليعيّن مديراً في العاصمة وفي 15 مارس 1962 استشهد فرعون برصاص المنظمة السرية الإرهابية مع مجموعة من زملائه.
تجمع شخصية فرعون بين المناضل والفنان ، وفي روايته الأولى :« ابن الفقير » يتحدث عن طفولته التي صيغت من لهيب الحرمان في قرية جبلية فيها أحداث شبابه وحياته ونضاله من أجل المعرفة . ويستعرض من خلال ذكرياته مأساة الفلاحين الكادحين الذين يعملون في أرض جبلية ولا يحصدون بعد الكد إلا السقم والجوع لأن الغرباء استولوا على المزارع واحتكروا الري والماء.
وبعد هذه الرواية ألّف رواية « الأرض والدماء » التي فازت بجائزة الأدب الشعبي في فرنسا عام 1953 منتزعاً بها الجائزة من خمسين كاتباً فرنسياً .
وتناولت ثالث روايته « الدروب الصاعدة » 1957 مأساة الجزائري ، وتألف إحساسه القومي حيث يعود الجزائري إلى مكانه الطبيعي فوق الأرض وإلى مستوياته النفسية.
وله بالإضافة إلى هذه الروايات مجموعة أبحا ث اجتماعية جمعها في كتاب تحت اسم « أيام القبائل » ، وكتاب نشر بعد وفاته هو عبارة عن مذكرات شخصية ، وهذه المذكرات تعتبر وثيقة هامة تؤرخ لفترة من عمر الثورة الجزائرية من عام 1955 حتى عام 1962 ، كتبها فنان لم يترك أرض المعركة دقيقة واحدة.
*    *          *
الأمين العمودي
ولد الأمين العمودي  بوادي سوف سنة 1891 . وفي مسقط رأسه  دخل المدرسة القرآنية ، ثم دخل إلى المدرسة الابتدائية الفرنسية ، وعندما أنهى تعليمه الابتدائي انتقل إلى مدرسة  قسنطينة . وكان في مرحلة الدراسة من نبهاء الطلاب وأحرارهم ، وكان لديه إحساس حاد بالتفاوت الطبقي بين الطلاب ولم يستطع إكمال دراسته لإقصائه عن الدراسة . وعين في وظيفة متواضعة بمحكمة « فج مزالة » غير أنه لم يستمر فيها طويلاً وتركها ليعمل في مجال الترجمة.
ثم راح ينتقل من بلدة لأخرى من مدن الجزائر وكانت مواهبه قد بدأت تتجلى وبلغت شهرته أوجها في نهاية الحرب العالمية الأولى .
عندما تنادى علماء الجزائر المسلمون لإقامة تنظيمهم الذي أطلق عليه « جمعية العلماء المسلمين الجزائريين » كان في طليعة المتحمسين للدعوة . وفي الاجتماع الأول وقع عليه الاختيار ليكون الأمين العام للجمعية ، وترتب على ذلك انتقاله إلى العاصمة تاركاً كل شيء في بسكرة.
وفي العاصمة مارس عمله الخاص كوكيل شرعي ومهمته ككاتب لجمعية العلماء وتعزز من مركزه في العاصمة واختير رئيساً للوكلاء الشرعيين فضاقت به سلطات الاحتلال وأوقفته عن العمل ستة أشهر وحرضّت زملاءه  الوكلاء على إبعاده عن رئاسة تنظيمهم ، وأبعدته عن العاصمة فاستقال من الوكالة وأسس جريدة الدفاع باللغة الفرنسية فدافعت عن القضية الوطنية بكل حزم وثبات . ورغم ما تعرض له من مضايقات استمر في إصدارها ومع أن ذلك كلفه كل ما يملك من عقارات في بسكرة غير أن علاقته بجمعية العلماء لم تستمر طويلاً ولكنه بقي وفياً لمبادئها.
ويروي الأستاذ حمزة بوكوشة : أن العمودي هو الذي أوحى لابن باديس بفكرة الدعوة لعقد المؤتمر الإسلامي ، وفتحَ له صدر جريدته ، ولما انعقد المؤتمر اختير عضواً في وفد المؤتمر ومترجماً له.
وبعد فترة ترأس مجموعة من الشباب لمتابعة وملاحقة مطالب المؤتمر ، وعندما نشبت الحرب العاليمة الثاينة اعتُقِل مخلفاً وراءه زوجته وأبناءه بدون معيل. فلم يخرج من السجن إلا بعد تعهد بعدم الوقوف موقفاً معادياً من السلطة.
وفي آخر أيامه توالت عليه العلل ، ولكن وضعه المادي لم يتحْ له البقاء في منزله فكان يخرج للعمل حتى في الأيام العصيبة.
وفي يناير 1957 عندما كان يمر في أحد الشوارع العاصمة اغتالته عصابات الغدر الفرنسية رغم كبر سنه ومرضه. لكننا نجد في كتاب الأستاذ « شريبط » حول حادثة استشهاده ما يرويه ابنه أحمد العمودي الذي قال : « إن ذلك اليوم – أي يوم اختطافه – كان صبيحة خميس ، وأن والده كان متجهاً لعمله بمحكمة الجزائر ، وأنهم أخبروا من الغد بواسطة الجندرمة ، والسبب في ذلك أن شيخ بلدية البويرة كان من الفرنسيين الرافضين للحرب على الشعب الجزائري ، وكان يعرف النشاط الصحفي للشيخ العمودي ، فبينما كان مقرراً أن يلقى به ضمن مجموعة الأبرياء الذي اغتالتهم الأيدي الآثمة من الاستعماريين على الطريقة البشعة المتمثلة في حفرة كبيرة تلقى فيها جميع الجثث ، فلما عرف شيخ البلدية المذكور بأن الأمين العمودي من بين حصيلة حفير ذلك اليوم رفض التصريح للجندرمة بالدفن الجماعي وأمرهم بالإتصال بأسرته » .
في حين  أكد الشاعر الجزائري الطاهر بوشوشي للشاعر محمد الأخضر السائحي أن سبب اغتياله من طرف السلطات الاستعمارية على يد عصابة  « اليد الحمراء » يعود إلى هذا السبب : إن اغتياله يعود لتحريره وترجمة التقرير الذي قدم في  ملف القضية الجزائرية للأمم المتحدة عن التعذيب الجهنمي والأساليب الوحشية التي كانت السلطات الاستعمارية تستعملها ضد الشعب الجزائري ، وصورة القضية تعود إلى الملف الذي قدمه الأخ عبد القادر شندرلي إلى لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة سنة 1957 والمتضمن لحقائق دامغة كشفت الستار عن مخازي التعذيب في مراكز الكوت التي كانت القوات الفرنسية تستعملها للإستنطاق مدعمة بأسماء المعذبين ولأسماء الضباط القائمين بالإبادة والتصفية الجسدية لمناضلي جبهة التحرير الوطني وغيرهم من المواطنين ؛ والسجون والمحتشدات وكل مايثبت مخازي الاستعمار ويزيح الستار عن جرائمه النكراء وأساليبه المتوحشة التي فاقت أعمال البرابرة.
فقد كان المعلومات تجمع من قبل مناضلي جبهة التحرير الوطني ويقدمها الشيخ الصديق مصباح للشيخ الأمين العمودي ليصوغها في تقرير.
لقد توزع نشاطه الفكري بين الشعر والنثر والترجمة ، وكانت مواضيع شعره اجتماعية ووجداينة ، وأحياناً ساخرة . وأسلوبه يجمع بين الطرافة إلى السلاسة والعذوبة . أما في النثر فقد كانت كتابته تعمر بروح الثورة على الأوضاع بدءاً بالمدرسة وحتى الأوضاع المعيشية معتبراً أن الاستعمار وحده مسؤولاً عن تردي الأوضاع ، وكان أحياناً يوقع مقالاته باسم مستعار ، كما كان يكتب في جريدته وفي جرائد الأخرى منها : « النجاح » و« الإصلاح » و« الشهاب » .
أما بالفرنسية فإنه كان يحرر افتتاحيات جريدته التي كانت منبراً من منابر الحركة الوطنية تخاطب الفرنسيين بلغتهم وتفضحهم بلسانهم . ويغلب على كتاباته بشكل عام الطابع الوطني الإسلامي ، لأن كل ما يهمه هو أن يدافع عن الإسلام والجزائر وأن يتصدى لمن يتجنَّونَ عليهما ويسيئون إليهما.
*          *          *
الربيع بوشامة
من مواليد ديسمبر 1916 بـ« قنزات » ، ولاية برج بوعريريج حالياً .
تعلم  وحفظ القرآن الكريم والتحق بالجامع الأخضر في قسنطينة عام 1937 ليتتلمذ على يد الشيخ عبد الحميد ابن باديس، وعلّم في المدارس التابعة لجمعية العلماء. ثم أوفِد إلى باريس ليقوم بمهمة التدريس .
عاد إلى الجزائر بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وشارك في الحركة الإصلاحية حتى قبض عليه في أحداث 8 ماي 1945 من طرف السلطات الاستعمارية ، وتعرض لأشد أنواع التعذيب . ويروي أخوه رمضان بوشامة للأستاذ جمال قنان ما شهد من وحشية الاستعمار ، فقد رآى من آثار القمع الوحشي الذي أقدمت عليه القوات الهمجية ضد السكان ما لا يخطر ببال إنسان متحضر ، وسمع عن صور التعذيب والتمثيل بالأحياء والأموات ما لا يحتمل . منها ربط شخص أو مجموعة من الأشخاص أحياء بالحبال من الرجلين ومن الصدور إلى شاحنتين عسكريين لتنطلقا في اتجاهيين متعاكسيين ، وبقر بطون النساء الحوامل تشفِّياً ، أو مراهنة عن جنس الأجنة في بطونهن ، والرمي بالأحياء في الآبار وسدها بالإسمنت ، وغيرها من صور البطش .
وحسب الأستاذ شريبط  في كتابه « مباحث في الأدب الجزائري المعاصر » فإن الشهيد بوشامة كان مقرباً من العقيد عميروش الذي التقى به عندما كان رئيساً لشعبة جمعية العلماء بباريس وتوطدت العلاقة بينهما وأصبح منذ ذلك الوقت بينهما ودّ ، واستمرت هذه العلاقة حتى اندلاع  الثورة حيث أصبح الشهيد الربيع بوشامة يعمل بأوامر عميروش ويتلقى منه التوجيهات . والتحق بجيش التحرير الوطني في الشهور الأولى لاندلاع الثورة. إن جهاده – إضافة لنشاطه التربوي وأشعاره – دفع بالسلطات الاستعمارية لإلقاء القبض عليه ثانية حين كان مديراً لمدرسة البنات في الحراش ؛ فقد اقتحمت مجموعة من الشرطة السرية الفرنسية بيته ، ويُروى أن هذه المجموعة كانت تتكون من أربعة أشخاص ويرافقها شخص من العملاء وذلك في ليلة 16-17 جانفي [يناير/كانون الثاني] 1959 وتحول أمره من مسؤولية الشرطة السرية إلى يد السلطة العسكرية وحول لمركز الجندرمة بالأربعطاش ، وبقي سجيناً لدى السطات الاستعمارية إلى أن نقلت وسائل إعلامها نبأ موته في 14 ماي 1959. ويروى أنه أعدم بدون محاكمة في 13 ماي 1959، لكن السلطات الفرنسية أوردت أن سبب وفاته يعود لاشتباك بين قواتها وقوات جيش التحرير ، وأعلنت ذلك غبر مكبرات الصوت في مدينة سطيف ومراكز الاعتقال .
لكن الأستاذ شريبط يورد أن بعض الشهود ممن كان معه في السجن بالضيعة قد أكدوا أنه عُذب عذاباً شديداًً ، وأن علاقته بالبطل عميروش اعتبرت جرماً كبيراً في نظر السلطات الاستعمارية .
وكان لنبأ استشهاده في مدينة الحراش وقع الصاعقة ، واعتبر يوم حداد ، حيث هرع المواطنون لمنزل الشهيد لمواساة أسرته.
ترك الشهيد بوشامة قصائد شعرية متنوعة ، وجُمِعَت أثاره من طرف الأستاذ جمال قنان وأصدرها في ديوان « الشهيد الربيع بوشامة » ، وضمّ ديوانُه نحو 103 قصيدة. من قصائده :« يافتى الأوطان قم » التي يقول فيها :
يافتى الأوطان قم * فارفع  اليوم العلمْ
وتقدم للفدا * باسلاً راسي القدمْ
والقَ أبطال العدا * ضاحكاً عالي الشممْ
واسقهم كأس الردى * من يد تزجى العدم
وقصيدة « حي في الأبطال » :
حي في أبطال فتيان الفدا * واخصص عميروش منهم بالثناء
بطل الثورة يبلي أبدا * في جهاد المعتدي خير البلاء
ويرد الصاع صاعين له * بقتال مستميت ودهاء
*          *          *
عبد الكريم العقون
من مواليد 18/3/1918 ببرج الغدير بمنطقة برج بوعرريج . حفظ القرآن الكريم في صغره ، وتلقى مبادئ العلوم والفقه والدين ، ثم تتلمذ في مدينة قسنطينة على يد الشيخ ابن باديس وغيره من العلماء قبل أن ينتقل عام 1937 إلى جامع الزيتونة.
أنشأ فيما بعد مدرسة الفلاح بمساعدة الداعية الشخ الطيب العقبي ، وشارك بقصائده في عدة مناسبات للوعظ والإرشاد .
قبض عليه في 15 جانفي 1959 ليلقى حتفه شهيداً في 13/5/1959 بعدما ذاق أشد أنواع العذاب .
من آثاره ديوان مخطوط إضافة إلى قصائد كثيرة نشر معظمها في جريدتي البصائر والمنار.
*          *          *
الحبيب بناسي
من مواليد 13 ديسمبر 1928 بمدينة المشرية بولاية سعيدة. لما بلغ الثانية عشر من عمره انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري والكشافة الإسلامية التي كوّنت لها فرعاً بمدينة المشرية.
ظهرت مواهبه الأدبية أثناء نضاله في حزب الشعب مبكراً ، وكذا نشاطه النضالي ، وخاصة عندما وقعت أحداث الثامن من ماي 1945.
وكان لنشاطه هذا الفضل في أن يتعرف على شخصيات بارزة كانت في المعتقل بمدينة المشرية مثل الشيخ العربي التبسي والشيخ سعيد الصالحي . وأيضاً ، لما سافر للجزائر العاصمة التقى بالكثير من زعامات حزب الشعب وشارك بإلقاء خطب حماسية.
لما احتد النزاع بين جناحين في حزب الشعب حول طريقة مواصلة الكفاح كان الأديب الحبيب بناسي يميل مع الذين يطالبون بالإسراع في الكفاح المسلح لأن ما أُخِذَ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة .
ومن أهم ما ميَّز نشاط الأديب الشهيد من العام 1954 هو كتابته سلسلة مقالات على شكل مراسلات نشرها بصحف تونسية ، وكان موضوع مقالاته يدور حول الثورة واحتضان الشعب الجزائري لها . وقد اتصلت به جبهة التحرير الوطني بعد أن لفت نشاطه الصحفي انتباهها له فكلَّفته بالإشراف على تأسيس خلية فدائية ، وأصبح مرشداً ومنظماً للحركة الفدائية بمدينة سيدي بلعباس ، كما شارك في أكبر هجوم شنه الفدائيون على المدينة في نوفمبرسنة 1956. والتحق بعد هذه العملية بصفوف جيش التحريرفي الجبال.
استشهد عليه رحمة الله في 15 ديسمبر 1956 . وتفيد بعض الشهادات أنه قد استشهد حرقاً ، وذلك بعد معركة بين جيش التحرير وقوات الاحتلال الفرنسي.
أما عن آثاره الأدبية فيقول الأستاذ شريبط في كتابه « مباحث في الأدب الجزائري المعاصر» أن الأديب الشهيد قد ترك عملاً واحداً طبع جزأه الأكبر بتلمسان عام 1956 وهو « صرخة القلب » وهو كتاب يحتوي على لوحات قصصية يغلب عليها الأسلوب الرومانسي كما بدا أسلوبه في هذا الكتاب قريباً من أسلوب الكاتب اللبناني جبران خليل جبران و خصوصاً في نزعته الثورية ، فقد تحدث عن الرسم بقوله : « من أنت أيها الرسم أحياتي أم روحي ؟ أم ملك مقدس بعثت به أرواح الجمال من تلك السماوات الروحانية ليخاطب روحي ويعانقها فتمتزجان وتسموان معاً إلى برزخ الأرواح . أم أنت روح فنيس آلهة الحب والجمال » . لكن هذا الأسلوب تغير وصار واقعياً وتجلى ذلك خصوصاً في مقالاته ومراسلاته التي كتبها في مرحلته الأخيرة.
ومن  كتاباته « يتيم الأصنام » و« شهداء الأدب والسياسة » و«دماء ودموع» و«شهيد بلا قبر» و«لبيك يا جمال» و«الحنين إلى الوطن» و«الإمام عبد الحميد ابن باديس» و«الثورة الجزائرية .. كيف نشأت».
يوصف قلم الأديب الشهيد بأنه كان خصباً فأحسن استخدامه في الدفاع عن قضية بلاده والتعريف بمآسيها لدى الخاص والعام ، وأثرى الحياة الإبداعية والنقدية التي تعدّ اليوم شاهداً على الثورة التحريرية.
*          *          *
أحمد رضا حوحو
شهيد الكلمة الجزائرية العربية
يعتبر أحمد رضا حوحو من رواد الكلمة الشجاعة التي كانت تغتال آنذاك لكونها دعوة إلى ثورة الشعب ويقظة الجماهير . وقد عُرِف عن حوحو الجرأة والصراحة والدعوة إلى التمسك بالشخصية الوطنية في الوقت الذي عمل فيه المستعمر على فرض اللغة الفرنسية على الساحة الجزائرية.
وكما يعرف الجميع ، فإن البيئة المحيطة بالأديب تساعد على نبوغه والعكس صحيح ، فأديبنا «حوحو» ولد عام 1911 بالقرب من الزيبان الشرقي ببسكرة في قرية سيدي عقبة مثوى الفاتح العربي عقبة ابن نافع، رضي الله عنه ، وقد اشتهر بالانتساب لهذه القرية شخصيات كبيرة كان لها أثر في تاريخ الجزائر قديماً وحديثاً ، ونذكر منها الطيب الأنطالي الشهير بعلي العقبي أحد الرواد الأوائل في الطب الجراحي الجزائري ، والطيب العقيب أحد أقطاب جمعية العلماء المسلمين.
أدخل أحمد إلى الكُتّاب وهو في سن مبكرة شأنه شأن كل الجزائريين . ولما بلغ السادسة التحق بالمدرسة الابتدائية ، ثم أرسله والده إلى سكيكدة بعد النجاح في الابتدائية ليكمل دراسته في الأهلية عام 1928 ، ولم يتمكن من متابعة تعليمه الثانوي نتيجة السياسة الفرنسية التي تمنع أبناء الجزائر من مواصلة تعليمهم، ليعود "حوحو" إلى الجنوب ويشتغل في البريد ، وهذا ما زاده معرفة بأسرار الحياة ، فكان يلاحظ الفرق البارز بين بيئتين مختلفتين : بيئة صحراوية قروية وأخرى حضرية.
وفي سنة 1934 تزوج أحمد ، وبعدها بسنة هاجر بصحبة أفراد أسرته إلى الحجاز بحراً على ظهر الباخرة «سنابا»  وما أن استقر به المقام بالمدينة المنورة حتى التحق بكلية الشريعة لإتمام دراسته وتخرج منها سنة 1938متحصلاً على أعلى الدرجات ، وذلك ما أهَّله إلى أن يعيَّن معيداً بالكلية نفسها . وبعد عامين استقال من منصبه وانتقل إلى مكة المكرمة ، وهناك اشتغل موظفاً في مصلحة البرق والهاتف بالقسم الدولي ، واستمر في هذه الوظيفة إلى أن عاد إلى الجزائر سنة 1946 بعد وفاة والديه . وبعد عودته إلى الوطن انضم لجمعية العلماء المسلمين وأصبح عضواً فعالاً فيها ، وعيِّن مديراً لمدرسة «التربية والتعليم» التي كان الشيخ ابن باديس قد أسسها بنفسه ، وبقي فيها مايقارب سنيتن ، ثم انتدب لإدارة مدرسة «التهذيب» بمدينة «شاطودان» التي تبعد عن قسنطينة بحوالي 50 كيلومتر ولم يمكث فيها إلا مدة قصيرة ليعود مجدداً لقسنطينة ليشغل منصب الكاتب العام لمعهد ابن باديس.
وفي 1949 أسس مع جماعة من أصدقائه جريدة «الشعلة»  وتولى رئاسة تحريرها ، وأصدر خمسين عدداً منها ، وكانت قاسية في مخاطبة المناوئين لجمعية العلماء . وقد جاء في افتتاحية العدد الأول منها أنها  «ستكون سهاماً في صدور أعدائك وقنبلة متفجرة في حشد المتكالبين عليك».
إلى جانب اشتغاله بالإدارة والصحافة ، فقد أنشأ «حوحو» في خريف 1949 جمعية المزهر القسنطيني للموسيقى والمسرح والكتب واقتبس لها العديد من المسرحيات.
كما كانت له ترجمات للأدب الفرنسي ، دون أن نغفل جانباً مهماً في نشاطه الفكري ويتمثل في القصص القصيرة حيث يعتبر «أحمد رضا حوحو» رائد القصة القصيرة الجزائرية ، فله بعض القصص، منها : «يأفل نجم الأدب» ، و«ابن الوادي» ، و«الأديب الأخير» ، و«غادة أم القرى» ، و«مع حمار الحكيم».
وبعد اندلاع الثورة التحريرية ظل «حوحو» يمارس عمله بمعهد ابن باديس ، ولكن ذلك لم يمنع شكوك رجال الشرطة الفرنسيين الذين اعتقلوه في أوائل 1956 وهددوه بالإعدام باعتباره مسؤولاً عن كل حادث يحصل في المدينة.
وفي 29 مارس 1956 اغتيل محافظ الشرطة بقسنطينة واعتقل حوحو بسجن الكدية ، ومنه حُوِّل إلى جبل الوحش المشرف على مدينة قسنطينة وتم إعدامه هناك.
كان أديبنا «أحمد رضا حوحو» شهيد النضال ، نضال الكلمة والوطن ، حين حمل أمانة الثورة بنوعيها الاجتماعي والسياسي ، وخط لأدب جزائري خاص.
وبهذا الصدد يقول الأستاذ عبد الرحمان شيبان : «يمتاز أدب الأستاذ حوحو بطابع الخفة والصدق والانتقاد ، فإنك لا تكاد تقرأ له فصلا منفصوله أو قصة من قصصه أو تشاهد له مسرحية من مسرحياته حتى يفاجئك هذا الثالوث الجميل وتبعث من نفسه الحقيقة الصادقة النافذة ، فهو خفيف في كلامه ، خفيف في حركته وسكونه وهو يعالج من الشؤون بكل صدق».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق