الثلاثاء، 23 يوليو 2013

قضية فلسطين امتحان لروح الإنصاف واستقلال الرأي

في ساسة هذا العصر ودوله


بقلم
محب الدين الخطيب
لم يبقَ في قضية فلسطين معنى من معاني الحق إلا وقد انتهى العرب من تنويره لأمم الأرض. فالبريطانيون والأمريكيون مؤمنون بأن فلسطين كانت في سنة 1918 لأصحابها العرب الذين يتوارثونها من عشرات القرون. ويعلمون أن مئات الألوف من اليهود الذين تضج المجتمعات من شراستهم وسوء سلوكهم هبطوا هذه الأرض التي كانوا أجانب عنها، ولو شاؤوا أن يهبطوا الجزائر البريطانية أو الولايات المتحدة الأمريكية ليتوطنوا فيهما ويفعلوا بعض ما فعلوه في فلسطين لقاتلهم البريطانيون والأمريكيون بكل سلاح، ولشردوهم إلى كل صقع، ولكانوا أقسى عليهم من هتلر وموسوليني، ومن كل جلاد أو سفاح خلقه الله.
هذه حقائق لا يمكن أن يشك أو يغالط في صحتها أحد، والقضية المنطوية على هذه الحقائق يوشك أن تعرض على مجلس الأمن الدولي أو على هيئة الأمم المتحدة. والناس يتساءلون الآن عن عدد الأصوات التي يحتمل أن تكون في جانب العرب، وعن الدول التي ينتظر أن تعين اليهود على ما يريدونه من بغي لم يسبق له نظير.
أما العرب فإنهم يعرفون حقهم ويؤمنون به، ويعلمون أن قيام دولة لليهود في الدنيا سيكون شراً مستطيراً على الدنيا، وقد رأى الناس بوادر هذا الشر من قبل أن تقوم في الأرض هذه الدولة الشريرة.
ثم إنهم يعلمون أن قيام الدولة اليهودية في قلب بلاد العرب أعظم كارثة تصاب بها شعوب العرب. وقد انتهينا جميعاً ـ حكومات وشعوباً ـ من تقدير ذلك وتصور نتائجه. وإن من سجايا القومية العربية أن أبناءها يتصفون بالروية والأناة، وبالتبصر قبل العمل. وستنير لهم عقولهم وقلوبهم وعزائمهم طريق العمل متى دقت طبوله ومتى هتفت بهم مشاعرهم لاقتحام العقبات إلى الأهداف.
ومن الآن إلى أن تحين تلك الساعة، فإنهم يرون أن ساسة هذا العصر ودوله وهيئاته الدولية بل حضارة الغرب المسيحي واقفة كلها موقف الامتحان، ليحكم التاريخ حكمه في مبلغ عبوديتها للضغط اليهودي ومبلغ شعورها بروح الإنصاف الإنساني.
إن العرب لا يستجدون الحرية لفلسطين من دول أوروبا، أو من ساسة أمريكا، أو من الهيئات الدولية، فالحق حق لصاحبه وصاحب الحق لا يستجديه. ولكن مائة مليون من الناطقين بالضاد، ومن وارئهم ثلاثمائة مليون آخرين من المؤمنين برسالة محمد بن عبد الله، واقفون الآن موقف الحزم والجد والاستعداد يراقبون رجال الغرب وحكوماته وهيئاته وشعوبه متسائلين: هل آن لهؤلاء أن يتحرروا من تأثير اليهود عليهم، وتوجيههم لهم في غير الطريق الذي تقتضيه مصالحهم، ويحفظون به شرفهم أمام الأجيال الآتية؟
هذا هو الامتحان الذي يجدر بساسة الغرب أن يجتازوه بنجاح نبيل يمحو كثيراً من سيئات الماضي. أما إذا كانت الأخرى، فإن العرب يعلمون أن الشيء من معدنه لا يستغرب، وحينئذ يستقبلون يوماً من أيامهم في التاريخ، ويعرفون عادات الله معهم إذا عزموا وسيكتب لهم التاريخ صفحة ذهبية تضم إلى صفحات أسلافهم الأولين.

صحيفة الفتح العدد 849 ( ذو القعدة، 1366)، ص687

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق