الخميس، 25 يوليو 2013

مواقف المؤرخ ابن الأثير من الحنابلة من خلال كتابه: الكامل في التاريخ



الأستاذ الدكتور خالد كبير علال
- الجزائر-
أولا : موقف الإنصاف و عدم المبالغة .
ثانيا : موقف السكوت و عدم الترجيح .
ثالثا : موقف التعليق، و الاتهام، و التحامل على الحنابلة.

                      
بسم الله الرحمن الرحيم
      اتخذ المؤرخ عز الدين ابن الأثير الجزري الشافعي (ت 630 هجرية) مواقف متباينة من الحنابلة، نجدها مبثوثة في ثنايا كتابه الكامل في التاريخ، نذكرها في ثلاثة مواقف مركزة. فما تفاصيلها؟ و وما مدى تأثر ابن الأثير بخلفيته المذهبية الشافعية الأشعرية في تبنيه لتلك المواقف؟ و هل كان محايداً و مصيبا فيما ذهب إليه؟
أولا : موقف الإنصاف و عدم المبالغة :
   اتخذ ابن الأثير موقفا منصفاً بلا مبالغة، من حوادث تتعلق بالحنابلة ذكرها في تاريخه، نذكر منها ثلاثة شواهد: أولها يتعلق بالخلاف الذي حدث في بغداد بين الحنابلة و أتباعهم من العامة، و بين المؤرخ المفسر ابن جرير الطبري (ت 310هجرية) . و الخبر كما رواه ابن الأثير هو: «و إنّما بعض الحنابلة تعصّبوا عليه، ووقعوا فيه، فتبعهم غيرهم، ولذلك سبَب، وهو أنّ الطبريّ جمع كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء، لم يصنف مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حَنبَل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيهاً، وإنّما كان محدّثاً، فاشتدّ ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يحصون كثرة ببغداد، فشغبوا عليه، وقالوا ما أرادوا:
                  حَسدوا الفَتى إذ لم ينالوا سَعيّه * فالناسُ أعداءٌ له وخُصومُ
                     كضرائرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها * حسَداً وبَغياً إنّه لَدَمِيمُ» [1]
  و موضع الانصاف هنا هو أن ابن الأثير لم يُحمّل كل الحنابلة مسئولية ما حدث، و إنما أشار إلى أن بعض الحنابلة و العامة هم الذين تعصبوا على الطبري و ثاروا عليه . و هذا خلاف ما ذهب إليه بعض أهل العلم في موقفهم مما حدث بين الطبري و خصومه.
   فالمؤرخ أبو علي بن مسكويه (ت 421هجرية) – فيما نقله عنه ابن الأثير- ذكر أن العامة تألبت على الطبري، و اتهمته بالرفض، و منعت من دفنه نهاراً، فعلّق عليه ابن الأثير بكلامه الذي نقلناه سابقا[2] .
    و الإمام ابن خزيمة (ت 311هجرية) رُوي عنه أنه قال عن الطبري : «لقد ظلمته الحنابلة» [3]. و قوله هذا شاهد على أنه يشمل الحنابلة كلهم، و حملهم مسئولية ما حدث للطبري من دون تخصيص ذلك بجماعة منهم. 
   و أما المؤرخ ابن الجوزي (ت 597هجرية)، فقد ذكر أن خلاف الطبري كان مع الحنابلة، و أن العامة اجتمعت و منعت من دفنه نهاراً، واتهموه بالرفض [4]. فابن الجوزي لم يُميز بين الحنابلة و العامة، فمرة ذكر أن خلاف الطبري كان مع الحنابلة، و مرة أخرى ذكر أن العامة منعت من دفن الطبري ليلاً، و كأن الحنابلة هم العامة و العامة هم الحنابلة. فكان عليه أن يميز بين هؤلاء، لأن الحنابلة جزء من العامة، والعامة ليسوا كلهم من الحنابلة.
      لكن الغريب في الأمر أن ابن الجوزي ذكر أن أبا بكر بن أبي داود الحنبلي (ت 316 هجرية) اتهم الطبري بأمور رفعها إلى نصر الحاجب، فطلب الحاجب من الطبري أن يرد عليها، فكان مما كتبه الطبري -رداً على ذلك- أنه قال: «لا عصابة في الإسلام كهذه العصابة الخسيسة»، فعلّق عليه ابن الجوزي بقوله: «وهذا قبيح منه، لأنه كان ينبغي أن يخاصم من خاصمه، وأما أن يذم طائفته جميعاً وهو يدري إلى من ينتسب فغاية في القبح» [5]. و كلامه هذا صحيح، فإنه انتقد الطبري عندما عمم حكمه على الحنابلة. وهذا التعميم وقع فيه ابن الجوزي نفسه، و ذلك أنه عندما تطرق إلى سبب الخلاف بين الطبري وخصومه، ذكر أن خلافه كان مع الحنابلة، و قد عبّر عن ذلك بقوله: «وفي ذي القعدة: أحضر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري دار علي بن عيسى لمناظرة الحنابلة، فحضر ولم يحضروا، فعاد إلى منزله، وكانوا قد نقموا عيه أشياء» [6]. فكان عليه أن يقول: لمناظرة خصومه من الحنابلة، أو لمناظرة الحنابلة الناقمين عليه، و ليس لمناظرة الحنابلة، من دون تحديد و لا تمييز.
  ومنهم أيضاً المؤرخ أبو الفدا عماد الدين إسماعيل (ت 732هجرية)، فقد ذكر أن العامة تعصبت على ابن جرير الطبري، منهم الحنابلة من دون تخصيص [7].
  وآخرهم المؤرخ الحافظ ابن كثير (ت 774 هجرية)، إنه ذكر أن ابن جرير الطبري «دُفن في داره لأن بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا من دفنه نهاراً، و نسبوه إلى الرفض، و من الجهلة من رماه بالإلحاد، وحاشاه من ذلك كله» [8] .
     و بذلك يتبين أن موقف ابن الأثير –من دور الحنابلة فيما حدث للطبري مع خصومه- هو الموقف الصحيح، و قد وافقه عليه الحافظ ابن كثير .
  و أما الشاهد الثاني فيتعلق بفتنة الواعظ أبي نصر بن القشيري الشافعي الأشعري في بغداد سنة 469 هجرية. فذكر ابن الأثير أن ابن القشيري لما دخل بغداد جلس في المدرسة النظامية، و في غيرها يعظ الناس، فجرت له «مع الحنابلة فتن لأنه تكلم على مذهب الأشعري، ونصره، وكثر أتباعه والمتعصبون له، وقصد خصومه من الحنابلة، ومن تبعهم، سوق المدرسة النظامية وقتلوا جماعة. وكان من المتعصبين للقشيري الشيخ أبو إسحاق- الشيرازي شيخ الشافعية-، و شيخ الشيوخ-أبو سعد الصوفي-، وغيرهما من الأعيان، وجرت بين الطائفتين أمور عظيمة». و ذكر في موضع آخر من تاريخه أن ابن القشيري نصر مذهب الأشعري و عاب عيره من المذاهب [9].
   و موقفه هذا مُنصف عادل، فلم ينحاز إلى ابن القشيري الشافعي الأشعري، مع أنه على مذهبه. فذكر صراحة أن هذا الرجل هو البادئ بالاعتداء، إنه دخل بلدا غير بلده، و نصر فيه مذهبه على حساب مذهب الحنابلة و أهل الحديث، و هاجمهم و ذمهم علانية.
  و موقف ابن الأثير هو خلاف ما ذهب إليه بعض أعيان الشافعية الأشاعرة الذين دافعوا عن ابن القشيري، و انتصروا له،و برروا فعله و استحسنوه، و لم يُحملوه مسئولية ما حدث من قتل و اضطراب وتخريب في بغداد. نذكر منهم: أبو إسحاق الشيرازي، و الحسين بن محمد الطبري، و عبد الله بن سلامة الكري، و محمد بن أحمد الشاشي، و هؤلاء و غيرهم هم الذين أرسلوا إلى الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 485هجرية) خطاباً أخبروه  فيه بما حدث في فتنة ابن القشيري من وجهة نظر أشعرية. فكان مما قالوه له: إن ابن القشيري دخل بغداد فدعا «الناس إلى التوحيد و قدّس الباري عن الحوادث والتحديد فاستجاب له أهل التحقيق من الصدور الفاضل السادة الأماثل وتمادت الحشوية في ضلالتها والإصرار على جهالتها» . و الذين انكروا عليه ذلك هم «جماعة من الحشوية و الأوباش الرعاع المتوسمين بالحنبلية أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة ما لم يتسمح به ملحد فضلاً عن موحد» [10] .
   وموقفهم هذا مخالف لموقف ابن الأثير من فتنة ابن القشيري، علماً بأن موقفه وافقه عليه مؤرخون آخرون، فنصوا على أن ابن القشيري هو البادئ بالاعتداء، منهم: أبو الحسين ابن أبي يعلى، و ابن الجوزي، و الذهبي، و ابن كثير، و ابن رجب البغدادي، و ابن خلدون، و السيوطي [11].
   ولشيخ الإسلام ابن تيمية رأي في ذلك، مفاده أن أكثر الحق كان مع جماعة الفرائية الحنبلية، مع قليل من الباطل، و كثيراً من الباطل مع أصحاب القشيري، مع بعض الحق [12]. و رأيه هذا لا يخالف ما قلناه من أن ابن القشيري هو المعتدي الأول، و البادئ بالظلم، و المُثير للفتنة، و هو الأمر الذي نصّ عليه ابن الأثير و من وافقه على ما قاله.
   و أما الشاهد الأخير –و هو الثالث- فيتعلق بفتنة البكري في بغداد سنة 475 هجرية. و ذلك أن ابن الأثير ذكر أن الواعظ أبا القاسم البكري المغربي الأشعري (ت 476هجرية) اتصل بالوزير السلجوقي نظام الملك، فأحبه و قرّبه منه، ثم سيّره إلى بغداد، و أجرى عليه الجراية الوافرة . فلما دخلها عقد فيها مجالس واعظ، فكان «يذكر الحنابلة و يعيبهم، ويقول: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) (سورة البقرة:102)، والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا. ثم إنه قصد يوماً دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القائليم، فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة، وكثر جمعه، فكَبَس دور بني الفراء، وأخذ كتبهم، وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى، فكان يُقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ، فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن» [13].
   و اضح من كلامه أن الواعظ البكري- المدعوم من السلطة- هو السبب في حدوث تلك الفتنة، بما قام به من تحرشات و اعتداءات على الحنابلة. فهو رجل غريب دخل بلداً غير بلده، ثم شرع في مهاجمة طائفة من أهل بغداد، فذمهم، و كفرهم، و فعله هذا ذكره ابن الأثير صراحة. مما يدل على أنه –أي ابن الأثير- اتخذ موقفاً منصفاً يُحسب له، و قد تبناه مؤرخون آخرون، كابن الجوزي، و الذهبي، و ابن العماد الحنبلي[14] .
 ثانيا : موقف السكوت و عدم الترجيح :
   عثرتُ على ثلاثة شواهد تاريخية تُبين أن ابن الأثير ذكر حوادث تتعلق بالحنابلة، كان في مقدوره أن يتكلم فيها بالتعليق و الترجيح، لكنه لم يفعل ذلك، و التزم الصمت و التوقف. فالأول مفاده أن ابن الأثير عندما أشار إلى ما حدث بين الطبري و خصومه من الحنابلة و العامة، ذكر أن من أسباب ذلك أن الطبري جمع كتاباً ذكر فيه «اختلاف الفقهاء، لم يصنف مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حَنبَل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيهاً، وإنّما كان محدّثاً، فاشتدّ ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يحصون كثرة ببغداد، فشغبوا عليه» [15].
     و هو هنا قد ذكر موقف الطبري في أن أحمد بن حنبل كان محدثاً لا فقيهاً، و إنكار الحنابلة عليه في تبنيه لذلك الموقف. و اكتفى بذلك، و سكت عما أثاره الطبري، و كان بمقدوره أن يُحرر الموضوع ويُمحصه، ولا يُتركه معلقاً، لكنه لم يفعل ذلك، و اكتفى بموقف الحياد السلبي، و ترك شبهة الطبري مُثارة. مع أنه كان باستطاعته أن يرجع إلى فقه أحمد بن حنبل ليتأكد بنفسه مما أثاره الطبري.     
   علماً بأن أصحاب أحمد بن حنبل الأوائل قد جمعوا تراث إمامهم في مجلدات كثيرة، تضمّنت فتاويه واختياراته الفقهية، من ذلك: كتاب مسائل أحمد، لأبي داود السجستاني (ت 275هجرية)، و هذا الكتاب منشور، و مُتداول بين أهل العلم.
  و صنف أبو بكر الكوسج (242 هجرية )، مسائل أحمد بن حنبل، ضمّنه فتاوى احمد، و قد وافقه عليها شخصياً [16]. و ألف أيضاً أبو بكر الخلال (ت 311هجرية) كتاباً جامعاً لفقه أحمد بن حنبل، عنوانه : الجامع الكبير لفقه أحمد بن حنبل، في نحو ثلاثين مجلداً [17].
  و بذلك يتبين أن لا ابن جرير الطبري أنصف أحمد بن حنبل، و لا ابن الأثير . مع قدرة كل منهما على أن يتأكد من الأمر بنفسه. و المعروف تاريخياً أن ابن حنبل كان محدثاً فقيهاً مجتهداً، و قد طلب فقه الرأي و الأثر معاً [18]. و تراثه الفكري قد جمعه أصحابه من بعده، و هو شاهد على أن صاحبه كان محدثاً فقيهاً مجتهداً في استنباط الأحكام الشرعية.
    و أُشير هنا إلى أن شبهة الطبري استمرت في الانتشار، و كانت ما تزال رائجة بين بعض أهل العلم إلى القرن السادس الهجري. و ذلك أن الفقيه المتكلم أبا الوفاء بن عقيل البغدادي الحنبلي (513هجرية) قال: «ومن عجيب ما نسمعه من هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه مُحَدِّث. وهذا غاية الجهل لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم. وخرج عنه من دقيق الفقه ما لا تراه لأحد منهم»، ثم أورد أمثلة على ذلك[19] .
  
   و أما الشاهد الثاني، فمفاده أنه في سنة 317هجرية، ذكر ابن الأثير أنه حدثت «فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المَرْوَزيّ الحَنبليّ وبين غيرهم من العامّة، ودخل كثير من الجند فيها؛ وسبب ذلك أنّ أصحاب المَرْوَزيّ قالوا في تفسير قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79) هو أنّ الله سبحانه يُقعد النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، معه على العرش؛ وقالت الطائفة الأخرى: إنّما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة واقتتلوا، فقُتل بينهم قتلى كثير» [20].
  ذلك ما ذكره ابن الأثير عن هذه الفتنة، فلا علّق عليها، و لا حققها و لا محّصها، و اكتفى بالسكوت وترك الخلاف العلمي المتعلق بمعنى الآية قائما بين الطرفين المتنازعين. و كان بمقدوره أن يتخذ موقفاً علميا مما أثاره الطبري، معتمداً على النصوص الشرعية و الفهم الصحيح لها، فلم يفعل ذلك، و لم يتخذ موقفاً ضد الحنابلة و لا معهم، و اكتفى السكوت و الحياد السلبي.
   و هذا موقف ناقص، لا يليق بأهل العلم بأن يذكروا الخلافات، و يُثيروا الشبهات، ثم يتركونها معلقة تُثير الشكوك و الشبهات، فكان موقف ابن الأثير ضرره أكثر من نفعه. لذا وجدنا المؤرخ الحافظ ابن كثير –عندما تعرّض لتلك الفتنة- لم يكتف بما فعله ابن الأثير، و إنما علّق عليه : «وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك مقام الشفاعة العظمى وهي الشفاعة في فضل القضاء بين العباد وهو المقام الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم ويغبطه به الأولون والآخرون» [21] .
    و بذلك يتبين أن موقف ابن الأثير ناقص، و كان عليه أن يُحرر الأمر و لا يتركه معلقاً. علماً بأن جماعة أبي بكر المروزي الحنبلي تمسكت بآثار ضعيفة وموضوعة ذكرت إقعاد الرسول-عليه الصلاة و السلام- على العرش، و تركت الروايات الصحيحة التي تخالف رأيها و تُبطله، و نصت على أن المقام المحمود هو شفاعة رسول الله-عليه الصلاة و السلام- لأمته يوم القيامة، و قد رواها البخاري و أحمد بن حنبل و ابن خزيمة و غيرهم من المحدثين [22].
    و أشير هنا إلى أن جماعة أبي بكر المروزي الحنبلية- التي ذكر ابن الأثير أنها اثارت الفتنة-، لم يكن زعيمها - التي تنتمي إليه-  على قيد الحياة عندما حدثت الفتنة، فقد تُوفي سنة 275 هجرية [23]، وبقيت الجمعة تُنسب إليه.
     و أما الشاهد الثالث- و هو الأخير من موقف الصمت- فمفاده أن ابن الأثير روى أنه في سنة 447 هجرية وقعت «الفتنة بين الفقهاء الشافعية والحنابلة ببغداد، ومقدم الحنابلة أبو علي بن الفراء، وابن التميمي، وتبعهم من العامة الجم الغفير، وأنكروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ومنعوا من الترجيع في الأذان، والقنوت في الفجر، و وصلوا إلى ديوان الخليفة، ولم ينفصل حال، وأتى الحنابلة إلى مسجد بباب الشعير، فنهوا إمامه عن الجهر بالبسملة، فأخرج مصحفاً وقال: أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها » [24].
    و اضح من ذلك أن ابن الأثير اكتفى بذكر حوادث الفتنة، و التزم الصمت من دون أي تعليق عليها، مع أنه كان يستطيع أن يتخذ موقفاً حكماً بين الفريقين، و يُبيّن وجه الصواب فيما اختلف فيه هؤلاء. لكنه اكتفى بالسكوت، و لم يُبين وجه الصواب في ذلك، و هو موقف حيادي سلبي، لأنه ترك المسائل المُثارة في الفتنة معلقة تُثير الخلاف و لا تحله.
    فمسألة الاختلاف في الجهر بالبسملة كان يستطيع أن يذكر مواقف الفقهاء و المذاهب منها، ويُبين درجة الأحاديث النبوية التي احتج بها كل طرف. علماً بأن الجهر بالبسملة لم «يثبت عن النبي-عليه الصلاة و السلام- أنه كان يجهر بها، و ليس في الصحيح، ولا السنن حديث صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة بل موضوعة» [25].
    و أما القنوت في صلاة الفجر، فلم يكن النبي عليه الصلاة و السلام مداوماً عليه، و قد ثبت في أحاديث صحيحة أنه عليه الصلاة و السلام لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً، مما يُبين أن المتروك كان القنوت [26] .
  و الترجيع في الآذان اختاره الإمامان مالك و الشافعي، و يرى مالك التكبير مرتين، و الشافعي يراه أربع مرات. و أما الإمام أبو حنيفة فقد تركه، و الإمام أحمد عنده سنة، و تركه أحب إليه [27].
    و يُلاحظ عليه أيضاً أنه - أي ابن الأثير- أنه سكت عن جواب الإمام الذي نهاه الحنابلة عن الجهر بالبسملة، فأخرج لهم مصحفاً و قال لهم: «أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها». و هذا الرجل مغالط في جوابه، لأن هؤلاء طلبوا منه عدم الجهر بالبسملة، و ليس عدم قراءتها، و الفرق واضح بين الأمرين. لكن ابن الأثير أغفل ذلك.
   و ربما يُقال : إن ابن الأثير كان في صدد تدوين التاريخ من بداية الخليقة إلى عصره هو،و لم يكن في صدد تحرير المسائل الفقهية و الكلامية،و لم يكن له من الوقت لتحرير ذلك . قد يكون بعض ذلك مقبولا، لكن تحرير المسائل العلمية هو أيضاً من التاريخ، فلا يصح أن يكون المؤرخ مجرد ناقل لا يفهم ما يكتب،و لا يحرر و لا يُمحص ما يُدوّن . لذا فإن عمل ابن الأثير في تدوينه لهذه الفتنة جاء ناقصا، لأنه أثار قضايا علمية تركها معلقة، و قد كان بمقدوره أن يسأل عنها أهل العلم فيقدمون له الإجابة جاهزة - إن كان هو غير قادر عن البحث عنها و تحريرها-. خاصة و أننا وجدنا له آراء كثيرة علّق بها على حوادث عديدة، عبّر بها عن مواقفه منها، سنذكر بعضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
ثالثا: موقف التعليق، و الاتهام، و التحامل على الحنابلة:
   يتضمن هذا المبحث خمسة شواهد تاريخية أعرب- من خلالها- ابن الأثير عن موقفه من الحنابلة بصراحة. فكان بعضها متضمنا للتعليل و الاتهام و التكذيب، و كان بعضها الآخر صريحاً في الاتهام بالتعصب و التحامل على الحنابلة.
     فبالنسبة للشاهد الأول، فإنه يتعلق بالمنشور الذي أصدره الخليفة الراضي بالله ( 322-329هجرية)، على إثر الفتنة التي حدثت سنة 323 هجرية في بغداد، فقد روى ابن الأثير أن الحنابلة أحدثوا فتنة كبيرة بين الناس، عبّر عنها بقوله: «و فيها عَظُم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكبسون من دور القوّاد والعامّة، وإن وجدوا نبيذاً أراقوه، وإن وجدوا مغنيّة ضربوها وكسروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء، ومشى الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه مَن هو، فأخبرهم، وإلاّ ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة، وشهدوا عليه بالفاحشة، فأرهجوا بغداد» [28] .
   «فركب بدر الخرشَنيُّ، وهو صاحب الشُّرطة، عاشر جمادى الآخرة، ونادى في جانبَيْ بغداد، في أصحاب أبي محمّد البربهاريّ الحنابلة، ألاّ يجتمع منهم اثنان ولا يتناظروا في مذهبهم ولا يصلّي منهم إمام إلا إذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح والعشاءَين، فلم يفد فيهم، وزاد شرّهم وفتنتهم، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد، وكانوا إذا مرّ بهم شافعيُّ المذهب أغروا به العميان، فيضربونه بعصيهم، حتّى يكاد يموت. فأصدر الخليفة منشورا زجر فيه الحنابلة، و أنكر عليهم أفعالهم، ووبخهم باعتقاد التشبيه، فمنه «تارة أنّكم تزعمون أنّ صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال ربّ العالمين، وهيئتكم الرذلة على هيئته، وتذكرون الكفّ والأصابع والرجلَيْن والنعلَيْن المُذهّبَين، والشعر القطط، والصعود إلى السماء، والنزول إلى الدنيا، تبارك الله عمّا يقول الظالمون والجاحدون، علوّاً كبيراً، ثم طعنكم على خيار الأئمّة، ونسبتكم شيعة آل محمّد، صلى الله عليه وسلم، إلى الكفر والضلال، ثمّ استدعاؤكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن، وإنكاركم زيارة قبور الأئمّة، وتشنيعكم على زوّارها بالابتداع، وأنتم مع ذلك تجتمعون على زيارة قبر رجل من العوامّ ليس بذي شرف، ولا نسب، ولا سبب برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتأمرون بزيارته، وتدّعون له معجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء، فلعن الله شيطاناً زيّن لكم هذه المنكرات، وما أغواه. و أمير المؤمنين يقسم بالله قسماً جهداً إليه يلزمه الوفاء به لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنّكم ضرباً وتشريداً، وقتلاً وتبديداً، وليستعملنّ السيف في رقابكم، والنار في منازلكم و محالّكم» [29].
    واضح من هذا المنشور أنه تضمن اتهامات باطلة ضد الحنابلة، فلم نجد في كتبهم أنهم يطعنون في خيار الأمة، ولا نسبوا آل البيت إلى الكفر و الضلال، بل هم من أكثر أهل السنة تعظيماً للسلف الصالح، وكتب الشيخين ابن تيمية و ابن قيم الجوزية شاهدة على ذلك. و لا توجد في كتبهم أيضاً أنهم يدعون لأحمد بن حنبل معجزات الأنبياء، مما يعني أن كاتب المنشور تعمد اتهام الحنابلة بتلك الأباطيل، أو أن المنشور ربما تعرض للتحريف بالزيادة و النقصان فيما بعد قبل تدوين ابن الأثير لتاريخه، بدليل أن اتهام الحنابلة بذلك لا يُوجد في منشور الراضي الذي أورده المؤرخ ابن مسكويه في تجارب الأمم [30]. كما أن ابن الأثير سكت عن هذه الاتهامات الموجهة ضد الحنابلة.
     غير أن أخطر ما في المنشور هو بدايته، التي نصت صراحة على اتهام الحنابلة باعتقاد التشبيه والتجسيم في ذات الله تعالى، وأنهم يُشبهونه بمخلوقاته و هذا طعن فيهم وتشهير بهم، و تنفير منهم، و ازدراء بهم. فهل يتحمل ابن الأثير مسئولية تلك الاتهامات؟ إنه قد يُقال: إنه لا يتحملها، لأنه كان ناقلاً لمنشور الخليفة الراضي بالله، و لم يكن له دخل في كتابة مضمونه. و هذا جواب له وجه من الصحة.
  لكنه – من جهة أخرى- يبقى مسئولاً بدرجة كبيرة عما أورده في المنشور، لأنه ترجّح لديّ أن المنشور الذي ذكره في تاريخه ليس هو المنشور الأصلي الذي أصدره الخليفة الراضي، و أن منشوره قد تعرّض فعلا للتحريف بالزيادة و النقصان. و أما المنشور الأصلي أو القريب منه، فهو المنشور الذي أورده المؤرخ ابن مسكويه في تاريخه، و نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم. من نافق بإظهار الدين، و توثّب على المسلمين، و أكل به أموال المعاهدين، كان قريباً من سخط رب العالمين، و غضب الله، و هو من الضالين. و قد تأمل أمير المؤمنين أمر جماعتكم، و كشف له الخبرة عن مذهب صاحبكم ... زين لحزبه المحظور، و يُدلي لهم حبل الغرور. فمن ذلك تشاغلكم بالكلام في رب العزة، تباركت أسماؤه، و في نبيه، و العرش و الكرسي، و طعنكم في خيار الأمة، و نسبكم شيعة أهل بيت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- إلى الكفر و الضلال، و إرصادهم بالمكاره في الطرقات و المحال، ثم استدعائكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة، و المذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن، ولا تقتضيها فرائض الرحمن وانكاركم زيارة قبور الأئمة –صلوات الله عليهم-، و تشنيعكم على زوارها بالابتداع. و إنكم مع إنكاركم ذلك تتلفقون، و تجتمعون لقصد رجل من العوام ليس بذي شرف، ولا نسب، و لا سبب برسول الله –صلى الله عليه و سلم-، وتأمرون بزيارة قبره، و الخشوع لدى تربته، و التضرع عند حفرته. فلعن الله رباً حملكم على هده المنكرات ما أرداه، وشيطان زينها لكم ما أغواه. و أمير المؤمنين يقسم بالله قسماً جهداً إليه يلزمه الوفاء به لئن لم تنصرفوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنّكم ضرباً وتشريداً، وقتلاً وتبديداً، وليستعملنّ السيف في رقابكم، والنار في محالكم و منازلكم. فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فقد أُعذر من أنذر، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله، عليه يتوكل، و إليه يُنيب» [31] .
   يُلاحظ على هذا المنشور ما يأتي: أولا لا يُوجد فيه المقطع الذي اتهم الحنابلة باعتقاد التشبيه والتجسيم، و التشهير بهم، و هو المقطع الذي أورده ابن الأثير في منشوره. و إنما جاء في منشور مسكويه هذا المقطع: «فمن ذلك تشاغلكم بالكلام في رب العزة، تباركت أسماؤه، و في نبيه، و العرش و الكرسي». فالخلاف واضح و كبير بين المقطعين، و لا يُوجد فيه أي طعن في الحنابلة باعتقاد التشبيه والتجسيم، ولا يُوجد فيه اتهامهم بوصف الله تعالى بصفات بني آدم، و لا فيه اتهام الحنابلة بأنهم يدعون لإمامهم أحمد معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء.
  وثانياً إن منشور ابن مسكويه هو الأصل وليس منشور ابن الأثير، لأن ابن مسكويه كان قريباً زمنياً من سنة إصدار الخليفة الراضي للمنشور سنة 323 هجرية، و ذلك أن ابن مسكويه تُوفي سنة 421 هجرية، وبما أن المصادر لم تذكر سنة ميلاده، ولا كم عاش بالتقريب، فإننا لا نستطيع تحديد الزمن بينه و بين إصدار المنشور بدقة. لكن يمكننا معرفة ذلك بالتقريب بناء على أنه قد عاش معظم حياته في القرن الرابع الهجري، و قد كان صديقاً لعضد الدولة البويهي المتوفى سنة 371 هجرية. و هذا يعني أنه كان كبيراً عندما توفي صديقه هذا، و إلا ما وصل إلى أن يكون صديقاً للملك البويهي عضد الدولة [32] . و هذا خلاف ابن الأثير الذي هو بعيد جداً عن حادثة إصدار الراضي لمنشوره، لأنه ولد سنة 555 هجرية، و تُوفي سنة 630 للهجرة، فالفارق الزمني بينه و بين وفاة ابن مسكويه كبير، و بينه و بين الحادثة أكبر.
  و ثالثاً إنه يُلاحظ على منشور ابن الأثير أنه يتضمن تغليطاً مكشوفاً –لا يُوجد في منشور ابن مسكويه- يتمثل في أنه زعم أن الحنابلة وصفوا الله تعالى بالنزول إلى السماء الدنيا، و هذا تغليط وتلاعب وتحريف، لأن الذي وصف الله تعالى بالنزول ليس الحنابلة، و إنما هو رسول الله-عليه الصلاة و السلام- وصفه بذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم، و نصه: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» [33]، فإنكار النزول هو رفض للشرع و ترك له.
   و رابعاً إنه تبيّن لي أن الزيادة التي ذكرها ابن الأثير في منشوره هي زيادة مُقحمة في النص الأصلي، وليست أصلية فيه، بدليل الشواهد الثلاثة الآتية: أولها يتمثل فيما علقنا به على النصين في: ثانياً، وبينا أن منشور ابن مسكويه هو الأصل، ولا توجد فيه زيادة منشور ابن الأثير.
   و الثاني مفاده أن الزيادة التي وردت في منشور ابن الأثير دون منشور ابن مسكويه، هي زيادة أقحمها بعض خصوم الحنابلة من الأشاعرة أو غيرهم في منشور ابن الأثير، أخذوها من مصدر أشعري هو خطاب كبار علماء أشاعرة بغداد إلى الوزير السلجوقي نظام الملك، الذي أرسلوه إليه على إثر فتنة ابن القشيري سنة 469 هجرية . و مما جاء فيه أنه وصف الحنابلة بأنهم: «أبو إلا التصريح بأن المعبود ذو قدم وأضراس و لهوات وأنامل وإنه ينزل بذاته ويتردد على حمار في صورة شاب أمرد بشعر قطط وعليه تاج يلمع وفي رجليه نعلان من ذهب» [34]. فالتشابه بين النصين كبير جدا، وبعض ألفاظهما واحدة، كالنزول، و الشعر القطط، والرجلين، و النعلين المذهبين. فالمعنى واحد تقريباً، و الغاية واحدة أيضاً، هي اتهام الحنابلة بالتشبيه و التجسيم، و الطعن فيهم، و التشهير بهم.
     و الشاهد الثالث مفاده أن الاتهامات التي وجهها منشور ابن الأثير للحنابلة بأنهم يعتقدون التشبيه، هي اتهامات لا تصح ولا وجود لها في مؤلفات الحنابلة المعتبرة؛ فهم لا يعتقدون التشبيه، ولا التجسيم، ولا التكييف، ولا يُؤوّلون الصفات و لا يُعطلونها، و إنما يثبتون من الصفات ما أثبته الشرع لله تعالى من صفات، واعتقادهم هذا ثابت في كتب أئمة الحنابلة كابن تيمية، وابن قيم الجوزية [35].
     و بناء على ذلك، فهل ابن الأثير هو الذي أقحم تلك الزيادة في المنشور الذي أورده في تاريخه؟ إننا لا نتهمه بذلك، لكن الثابت هو أن المنشور الذي أورده ابن الأثير تعرّض فعلاً للتحريف بالزيادة و النقصان على أيدي خصوم الحنابلة، لتحقيق مكاسب مذهبية. علماً بأن ابن الأثير يبقى مسئولاً عما أورده سواء تم ذلك التحريف بعلمه أو بدون علمه، و كان عليه أن يتحقق مما أورده في منشوره. خاصة و أنه صرّح مراراً بأنه اعتمد على ما كتبه ابن مسكويه في تاريخه تجارب الأمم، و قد أشار أيضاً إلى السنة التي أنهى فيها ابن مسكويه تدوين تاريخه [36] .
  فهل ابن الأثير لم يكن على علم بمنشور ابن مسكويه؟ هذا احتمال وارد، لكنه مُستبعد جداً، بحكم أن الرجل عاد فعلاً إلى كتاب تجارب الأمم و أخذ منه مراراً . و هل كان على علم به، و أغفله و تجاهله عمداً، واختار المنشور المخالف لمنشور مسكويه، لتحقيق مكاسب مذهبية؟ هذا احتمال وارد و قوي جداً. و هل هو الذي تصرف في المنشور الأصلي، و أدخل فيه تلك الزيادات التي ليست منه؟ هذا احتمال وارد نظرياً، و قد تكون له شواهد ترجحه، لكني اعتقد أن هذا مُستبعد جداً في حق ابن الأثير، لأنه كان فاضلاً نبيلاً، كريم الأخلاق [37]، لا يسمح لنفسه بأن يقدم على دلك التحريف المُتعمد . لذا يبدو أنه أورد المنشور خطأ، أو غفل عنه، و أن غيره هو الذي حرّف المنشور، لكنه مع ذلك يبقى مسئولاً في إيراده لذلك المنشور في تاريخه.
   و أما الشاهد الثاني –المتعلق بموقف التعليل و الاتهام و التحامل- فيتعلق بكتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات للقاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي البغدادي (ت 458هجرية)، و مفاده أن ابن الأثير ذكر أنه في سنة 429 هجرية أنكر «العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمنه كتابه من صفات الله، سبحانه وتعالى، المشعرة بأنه يعتقد التجسم، وحضر أبو الحسن القزويني الزاهد بجامع المنصور، وتكلم في ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً». و قال أيضاً -عن المؤلف و كتابه - : «وهو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك، وكان ابن التميمي الحنبلي يقول: لقد خرى أبو يعلى الفراء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء» [38].
   واضح من ذلك أن ابن الأثير اتخذ موقفا مُتشددا من القاضي ابي يعلى-شيخ الحنابلة في زمانه-، واتهمه باعتقاد التشبيه في صفات الله تعالى، بناء على ما دونه في كتابه إبطال التأويلات، و على ما نقله عن أبي محمد رزق الله بن التميمي الحنبلي البغدادي (ت 488 هجرية)، فيما قاله عن القاضي ابي يعلى. فهل أصاب فيما ذهب إليه؟
   أولا إنه-أي ابن الأثير- ذكر أن العلماء أنكروا على أبي يعلى، و هذا تعميم لا يصح، لأن الذين أنكروا عليه ذلك هم الأشاعرة، و هم من بعض علماء بغداد و ليسوا هم علمائها. و كان القاضي أبو يعلى قد صنف كتابه إبطال التأويلات رداً على المتكلم الأشعري ابن فورك الأصفهاني (ت 406هجرية) في تأويله للصفات على طريقة المؤولين و المعطلين لها، فرد عليه أبو يعلى بكتابه إبطال التأويلات لأخبار الصفات [39]؛ فأنكر عليه علماء من الأشاعرة ببغداد، و اتهموه بالتشبيه و التجسيم. لذا فإن قول ابن الأثير: «و فيها أنكر العلماء على أبي يعلى» هو قول مبالغ فيه، و لا يُعبر عن الحقيقة، و لا يصح تعميمه .
    و ثانيا إن ابن الأثير ذكر الخبر موجزاً، وجمع فيه بين حادثتين منفصلتين متعلقتين بكتاب أبي يعلى، أنكر فيهما الأشاعرة على الرجل ما دوّنه في كتابه. و ذلك أن الإنكار الأول حدث سنة 429 هجرية، ثم تكرر ثانية في سنة 432 هجرية، فتدخل الخليفة القائم بأمر الله العباسي ( 422-467 للهجرة)، و طلب الكتاب من أبي يعلى، فنظر فيه ثم رده إلى صاحبه، و كتب في ذلك محضرا وقّع فيه جمع من علماء بغداد من الأشاعرة و الحنابلة وأهل الحديث، و قعوا على المحضر بالموافقة على ما في كتاب أبي يعلى، منهم القاضي الأشعري أبو بكر الطيب الطبري. و كان الزاهد أبو الحسن القزويني (ت 442 هجرية) أول الموقعين، فكتب «هذا قول أهل السنة، وهو اعتقادي، وعليه اعتمادي»، ثم أخرج الخليفة القائم الاعتقاد القادري –الذي كان والده القادر بالله قد كتبه-  أخرجه تأييداً و موافقة لمذهب أبي يعلى الفراء[40].
    فالمؤرخ ابن الأثير أغفل أموراً هامة تتعلق بحادثة إنكار علماء من الأشعرية على أبي يعلى الفراء، كان عليه أن يذكرها ولا يغفلها، لأنها هامة جداً، و تتعلق مباشرة بالموضوع. فهو قد عمم الإنكار و جعله يشمل علماء بغداد من دون تمييز لهم ولا تحديد، ثم أغفل موقفهم الأخير الذي وافقوا فيه على المحضر، على اختلاف مذاهبهم. فكان عليه أن يذكر ذلك، و يُعلّق عليه إن كان لديه تعليق أو اعتراض. و هو قد فعل بعض ذلك –دون توسع- عندما أشار إلى ما قاله الزاهد القزويني، فأورد نصه، و عقّب عليه بقوله: «تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً».

    و ثالثاً إنه من أسباب إنكار ابن الأثير-و غيره من أهل العلم- على القاضي أبي يعلى و اتهامه بالتجسيم، هو أنه  قد بالغ في إثبات الصفات معتمداً على أحاديث تُوهم التشبيه، و بعضها صريح في ذلك، و هي من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة، كحديث الإسراء و المعراج الذي فيه إن الرسول –عليه الصلاة و السلام- رأى ربه عياناً، و هو حديث موضوع باتفاق أهل العلم [41].
    و مع ذلك فإنه –أي أبو يعلى- لم يكن يعتقد التشبيه و لا التجسيم – وفق مفهوم أهل الحديث- و له مصنفات في الرد على المجسمة و المشبّهة، و قد دافع عنه ولده أبو الحسين، -صاحب الطبقات- و بيّن عقيدة والده في مسألة صفات الله تعالى، وبرّأه مما اُتهم به. من ذلك أنه ذكر أن والده كان يعتقد في الله تعالى بأنه «فرد الذات متعدد الصفات لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا نظير ولا ثاني»، والحنابلة سمعوا قوله عز وجل: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) (سورة البقرة/1-3) فآمنوا بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً للقدرة وتصديقاً للرسل وإيماناً بالغيب ... واعتقدوا: أن الباري سبحانه استأثر بعلم حقائق صفاته ومعانيها عن العالمين وفارق بها سائر الموصوفين، فهم بها مؤمنون وبحقائقها موقنون وبمعرفة كيفيتها جاهلون، لا يجوز عندهم ردها كرد الجهمية ولا حملها على التشبيه كما حملته المشبهة الذي أثبتوا الكيفية، ولا تأولوها على اللغات والمجازات كما تأولتها الأشعرية. فالحنبلية لا يقولون في أخبار الصفات بتعطيل المعطلين ولا بتشبيه المشبهين ولا تأويل المتأولين مذهبهم: حق بين باطلين وهدى بين ضلالتين: إثبات الأسماء والصفات مع نفي التشبيه والأدوات» [42].
  فهذا نص صريح ينفي عن القاضي أبي يعلى الفراء ما اتهمه به خصومه، لكن الخلل دخله من أنه كان ضعيفاً في علم الحديث، لا يُميّز بين صحيح الأحاديث من سقيمها، فروى الضعيف و الواهي و الموضوع دون تمييز، و بنى عليه كتابه [43]. لذا فإن كتابه هذا يجب الحذر منه عند الاستفادة منه، و لا يُؤخذ بأحاديثه و نصوصه إلا بعد تحقيقها. علماً بأن الانتقادات التي وُجهت لأبي يعلى الفراء، سببها الخطأ في تطبيق المنهج، وليس سببها فساد المنهج و خطئه، فمنهجه صحيح شرعاً و عقلاً، و قد أشار إلى ذلك القاضي أبو يعلى فيما نقله عنه ولده أبو الحسين.
    و أُشير هنا إلى أمر هام جداً مفاده أن السبب الرئيسي الذي جعل ابن الأثير يتخذ موقفاً متشدداً من أبي يعلى و كتابه، هو الاختلاف في تحديد مفهوم التشبيه بين الأشاعرة، و الحنابلة- و أهل الحديث عامة-، فالتشبيه عند الحنابلة و أصحاب الحديث هو أن يُقال: يد الله كيد الإنسان، و سمعه كسمعه، و أما إذا قيل: لله يد ليست كيد الإنسان، و بصره ليس كبصره، فهذا ليس تشبيهاً. و أما الأشاعرة فالتشبيه عندهم هو إثبات الصفات الخبرية التي وردت في الكتاب و السنة، كالاستواء على العرش، والنزول، ولا يعدون الصفات السبع التي أثبتوها تشبيهاً [44].
    و قد كان لهذا الاختلاف في مفهوم التشبيه بين الأشاعرة و أهل الحديث، الأثر السيئ  في علاقة الطرفين فيما بينهما، و في اشتداد النزاع و تطوّره إلى مواجهات دامية. من ذلك أنه عندما قرأ الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي (ت 600هجرية)  شيئاً من أحاديث الصفات من صحيح البخاري بالجامع الأموي بدمشق، تألب عليه جماعة من الأشاعرة، واتهموه بالتشبيه و التجسيم، و رفعوا أمره إلى والي دمشق، الذي أمر بنفيه من دمشق [45]. فالحافظ لا يرى تشبيهاً في قراءة أحاديث البخاري في الصفات، وهم يرونها تشبيهاً و تجسيماً! و لا شك أن المفهوم الصحيح لمعنى التشبيه هو ما ذهب إليه أهل الحديث و ليس الأشاعرة، لأن مفهومهم –أي أهل الحديث- مأخوذ من قوله تعالى: «ليس كمثله شيء و هو السميع البصير»  (الشورى/11)، فهو سبحانه سميع بصير، لكن صفاته لا تشبه صفات مخلوقاته .  
    و أما الشاهد الثالث – بالمتعلق بالتعليل و الاتهام- فيخص توبة المتكلم أبي الوفاء بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت 513هجرية)، و مفاده أن ابن الأثير ذكر أن ابن عقيل اشتغل في حداثة سنه على المتكلم المعتزلي أبي الوليد البغدادي، فأراد الحنابلة قتله، فاستجار  بحي باب المراتب من بغداد عدة سنين، ثم أظهر التوبة حتى تمكن من الظهور [46] .
     و معنى ذلك أن ابن الأثير علل إظهار ابن عقيل التوبة، بأنه فعل ذلك ليخرج مما هو فيه، و يسترجع حريته، و يعيش حياة طبيعة، و تعليله هذا وارد نظرياً و قد يكون مقبولاً، لكن توجد احتمالات أخرى مقبولة هي أيضاً، كأن يُقال : إن إحساس ابن عقيل بالذنب لما أحدثه من شقاق، و نزاع، و اقتتال بين أصحابه ربما كان من أسباب توبته. كما أن خوفه على نفسه من أن يُقتل – بعدما أهدر أصحابه دمه، و اشتدوا في طلبه- قد يكون من أسباب توبته أيضاً. كما أنه ربما كان –أثناء المحنة و بفعلها- قد تخلص من انبهاره بالفكر المعتزلي، فتبين له تهافته، و أنه كان مُخطئاً فيما ذهب إليه، و أن الصواب ما عليه أصحابه و أهل الحديث، فوضع حداً لمحنته التي دامت خمس سنوات، و رجع إلى طائفته. و كل هذه التعليلات و الاحتمالات ممكنة نظرياً، لكنها تحتاج إلى شواهد تاريخية تثبتها كلها، أو بعضها، و ابن الأثير ذكر تعليله دون أن يُقدم شاهداً صحيحاً و لا ضعيفاً لتدعيم رأيه.
       لذا فإن تعليل ابن الأثير ضعيف، بل ولا يصح، لأنه مخالف لما ذكره ابن عقيل سبباً في توبته من جهة، والقول بخلافه هو تكذيب لما ذكره الرجل عن نفسه من جهة ثانية، و طعن فيه بأنه أظهر خلاف ما يُخفيه عن حقيقته من جهة ثالثة. و بما أن الاعتراف هو سيد الأدلة، فإن ابن عقيل ذكر صراحة سبب توبته في النص الذي كتبه في سبب توبته و رجوعه إلى أصحابه، و هذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم. يقول على بن عقيل بن محمد: إني ابرأ الى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره و من صحبه أربابه وتعظيم أصحابه والترحم على أسلافهم، وما كنت علقته و وجد خطى به من مذاهبهم وضلالاتهم، فأنا تائب الى الله تعالى من كتابته وأنه لا تحل كتابته و لا قراءته ولا اعتقاده، وأني علقت مسألة الليل في جملة ذلك، و أن قوماً قالوا هو أجسام سود، و قلت الصحيح ما سمعت من الشيخ أبي علي،  و أنه قال هو عدم و لا يسمى جسماً و لا شيئاً أصلاً، و اعتقدت في الحلاج أنه من أهل الدين، والزهد، والكرامات، ونصرت ذلك في جزء عملته، و أنا نائب الى الله تعالى منه، و أنه قتل بإجماع فقهاء عصره، و أصابوا في ذلك و أخطأ هو، و مع ذلك فاني أستغفر الله تعالى وأتوب اليه من مخالطة المبتدعة والمعتزلة وغيرهم، و مكاثرتهم، و الترحم عليهم، و التعظيم لهم، فإن ذلك كله حرام، و لا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم - من عظم صاحب بدعة فقد اعان على هدم الإسلام [47]- وقد كان الشريف أبو جعفر ومن معه من الشيوخ والأتباع ساداتي و إخواني حرسهم الله مصيبين في الانكار عليّ لما شاهدوه بخطى في الكتب التي أبرأ الى الله تعالى منها، و أتحقق أني كتبتُ مخطئا وغير مصيب، و متى حُفظ على ما ينافي هذا الخط وهذا الاقرار فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال، و إبعاد وغير ذلك، غير مجبر و لا مكره، وباطني وظاهري يعلم الله تعالى في ذلك سواء. قال الله تعالى: «ومن عاد فينتقم الله منه و الله عزيز ذو انتقام» (سورة المائدة/45). وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين و أربعمائة» [48] .
  فهذا النص شاهد على أن ابن عقيل اعترف صراحة، بأنه كان يقول بكذا، و هو الآن تبين له خطؤه فيما ذهب إليه من موقفه من التأويل، و المعتزلة و الحلاج، وعليه فهو قد تاب عن ذلك و غيّر موقفه، و عاد إلى مذهب أصحابه عن اقتناع، من دون إكراه و لا إجبار، و هو يقول بذلك ظاهراً و باطناً. فالرجل باعترافه هذا  قد وضع حداً للتأويلات و التخمينات التي يمكن تُقال عن سبب توبته. و يزيد ذلك تأكيداً و قوة حال ابن عقيل بعد توبته، فلم يعد إلى مذهب المعتزلة، و لا إلى مذهب المؤولين الآخرين، و إنما انتصر لمذهب الحنابلة و أهل الحديث، و لزم السنة المحضة في آخر أمره [49] .
     و أما الشاهد الرابع-الخاص بالتعليل و الاتهام و التحامل- فيتعلق بالحافظ المؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597هجرية)، و مفاده أن المؤرخ ابن الأثير انتقد ابن الجوزي، و وصفه بأنه كان كثير الوقيعة في الناس، ولاسيما العلماء من المخالفين لمذهبه والموافقين. و ذكر أيضاً أن ابن الجوزي ألف كتاباً سماه: تلبيس إبليس، لم «يُبق فيه على أحد من سادة المسلمين و صالحيهم» [50].
  و انتقده أيضاً عندما ترجم لأبي سعد السمعاني المروزي الشافعي (ت 563هجرية)، في كتابه المنتظم، فذكر عن ابن الجوزي أنه قال عن السمعاني: «فمن جملة قوله فيه أنه كان يأخذ الشيخ ببغداد ويعبر به إلى فوق نهر عيسى فيقول: حدثني فلان بما وراء النهر. وهذا بارد جداً فإن الرجل سافر إلى ما وراء النهر حقاً، وسمع في عامة بلاده من عامة شيوخه، فأي حاجة به إلى هذا التلبيس البارد؟ وإنما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي، وله أسوة بغيره، فإن ابن الجوزي لم يبق على أحد إلا مكسري الحنابلة» [51] .
   واضح من كلامه أنه يتهم ابن الجوزي بالتعصب، و التدليس، و التحامل على أهل العلم، و الوقيعة فيهم. فهل كل ما قاله صحيح؟ إن كلامه في ابن الجوزي مُبالغ فيه جداً، و فيه حق و باطل أيضاً، لأنه أولاً تناقض مع نفسه عندما ذكر أن ابن الجوزي كان كثير الوقوع في الناس، لاسيما العلماء من الموافقين لمذهبه و المخالفين له، و أنه لم يُبق على أحد من سادة المسلمين وصالحيهم، ثم عاد وقال: إنه لم يُبق على أحد إلا مكسري الحنابلة، فهذا تناقض واضح.
  و ابن الأثير قد أصاب عندما ذكر أن ابن الجوزي قد وقع في كثير من الناس، فهو حقا قد انتقد كثيراً منهم في بعض كتبه، كالمنتظم، و تلبيس إبليس، وصيد الخاطر، لكنه من جهة أخرى كان كثير الثناء على الأعيان، وأهل العلم من الحنابلة، و الشافعية، و المالكية، و الحنفية، و هم كثيرون جدا، و قد أحصيت منهم العشرات من غير الحنابلة، كمطرف بن الحسين(ت379هجرية)، و إسماعيل بن أحمد الحريري(ت431هجرية)، و عبد الرحمن بن أحمد النويري الشافعي (ت496هجرية)، و غير هؤلاء كثير جدا[52] .
   و كما أن ابن الجوزي انتقد العلماء من غير الحنابلة، فهو أيضاً انتقد علماء من الحنابلة، و هذا قد أشار إليه ابن الأثير نفسه، عندما ذكر أنه في سنة 583 هجرية تُوفي عبد المغيث بن زهير البغدادي، وكان من أعيان الحنابلة، وقد صنف كتاباً في فضائل يزيد بن معاوية، أتى فيه بالعجائب، و قد رد عليه ابن الجوزي، و كانت بينهما عداوة [53] . و من الحنابلة الذين انتقدهم أيضاً: الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي (ت561هجرية)، والمتكلم صدقة بن الحسين البغدادي (ت573 هجرية)[54] .
    و أما انتقاد ابن الأثير لابن الجوزي فيما ذكره في كتابه تلبيس إبليس، فالأمر يحتاج إلى بيان و تفصيل، و ذلك لأنه أولا إن ابن الجوزي أفرد كتابه هدا لانتقاد العلم و العلماء، و عنوانه شاهد على ذلك . فمن الطبيعي جداً أن يأتي كتابه مملوءً بانتقاد مختلف طوائف أهل العلم، وهذا الذي فعله ابن الجوزي في كتابه هذا. وكان يُؤيد انتقاداته بالأدلة و الشواهد الكثيرة و المتنوعة، و هذا أمر ثابت لا يحتاج إلى توثيق، فالكتاب مملوء بذلك من بدايته إلى نهايته.
   و ثانيا ليس صحيحاً أن ابن الجوزي-في كتابه تلبيس إبليس- لم يُبق على أحد من سادة المسلمين وصالحيهم. فمع أنه خصصه لانتقاد العلم و أهله، فإنه كثيراً ما أثنى على من يستحق الثناء من أهل العلم و الدين، ونوّه بمواقفهم و فضائلهم. فمن ذلك أنه أثنى على السلف الذين جمعوا بين معرفة المهم من الدين و الفقه فيه، وطلب الحديث النبوي، كيحيى بن معين، و ابن المديني، و البخاري، و مسلم[55] .
   و مدح أيضاً الفقهاء المتقدمين الذين جمعوا بين العلم بالقرآن و السنة النبوية، وهذا خلاف المتأخرين الذين لم يجمعوا بين ذلك. و أثنى على كبار أعيان السلف المتصفين بالتواضع، وعدم الافتخار بالعلم، كإبراهيم النخعي، و مالك بن أنس، و أحمد بن حنبل[56] .
    و فعل مثل ذلك حتى مع الصوفية، الذين أكثر من انتقادهم، وأفرد قسماً كبيراً من كتابه لانتقادهم. فمن ذلك أنى أثنى على كبار أعيان الصوفية الذين حثوا على التمسك بالكتاب و السنة، و نوّه بموقفهم هذا، كأبي القاسم الجنيد (ت 298هجرية)، و أبي يزيد البسطامي (ت 261هجرية)، وأبي الحسن النوري (ت 295هجرية)، ثم قال ابن الجوزي: «و إذ قد ثبت هذا من أقوال شيوخهم ووقعت من بعض أشياخهم غلطات لبعدهم عن العلم، فإن كان ذلك صحيحاً عنهم توجه الرد عليهم إذ لا محاباة في الحق، وإن لم يصح عنهم حذرنا من مثل هذا القول وذلك المذهب من أي شخص صدر» [57] .
  و كتابه تلبيس إبليس شاهد أيضاً على أن ابن الجوزي لم يخص المتقدمين بالمدح و الثناء دون غيرهم، فقد مدح أيضاً بعض أعيان عصره، عندما قال: «فقد رأيتُ الفضلاء من علماء الأمصار، فإنهم ما سلكوا هذه الطريقة، و إنما تشاغلوا بالعلم أولاً»، و لم يسلكوا الطريق الذي دعا إليه أبو حامد الغزالي في التعبد على طريقة الصوفية [58] .
  و أما انتقاد ابن الأثير لابن الجوزي في موقفه من الحافظ أبي سعد السمعاني، فهو انتقاد صحيح و في محله، لأن السمعاني لم يكن في حاجة إلى ذلك التدليس، لأنه سافر فعلاً إلى بلاد ما وراء النهر. لكن من جهة أخرى يصعب تكذيب ابن الجوزي فيما رواه عنه، فهل يسمح لنفسه أن يتعمد الكذب عليه، ويذكر الخبر بصيغة التأكيد لا التمريض؟ و إذا افترضنا أنه تعمد الكذب عليه، أليس في إمكان أهل بغداد كشفه و فضحه؟ و ألم يستحي و يخاف من افتضاح أمره في تعمده الكذب عليه؟ و ألم يخف الله تعالى في تعمده للكذب على السمعاني؟ كلّ هذا يجعلني أرجح صحة الخبر عن بطلانه. وما جاء عن السمعاني فهو ربما فعله مع بعض أهل العلم من باب التمثيل و الحكاية و التنكيت؛ ولم يكن هدفه التمويه و التدليس، لأن ما فعله ليس تدليساً في حقه لأنه رحل فعلاً إلى بلاد ما وراء النهر . فجاء ابن الجوزي و حمل تصرفه على الحقيقة. فلعله أخطأ، أو نسي، أو اختلط عليه الأمر، لأن ما رواه أن السمعاني فعله كان ظاهرة منتشرة بين أهل الحديث في بغداد، فقال عنها ابن الجوزي: «كان دخل إلينا إلى بغداد بعض طلبة الحديث وكان يأخذ الشيخ فيقعده في الرقة وهي البستان الذي على شاطئ دجلة فيقرأ عليه و يقول في مجموعاته: حدثني فلان وفلان بالرقة ويوهم الناس أنها البلدة التي بناحية الشام ليظنوا أنه قد تعب في الأسفار لطلب الحديث. وكان يقعد الشيخ بين نهر عيسى والفرات، و يقول: حدثني فلان من وراء النهر، يوهم أنه قد عبر خراسان في طلب الحديث وكان يقول: حدثني فلان في رحلتي الثانية والثالثة ليعلم الناس قدر تعبه في طلب الحديث، فما بورك له ومات في زمان الطلب» [59] .
   و أما الشاهد الأخير- الخامس من موقف التعليل و الاتهام- فيتعلق بفتنة حدثت بمدينة مرو من بلاد خُراسان، رواها ابن الأثير في تاريخه، و مفادها أن الوزير الخوارزمي نظام الملك مسعود بن علي الشافعي (ت596هجرية) بنى للشافعية جامعاً بمرو «مشرفاً على جامع الحنفية، فتعصب شيخ الإسلام وهو مقدم الحنابلة بها، قديم الرياسة، وجمع الأوباش، فأحرقه. فأنفذ خوارزم شاه فأحضر شيخ الإسلام وجماعة ممن سعى في ذلك، فأغرمهم مالاً كثيراً» [60].
     واضح من هذه الحادثة أن الحنابلة كانوا متعصبين مثيرين للفتن و القلاقل، فهل هذا صحيح؟ إن دورهم في هذه الفتنة لم يثبت، بل و لا يصح، و إنما ابن الأثير وَهَم فيما رواه، فلعله سهى، أو أخطأ فيما حكاه، و الشواهد الآتية تثبت ما ذهبت ُإليه:
    أولها إن الخبر –الذي رواه ابن الأثير- نفسه شاهد على وجود خلل فيه، و ذلك أنه نصّ على أن جامع الشافعية الجديد كان مُشرفاً على جامع للحنفية، ثم يقول مباشرة: «إن مقدم الحنابلة تعصب، وجمع الأوباش و أحرقه»، فما دخل الحنابلة هنا، و الجامع ليس جامعهم؟ فالمفروض أن الحنفية هم الذين يتحركون لمواجهة الأمر لأن الجامع لهم، و ليس الحنابلة .
  و الثاني- أي الشاهد- أنه لم يكن للحنابلة أي وجود جماعي بمدينة مرو في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، بدليل أننا لا نجد لهؤلاء الحنابلة ذكرا في طبقات الحنابلة، ولا في كتب التراجم والتواريخ[61] .
  و الشاهد الثالث مفاده أن المؤرخ ابن كثير – روى ما قاله ابن الأثير- أشار إلى أن السلطان علاء الدين خُوارزم شاه الحنفي (ت596هجرية ) أغرم الذين أحرقوا الجامع أموالاً مقدار ما صُرف في بنائه [62]. وهذه عقوبة خفيفة لا تتناسب مع الجرم الذي أرتكبه الذين أحرقوا جامع الشافعية، و المفروض أن عقوبتهم تكون أكبر من ذلك، لتكون عقوبة شديدة و رادعة لهم ولغيرهم، وتتناسب مع الجرم الذي فعلوه. لكن ذلك لم يحدث، فلماذا؟ يبدو أن السبب في ذلك هو تعاطف السلطان معهم، فخفف عنهم العقوبة، لأنهم كانوا على المذهب الحنفي مثله. فلو كانوا على غير مذهبه فأغلب الظن أنه لا يتسامح معهم، وسيعاقبهم أكير مما عاقب به هؤلاء الحنفية الذين أحرقوا جامع الشافعية.
     و آخرها- الشاهد الرابع- مفاده أن تاج الدين السبكي الشافعي أشار إلى تلك الفتنة- التي رواها ابن الأثير- بمدينة مرو، و ذكر أنها حدثت بين الحنفية والشافعية، وأن الحنفية هم الذين تعصبوا على الشافعية عندما بنوا جامعاً لهم مُشرفا على جامع الحنفية، فحدثت فتنة بينهم كادت بها «الجماجم تطير عن الغلاصم»، ولم يذكر الحنابلة أصلاً [63].
   و ختاماً لهذا البحث، يتبين أن المؤرخ ابن الأثير لم يكن حيادياً مُنصفاً في كل مواقفه من الحنابلة، التي وردت في تاريخه، فمنها مواقف سكت فيها عن أعمالهم، واكتفى بذكرها دون أي تعليق. ومنها مواقف أنصفهم فيها، وذكر حقيقة ما حدث بينهم و بين خصومهم. ومنها مواقف كثيرة انتقدهم فيها، وتحامل عليهم فيها، فجانب الصواب في تبنيه لها، بسبب خلفيته المذهبية الأشعرية، فوصفهم بالتعصب واعتقاد التشبيه و التجسيم في صفات الله تعالى. فساهم بذلك في الترويج لمقولة: إن الحنابلة متعصبون مجسمون، مُثيرون للفتن، ومعتدون على الطوائف السنية الأخرى. و هذه المقولة مُلاحظ أنها كثيرة الانتشار بين أهل العلم، وقد تلقوها عن ابن الأثير من خلال ما دوّنه عن الحنابلة في تاريخه. مع أن الحقيقة خلاف ذلك، و لا يصح من تلك المقولة إلا القليل، فلم يكن الحنابلة مُجسمة و لا مُشبهة، والفتن التي رُوي أنهم أثاروها، شاركتهم في إثارتها طوائف أخرى، كانت هي أيضاً أكثر منهم تعصباً واعتداء، واثارة للفتن على امتداد التاريخ الإسلامي[64] .
تم و لله الحمد
 

  الهوامش :

[1] ابن الأثير : الكامل في التاريخ، ط2، حققه عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995،ج 7، ص: 8، 9 .
[2] نفسه، ج 7، ص: 8، 9 . 
[3] الذهبي: تذكرة الحفاظ، د ن، بيروت، دت  ج 2 ص: 712 . و ابن كثير : البداية، مكتبة المعارف – بيروت، د ت، ج 11 ص: 166 . و ابن حجر : لسان الميزان، ط 2، مؤسسة الأعلمي  للمطبوعات – بيروت ، 1406 - 1986 ج 5 ص: 102 . 
[4] ابن الجوزي : المنتظم، ط 1 دار صادر - بيروت ، 1358، ج 6 ص: 159، 172 .
[5] نفس المصدر، ج 6 ص: 159 .
[6] نفسه، ج 6 ص: 159 .
[7] أبو الفدا : المختصر في أخبار البشر، دار الكتاب اللبناني، بيروت، د ت، مج 1، ج 3 ص: 90 .
[8] ابن كثير : البداية و النهاية، ج 11، ص: 167  .
[9] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 8، ص: 413، 417 .
[10] ابن عساكر : تبيين كذب المفتري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404، ص: 310 و ما بعدها .
[11] أبو الحسين بن أبي يعلى : طبقات الحنابلة، حققه محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1962،ج 2 ص:239 . و ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 305 . و الذهبي : سير أعلام النبلاء، حققه شعيب الأرناؤوط، و آخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1982، ج 19، ص: 425 . و ابن كثير : البداية و النهاية، ج 12 ص: 115 . و ابن خلدون : كتاب العبر، دار الكتاب العربي، بيروت، 1957، مج 3القسم 5، ص: 980 . و السيوطي : تاريخ الخلفاء، ط 1،  مطبعة السعادة – مصر، 1371هـ - 1952م ص: 442 .
[12] ابن تيمية : مجموع الفتاوى، جمع و ترتيب ابن قالسم، مكتبة المعارف، الرباط،د ت،  ج 6 ص: 54 .
[13] ابن الأثير : الكامل في التاريخ، ج 8 ص: 428 .
[14] ابن الجوزي: المصدر السابق، ج 9 ص: 3-4 . و ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب، حققه محمود الأرناؤوط، ط 1، دار ابن كثير، بيروت، 1989، ج 5 ص: 329، 330 .
[15] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 7 ص: 8-9  .
[16] ابو الحسين بن أبي يعلى : المصدر السابق، ج 1 ص: 64  .
[17] بدر الدين الحنبلي : مختصر فتاوى ابن تيمية، حققه عبد المجيد سليم، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت، ص: 614 .
[18] ابن كثير : المصدر السابق، ج 11، ص: 326 .
[19] ابن رجب : المصدر السابق، ج 1 ص: 189 .
[20] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 7 ص: 57 .
[21] ابن كثير : المصدر السابق، ج 11، ص: 162 .
[22] البخاري: الصحيح،دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، 1407 - 1987 ج 2 ص: 536، ج4 ص: 174 . و أحمد بن حنبل : المسند، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ج 3، ص: 244 . و ابن خزيمة : كتاب التوحيد ، 1978، دار الكتب العلمية، بيروت، ص: 305-306 . و ابن كثير : تفسير القرآن العظيم، ط1، دار الأندلس، بيروت، 1966، ج 4 ص: 335 .
[23] ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب، ج " ص: 313 .
[24] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 8 ص: 325 .
[25] ابن تيمية : مجموع الفتاوى، ج 22، ص : 275 .
[26] نفس المصدر، ج 21 ص: 153 .
[27] ابن تيمية : الفتاوى الكبرى، ج 2 ص: 41 .
[28] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 7 ص: 113 .
[29] نفسه، ج 7 ص : 113-114 .
[30] سيأتي ذكره قريبا .
[31] ابن مسكويه : تجارب الأمم، حققه آمدروز، د ن، القاهرة، 1914، ج 1، ص: 322-323 .
[32] القفطي : اخبار العلماء بأخبار الحكماء، دن، دم ن، د ت،  ص: 142 .
[33] البخاري: الصحيح، ج 1 ص: 384 . و مسلم : الصحيح، ج 1 ص: 521 .
[34] ابن عساكر : تبيين كذب المفتري، ط 3، دار الكتاب العربي - بيروت ، 1404  ص: 311 .
[35] سنوثق ذلك لاحقا من هذا المبحث .
[36] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 7 ص: 71، 88، 389 .
[37] ابن العماد الحنبلي : شذرات، ج 7 ص: 241، 242 .
[38] ابن الأثير : المصدر السابق، ج 8 ص: 228، 378 .
[39] ابن تيمية : مجموع الفتاوى، ج 6 ص: 54 .
[40] أبو الحسين ابن أبي يعلى : طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 197، 198 .
[41] ابن تيمية : منهاج السنة النبوية، ط 1، تحقيق : د. محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، ج 2 ص: 634، 636 . 1406
[42] أبو الحسين بن أبي يعلى : المصدر السابق، ج 2 ص: 208، 209 .
[43] الذهبي : سير أعلام النبلاء، ج 18 ص: 90 . و الصفدي صلاح الدين  : الوافي بالوفيات، حققه س. د . رينغ، المطبعة الهاشمية، دمشق، 1959،ج 4 ص: 864 .
[44] خالد كبير علال : الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث،ط 1، دار الإمام مالك، الجزائر، 2005، ص: 188 .
[45] الذهبي: السير، ج 21 ص: 464 .
[46] الكامل، ج 9 ص: 190 .
[47] الحديث ضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني . السلسلة الضعيفة، مكتبة المعارف، الرياض ن دت، ج 4 ص: 340، الحديث رقم : 1862 .
[48] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 275-276 . و ابن رجب البغدادي: الذيل على طبقات الحنابلة، حققه سامي الدهان، و هنري لاوست، المعهد الفرنسي، دمشق، 1951، ج 1 ص: 145 .
[49] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 4 ص: 164 . و خالد كبير علال : الأزمة العقيدية، ص: 151 .
[50] ابن الأثير : الكامل، ج 9 ص: 260، ج 10 ص: 276 .
[51] نفس المصدر، ج 10 ص: 9 .
[52] أنظر مثلا : المنتظم، ج 2 ص: 449، ج 3 ص: 16، 17، 45، 322، 428، 469، 476،  ص:  ج 4 ص: 67، 173، 264، 382، ج 5 ص: 45، 76 .
[53] الكامل، ج 10 ص: 165 .
[54] ابن الجوزي : المنتظم، ج 10 ص: 277 . و ابن رجب البغدادي : الذيل على طبقات الحنابلة، ج 1 ص: 172 .
[55] ابن الجوزي : تلبيس إبليس، ص: 140 .
[56]  نفس المصدر، 140، 145 .
[57] نفس المصدر، ص: 209 .
[58] نفس المصدر، ص: 393 .
[59] نفس المصدر، ص: 142 .
[60] الكامل في التاريخ، ج 10 ص: 267  .
[61]  لقد تأكدت من ذلك بنفسي، من خلال مراجعة طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، و الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب، و سير أعلام النبلاء للذهبي، و المنتظم لابن الجوزي، و  شذرات الذهب لابن العاماد الحنبلي .، و غيرها من التواريخ . 
[62] البداية و النهاية، ج 13 ص: 23،28 .
[63] تاج الدين السبكي : طبقات الشافعية الكبرى، حققه محمود الطناجي، و محمد الحلو، ط 2، هجر للطباعة و النشر، الجيزة، 1992، ج 7 ص: 296 .
[64] انظر مثلا : خالد كبير علال : الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث، ص: 21 و ما بعدها، و 171 و ما بعدها  .

مصادر البحث و مراجعه :
أولا المصادر :
1- ابن أبي يعلى أبو الحسين: طبقات الحنابلة، حققه محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1962 .
2- ابن الأثير : الكامل في التاريخ، ط2، حققه عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995 .
3-ابن تيمية : مجموع الفتاوى، جمع و ترتيب ابن قالسم، مكتبة المعارف، الرباط،د ت  .
 4-ابن تيمية : منهاج السنة النبوية، ط 1، تحقيق : د. محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، 1406 .
5-ابن الجوزي : المنتظم، ط 1 دار صادر - بيروت ، 135 .
6-ابن حجر : لسان الميزان، ط 2، مؤسسة الأعلمي  للمطبوعات – بيروت، 1406 – 1986.
7- ابن حنبل أحمد : المسند، مؤسسة قرطبة، القاهرة، د ت.
8- ابن خزيمة : كتاب التوحيد ، 1978، دار الكتب العلمية، بيروت .
9- ابن خلدون : كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر، دار الكتاب العربي، بيروت، 1957 .
10-ابن رجب البغدادي: الذيل على طبقات الحنابلة، حققه سامي الدهان، و هنري لاوست، المعهد الفرنسي، دمشق، 1951 .
11-ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب، حققه محمود الأرناؤوط، ط 1، دار ابن كثير، بيروت، 1989  .
12-ابن عساكر : تبيين كذب المفتري، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404 .
13- ابن كثير : البداية و النهاية، مكتبة المعارف – بيروت، د ت .
 14-ابن كثير : تفسير القرآن العظيم، ط1، دار الأندلس، بيروت، 1966 .
15-ابن مسكويه : تجارب الأمم، حققه آمدروز، د ن، القاهرة، 1914.
16-أبو الفدا : المختصر في أخبار البشر، دار الكتاب اللبناني، بيروت، د ت .
17-البخاري: الجامع الصحيح،دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، 1407 - 1987 .
 18-بدر الدين الحنبلي : مختصر فتاوى ابن تيمية، حققه عبد المجيد سليم، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت  .
19-تاج الدين السبكي : طبقات الشافعية الكبرى، حققه محمود الطناجي، و محمد الحلو، ط 2، هجر للطباعة و النشر، الجيزة، 1992  .
20-الذهبي شمس الدين : تذكرة الحفاظ، د ن، بيروت، دت .
21-الذهبي شمس الدين: سير أعلام النبلاء، حققه شعيب الأرناؤوط، و آخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1982.
22-السيوطي : تاريخ الخلفاء، ط 1،  مطبعة السعادة – مصر، 1371هـ - 1952
 23-الصفدي صلاح الدين  : الوافي بالوفيات، حققه س. د . رينغ، المطبعة الهاشمية، دمشق، 1959 .
- 24القفطي جمال الدين : أخبار العلماء بأخبار الحكماء، دن، دم ن، د ت 
ثانيا المراجع :
25- الألباني ناصر الدين : سلسلة الأحاديث الضعيفة ، مكتبة المعارف، الرياض د ت.
26-خالد كبير علال : الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث،ط 1، دار الإمام مالك، الجزائر، 2005  .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق