الثلاثاء، 23 يوليو 2013

تنازل جلالة ملك المغرب الأقصى للحكومة الفرنسوية

عن حق التدخل في شئون البربر الدينية *

ظهير رسمي من سلطان المغرب تاريخه 17 ذي الحجة سنة 1348

            نشرت الجريدة الرسمية للدولة الشريفة (دولة المغرب الأقصى) في عددها رقم 919 الظهير السلطاني الشريف المؤرخ يوم 17 ذي الحجة سنة 1348 (16 مايو 1930) المؤذن بإنشاء محاكم عرفية للبربر تنظر في كل شئونهم المدنية والجنائية . وأما الأحوال الشخصية (الزواج ، الطلاق ، الميراث إلخ) فإن مرجعها إلى مراقب الناحية الفرنسي ، فهو الذي يعقد أنكحتهم ويفسخها ويقوم بسائر أحكام أحوالهم الشخصية ؟!؟!
            ويقول المغاربة إن هذا قِسمٌ من ظهير سلطاني استصدرتْه الإدارة الفرنسية وطوته حتى تنشره تدريجياً حسب الظروف . وخلاصته أن صاحب الجلالة الشريفة سلطان المغرب الأقصى بما له من الثقة في الدولة الحامية ، وبما أنها هي التي طوعت القبائل البربرية حتى قدّمت الطاعة للجناب الشريف ، فإن جنابه يتنازل لها عن التدخل في شئون لبربر الدينية وغيرها ، وأنه لا يعود إلى مطالبتهم بإقامة الشعائر الإسلامية كلها ، وأنه يكل أمرهم إلى الإدارة الفرنسية تفعل بهم ما تشاء .
            ويؤكد المغاربة أن الظهير السلطاني لم يصدر بالطرق المشروعة المعتاد صدور أمثاله بها ، وإنما نظمت مواده ، وكُتِبَ في الإدارة الفرنسية ، ثم دُفعَ إلى رئيس الوزراء وجاء به هذا إلى دار المخزن (الحكومة السلطانية) ودعا إليه كاتب سرِّه وكلفه أن تذهب إلى داره ويكتبه ويسجله في دفتر الصدارة العظمى . ولما انتهى من ذلك قدَّمه إليه فذيَّله بطابع الجناب الشريف ، لأن الطابع السلطاني تحت يد رئيس الوزارة ولم يستعمله جلالته منذ تولى العرش .
            وقد جاءنا من المغرب الأقصى ما يؤكد أن هذا الحادث الجديد حلقة من سلسلة تتألف منها خطة مرسومة لتنصير المغرب الأقصى ، وكان الابتداء به من البربر لأ،هم تتألف منهم الأكثرية  الساحقة ، ولأن سوادهم الأعظم ليس لهم من التهذيب الديني ما تكون لهم منه المناعة الكافية لدرء خطر التنصير .
            والذي يرجع إلى مؤلفات بعض  الفرنسويين وتصريحات غير واحد من رجالهم يرى العجب العجاب من دعوى أنهم إنما جاءوا المغرب الأقصى لينقذوا البربر وينتقموا لهم من العرب الذين احتلوهم وسلبوهم المسيحية من أفئدتهم ، وأنهم عاملون على إرجاعهم إلى حظيرة الكثلكة والصليب .
            وما لنا وللأقوال ، فإن الأعمال أفصح منها لساناً وأبلغ بياناً يدل على ذلك افتتاح الفرنسيين مدارس في أوساط البربر خالية من كل ما يذكِّرهم بالعربية والإسلام . وهذه المدارس منها ما هو للبنين ومنها ما هو للبنات . ويؤتى بالبنين والبنات إلى هذه المدارس بجميع الوسائل ، وقد يكون ذلك على خلاف رضى آبائهم ، وفي هذه المدارس يتلقون مبادئ الفرنسية والدروس المسيحية ، وفي كتب المطالعة تمجيد للمسيحية ، وتأليه لفرنسا ، وشتم بالعرب و تنقيص من كرامة المسلمين .
            وقد أقفِلت الكتاتيب التي كانت منتشرة وسط قبائل البربر وكان مبنى التعليم فيها على تلاوة كتاب الله الحكيم ، وتلقي مبادئ الدين الإسلامي القويم ، ولم يكتفوا بإقفال هذه الكتاتيب ، بل أقصوا كذلك فقهاءها ، ومنعوا حتى رجال الزوايا من التعمق في داخلية البوداي مخافة أن يبثوا في أهلها شيئاً من مبادئ الإسلام .
***
أيها المسلمون ،
            إنكم تستقبلون حرباً صليبية لا تعد حروب زمن صلاح الدين في جانبها شيئاً مذكوراً . لأننا في زمن صلاح الدين كنا مع الصليبيين وحدهم وجهاً لوجه ، وأما الآن فرجالنا يكتبون الظهير الشريف ويسجلونه في سجلات حكومتنا الإسلامية ويختمونه بطابع الدولة الإسلامية ، كل ذلك تحت جنح الظلام . فالحرب الصليبية في داخل القلعة لا في خارجها .
            أيها المسلمون ،
            إن الحرب الصليبية الماضية كانت بالسيف والترس ، فكان حقاً على صلاح الدين ورجاله أن يقاوموها بالسيف والترس . وأما الحرب الصليبية العصرية فإنها بالمدارس وبالمؤلفات وبالدسائس وبالدعايات . وكل ذلك يحوم حول هدم الإسلام من قلوب المسلمين . ومن الواجب على المسلمين أن يقابلوها بمثل سلاحها فيبدأوا من سلاح المدارس بإنشاء مدرسة واحدة تكون فيها جميع مزايا أرقى مدارس الدنيا وتكون مع ذلك إسلامية على أتم وجه . وويل للمسلمين إن عجزوا عن ذلك أو ادَّعوا العجز .
            وأن يبدأوا من سلاح المؤلفات بكتابة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم بالشكل اللائق بمكانة هذا الرسول الأعظم والمصلح الأكرم ، فإن لغات الدنيا كلها خالية إلى الآن من كتاب في سيرة هذا الحبيب الرءوف الرحيم تليق بعظمته ، بل نحن فقراء حتى من تاريخ للإسلام ، وتواريخنا وضعت على قاعدة « كلما دخلت أمة لعنت أختها » . وإن لنا ماضياً شريفاً طاهراً مجيداً لو كان لأمة من أمم أوربا لسجلت حقائقه بلسان شريف طاهر مجيد يليق بعظمة ذلك التاريخ ، ولكن أين المؤرخون الأوفياء لهذا الماضي ؟ هذا في سيرة نبينا وتاريخ ماضينا . وأقول مثله في شريعتنا فإنها تحتاج إلى أن تُكتب بأسلوب يحسن بنا أن نخاطب به أهل هذا الزمن ، فإن كتبنا الحاضرة كُتبت بغير أسلوب عصرنا . إن الحقائق واحدة ، ولكن التعبير عنها يجب أن يُكتب في كل عصر بلسان ذلك العصر .
            أيها المسلمون ،
            شجِّعوا الدعوة الإصلاحية المعتدلة الواقفة بين طرفي الجمود والجحود ، فإن الإسلام قام على الاعتدال ، ودين الله بين الغالي والمقصِّر .
            بادروا إلى تأسيس مدرسة كمدارس اليسوعيين تماشي العلوم كلها ، وتستعين بها على ترسيخ العقيدة في نفوس ناشئتها . فإذا تأسست تلك المدرسة ونجحت كانت فاتحة مدارس كثيرة من نوعها .
            بادروا إلى تأسيس جريدة يومية كبرى تتجنب العداوات الحزبية ، وتتخطى الاختلافات المذهبية وتحتقر الأنانيات الشخصية وتحطم جميع الأصنام الكاذبة ، وتكون للإسلام وحده ولأهل القبلة جميعاً ، فإن الإسلام وأهله في حاجة إلى صحيفة من هذا القبيل تكون كأكبر صحيفة عربية في الدنيا ، ولو تكلَّف المسلمون في سبيل تأسيسها عشرات الألوف من الجنيهات .
            أيها المسلمون ،
            إن الوقت سائر بسرعة السيارات والطيارات ، وإن العاملين على إزالة الإسلام من الوجود يسهرون الليالي إلى الصباح في رسم الخطط ، وإعداد الرجال لتنفيذها ، وتأييد هؤلاء الرجال في تحقيق مهمتهم . وأنتم في غفلة عن خططهم لا تشعرون بها حتى بعد تنفيذها .
            اتقوا الله في أنفسكم ، فإنكم محاسبون على كثرتكم يومَ تُعرَضون على الله أنتم وأهل بدر فيقول الله لكم إن الواحد من أهل بدر بألف شخص منكم ، ومع ذلك لا تستحون أن يذل الإسلام تحت راياتكم ، وقد أعزه أهل بدر لأنهم كانوا – على قلَّتهم – قوماً صادقين .
محب الدين الخطيب

*  العدد 209 ، القاهرة : يوم الخميس 28 صفر 1349 ، السنة الخامسة [ص 129-131] .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق